|
جدلية العلاقة بين أحزاب السلطة والطغمة المالية - عدو التنمية والعدالة الإجتماعية
عبد علي عوض
الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 12 - 19:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل أجواء متلبِّدة بغيوم الشد السياسي والطائفي المصحوبة بامطارالفساد والجريمة المنظمة والموالاة لبعض الدول من قِبَل البعض ، مِن الضروري تسليط الأضواء على أحد أهم أركان البناء الاقتصادي ، الذي يلعب دوراً لولبياً في عملية بناء الدولة من خلال فرض شكل وطبيعة النظام السياسي – الاقتصادي وعن طريق القوى السياسية المهيمنة على السلطة ، التي ترتبط عضوياً به ، من منظور وعلى أساس المنفعة المتبادلة للطرفين ، ذلك الركن هو الطغمة المالية المتمثلة بمؤسسات القطاع المالي الخاص . إنَّ الشركات العاملة والفاعلة في عالم المال التي جمعت وكوَّنت رؤوس أموالها بطرق غير مشروعة ( السطو المسلّح ، تجارة المخدرات ، الجريمة المنظمة ، غسيل وتبييض الأموال ) في بداية تكوينها ، كانت وستبقى لها اليد الطولى في خلق الإحتكارات الصناعية العملاقة بما فيها المتخصصة في إستثمار الثروات الطبيعية النادرة ( النفط والغاز والمعادن الثمينة ) ، ومن هنا يجمع هدف واحد نشاط القطاعَين المالي والصناعي هو سلب واستغلال ثروات الشعوب النامية والفقيرة وبدعم من قِبَل النظام السياسي الرسمي للدولة التي ينتمي اليها القطاعان . لذا ليس من الغريب أن نرى كيف أنّ البيت الأبيض يبذل قصارى جهده من أجل تنشيط القطاع المالي الأمريكي ، إذ أنَّ حصة هذا القطاع في تكوين الناتج الإجمالي القومي الأمريكي تتعدى ال 50% !! والقطاع الصناعي يساهم بنسبة 17% ، أما النسبة المئوية المتبقية 33% أو أقل من ذلك ، تشارك في تكوينها بقية القطاعات مجتمعة . أنَّ الطغمة البنكية – الصناعية ( الأوليغارشية ) المتسببة في تعميق التفاوت الطبقي بحكم تمركزالثروة المادية بأيديها ، تبقى وثيقة الصلة والإرتباط بالبيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون ، لإمتلاك بعض قيادات تلك الأجهزة الثلاثة الكم الأكبر من الأسهم في شركات ومؤسسات الطغمة ، وهذا التشابك يؤمَّن ديمومة سيطرة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ناصية الحكم في الولايات المتحدة . بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 سَلَكت الفئات الطفيلية في المجتمع الروسي ذات النهج ،الذي سلكته قريناتها في الولايات المتحدة في بدايات القرن العشرين ، إذ ظهرت في العاصمة موسكو وبفترة قياسية تسمائة مؤسسة مصرفية ومالية قابضة ، دون معرفة مصادرتمويلها ، ثمَّ إختفت غالبيتها بعد وقت قصير، أي أنها مارست الاحتيال على المواطنين ، وفي مقال سابق ذكرتُ بأن هذه الظاهرة تُسمّى ( بعملية التراكم البدائي لرأس المال ) ، أما المتبقي من البنوك ( مجهولة التمويل ) اخذت تتحرك باتجاه الاستحواذ على الثروات والصناعات الاستراتيجية التي تشمل النفط والغاز والذهب والماس ، وقد فُتحت الطريق لها من قبل الحزب الحاكم ( روسيا الموحدة ) مقابل إمتلاك الحزب لجزء من أسهم تلك الشركات وبأسماء بعض أعضائه ، بحيث أصبح الحزب يتحكم بمفاصل الاقتصاد الروسي ، وهذا الوضع يجعله يحتكر السلطة من خلال إمكانياته المالية وتسخير الآلة الإعلامية الرسمية المسيطِر عليها في خدمته . أما بالنسبة لغالبية الأنظمة العربية ، فالحاكم سواء كان حزباً أو فرداً ، هو المالك لسلطة المال بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وهو المشرِّع لتلك القوانين التي تضمن له الهيمنة على السلطة والبقاء فيها مدة أطول ، إن لم تكن مدى الحياة . في ظروف العراق الجديد ( الديمقراطي ) ، ظهرت بنوك القطاع الخاص برؤوس أموال مجهولة المصدر، واصبح عدد من أعضاء البرلمان والسلطة التنفيذية من مالكي الجزء الأكبر من أسهمها وعدداً من الفنادق في مختلف المدن العراقية ، أولئك مَن كان بعضهم في داخل العراق قبل 2003 يعيش حد الكفاف ، والبعض الآخر يقتات على الرعاية الاجتماعية في بلدان اللجوء ...فمِن أين جاؤا بالمال !!؟؟ . في الآونة الأخيرة ظهرت نواعق الأصوات من بعض إدارات المصارف الأهلية ، تطالب بخصخصة وبيع بنوك القطاع العام ، كي يتسنّى لها الإستحواذ على قطاع الدولة المالي وبالتالي إحكام قبضتها على مفاصل إدارة الدولة ( السلطات المالية والتنفيذية والتشريعية ) . إنَّ بنوك القطاع الخاص لم تلعب دوراً إيجابياً لحد هذه اللحظة في عملية البناء والتنمية ، بل ساهمت في تسريب وتهريب المليارات من العملة الصعبة الى الخارج بالتناغم مع نشاط ( حانة القمار التجاري ) بورصة الأوراق المالية ، هذه المؤسسة التي كان من المفترَض أن تمارس نشاطها بعد عشر سنوات من الإطاحة بنظام الإستبداد البعثي ، حيث أنّ تلك الفترة كفيلة باعادة مرتكزات الإقتصاد الوطني ، وليس مباشرة في ظل الفوضى والفساد وعمليات السلب والنهب العارمة التي سادت البلد ما بعد سقوط الصنم مباشرة . لقد كانت واضحة وفاضحة صورة تأثيرالعامل المالي على نزاهة العمليات الانتخابية الخمسة ( ثلاثة إنتخابات برلمانية وإثنتان لمجالس المحافظات ) ، من خلال شراء الذمم وتزوير وسرقة وحرق الأصوات العائدة الى القوى الوطنية الديمقراطية بكل أجنحتها ، لأنّ تلك القوى لاتمت بصلة بسلطة الظل المالية اللاشرعية والفاسدة . إذا لم يتم تشريع قانون يمنع ظهور القطط السمان ، فلن تكون أية عدالة إجتماعية ولا عملية تنمية ، وأشك أن البرلمان القادم سيقوم بتشريع هكذا قانون ، لأنّ القادمين من النواب كالسابقين فاسدون وجهلة وانصاف متعلمين ! . عندما تتشابك العلاقة والمصالح بين أحزاب السلطة والطغمة المالية ، يكون المبدأ السائد لدى قيادات تلك الأحزاب هو تلبية مطالب ورغبات تلك الطغمة عن طريق تشريع قوانين تحفظ لها إمتيازاتها السياسية والإقتصادية وعلى حساب السواد الأعظم من ملايين الجياع .
#عبد_علي_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الذهنية الأبوية الإستبدادية وذريعة التكنوقراط
-
إزالة الأصفار ورفع القدرة الشرائية للدينار العراقي
-
العذر أقبح من الفعل . نهج المرحلة هو السمسرة وشرعنة الفساد
-
شتّانَ بين 14 تموز 1958 و 14 تموز ما بعد 2003
-
ما يجب ولا يجب في الخطة الخمسية للتنمية . ملكية الشعب العراق
...
-
أين وما هو موقف ودور المجلس الأعلى للثقافة مما يجري ؟
-
مؤتمر الدول العشرين وكوابح التنمية الاقتصادية العالمية
-
إبن آدم هدِّدَه بالموت يرضه بالصخونة
-
أنتم المشكلة يا أهل الجنوب
-
وقفة لحظية مع مسودة مشروع د . كاظم حبيب ( برنامج مدني ووطني
...
-
خللي الويلاد يتهنون ... الفلوس فلوسهم بفضل قانون الرواتب الف
...
-
ظاهرة الترييف أسبابها سياسية - إقتصادية ... بقاؤها لمصلحة مَ
...
-
خبر صغير لكنه كبيرالمعنى
-
أسباب ومقدمات إنهيار الاقتصاد اليوناني ...درس وإفادة
-
لا تتفاءلوا ! ... سيكون البرلمان القادم كسابقه
-
رياح الطائفية السياسية السوداء تُطفيء شموع الديمقراطية
-
التبعات الاقتصادية والنفسية والصحية لقرار مجلس محافظة واسط
-
العراق ومنظمة التجارة العالمية
-
لامجال أمام المالكي سوى التحالف مع القوى الوطنية الديمقراطية
...
-
التستر بقناع ( الوطنية ) هو أحد أساليب التشبث بالسلطة
المزيد.....
-
تحليل لـCNN يُظهر كيف تحولت الاحتجاجات السلمية في بنغلاديش إ
...
-
محمود عباس أمام البرلمان التركي: قررت الذهاب إلى غزة مع جميع
...
-
أوكرانيا تنفذ هجوما جريئا على كورسك.. اختراق استراتيجي قد يغ
...
-
ثقة الديمقراطيين في هاريس تتفوق على بايدن في ملف المناخ والش
...
-
أسوأ نتيجة منذ إعادة التوحيد.. ما أسباب تراجع ألمانيا في الأ
...
-
مطالبة أممية بضرورة تحسين ظروف الاحتجاز في سجن -جو- في البحر
...
-
ذكرى عودة طالبان.. آلاف الأفغان المهددين في انتظار دورهم للج
...
-
لوكاشينكو: هدف الغرب إسقاط أكبر عدد من الضحايا بين الأوكراني
...
-
مطار مدريد يعزز الإجراءات الوقائية من جدري القردة
-
لوكاشينكو: روسيا لن تتأخر في إرسال قواتها إلى بيلاروس إن تعر
...
المزيد.....
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
المزيد.....
|