فراس عبد المجيد
الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 14:00
المحور:
الادب والفن
من بين المفردات التي كانت غائبة عن قاموسنا الثقافي في بغداد في العقود الغابرة مفردة " الأصبوحة " للدلالة على التوقيت الذي تقام فيه فعالية معينة، أو عرض مسرحي أو تشكيلي في هذا المحفل أو تلك الجمعية أو ذاك الإتحاد، حيث تخصص فترة الصباح لإقامة الفعالية .
وليس خافياً أن ظهور هذه المفردة " الأصبوحة " جاء بعد تعذر إقامة الأنشطة الثقافية والفنية في الفترة المسائية بسبب تردّي الوضع الأنتي وعودة المواطنين السريعة الى منازلهمانتهاء أعمالهم مباشرة، خشية التعرض لمخاطر العنف التي عمت البلاد، وبلغتذروتها عامي 2006 و 2007، ونتيجة استمرار سريان نظام منع التجول الذي يبدأ منذ منذ منتصف الليل ويمتد الى صبيحة اليوم التالي، مما جعل الشعور بالأمان بالنسبة للمواطن مرتبطاً بتوقيت عودته الى المنزل. فكلما عاد مبكراً، كلما تجنب التعرض للأذى. فمدينة كبيرة كبغداد كانت معروفة بأنها تسهر الى الصباح، وأن معظم منتدياتها ومطاعمها ومقاهيها لا تستقبل زوارها وروادها إلا في أوقات متأخرة من الليل . هذه المدينة الساهرة تبدو شوارعها اليوم مقفرة منذ السادسة مساء، وتغيب عنها صالات العرض السينمائي والمسارح والنقاهي والمنتديات، وتستبدل أمسياتها ب " أصبوحات " .
ولكن برغم ما تقدم، لأنتأمل هذه المفردة " الأصبوحة " .. ألا تعني لدى السامع شيئاً ؟ ألا تحمل في ثناياها نوعاً من الإصرار والتحدي ؟ ألا تعني، بين ما تعنيه، الرغبة المشروعة في الإستمرار والتواصل؟
إن مفردة " الأصبوحة " كما نراها ، ذات دلالة بليغة وبسيطة في آن واحد. بسيطة جداً على مستوى التوقيت الزمني. فالنشاط المسائي تمثله مفردة " أمسية " . والنشاط الصباحي تمثه مفردة " أصبوحة " .. وبليغة لأنها تقول بوضوح لا لبس فيه أن الثقافة والنشاط الثقافي ما يزال قائماً ، وهو يصل الى المتلقي ويخاطبه تحت كل الظروف، وبرغم كل المخاطر. إنها إذن ترجمة دقيقة وأمينة لتلك العلاقة الجدلية بين المبدع والمتلقي أو بين المثقف والمواطن. وإلى أن تعود ألأماسي الى سابق عهدها، تبقى " الأصبوحة " ذلك الجسر الواصل بين الثقافة والإبداع وبين الناس.
#فراس_عبد_المجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟