|
جغرافية الهوس الديني
حنان بكير
الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 09:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أمل يلوح في الافق، نحو بناء ثقافة انسانية، بعد ان حوّل بعض مهووسي الدين، الكون الى جغرافية للهوس الديني. ذلك الهوس الذي يلغي الآخر، ما دام كل دين قد حجز الجنة لأتباعه، وأغلق ابوابها في وجه الآخرين، بل وحرّمها عليهم. جغرافية لا ترتوي الا بالدم، ولا طمأنينة لأهلها الا باهانة الأديان الأخرى واذلال اتباعها. ان موعد احراق نسخة من المصحف الكريم يقترب. وليس منّا من يستطيع التكهن ما ستجرّه من مشاكل ربما تتعمد بالدم والنار! هذا العمل المخطط له، وصفته وزيرة الخارجية الامريكية بالعمل المشين، ربما هو أكثر من ذلك. وقد أعادنا الى الفترة التي دمّرت فيها طالبان تماثيل بوذا، على اعتبار انها نوع من الوثنية وعبادة الأصنام. ولم يجد نفعا تدخل العالم كله، وعلى رأسهم القيادات الاسلامية الرفيعة المستوى، لكن ذلك لم يثن طالبان عن تفجير الرموز الدينية البوذية. الرسوم الكاريكاتورية للرسام الدنماركي، وما أعقبها من حرق سفارات وأعلام الدول الاسكندنافية، ودوس الصليب عليها بالأحذية، ذيول ومضاعفات تلك الرسوم ما زالت قائمة، من محاولة اغتيال الفنان، واستنكار شديد لمنح الفنان جائزة المانية، دافعت عنها ميراكل، واعتبرتها نوعا من حرية التعبير. الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، تلقى وحيا الله سماويا، فأعلن حربه الصليبية على الارهاب، بعد ان قسّم العالم الى قسمين.. خير وشر ومن ليس معه فهو ضده، اي انه حليف للشيطان!! تبعه الشيخ ابن لادن، وأعلن جهاده المقدس ضد الصليبيين، بعد ان قسّم العالم الى فسطاطين، الخير والشر. وكان ان دفع مئات الآلاف من الابرياء ضحايا الهوس الديني، وتسابق المهووسين الى الجنة، على جثث وجماجم الابرياء، الذين لو خيّروا لانحازوا لخيار الحياة!! حرق القرآن سوف يقابله حرق للانجيل "المحرّف" بناء على اقتراح شيخ سعودي. يبدو ان المقبل من الايام سوف يحمل لنا حرب احراق الكتب المقدسة، او ربما تدنيسها، او التشهير بها، ولا ندري بعد ماذا تحمل لنا هذه العقول المبدعة والخلاقة، في مجال التحقير والاذلال والدوس على الكرامة الانسانية. والى جانب هذا الصراع الديني الفريد، ينبت عندنا الصراع الطائفي، بين طوائف الدين الواحد.. اذ تجري المطالبة بسجن شيخ لتطاوله على الصحابة وعلى السيدة عائشة.. اماكن مقدسة شيعية تفجر، وأخرى سنية تلقى ذات المصير، والكل في سباق محموم الى الفردوس السماوي، بتحويل الحياة الى جحيم، يفوق برعبه ورهبته، ما يتحدثون عنه في الآخرة. مشكلة المهووسين هؤلاء، تكمن في اعتقادهم، انهم لا يدنسون كتبا مقدسة!! فالقرآن ليس كتابا مقدسا عند ذلك الكاهن وجماعته، وبالتالي فان عمله ليس محرما، وانما هو سلوك او تصرف كيديّ، واستفزازي للمسلمين، سيما بعد ردات الفعل العنيفة على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم! وكذلك هو الانجيل عند المسلمين، فهو كتاب محرف وبذلك تسقط القداسة عنه " اوتوماتيكيا".. ما يعني "تحليل" ، من الحلال، حرقه، وهو ايضا سلوك استفزازي وكيديّ.. لكنه غير محرم! أين تقع حدود المحرمات والمحللات عند هؤلاء؟ وعندما يدّعي اصحاب كل ديانة، بأن دينهم قد جاء بالحق، وهو الدين الحق عند الخالق، وكل الديانات الأخرى الى جهنم، فأين تكمن الحقيقة؟ اذا كان التعصب آفة، فان التعصب الديني لهو اسوأ انواع التعصب، كون الانسان لا يختار دينه!! مع بعض التغيير نستعير من العبقري جبران قولا حكيما" الويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقلّ فيها الدين" ! لي صديقة تقيم في لبنان. هي مؤمنة عادية. ولكن بسبب بعض الظروف، فقد اعتادت ان تستضيف بعض الدعاة في بيتها لالقاء محاضرات في الدين، ولم يكن عندها مشكلة، فقد كانت تقول" هو اسلام واحد وقرآن واحد". التقيتها صدفة في بير وت منذ اسبوعين، سألتها عن هوايتها في جمع الدعاة في بيتها. أجابتني وباستنكار" لقد زعزعوا ايماني، وبدأت أشك بكل شيء، ولما خفت ان افقد ايماني، توقفت عن الاستماع لأي داعية، واكتفيت بقر اءة القرآن والصلاة". ان الخطر على الاسلام ليس من "الكفرة" او من حرق القرآن، وانما من الحركات الأصولية الغير معروف مصادر تمويلها، والغير معروف ما هو الهدف من تكاثرهم.
#حنان_بكير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جامعة بيروت العربية... صرح علمي يتألق التغيير بين الرؤية وقو
...
المزيد.....
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال
...
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|