|
الحرب الشاملة ضد الإرهاب هي الخيار الوحيد لدحر خطره .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3121 - 2010 / 9 / 10 - 09:07
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تحل ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001 التي أرخت لبداية الحرب على تنظيم القاعدة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . إذ وجدت هذه الأخيرة نفسها تخوض حربا ضد عدو جديد غير مألوف لديها في وسائله وخططه وطبيعته التنظيمية والعسكرية . عدو يتغذى على الأفكار ويتخذ منها سلاحه الرئيسي في التمدد عبر الدول والقارات وخلق خلايا متعددة الوظائف : استقطاب المقاتلين ، تجنيدهم ، خطف الرهائن ، فتح جبهات جديدة لضرب المصالح الغربية ، خلق ولاءات جديدة مع تنظيمات متطرفة الخ . إن هذا العدو الجديد تخلقه العقائد التي يتغذى عليها ويتجذر بتجذرها في نفوس الأتباع والمتعاطفين ، مما يجعل محاصرته والقضاء عليه أمرا بالغ الصعوبة حد الاستحالة . لهذا ستطول الحرب على الإرهاب ويزيد مداها الزمني أضعاف ما تطلبه بعث عقائد وأفكار الغلو والتطرف المبثوثة في كتب ابن تيمية وقطب والمودودي وتجنيد جيش من الدعاة والشيوخ لنشرها بين الشباب في عموم البلاد الإسلامية بحجة إحياء "فريضة الجهاد" ضد الكفر "الأحمر" (= الشيوعيون السوفييت ) الذي كان "يحتل" أرض الإسلام في أفغانستان . في تلك الأجواء ، وعلى امتداد عقود ، عملت الولايات المتحدة على توفير كل الشروط والظروف لخلق تنظيم القاعدة وتقويته كتنظيم يحترف القتل والتكفير على نطاق واسع . ولا غرابة ،إذن ، إن اتخذ تنظيم القاعدة من الدول التي رعته وآوت أعضاءه وشيوخه أولى ضحاياه ومجالا مفضلا لهجماته وأنشطته التخريبية ، بدءا من الولايات المتحدة ، السعودية ، إنجلترا ، المغرب وانتهاء بماليزيا والباكستان واليمن . كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها من الأنظمة العربية على اعتقاد خاطئ أن مفعول عقائد الجهاد سينتهي بانتهاء الوجود الأحمر في أفغانستان ، وأن السواعد التي امتهنت القتل والتفجير ستتركهما إلى بناء الأوطان والانخراط في مشاريع التنمية والإعمار . إلا أن شيئا من هذا لم يحدث ، حيث عاد "المجاهدون" بحماس أكبر وقناعة عمياء من أجل مواصلة الجهاد ضد "العدو الأقرب" ؛ على اعتبار أن العقائد التي يؤمنون بها تجعل قتال العدو الأقرب مقدما على العدو البعيد ؛ زادُهم في ذلك الكراهية الشديدة لأولي النعمة والدراية الفائقة في صنع المتفجرات . لقد تحول العالم كله ، بفعل عقائد التكفير والقتل ، إلى "دار حرب" لا مجال فيها للسلم والتعايش بين الشعوب والديانات والدول ، ولا حرمة فيها للدماء والأعراض والأموال ، كما لا قدسية للمساجد حيث يُستهدَف المصلون ( آخرها الهجوم الذي شنه مسلحو القاعدة ليلة فاتح شتنبر الجاري على مسجد الرحمن ببلدة العبادية بولاية عين الدفلى غربي الجزائر أثناء تأدية المصلين صلاة التراويح ولم يكن بينهم أمريكي ولا إسرائيلي ) . وإذا كان تنظيم القاعدة يبرر وجوده في أفغانستان والعراق والباكستان واليمن والسعودية بالوجود العسكري للولايات المتحدة في هذه الدول ، فإن الجبهات الجديدة التي فتحها تنظيم القاعدة ، خاصة في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء ، لم تكن نتيجة لهذا التواجد أو التدخل العسكري للولايات المتحدة الأمريكية . وهذه واحدة من التحديات التي تواجه الحرب على الإرهاب . بحيث لم تعد مخاطر الإرهاب محصورة في العراق وأفغانستان والباكستان باعتبارها مناطق تشهد مواجهة مباشرة بين تنظيم القاعدة والقوات الأمريكية ، بل أصبحت مخاطره في منطقة الساحل والصحراء تهدد مباشرة الأمن الإقليمي في عموم المنطقة . ذلك أن تنظيم القاعدة الذي يستغل المعطيات الجغرافية الصعبة وضعف التنسيق بين الدول وقلة إمكاناتها العسكرية واللوجيستيكية ، حوّل الصحراء إلى قواعد خلفية للتخطيط وتنفيذ العمليات التخريبية ضد دول المنطقة في انتظار أن يوسع مجال عملياته لتشمل عمق التراب الأوربي بحكم الموقع الجغرافي القريب من هذه القواعد . وإن كان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ينهج ــ مرحليا ــ أسلوب خطف الرهائن الغربيين لتوفير مصادر التمويل ، وكذا للضغط على دول المنطقة من أجل الإفراج عن أعضائه المعتقلين بسجونها ،فإنه ، بالموازاة ، يعمل على تفريخ خلاياه باستمرار ، ليس فقط داخل الدول الإفريقية خاصة التي تعاني الصراعات الداخلية أو ضعف السلطة المركزية ، بل حتى المستقرة منها كما هو الحال بالنسبة للمغرب الذي يناهز فيه عدد الخلايا التي تم تفكيكها منذ 2002 المائة خلية. ولعل حادث إعدام الرهينة الفرنسي ميشال جرمانو ، رغم كِبَر سنّه (78 سنة) والنشاط الإنساني الذي كان يقوم به لفائدة القبائل الإفريقية شمال النيجر ، يخدم الإستراتيجية المعتمدة من طرف تنظيم القاعدة بالمنطقة ، والتي تتوخى الضغط على الدول الغربية وحملها على قبول المساومة بدل المواجهة. إلا أن البحث عن تسويات مع تنظيم القاعدة بالرضوخ لمطالبه لن يحد من خطره على الرعايا والمصالح الأجنبية . وها هي فرنسا التي ظلت على "الحياد الإيجابي" من تنظيم القاعدة بشمال إفريقيا وغضت الطرف عن طرق تمويله ، تقدم الدليل الملموس على كون الإرهاب لا أمان له ولا التزام . إذ بالقدر الذي تتردد الدول في اتخاذ مواقف مشتركة وصارمة ضد تنظيم القاعدة وأنشطته ، وتختار ــ في المقابل ــ الحلول الانفرادية ، فإن خطر الإرهاب يتقوى ويتسع مداه ليشمل مناطق أبعد . وبسبب حالة التردد و"الحياد الإيجابي" لكثير من الدول الغربية ، فإن أعداد المقاتلين في صفوف تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل في تزايد مضطرد حيث انتقل من 150 فردا إلى 500 مقاتل في سنوات قليلة ، وفق ما جاء في تصريح وزير الدفاع الفرنسي هيرفي موران . كما أن استمرار الجزائر في رفضها إشراك المغرب في أي تنسيق بين الدول المعنية بالإرهاب ، سيعطي لتنظيم القاعدة فرصا أكثر لاستقطاب الأتباع وتجنيدهم وتدريبهم ، مما يوفر له قوة ضاربة تهدد مباشرة المصالح الغربية في عموم إفريقيا . ذلك أن حالة الصراع بين بعض الدول الإفريقية بالإضافة إلى ضعف إمكاناتها المادية واللوجيستية تنعكس سلبا على قدرة هذه الدول في مراقبة كل الأنشطة التي يقوم بها تنظيم القاعدة على حدودها وحتى داخلها كما هو الحال بالنسبة لمالي والنيجر وموريتانيا . الأمر الذي ينذر بأن تتحول منطقة الساحل إلى صومال جديدة لن ينحصر خطر الإرهاب على دول الساحل وشمال إفريقيا ، بل سيتجاوزها إلى كل إفريقيا ثم أوربا . وهذا الخطر لا يمكن ربطه بحادث إعدام الرهينة الفرنسي جرمانو ، بل هو خطر من صميم عقائد تنظيم القاعدة وإستراتيجيته . ذلك أن تنظيم القاعدة لم يتأسس للاستثمار في البحث العلمي أو تقديم الخدمات الإنسانية للفئات المعوزة ولا حتى لدعم الأنشطة المدرة للدخل . فكل أنشطة التنظيم مرتبطة بـ"الجهاد" ،أي القتل باسم الدين ضد من يعتبرهم "كفارا ومرتدين" وهم الغربيون والمسلمون على حد سواء . لهذا ، فالحرب العسكرية على الإرهاب لم تحد من انتشاره ، بل زادت منه وعززت وجوده في كثير من الدول بسبب أوضاعها الداخلية كما هو الشأن بالنسبة لأفغانستان والعراق والباكستان والصومال واليمن والجزائر . الأمر الذي يستوجب مواجهة شاملة وتكثيف الجهود من طرف كل الدول المعنية من أجل تطويق هذه الظاهرة وقطع أسباب التمويل والتمدد العقائدي والتنظيمي . وستظل المواجهة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية ضد الإرهاب غير كافية ، رغم فعاليتها ، ما لم تُستهدف منابعه الفكرية وعقائده التدميرية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستتجاوب الأحزاب مع خطاب الملك ؟
-
هل ستصير الفتوى سلاح اليساريين ؟
-
هل من علاج للعجز الحكومي المزمن ؟
-
التمايز بين الحركة والحزب شعار تعوزه الجرأة والمصداقية .
-
هل جماعة العدل والإحسان تعارض سياسة النظام أم تناهض وجوده ؟
-
هل فقد الفيزازي الحماسة والمشيخة ؟(3)
-
جماعة العدل والإحسان تدين الاختطاف والتعذيب وتمارسهما ببشاعة
...
-
حوار حول الظاهرة الدينية في المغرب (الأحداث المغربية ) الجزء
...
-
هل اقتنع الفيزازي بالمراجعة أم هي المكيدة والمناورة ؟(2)
-
حوار حول الظاهرة الدينية في المغرب
-
هل اقتنع الفيزازي بالمراجعة أم هي المكيدة والمناورة ؟(1)
-
هل غدا -الجهاد- ضد الشعب المغربي مقدما عن الجهاد ضد الاحتلال
...
-
النقاب الدخيل والنقاب الأصيل !
-
هل سينفذ تنظيم القاعدة تهديده ضد المونديال ؟
-
هل تحترم الجمعية حقوق الإنسان حتى تدافع عنها ؟
-
التطرف عقائد واحدة غايتها فرض الوصاية على المجتمع (6) .
-
الحوار الذي لم ينشره موقع إسلام أون لاين حول جماعة العدل وال
...
-
الغلو والتطرف دوائر تتكامل في الأهداف والوسائل (5) .
-
حوار لفائدة جريدة المنعطف
-
بعد سبع سنوات عن الأحداث الإرهابية ، أين المغرب من خطر الإره
...
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|