|
لمواجهة مخطط الاستيطان والتصفية الاسرا–امريكي
احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 944 - 2004 / 9 / 2 - 10:55
المحور:
القضية الفلسطينية
تشهد ساحة التطور والصراع الاسرائيلي – الفلسطيني في الآونة الاخيرة، وخاصة منذ اعلان أريئيل شارون، رئيس حكومة الاحتلال والاستيطان والجرائم اليمينية، عن خطة الفصل من طرف واحد مع قطاع غزة، بروز معالم ومؤشرات خطة تآمرية جرى نسج خيوطها في الدهاليز المعتمة لغرف التنسيق الاستراتيجي الاسرائيلي – الامريكي، ومدلولها السياسي الجوهري خلق وقائع على الارض الفلسطينية تمنع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات مقومات طبيعية، خطة تفرغ رؤية بوش حول اقامة دولة فلسطينية بجانب اسرائيل من مضمونها وان هذه الرؤية ليست اكثر من "كلمة حق يراد بها باطل".
ويبرز في مركز هذه الخطة التآمرية تكثيف وتوسيع وتعبئة الاستيطان الكولونيالي في الضفة الغربية، خاصة في الكتل الاستيطانية الكبيرة المعدّة وفق برنامج شارون الاستيطاني اقتطاعها من الجسد الفلسطيني وضمها تحت السيادة الاسرائيلية، الاقليمية والسياسية. وان يجري بشكل منهجي مخطط استثمار وخلق الظروف السياسية والجغرافية والديموغرافية لانجاز هذه الخطة وهدفها المركزي الضم ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة. وتوفير المناخ السياسي كخلفية لتجسيد هذه المؤامرة الاستعمارية يكمن، حسب رأينا، بطرح شارون خطة الفصل مع قطاع غزة المنسقة مع ادارة بوش الامريكية، وذلك لتضليل الرأي العام العالمي والعربي والاسرائيلي وتسويق شارون بانه رجل سلام ويركب قطار التسوية السياسية، جرجرة وكسب المزيد من الوقت حول خطة الفصل مع قطاع غزة من طرف واحد، استثمار التناقضات والصراع داخل قوى اليمين والفاشية العنصرية حول الموقف من هذه الخطة، وذلك لتعزيز وتقوية الوجود الاستيطاني وخلق حقائق استيطانية جديدة على الارض الفلسطينية المحتلة، مثل دفع عجلة بناء جدار الفصل الابرتهايدي وتوسيع وتعبئة الاستيطان في الضفة الغربية بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة وضواحيها. لقد اكدنا دائما ان الوجود الاستيطاني في المناطق المحتلة، يؤلف احدى العقبات المركزية، في طريق التسوية السياسية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ولهذا، رأينا في حينه بعين الايجاب، ما طرحته مجموعة الاربع (الكوارتيت) – الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، في اطار خطة "خارطة الطريق" التي مزجت عمليا بين "تفاهمات تينت" "الامنية" و"توصيات ميتشل". رغم التحفظات العديدة على هذه الخطة، رأينا بعين الايجاب ان احد بنودها المركزية وقف جميع اشكال الاستيطان، بما في ذلك البناء الاستيطاني "لخدمة" الزيادة الطبيعية. لم نثق يوما بنزاهة وعدالة الموقف الامريكي من قضايا الصراع وسبل حلها. كما لم نثق باحتمال ان يتغير جنرال المجازر والاستيطان، أريئيل شارون، بين ليلة وضحاها ويغير موقفه المعادي لحق الشعب الفلسطني بالتحرر والاستقلال الوطني. فسريعا ما كشر تحالف الشر الامريكي – الاسرائيلي عن انيابه الصفراء المفترسة وبدأ بشكل بلطجي عربيد عملية الافتراس والنهش في جسد الحق الفلسطيني والارض الفلسطينية. فسريعا ما تراجعت ادارة بوش عن خطة خارطة الطريق، التي كانت بالنسبة لها، حسب رأينا، ليس اكثر من وسيلة تكتيكية مؤقتة فرضتها في حينه ظروف سياسية محددة في مركزها تورط الاحتلال الانجلو امريكي في اوحال المستنقع العراقي الآسن ومساعي الادارة الامريكية للحفاظ على بقاء العديد من الانظمة العربية في حظيرة الولاء والسجود في بيت الطاعة الامريكي. في ظروف سياسية حتمتها حقيقة فشل المحتل الاسرائيلي وحربه الهمجية المخضبة بالدماء في حسم الصراع مع شعب الانتفاضة الفلسطينية عسكريا. سريعا ما تراجعت ادارة بوش عن خارطة الطريق واختزلتها بتبني خطة شارون الكارثية لفك الارتباط من طرف واحد مع قطاع غزة. وفي شهر نيسان من العام الفين واربعة، اصدر بوش تصريحه المشؤوم المكتوب خطيا، الذي مدلوله السياسي اشبه ما يكون بوعد بلفور المشؤوم، والذي من خلاله يعلن عن تأييد وتبني برنامج شارون بضم الكتل الاستيطانية الكبيرة القائمة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة وضواحيها، الى اسرائيل. واكثر من ذلك، فما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" يوم 21/8/2004، يعكس مدى الانحياز الامريكي السافر الى جانب العدوان الاحتلالي الاستيطاني الاسرائيلي ومدى العداء البهيمي للحقوق الشرعية الفلسطينية. فقد قررت ادارة عولمة الارهاب والجرائم الامريكية "تغيير" سياستها في مجال البناء في المستوطنات الكولونيالية وتأييدها للبناء في الكتل الاستيطانية المخطط لضمها الى اسرائيل وذلك تحت اليافطة التضليلية "البناء لاستيعاب الزيادة الطبيعية في هذه المستوطنات". لقد كشفت مصادر اسرائيلية رفيعة المستوى، كما ورد في صحيفة "يديعوت احرونوت" 22/8/2004، ان ما جاء في صحيفة "نيويورك تايمز" حول موقف الادارة الامريكية من البناء في كتل الاستيطان قائم منذ ثلاث سنوات، تلفه السرية، وكان بانتظار الظروف المناسبة للاعلان عنه جهارا. وان "الظروف المناسبة" للاعلان عن الموقف الامريكي جهارا جاءت بعد اتصالات مكثفة ومتواصلة لتنسيق الموقف من قضية البناء في المستوطنات بين مدير مكتب رئيس الحكومة، دوف فايسغلاس ومستشارة الامن القومي الامريكية، كوندوليسا رايس. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان الادارة الامريكية لم تصدر أي بيان يدين او يستنكر لا القرار الاول الذي اتخذته حكومة شارون القاضي ببناء ستمائة وحدة سكنية في مستوطنة "معاليه ادوميم" تربط المستوطنة عمليا بالقدس الشرقية المحتلة ولا بتصديق شارون عشية مؤتمر الليكود على بناء اكثر من الفي وحدة سكنية في سبع مستوطنات في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة. لقد جرى توقيت الاعلان الامريكي السافر عن تأييده لتوسيع وتعبئة الاستيطان الكولونيالي في الكتل الاستيطانية لخدمة اهداف سياسية ايضا تخدم مصالح ادارة بوش اليمينية وحكومة الكوارث اليمينية الشارونية. فبهذا الموقف اراد بوش ارضاء اللوبي الصهيوني في امريكا وكسب اصوات الناخبين اليهود بتأييده في المعركة الانتخابية التي ستجري قريبا في شهر تشرين الثاني المقبل. كما انه بهذا الموقف اراد المساهمة في دعم موقف حليفه في الجرائم، اريئيل شارون، الذي يواجه ازمة وصراعا مع غلاة اليمين من قوى الفاشية والاستيطان أيتام "ارض اسرائيل الكبرى" واثبات ان امريكا تدعم شارون في اغتصاب وضم اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل. ان ما يثير القلق واشد الاستنكار انه بدعم من الادارة الامريكية تسابق حكومة الاحتلال اليمينية الزمن بتصعيد حملة استيطانية مكثفة لم يسبق لها مثيل. فبعد ان اعلنت وزارة الاسكان عن عروض لبناء الف وحدة سكن ووحدة (1001) في مستوطنات الضفة الغربية، تعلن اليوم عن عروض لبناء (633) وحدة سكنية اخرى. كما جرى الكشف عن قرار "دائرة اراضي اسرائيل" برئاسة نائب رئيس الحكومة ايهود اولمرت بتجهيز الارض لبناء (533) وحدة سكنية في مستوطنات "هارجيلا" "وهار ادر" و "ادام" و "عمنوئيل" و "جبل ابو غنيم" و "بسجات زئيف" و "غيلو"، أي مواصلة عملية تهويد القدس الشرقية المحتلة. وتشير المعطيات الرسمية ("يديعوت احرونوت" 23/8/2004) الى انه بالمقارنة مع العام الفين وثلاثة، تضاعف البناء الاستيطاني في العام الفين واربعة باكثر من ضعفين، فاذا كان عدد الوحدات السكنية التي بنيت في العام الفين وثلاثة (908) فقد بني في العام الفين واربعة الفان ومائة وسبع عشرة وحدة سكنية. ولجذب المستوطنين الجدد لتعبئة وتكثيف الاستيطان الكولونيالي تقدم حكومة الاحتلال الاستيطاني التسهيلات والامتيازات الكثيرة لهم. فعلى سبيل المثال تقدم الحكومة للمستوطنين الجدد، ولمن يريد شقة سكنية، قروضا سكنية مسبسدة اكبر بمائتي الف شاقل عن القروض السكنية لاقتناء شقة داخل اسرائيل. فمثلا عائلة عندها ولد واحد، خدم والديه في الجيش تأخذ قرضا مسبسدا قدره مائتان وثلاثة وثلاثون الف شاقل لشراء شقة في احدى المستوطنات في المناطق المحتلة، بينما لاقتناء شقة في تل – ابيب لا يعدو مقدار القرض السكاني سبعة وثمانين الف شاقل كما تقدم الحكومة من ميزانية الدولة لمتعهدي ومقاولي البناء "مساعدة" مادية عن كل وحدة سكنية يبنونها في المناطق المحتلة مقدارها ثمانون ألف شاقل. ان ما قدمناه من حقائق ومعطيات يعكس ابعاد المخطط الاسرائيلي – الامريكي الذي يتناقض مع احتمالات التوصل الى تسوية سياسية عادلة نسبيا للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. مخطط استعماري للانتقاص من حق السيادة الفلسطينية على الارض الفلسطينية المحتلة. مخطط يجسد حقيقتين اساسيتين الاولى، ان خطة شارون للفصل مع قطاع غزة جاءت لخدمة تجسيد برنامج شارون بمصادرة وضم اكثر من نصف مساحة الضفة الغربية الى اسرائيل. والثانية: ان الادارة الامريكية بموقفها المنحاز الى جانب مخطط الضم الاحتلالي لا يمكن ان تكون وسيطا في اية عملية سياسية للخروج من دائرة دم الصراع. ومثل هذا المخطط التآمري الاسرائيلي – الامريكي ينطوي على مخاطر جدية تنذر بعواقب كارثية على ساحة مواصلة تدفق الدماء من شرايين الصراع. مخطط لا مفر من مواجهته ودفنه لضمان الامن والاستقرار والسلام في هذه المنطقة. وإفشال أبعاد هذا المخطط يستدعي اولا وقبل كل شيء رص الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية الممهورة ببرنامج متفق عليه يرتقي الى مستوى مواجهة متطلبات التحديات المطروحة والمرتقبة وتخطيها. كما يستدعي تجنيد الرأي العام العالمي، هيئة الشرعية الدولية، العالمين العربي والاسلامي، جميع انصار السلام وحقوق الانسان وحق الشعوب في الحرية والاستقلال الوطني لوقف المخطط الاستيطاني التصفوي الاسرائيلي – الامريكي الذي يتناقض مع القانون الدولي ووثيقة جنيف الرابعة. يستدعي تشغيل مختلف مكابس الضغط الدولية واتخاذ مختلف الاجراءات من فرض العقوبات الاقتصادية وغيرها لاجبار حكومة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلية على وقف نزيف عدوانها الدموي وجرائمها الاستيطانية والجلوس حول طاولة التفاوض مع القيادة الشرعية الفلسطينية لاستئناف العملية السياسية حتى التوصل الى تسوية سلمية تنقذ الشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال ومن دنسه الاستيطاني وتضمن له حقه الشرعي بالدولة والقدس والعودة، وتوفر للمنطقة باسرها الامن والاستقرار والسلام العادل الثابت والشامل. ومسؤولية قوى السلام والدمقراطية وحقوق الانسان، اليهودية والعربية في اسرائيل، تصعيد كفاحها السياسي الجماهيري، وباوسع وحدة صف، لمواجهة السياسة الكارثية التي تمارسها حكومة الاحتلال والاستيطان اليمينية المدعومة امريكيا والتي تعكس اثارها المدمرة على مختلف اوجه التطور والحياة في داخل اسرائيل ايضا.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صباح الخير صباحك منوّر يا أبا حنظلة
-
المعيار الاجتماعي لسياسة تُعيد انتاج المآسي
-
التفاعلات الجارية في الخارطة السياسية الحزبية الاسرائيلية
-
حتى لا نكون وقضايانا صفرًا على الشمال!
-
جون كيري يسجد أيضًا في بيت الطاعة الصهيوني
-
حتى لو انفلق الكارهون!- زيّاد أهل للتكريم
-
التطورات المأساوية على ساحة الصراع الأسرائيلي – الفلسطيني
-
القاضية دوريت بينيش تفضح عرض وعار تحالف -الشاباك- والحكومة
-
المدلولات الكارثية للسياسة الليبرالية الجديدة
-
تطوير الترسانة العسكرية الاسرائيلية في ارجوحة المخطط الاسترا
...
-
المدلولات الحقيقية لنتائج انتخابات برلمان الاتحاد الاوروبي
-
وتبقى القضية في جوهرها ومدلولها سياسية اولا وليست أمنيّة يا
...
-
وتبقى القضية في جوهرها ومدلولها سياسية اولا وليست أمنيّة يا
...
-
خطة (لفك الارتباط) بدون أي فك للرباط!
-
في الذكرى السنوية الـ- 37 للحرب والاحتلال: لن يكون (شرق أوسط
...
-
ماذا كنتَ ستقول يا ماير فلنر؟
-
كان ماير فلنر أمميًا حقيقيًا وشيوعيًا مبدئيًا
-
تقرير منظمة العفو الدولية: ادانة صارخة لجرائم الحرب في المنا
...
-
مؤتمر القمة العربية في تونس: لا خروج من دائرة الرقص الموضعي
...
-
الاتحاد- المرجع والمرجعية لمسيرة التاريخ الكفاحي لجماهيرنا
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|