علامات الاداء ومنظومة الزي في المونودراما

سامي الحصناوي

الحوار المتمدن-العدد: 3120 - 2010 / 9 / 9 - 12:25
المحور: الادب والفن
    

هل العمل المسرحي اتصال ام تواصل؟ فمن البديهي ان يوجد طرفان في المعادلة المسرحية، الطرف الاول هو (الباث) ويعني هنا الممثل وموجوداته وعناصر العرض المسرحي كعلامات دالة (اضاءة، موسيقى، ازياء، مهمات مسرحية) والطرف الثاني هو المتلقي أي الجمهور وهذا يعني ان هناك جهة تعطي الرسائل والمعلومات والعلامات وجهة اخرى ليس عليها سوى تسلمها بدون رد الا من الانفاس المتصاعدة وعلامات الاستحسان او الاستهجان من خلال الصفير او التصفيق"فالمتفرجون لا يستطيعون ان يردوا على الممثلين"( )، وتبقى بعض الاراء تؤكد في هذه الحالة عدم وجود مفهوم (للتواصل) لعدم قدرة المتلقي على المحاورة او ابداء الراي الا بعد انتهاء العرض لان الرسالة المبثوثة تسير باتجاه واحد دون رد عملي او (اني) على ما يجري على الخشبة فالجمهور "لا يحق له ان يشارك مباشرة في الفعل الدرامي الواقع على المسرح"( )، ومن جهة اخرى فهناك الراي الاكبر والاعم (وهو راي الباحث ايضا) الذي يقوم على الفكرة الاساسية في المسرح أي قدرة (الباث) الممثل على الارسال العلاماتي من خلاله ومن خلال موجوداته المتضمن شكل العرض وفكرته التي سوف تعمل عملها في ذهنية المتلقي وتجعله في حالة من التواصل في المتابعة الحسية والعاطفية للشخصيات والافكار من خلال مشاركة المتلقي (الخيالية) في الاحداث كونه اصبح جزء من سيرورة ذلك الحدث وبنيته، اذن فالتواصل لا يفقد عنصره لان هناك جهة باثة واخرى متلقية صامتة، فالاداء هو فن التمكين والتمكن من فرض الشخصية والاقناع بها، ومن علامات هذا الاقناع هو (التبرير، الخداع، الايهام) أي رسم صورة مطابقة او مقاربة او ربما مختلفة لما يرسمه او رسمه المتلقي مسبقا (قبل دخول الصالة) وبين ما سوف يشاهده على الخشبة من (اماكن، طرق، اشكال الشخصيات، الازياء، الوان) وهو اتفاق يكاد يكون (اجبارياً) بين ما يريده العارضون ولابد ان يقبله المتلقون (سلبا وايجاباً)، "فمن يقصد المسرح يتوجب عليه ان يقبل... بانه هنالك واقع خيالي جديد سوف يمثله افراد جرى اختيارهم كمؤدين وان دوره... هو دور المتفرج"( ).
وما دام (الزي) احد العلامات المهمة التي يبثها الممثل عند ارتدائه له باتجاه الصالة فانه لا يمثل اشارة لاشارة واحدة بل اشارة الى اشارات متعددة (سلوك، نظافة، قذارة، انتماء اقتصادي، قومي، ديني) أي ان الزي من العلامات المركبة وليست احادية الاشارة فهي تشكل اهمية في ذوق المتلقين عند تلقيه صورة ذلك الزي وتطابق او اختلاف ما رسمه وما يشاهده الان على الخشبة، ذلك الحس المزاجي والذوقي هو(مقارنة خفية) فيما يرتديه هو وما ترتديه الشخصية على الخشبة، فالزي على المسرح من الحساسية بمكان لا تسمح باي فشل في اظهاره بشكل غير كامل من ناحية تفصاله وخياطته والوانه ومدى ترابطه مع جوهر الشخصية (المحبوبة او المكروه) في احداث المسرحية حيث تشكل علامة دالة على هوية الشخصية وانتمائها الاجتماعي والطبقي والقومي والديني فان "الزى هو شيء مادي واشارة في ان واحد، بمعنى ادق، يحمل الزي بنية من الاشارات، يعين الزي القومي هوية اعضاء طبقة اجتماعية، وهوية قومية ودين، ويرمز الزي الى منزلة لابسه وعمره"( )، ولا تشير الازياء فقط على هوية الشخصية بل حتى في سلوكيتها او نفسيتها فان "القميص غير المزرر يمكن ان يوحي بالجندي اللامبالي الذي يلبسه وهو جالس مع رفاقه منهمكا يشرب الخمر وحين يزرر القميص يشير الى موقف حريص ومركز واضح للالبسة"( ). ان تاثير الازياء فى الممثل وادائه تظهر معالمها من خلال راحة الممثل النفسية لما يرتديه ودرجة اقترابها من تصوره المسبق لطبيعة الدور او الشخصية فهذا الممثل بالتاكيد لن يكون راضيا اذا اسند له دور (الملك) وكانت ملابسه متهالكة وضيقة او الوانها غير متناسقة ويقف بجواره على الخشبة وزيره بملابس افضل منه، وهذا بالتاكيد سوف يؤثر فى أدائه ويجعله في حالة من التوترطوال مده العرض، وهذا ما يحصل مع ملابس الممثل في المونودراما عندما تكون ملابسه رديئة وضيقة وغير مريحة في حركته المتواصلة وبعيدة عن تصوره او تخيله لما مرسوم لصورة الشخصية الرئيسة، فالازياء عند الممثل في المونودراما ترمز الى حقائق يجب ان يصورها خياليا بالاشارة والايماءة والحركة السريعة والبطيئة للجذر التاريخي والطبقي والديني لكل الشخصيات الاخرى، وكذلك فان الازياء في المونودراما البعيدة عن الواقعية فانها تهتم بها على اساس اظهار الفكرة الاجتماعية او السياسية للنص بمعزل عن تطابقها في الواقع مع نمط عيش الشخصيات او مكانها او زمانها، وهنا يكون الاداء حرا أي لا يتجه اتجاها سايكولوجيا او واقعيا (مطابق للحياة) بل اداءا (تشخيصياً) يهتم بالفكرة وطرحها واسنادها الى ما تحتويه الخشبة من موجودات وعناصر مساعدة لها، ولما كان الممثل في المونودراما هو العلامة الرئيسة والمحرك لباقي العلامات على الخشبة فانها من خلال جسده المتحرك سوف تجري تحولا تلقائيا لباقي العناصر ولاسيما المتلامسة مع جسده ومنها الازياء اذ تتحول من شكل الى اخر تبعا لتكوين جسده الجديد والاداء المختلف والملائم للشخصيات الاخرى، فالرداء على الكتف قد يتحول الى عباءة فوق الراس او غطاء على الوجه للاخفاء والتنكر، وشرشف المنضدة الاحمر قد يتحول بيد الشخصية الى قطعة القماش الذي يستخدمه مصارع الثيران في اسبانيا واذا كانت بيضاء تستخدم كاشارة للاستسلام او الصلح او شراع سفينة،هذا الاداء المتغير يتحقق من خلال التوافق بين ما ينتجه الممثل من علامات متحولة وما يساعدها او يساعد تحولها من المهمات المسرحية او الاضاءة او الموسيقى ولاسيما الازياء بالطبع، ولما كان الممثل في المونودراما مستمرا في عرضه لفترة طويلة، فان راحته فيما يرتديه من ملابس والتي تؤثر فى طبيعة ادائه المتواصل والمرهق ومن ثم الضغوطات النفسية وهواجسه برضى او سخط متلقيه في الصالة والذين لا يجدون امامهم الا ممثلا واحدا وعدة شخصيات تفرض بالضرورة لحظات قلق لعينيه وذهنه في ان واحد، وعليه فان هناك جملة مؤشرات يجدر( بالمخرج ومصمم الازياء والممثل) ، اتباعها حتى تكون الازياء ملائمة لحركة الممثل وتطابقها مع واقع الشخصيات وملائمة للناحية( البصرية والجمالية) لعموم الخشبة .... واهمها:
1. تناسق الوان الازياء مع الديكور والمهمات المسرحية وارضية الخشبة وخلفياتها.
2. قياس تاثير شدة الضوء الساقط وانعكاسها على الوان الازياء فوق الخشبة.
3. تناسق الوان الازياء مع المكياج (في حالة وجوده) أي عدم استخدام الالوان المتضاربة.
4. مطابقتها مع بياض او سمره بشرة الممثل.
5. تناسقها مع الاكسسوار المرافق لها (الخاص بالازياء) من ناحية الحجم واللون والقيمة.
6. استخدام قطع الملابس المستقلة والسريعة الفرز لاستخدامها الخاطف في التحول من شخصية الى اخرى.
7. اختيار نوعيتها وفق الموسم الذي تعرض فيه المسرحية، أي عدم استخدام الملابس الغليظة في الصيف او الخفيفة في الشتاء وذلك لطول فترة اداء الممثل في المونودراما على الخشبة.
8. مطابقتها في التفاصيل لازمان الشخصيات الممثلة على الخشبة وأماكنهاودياناتها.
9. خياطتها بشكل يناسب والاداء الحركي المستمر والطويل للممثل في المونودراما.
10. خياطة اكثر من قطعة ملابس للشخصية الرئيسة (للاحتياط) واستخدامها في حالة الطواري.

#سامي_الحصناوي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات