|
الحلقة السادسة من سيرة المحموم في زمن الحمى ( 6 )
عبد الفتاح المطلبي
الحوار المتمدن-العدد: 3117 - 2010 / 9 / 6 - 09:41
المحور:
الادب والفن
الحلقه السادسة من سيرة المحموم في زمن الحمى ( 6 ) حمامة قالت وهي تحك منقارها على حجر سياج السطح وكانها تكلم نفسها ولكنني علمت من حمامة اخرى كانت اقرب الي منها على سطح الجيران الذي هو اعلى قليلاً من سياج سطح بيتنا ان الحمامة الاولى كانت توجه كلامها الواخز لي انا. قالت: انت لا تعرف شيئاً، انت ثقيل القلب، يشدك ثقل قلبك الى الارض شداً ويغلق اذنيك، كذلك قلبك أعمى، اكاد ارى حاجته الى عصا الاعمى، اما رأسك فثقيل أيضاً ولا يريد ان يفهم الا القليل الذي يعنيه واردفت بعدما ما رأتني مذهولاً.. ـ اترى اني حمامة مهذارة، أأرى انك انسان ثقيل القلب والرأس سؤالان جواباهما في رؤوس صغيرة مليئة باسئلة واجوبة اخرى كثيرة.. الا انني أود لفت نظرك الى انني افهم ورأسي خفيف وصغير وقلبي اخف من رأسي وحجمي أصغر مما ترى وظهوري بمظهر اكبر من حجمي سيئة من سيئاتي القليلة.. لان ذلك يغري الصياد، لا يغريك ريشي كما يغري ذلك الصياد لان تحت هذا الريش جسم صغير وعظام دقيقة كعظام سمكة، نعتقد قديماًاننا كنا اسماك وطرنا من البحر.. لان البحر واسع وموحش، لا يغرك ريشي لأنه ريش ، احياناً لخفته يطير بلا حمام.. ثم انني عندما انام لا يسقط رأسي على وسادة.. التحف بجناحي وانام.. احياناً على خيط رفع او سلك كهرباء كذلك عندما يأخذك النوم تلقي بجسدك على فراش سميك ووسادة لكي لا ينكسر عنقك او عظمك، لم اعر اهتماماً لما تقول، هي حمامة، كيف يعير الانسان اهتماماً لحمامة وقحة.. أحسب انني مخطىء لان الهدهد لفت نظر النبي سليمان (ع) لقضية حاسمة.. على أي حال هي حمامة وان قالت كل هذا الكلام المستعدي.. قالت: انت جاهل.. ولا تعرف شيئاً، استفزتني هذه الكلمة لم اعد أطيق تجاهلها.. لم ارمها بحجر.. لجأت الى وسيلة الضعف.. توسلت اليها ان تكف عن تقريعي ولومي.. لقد شبعت تقريعاً اليوم من اخي الكبير الذي يريدني ان اتعلم مهنته الحقيرة.. واتعامل مع لصوصه.. وانا افضل الموت على ذلك.. ان يبيع أي شيء ويشتري أي شيء.. لأي كان ومن أي اكان دون ان يسأل من هذا؟ وما هذا.. ؟ وكيف اتيت بكل هذا لكنه تروق له تلك الاسعار الزهيدة.. التي يشتري بها ما يجلب له ولا يبيع الا بما يعجبه وما يوازي استحقاقات ما تخلى عنه من امور معنوية واخلاقية ظن دائماً انه ليس بحاجة اليها.. ذلك انه كان ضابط أمن سابق درس تقدير الامور وتدرب على شم المصالح. قالت الحمامة: كان عندما كنت انت صغير شخصا مهماً ومخيفاً.. ملأ عين زوجته وعيون أهلها.. وفمها وأفواههم وفم المديرة وافواه المعلمات في مدرسة زوجته التي كانت بفضل ذلك تجلس على كرسي المديرة وتسترخي عليه عندما كانت تتطوع المديرة لتؤدي عنها واجبها في تعليم الصف الاول المشاغبين والمزعجين ، ثم بعد ذلك تقول للمديرة نعم ممطوطة و شكراً ممطوطة ايضاً كالاستيكة التي تمطها عندما تقرض المديرة مبلغاً من المال بين حين وآخر. بقيت مبهوتاً.. من اين لها هذا الكلام.. وهو أخي.. صحيح انه! وقاطعتني قائلة: الحمام يطير فوق يرى مالا يراه النمل الذي لم يرفع رأسه ابداً لانه مشغول بما يعنيه فقط رغم ان ذلك حدث مرة واحدة بتاريخ النمل كله عندما رفعت نملة رأسها وقالت ما قالت للنمل حينما مر جنود سليمان النبي في وادي النمل... بدأت اشعر انها تمتلك شيئاً من الحكمة.. قلت.. وبعد.. قالت: اخوك هذا اكتشف اللعبة مبكراً بعد أول احساس بالعجز والحاجة انتفض على نفسه.. وتطوع في كلية الأمن ، انت تعرف الباقي.. لكنك لا تعرف المهم منه.. عندماكان ضابطاً ايام التطهير العرقي.. الا تذكر صديقتك عفاف عندما كنت تقف مع الناس تنظرون الى الشرطه تلقيها هي وعائلتها في جوف سيارة الزبل العسكرية بعد اذان العشاء مباشرة ، كانت عفاف تستحم ، اخرجوها ملفوفة بمنشفتها .. هل تذكرت ؟ نعم تذكرت ! ولكن مادخل اخي بالموضوع ، لقد حاول جاهدا ان يتوسط بالموضوع وبكى حينها انا رايته يبكي صافقا كفا على كف ... ضحكت الحمامه ..، هل سمعت حمامه تضحك ..؟ قالت بعد يوم واحد مما جرى ارتدى بذلته الامريكيه الفاخره ، انت تعلم كانوا لا يلبسون الزي الرسمي ...لامور تتعلق بواجباتهم ..وربطة عنقه الانكليزية الجميله ، وحذاءه الايطالي الفاخر وعطره الفرنسي ،هكذا كانت الاحكومة تعتني بعملها الوطني ... وتنتقي مظهر المواطن الجيد من السوق العالمية ... ثم قابل مديره واستلم مكافاته عن ذلك الواجب بمناسبة صفقة يده على يده .، كانت رزمة من المكافأة في جيب زوجة اخيك في نفس الليلة . أذكر انه كان فحلا كما ينبغي تلك الليلة .. ثم اضافت أن مدرسة زوجة اخيك كانت المدرسة الوحيدة التي تتردد عليها سيارات بيك آب عندما يراها سالكي الشارع يبتعدون الى الرصيف الثاني ... ولاينظرون الى صوب المدرسة ابدا .. كانت تلك السيارات تجلب معونات المنظمات الدولية الخاصة بالفقراء ... وسكان الاهوار واعانات خاصة من مخازن مديرية الامن الممتلئة بكل ماتشتهي .... ، أن مالاتعلمه انت واعلمه انا ... هو انه كلف بواجب قيادة رتل مكون من ثلاث باصات ذات الاربعة والاربعين راكبا ... تتقدمها سيارته .. وخلف الباصات سيارتي حماية خاصة .. ، قاد هذا الرتل الى صحراء البسماية عند المكان الذي فيه ميدان الرمي .. منطقة عسكرية محضورة حتى على الحمير .. وجد هناك فريقا من مديريته وحفارا هيدروليكيا .. يحفر حفرا كبيرة ترجل من سيارته اعطى اوراقا لرئيس فريق العمل هناك .. وقعها ثم سلمها له وقال له مع السلامة الباقي علينا .. اخوك هذا كان يعرف مابداخل تلك الباصات الثلاث ، أما نحن الحمام الذي يطير فوق لاحظنا أطفالا يلصقون انوفهم وشفافهم الوردية على زجاج نوافذ تلك الباصات مزيحين الستائر السميكة الداكنة بين لحظة واخرى وعندما رجع اخوك من مهمته تلك تحول الى كائن أخر .. لقد فرّ جزء من دماغه .. أعتقد أنه الجزء المتعلق بالنزاهة في المخ ...فرّ ذلك الجزء النزيه طار كما يطير الحمام .. ولاحظ مديره ذلك الجزء من دماغه غير موجود لانهم يفتشون ادمغتهم بين مرة واخرى ... فكتب تقريرا حول ذلك فأحالوه على التقاعد ، كان يقول لنفسه .. انها غلطتي ..كنت امشي معهم مغمض العينين مالذي جعلني افتح عيني وعضّ على شفته فأدماها لانه كان يسير معهم كالبهلوان على سلك كالشعرة بعصا التوازن لم يمسك العصا من منتصفها فهوى بعد ان طار ذلك الجزء من دماغه . اتعلم حجم ماساته ... ان راتبه التقاعدي لايساوي نصف ( البقشيش ) الذي ترشه زوجته على مكتب مديرتها ... بقي فمي مفتوحا وأنا اسمعها وكانني أنصت إلى خرافة .. فكرت مليا ... هل يمكن ان تكون الحمامة عاهرة ... ؟! لم أفكر بذلك قط قبل هذه اللحظة ربما انني لو سألت سأعراف ... عندما ذلك سيضن الناس بي الضنون ... حمامة عاهرة ...؟! ... هذه الحمامة العاهرة أطاحت بأخي عند قدمي ... ثم اضافت قائلة : مالاتعرفه أيضا أن زوجة أخيك صارت تتعذب لعدم مقدرتها على الاحتفاظ بمكانتها في المدرسة وتلك العلاقة الراقية بينها وبين المديرية والمعلمات .. أمس تجرأت المديرة وكلفتها ان تذهب الى الصف لتعلم الاولاد ووصل الامر الى أن احدى المعلمات الحسودات المتزوجات قد اقامت علاقة مع ضابط صغير كان ياتي مع زوجها أيام جلب المعونات للمديرة والمعلمات من مخازن مديرية الامن العامرة بكل شيء .أن مايؤلمها هذا الحلول الموقعي والمجحف بينها وبين تلك المعلمة الفاسدة .. احبت كرسي المديرة الذي يغري على النوم ... صارت بعد ذلك هذه الفاسدة تنام عليه ... ، اللهم اغفر لنا سوء الظن وقذف المحصنات رغم انني وجوقة من الحمام شاهدنا بام اعيننا ... ولو اتيت بالحمام كله للشهادة فلن تقبل شهادتنا ... نحن حمام ... لم ينص على ذلك أي نص لاي فقيه ... قالت الحمامة ذلك واشارت بمنقارها الي وتمتمت قالت ولو أنك تعتني بالعاهرة أوجبت عليك كفارة لانني محصنة ،لي فحلي وبيضي وليس لي غيره حتى تطير افراخي .. وما لاتعرفه عن اخيك هذا ... أنه تورط بديون كثيرة بعد أن أفلس حتى صار يشرب الماء من فلينة كالتي يبيع فيها الصغار الايس كريم ... تورط بسرقات كبيرة من مخازن مديريته السابقة... سلع معمرة تم تسريبها الى السوق باوراق مزورة . كان يقول أنه يأخذ حقه ، ثلاجات تلفزيونات ، غسالات ، مجمدات ، تتسرب الى عميل مهم في السوق ومن ذلك انتعش جيب أخيك مرة اخرى ... كنت أنت صغير.. المهم أنه سلك الطريق ... ولما أستعاد عافية جيبه فتح هذا المكتب مع شريك كان في المهنة قبله . ولكي يعيد الامور لنصابها قال لزوجته راتبي التقاعدي لك كله خذيه لم تفارقه صورة الناس الذين أنزلوهم من الباصات الثلاث في ميدان الرمي ولالحاح هذا الجزء من دماغه على اعادة انتاج تلك اللجظة طار جزء أخر من دماغه ، أظنه الجزء المعني بالحياد بعدها لم يكن حياديا أبدا كان منحازا لذاته بقوة ، الاتنظر الى مكتبه بعد الهياج الجمعي يعج باللصوص من كل لون ... يمثلون الطيف الوطني كله ... يتصلون بانابيب دقيقة عبر التاريخ تنقل شيئا مما علمه هاروت لاجدادهم كان ثلاثة من بابل روادا دائميين قالت الحمامة أتعرف لماذا ... لانم كانوا وسطاء كبار للصوص كبار من ضباط الجيش كانوا يهربون الاسلاك الشائكة التي استعملت في الحرب وبقي كدس هائل منها في المخازن ولانها منطقة عسكرية كانت محظورة ولحاجة السوق لهذه المادة فقد برع البابليون احفاد اولئك الذين تعلموا على يد الملكين بطريقة تمويه تلك المادة بنزع شوكتها وتحويلها الى سلك عادي ... ولكنه ثمين ... جميعهم أصبحوا تجارا مرموقين من تلك اللعبة التي صارت تفرق بين السلك وشوكته .. كانت أياما مباركة لاخيك وللصوص الكبار والصغار يموهون له السلعة ، تصل الى المكتب بدينارين ويبيعها بالفي دينار هكذا شب أخوك عن طوق العوز اتعرف أنه الآن لايجيد الا هذه اللعبة .. لقد برع فيها صار استاذا وله تلاميذ ... وطريقه ... استرجع مظهره القديم بدلة انيقة حذاء فاخر ولكن بلا رباط كيف يكون له رباطا باي شيء .، وزوجته تقبل يدها ظهرا وبطنا على هذه النعمة ... وكلما أرادت أن تقنعه يذهب الى الحج ... فيحسبها ...والنتيجة يحجم عن الذهاب الى الحج ليس لجسامة ماينفق ولكن لجسامة مايفوته من صفقات ... شعر بالحاجة الى الاولياء الصالحين فكان يذهب كل خميس بسيارته الحديثة اليهم يتعلم في حضرتهم بكاء ذا طعم مرّ ... تزداد مرارته كلما أزدادت حلاوة صفقة جديدة ... شعرت من كلام هذه الحمامة العاهرة انني مريض وان تمثال اخي الكبير قد تحطم تماما وصار نثارا فوق رأسي ... وغزتني الحمى بشكل فاعل وقوي وجاد هذه المره ، هل ترون ذلك مبررا لغزو الحمى لجسدي المنهك ...
#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحشد- قصة قصيرة
-
الحلقة السابعة من سيرة المحموم في زمن الحمى(7)
-
عندما أكلني الذئب
-
الحلقة الخامسة من سيرة المحموم
-
علبة أمي الفارغة- قصة قصيرة
-
الحلقة الرابعة(4) من سيرة المحموم في زمن الحمى
-
الحلقة الثالثة من السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى(3) ((ال
...
-
السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى- الحلقة الثانية
-
السيرة الذاتية لمحموم في زمن الحمى
-
العنقاء بغداد -قصيدة
-
قرار السيد الوزير -قصة قصيرة
-
مرثية-لبغداد
-
ذات الوشاح
-
السر-قصة قصيرة
-
سلاما لبغداد- قصيدة
-
صديقي فارع الطول-قصة قصيرة
-
رهاب- قصة قصيرة
-
وظيفة محترمة - قصة قصيرة
-
حصيات شيرين الجميلات- قصة قصيرة
-
مياه ضحلة- قصة قصيرة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|