أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - لطفي الهمامي - حفل أنصار إسرائيل والرّقص على موسيقي الدّبابة















المزيد.....


حفل أنصار إسرائيل والرّقص على موسيقي الدّبابة


لطفي الهمامي
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 3117 - 2010 / 9 / 6 - 09:06
المحور: القضية الفلسطينية
    


حفل أنصار إسرائيل والرّقص على موسيقي الدّبابة
رُوّج في أواخر شهر جويلية على الشبكة الاجتماعية الفايس بوك أجزاء مقتضبة من حفل، يظهر فيه عدد من المغنين التونسيين ،وهم كل من، سليم البكوش ومحسن الشريف وعبد الوهاب الحناشي ونور الدين الكحلاوي كما تردد أن حسين العفريت الذي لم يظهر في الصورة كان من بين الحضور، بالإضافة إلى مجموعة من العازفين من بينهم "ألسلامي" عازف الكمنجة. و يبدوا من خلال الأغاني واللباس، أن الحضور كان مخصصا لتونسيين أو لأشخاص من أصول تونسية، كما يبدوا من خلال مشاهدة الفيديو أنهم من أنصار الرئيس بن على لأنهم رددوا دون أية تردد شعار "يحيا بن على" عندما دعاهم محسن الشريف لذلك ،و أنهم ردّدوا بنفس الطريقة شعار "يحيا بيبي ناتنياهو" في انسجام لم يظهر عليه أية مظاهر لرفض ذلك، مما يعني أنهم كذلك من أنصار إسرائيل .

كما تردد أن هذا الحفل أقيم في" ايلات" الخاضعة للإدارة الإسرائيلية مما يعنى انه وبقطع النظر عن ترديد" يحيا ناتنياهو"أو بن علي فان الحاضرين في الحفل والداعون إليه هم من أنصار الكيان الصهيوني ،وليس للحفل علاقة أو ارتباط بالديانة اليهودية اعتبارا لكون هناك من التونسيون من يعتنقون اليهودية إلا أنهم ليسوا من أنصار إسرائيل بل موقفهم متجذّر في الدفاع عن القضية الفلسطينية وهم في الصفوف الأمامية في النضال ضد الصهيونية.

منذ ترويج الفيديو ظهرت عدة بيانات إدانة، ومقالات صحفية امتدت إلى الصحافة العربية، والقنوات التلفزية، وتطور الأمر إلى حملة واسعة رفعت عديد المطالب، وأبرزت حجم السخط الواسع على هذه الحفلة وعلى المغنين.

من الملاحظ أن مغلب الحملة التنديدية تركزت على نقاط محددة من الموضوع وانحرفت عن الموضوع الأصلي وكيفية التعاطي معه.

فالبعض من متابعي الحدث رأوا في الحملة هستيريا غير مبررة، وعنوان لتخلفنا، في حين رأى آخرون أن الموضوع فرصة لمحاصرة "المطبعين" وفضحهم والتشهير بهم قصد عزلهم، وآخرون اعتبروا هذا الحفل احد المؤشرات والدلائل على مدى توسع تأثير الكيان الصهيوني في بلادنا.
في هذا الإطار أود المساهمة و التفاعل مع النقاشات، الجدية منها خاصة.

كيف يمكننا قراءة الحدث

لأنه حدث ارتبط في ظاهره بالمناداة بحياة "المجرم العسكري"واحد أهم القيادات السياسية الإسرائيلية"ناتنياهوا"تحول إلى حدث غير عادي، ففقد بذلك طابعه الاحتفالي الخاص، وارتبط بالموقف من الكيان الصهيوني .الموقف الذي بات بديهة لدى الجميع على مر السنوات والآلة العسكرية والسياسية والإعلامية الصهيونية تقاتل وتقتل شعب بأسره وهو الشعب الفلسطيني المناضل.

وخلافا لما ذهب إليه البعض من نقاش وتنديد بمحسن الشريف لأنه نادي بحياة ناتنياهوا ، اعتقد أن الموضوع لا يمكن التركيز على جزء منه وترك الموضوع الأساسي فيه جانبا.إن هذا الحدث كغيره من الأحداث مرتبط بالمناخ والإطار الذي حدث فيه. فمثلا لو أقيم حفل خاص، في احد الأحياء الشعبية بالعاصمة وردد احد المغنين شعار "يحيا بن على " فمن المتأكد أن الحضور لن يردد معه ذلك، بل ربما وهو على الغالب أن يبلغ آذانه السب والشتم ونعته ب"القواد" ،ولو تنادى بحياة "ناتنياهوا"فان ردة الفعل ضده أتصورها شبه قاتلة بالمعنى الجسدي للقتل.

أما إذا كان الحفل منظم من قبل الحزب الحاكم، فالإطار منسجم والهتاف بحياة بن على ،ولا يمكن لأي كان أن يردد شعار آخر دون الإذن له وطلب ذلك منه مثلما يطلب من المغنين العلرب عادة في المهرجانات بذكر بن علي ومناقبه في دعم الفن والفنانين .هذا ما يجعلني أتساءل عن الإطار الذي يمكن أن يردّد فيه "يحيا بن على"من قبل المغنى وكذلك الحضور وفي ذات الوقت المناداة بحياة "ناتنياهوا". ومن الواضح من خلال مكان الحفل واللباس والأغاني والكلمات ،أن هذا الحفل ما هو إلا حفل يحضره تونسيون مناصرون لبن على ولإسرائيل، وان الذي نظم هذا الحفل بما فيه من إجراءات تنقل وتأشيرات وتمويل، هو جهة ذات علاقة بنظام بن على والكيان الصهيوني، وفي هذا الإطار يصبح نوع الشعارات التي رفعها محسن الشريف أو غيره من السلوك عادى في هذا الإطار وليس كما ردد البعض أن الحفل خاص،وخال من أية شبهة ،وان محسن الشريف نادي بحياة ناتنياهو بإيعاز من احدهم وحتى لو كان ذلك صحيح فان هذا الأخير يعرف طبيعة الحفل والإطار الذي هو فيه يسمح بذلك، مما يعنى أن الحفل هو لتونسيين من أنصار إسرائيل وهو مكمن الاحتجاج .

كما أن السلطة على دراية تامة بالموضوع، وهو مندرج ضمن سياستها بمبرراتها اقتصادية تارة والسياحة الدينية أخري "تحت حس مس ".

علاقة المغنين بالسلطة

سارع العديد من "المتملقين"للسلطة بإبراء ذمتها من المغنين، وصمتت الجهات الرسمية رغم ارتباط اسم بن على بناتنياهوا ومن الملاحظ أن الجرائد التونسية التي تناولت الخبر ركزت على ناتنياهو وتجاهلت تماما المناداة بحياة بن علي اقترانا بذلك.
من المعلوم أن هؤلاء وزمرة من المغنين التونسيين هم من جوقة النظام، فهم من يحيون حفلات التجمع الدعائية لبن علي، وخاصة منها الانتخابية، وهم من بين الذين تستعملهم السلطة باستمرار في المباركة والمناشدة ل"رائد الإصلاح"، كما أنهم سفراء النظام لإحياء حفلات الولاء "لصانع التغيير"في أوساط الجالية التونسية المهاجرة وذلك بتنظيم من قبل هياكل الدولة أو الحزب، كما أن درجات التملق والانتهازية والوصولية لديهم لا يضاهيها شيء من مثل دعوة محمد الجبالى لرئاسة بن على مدى الحياة على شاشة تونس 7 أو من مثل تملق منصف عبلة بالتفنن في وصف بن علي وهو يحي حفل للجالية بمناسبة الانتخابات الرئاسية الخامسة، إضافة إلى إحياءهم حفلات للأجهزة الرسمية للدولة مثل الجيش والديوانة والحرس وغيره.
إن هؤلاء هم في الحقيقة، الأبواق الدعائية باسم الفن لهذا النظام، وهم أصحاب الأيادي الطويلة في الجرائد والإذاعة والتلفزة، وجعل منهم النظام رموز ذات نفوذ مالي ورمزي يسيطرون به على هذا الفضاء.

هؤلاء اللذين يتغنون في حفل أنصار إسرائيل، مرتبطون بدوائر المال والنفوذ. في الوقت الذي تحاصر السلطة فيه أية إمكانية لغيرهم من الأصوات المبدعة، الملتزمة أو الناقدة أو غير المنضبة للجهاز الرسمي وتمنع عنهم الفضاءات العمومية والخاصة ويعمد إلى تهميشهم والنفخ في زمرة مثل هؤلاء المتذللين للنظام ولناتنياهوا وحتى للشيطان إذا كان "العربون" جيّد.
لقد تربوا على الولاء للنظام وليس لتونس، لذلك جزء منهم ينتصرون إلى" العربون" الإسرائيلي والآخرون إلى "عربون" المناشدة والتملق لصاحب نعمتهم وليس للشعب التونسي أو لراية الوطن.

فلا غرابة إذا أن يردّد حسين الشريف" يحيا بن علي"لان بقوله ذاك يمكنه أن يقول بعده ما يشاء فالمهم التحية التي ترضى عنه الجماعة.

مقاومة المطبعون: سحب الجنسية والشتيمة

توسعت حملة التنديد بأنصار إسرائيل واتخذت اتجاهين رئيسيين:الأول تمثل في صدور مواقف رسمية عن هياكل نقابية وفنية وسياسية تميزت بوضوح الموقف والتنديد بمثل هذه الممارسات، والتأكيد على مناهضة التطبيع ومساندة الشعب الفلسطيني إجمالا ،أما الحالة الثانية فتمثلت في الدعوة إلى سحب الجنسية عن اللذين شاركوا من "الفنانين" وتصويرهم على شاكلة حيوانات مشوهة، مثل القردة والخنازير، واستعمال شعارات هتلرية، وصورته في إشارة إلى نظرة ايجابية منهم إلى ما اقترفه هتلر ضد اليهود، إضافة إلى الشتائم يشتى ألوانها التونسية، وبدا هذا الاتجاه الأخير مسيطرا على الحملة على المواقع الالكترونية.

أود مناقشة الحالة الأخيرة ليس من زاوية أخلاقية ،أو من قبيل الوعظ، وإنما طرحها من زاوية تتعلق بالأفكار والتصورات التي يمكن أن تقدمه باعتبارها مؤشر عن أفكار سائدة في المجتمع التونسي.

إن المطالبة بسحب الجنسية هي مطالبة مرفوضة، فليس من حق أي تونسي أن ينزع الجنسية عن تونسي آخر مهما كانت الجريمة المقترفة،وهي مطالبة لا يمكن الدفاع عنها سواء كان رافعها له دراية بخطورتها أو الذي يرفعها غير مبال بطبيعتها.
لماذا نطلق مثل هذه الأحكام ؟ ولماذا لا نتبنى هذا المطلب ونعمل على تحقيقه عبرة لمن يعتبر؟
السبب الأول الذي يجعلني ضده بلا هواة وهو سبب تاريخي ،لقد كان سحب الجنسية أو النفي من البلاد أسلوب الاستعمار في مواجهة الوطنيون، وكان هذا الأسلوب بيد السلطة القهرية فتستعمله لتصفية خصومها فهو سلاح سياسي لا علاقة له بالعدل والعدالة، ولعل المتابعون الآن لحملات اليمين اللبرالي الحاكم في أوروبا يدرك خطورة مثل هذا الشعار الذي يرفعه ساركوزي مثلا في فرنسا كدرجة من درجات العقاب، ولا تتوانى الأنظمة الدكتاتورية العربية باستعمال هذا الأسلوب.

السبب الثاني ديمقراطي: فمن المفروض أن المنتصرين إلى القضية الفلسطينية يكونون مدافعين عن المواطنة والمساواة بين كافة أبناء الوطن في الحقوق والواجبات ومن بين الحقوق والواجبات الحق المطلق للمواطن في وطنه مهما بلغت جريمته يحيا فيه ظالما ومظلوما حرا ومسجونا مادام لم يقرر هو التخلي عنه.السبب الثالث يعود إلى مبدأ العقاب في حد ذاته فالبشرية عبر تطور ممارستها وتجاربها ووعيها ترفع دائما مبادئ لصالح البشر عامة من مثل ذلك استبدال أقصى أحكام الجناية بالحكم مدى الحياة بدلا عن عقوبة الإعدام.

فنضالنا من اجل الديمقراطية هو كذلك مرتبط بمقاومة سلسلة من العقوبات القروسطية على قاعدة رؤية إنسانية لمفهوم العقاب والأحكام الجنائية ،مثل حكم الإعدام وقطع الأطراف وقهر الجسد وكذلك مقاومتنا لعقوبة النفي والإبعاد وسحب الجنسية ،وهذه المكتسبات الإنسانية لا تعنى إقرار الإفلات من العقاب بل أنسنته وتحديد أطرافه وحدوده سدا لأية إمكانية لعودة أفكار العقاب الطبيعي لما فيه من بربرية ووحشية.

لان النضال من اجل فلسطين حرة ومن اجل هزيمة الكيان الصهيوني، لا يكون إلا بمبادئ إنسانية راقية وثورية في طرحها والدفاع عنها، لذلك فان المطالبة بسحب الجنسية يندرج ضمن أطروحات العقاب الجنائي الماس من الحقوق الأساسية للمواطنة التي تقضي الحكم العادل والعقوبة العادلة .

وبنفس المنطق فاللذين يهاجمون أنصار إسرائيل عبر رفع شعارات نازية واستعمال صورة هتلر لا يعكس أية جدية في مقاومة الصهيونية و"تطبيع المطبعين" ، ولا معنى له سوى تبنى أطروحات مجرمين بدعوي النكاية في اليهود.إن هذا التعميم وهذا الأسلوب يعود إلى اللذين ينادون بالعنصرية. أما المناهضون للاحتلال الإسرائيلي فإنهم يناضلون من اجل القضاء على العنصرية وليس نصرتها.

أما من الناحية النقدية الفنية، عبر نقد هؤلاء بطريقة تعتمد على تركيب الصور ومحاولة إدراجها في قالب الكاريكاتير ومن ثمة الدفاع عنها من هذه الزاوية، فهذا الرأي لا يفصل بين أمرين، وهما النقد من ناحية، والسقوط في العنصرية من ناحية ثانية.
إن عملية تركيب الصور وتحويلها إلى كاريكاتير، تعتبر فن من بين الفنون، ومجال حرية هذا النمط من الفن واسع ولابد من الدفاع عنه، ومادمنا ندافع عن عروس البحر باعتبارها متكونة من جسم سمكة ورأس امرأة جميلة ،يمكننا أن نضع رأس رجل ما على جثة خنزير، ونسميه ملك جمال البر حتى لو كان هذا الرأس راسي فلا يهم مادامت العملية واردة في مجال الرمزية والنقد ،أما إذا تحول المضمون إلى الفصل بين الفرد الخنزير والفرد العادي المتفوق عليه ،فهذا ينزلق بنا إلى العنصرية وهو ما برز من خلال الحملة ضد هؤلاء، وهو ما أدينه بدوري لأنه أسلوب عنصري منحط أخلاقيا وسياسيا وقيميا.


مقاومة الصهيونية والنضال من اجل الديمقراطية، ردّا على احمد الكحلاوي

بروز وتطور التناقضات بين الكيان الصهيوني وأنظمة دكتاتورية واضح وبارز في المنطقة العربية .كما أن الكيان الصهيوني جعل من تلك الأنظمة "الفزاعة" الدائمة بدعوى تهديد وجوده، وفي الواقع ليس ذلك بصحيح. كما أن الدكتاتوريات المتقاطعة مصالحها مع هذا الكيان مستمرة بدورها في تبرير إيديولوجيا الدكترة بالتصدي للكيان الصهيوني تحت راية المسالة الوطنية والقومية في حين أنها في الحقيقة عمالتها فائقة الرائحة. ولكن هناك أنظمة أخري علاقتها بإسرائيل أكثر تعقيدا لأنها قائمة على جملة من المعادلات المتداخلة ليس المجال مجالها.

أريد بهذه الإشارة العودة إلى موقف ليزال منتشر لدى البعض في تونس ويتمثل هذا الموقف في الفصل بين النضال من اجل الديمقراطية ومقتضياته النضالية في التصدي لنظام الحكم مدى الحياة، والاستيلاء على الدولة، والسيطرة على المجتمع ، وهو ما يكلف ضريبة قاسية من القمع بمختلف أشكاله لمن يتخذه نهجا له من جهة، ومقاومة الصهيونية و التطبيع من جهة ثانية.

وتبيّن خلال السنوات الماضية، عدم صلاحية هذه الرؤية التي تفصل بين النضال الديمقراطي الداخلي ومقاومة الصهيونية لأنه لا إمكانية للفصل بينهما، فالنضال من اجل الديمقراطية هو العمود الفقري لمناهضة التطبيع وليس العكس، فتبنى القضية الفلسطينية والقضايا العربية يمر عبر طرحنا ونضالنا الديمقراطي في تونس ومواجهة الدكتاتورية والدكتاتوريات بالداخل.في هذا الإطار أقدم ملاحظات حول موقف شخصية معروفة في تونس بمناهضة التطبيع وموقفه من هذه الحادثة وهو الأستاذ احمد الكحلاوي.


يقول الأستاذ في اتصال مقتضب بقناة الجزيرة ما معناه أن هذا الفنان(في إشارة إلى محسن الشريف) حالة معزولة، وفي إجابته عن المناداة بحياة بن علي اقترانا بناتنياهو قال (نرفض ربطه بأي كان من التونسيين).

من خلال هذه العبارات يحاول احمد الكحلاوى جعل الحدث بسيط ومحدود ومعزول، وانه ليس إشارة جدية أو كشف لما يمكن أن يكون أوسع انتشارا وقوة ونفوذا . فركز على انه معزول وقوله انه معزول هو قول يقصد من وراءه أن مقاومة التطبيع في تونس ناجحة باعتبارها موضوع وحدة بين الشعب والمعارضة والسلطة. واستعماله لهذه الصيغة دون أية إشارة نقدية للسلطة تجعل من موقفه حالة تبريرية وترديد لموقف السلطة ذاتها الذي لا يعكس الحقيقة ومدى انتشار العلاقات بين النظام التونسي والكيان الصهيوني . مما يجعلنا نطرح سؤال هل بالفعل السيد الكحلاوى يجهل الواقع ،أم أنه يحاول التخفيف من الفضيحة لصالح جهات يعرفها هو قبل غيره؟


الإجابة الأكثر منطقية أن السيد احمد الكيلانى ليزال متمسك بأجوبة خاضعة إلى تصوراته السياسية،التي تقدم قضية مناهضة الصهيونية على النضال الديمقراطي الداخلي وذلك لدرء بطش النظام به إذا ما ربط الموضوعين ،ومن حيث لا يدري يجد نفسه في مثل هذه الوضعيات مدافعا عن النظام ومتخلى بذلك عن القضية التي يدافع عنها.وهو بذلك لا يستند إلى الواقع والوقائع وان مضمون فكرته أن النظام ليس له دراية وان هذا الحدث معزول وان التطبيع في تونس مقاوم وان ربط اسم الرئيس التونسي بهذا الموضوع مرفوض وإذا ما اعتبرنا أن الأستاذ الكحلاوى مقاوم للتطبيع ويتبنى مثل هذه الأطروحات واضح سياسيا انه يفصل بين مقاومة التطبيع والنضال من اجل الديمقراطية وما يزال يعتقد أن مهادنة السلطة وعدم قول كامل الحقيقة اتقاء لقمعها وان مثل هذه المواقف التي تنضر للواقع بنصف العين تسهل عليه مهمته واستمرار وجوده في الدفاع عن القضية الأم وهي مناهضة التطبيع.

مثل هذه المواقف هي التي تشيع السلبية في التصدي للتطبيع المقاد رسميا من النظام بأساليب ملتوية.والدلائل على ذلك في أن مقاومة الصهيونية تمر أولا عبر مساندة للشعب الفلسطيني مساندة فعلية وليس "دقان حنك"وفي هذا الإطار هل يمكن لمواطن تونسي أن يجمع ابسط التبرعات لهذا الشعب المقاوم حتى ولو كان كراس.الم تتفطن السلطة للنقابات والأفراد الذين فعلوا فعل المساندة وعاقبتهم على الفور، ومنعت كافة أشكال الإسناد، في حين تقام الحفلات في "ايلات". واعتقد أن السيد احمد الكحلاوى يعلم ذلك ولكنه لا يقول الحقيقة إلا التي يرى أنها لا تزعجه.

فتحي بالحاج يحي واستبدال النقد بالتبرير

لقد أصاب السيد فتحي بالحاج يحي في توصيف بعض جوانب الحدث، إلا انه، ورغم أسلوبه الرمزي الساخر، لم يوفق في تأطير الموضوع، وإنما سقط في أطلاق بعض الأحكام العامة، والمقارنات التي أرى انه دسّها مواقفا سياسية يمكن رصدها في الجوانب التالية:

عندما كتب السيد فتحي عن محسن الشريف حاول بسط الموضوع على انه بسيط وعادي، بل قام بعملية تبرير مزيّنة بعبارات وأفكار غير سليمة من جهة الواقع والحيثيات، وقدمها على أنها موثوق بها .حيث يقول في هذا الإطار:
"عندما يسافر إلى خارج تونس لإحياء حفل ما يشعر كما يشعر سائر الفنّانين التّونسيين، بأنّه سفير للأغنية التّونسية فتسكنه الحاجة إلى إعلان ذلك على الملأ. وكي لا يطول شرح مهمّته في إعلاء شأن بلدنا الصغير جغرافيا والكبير ثقافيا، فهو يختزلها في اسم رئيس الدّولة"

اعتقد أن هذا الرأي لا يعكس الحقيقة بالمرة بداية لان هؤلاء عندما يقيمون الحفلات خارج تونس في اغلب الحالات يكون منظمها التجمع أو إحدى مؤسسات الدولة وبذلك تكون المناداة بحياة الرئيس ليس لغاية تعريف الآخرين بالفن التونسي بل إن القادمين هم بدورهم يعرفون من سوف يغني ويذهبون لفلان أو علان وان ترديد شعارات التزلف ما هي إلا عادات التجمع المهيمن على مؤسسات الدولة وليس كما ذكرت بتاتا.ثم ما موضع هذه المغالطة بان يعرف السامع هل السامع يذهب للاستماع دون معرفة مسبقة ؟ لذلك فان هذه العادة لا توجد وتنتفي كليا إذا ما كان الحفل منظم من قبل جهة غير التجمع أو القنصلية أو جمعية تابعة لهم وهذا بالتجربة وواقع الأمور فالتعميم في القول خطير من هذه الزاوية لان تونس والفن التونسي والأغنية التونسية اكبر من هذا الحزب ومن المسيطرين عليه.
والحجة الثانية التي تأكد ما ذهبت إليه أن هذا ما يقع داخل تونس أيضا فالحفل المنظم من قبل وزارة الثقافة أو التجمع تفرض على المغنى حتى الأجنبي على ذكر الرئيس فهل هؤلاء يريدون أن يعرفوا الشعب التونسي بمن يحكمهم ؟.

لذلك لا علاقة لهذا الموضوع بالاستقلال بل بالحكم، أي أينما وجد حفل فيه تأثير مباشر تنظيميا للتجمع ذكر الرئيس ،وأينما وجدت مساحة فاصلة اقل ضغط لا يذكر فيها الرئيس، وعندما يكون حفل مستقل عن السلطة يكاد يكون معاديا لها، فإذا ما ذكر الرئيس تأفف الجميع ووصف القائل "بالقواد" هذا إذا لم يرجم بالنعال سواء داخل تونس أو خارجها.إن هؤلاء ليسوا بسفراء الأغنية التونسية كما تدعى بل سفراء مصالحهم المرتبطة بالحزب الحاكم.

كما تقول تبريرا مرة أخرى"وفجأة اقترب منه شخص من الحضور وأسرّ له في أذنه بشيء ما فأخذ ينادي "يحيا نتانياهو، يحيا بيبي". لم يتردّد لحظة ولم يفكّر في الموضوع إلى درجة تَحْمِل على تصديقه عندما صرّح أخيرا على "الفايس بوك" بأنّه لم يكن يعرف من هو "نتنياهو"".

هل بالفعل السيد فتحي يتبنى فلسفة "الفجأة" في نقد الظواهر والأحداث، وهل كان ترديد ذلك من قبل الحضور فجأة؟ أم أن الإطار مناسب وغير متناقض وهذه الشعارات وهو منسجم و الحضور.أما عن عدم معرفة محسن الشريف بناتنياهو فلا أصدقه إلا إذا صدقت أنت انه لا يعرف بن علي.

كما أن محاولة الفصل المنهجي بين "يحيا بن علي "القادمة من سفراء الأغنية و"يحيا ناتنياهوا"القادمة من "واسرّ له في أذنه"هو فصل تركيبي وليس واقعي وتعميق البحث في الفصل الكامن في الخلفية هو حفر غير معتمد على التفكيك والنقد والاستنتاج الموضوعي وإنما قادم من محاولة تمرير فصل على القياس السياسي لحضرتكم.

أما النقطة الثانية التي تبدوا غير واقعية وركز عليها السيد فتحي في تعميه قوله:

"الغريب في الأمر أنّ أطرافا من المعارضة التونسية التي استُهدفت مباشرة من قبل قانون متابعة كلّ من يمسّ بمصالح البلاد الاقتصادية، وعانت من قسوة أن يجد المرء نفسه أمام أشخاص يزايدون عليه في وطنيته وانتمائه إلى هذا البلد، قد انخرطت بدورها في مطلب سحب الجنسية التونسية".

وهذا غير صحيح، والقول هذا يدفعني أن أقول أن هناك فكرة مسبقة قائمة على التجني من قبل الكاتب لان المعارضة التي تم استهدافها من قبل النظام بقانون "الخيانة"واتهمها بتعطيل اتفاقية الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوروبي لم تنخرط في هذا النقاش ولم تطالب بسحب الجنسية، وخلال هذه الفترة بالذات مكوناتها كانت منشغلة بملفات نضالية أخري ولا اقصد طرف بعينه وإنما المعارضة المهاجمة مباشرة من قبل النظام وليس معارضة "لا أنحبك ولا نصبر عليك"أو معارضة "المناشدة والمباركة".
وإذا كان يقصد السيد فتحي تتسيب الأمور إلى درجة تقارب المعارضة "المتجذرة"والذهنية العامة لإبرازها على أنها معارضة نفسية وانفعالية فهذا غير سليم لان المعارضة الديمقراطية التونسية اليوم متجاوزة موضوعيا لما أردت الذهاب إليه.
كما أن النقابات والهيئات والجمعيات التي عبرت عن موقفها كان موقفها مبدئي ومعقول ونضالي ولم تسقط في النقاشات التافهة والمزايدات ولم يصدر في أي بيان من بياناتها مطلب سحب الجنسية لذلك لم تصب الهدف.

وما بنيته من استنتاجات على هذه المصادرة غير السليمة تصبح لا معنى لها سواء في المبدأ العام أو في التخصيص.
أما في قولك"في البلاد ألف ملفّ وملفّ يحتاج من المعارضة معالجة وتفسيرا وشرحا....." فهذا لا يلغى حق الناس في التعبير ونقاش موضوع بعينه في خضم الملفات لان الأمور في هذا الإطار لا تسير مثل الإدارة، فالحالة السياسية والاجتماعية والفكرية مفتوحة على الاحتمالات، وتداخل الأولويات بين اللحظة والأخرى، وهي حركة غير منضبطة منهجيا لزاوية نظر منعزلة. والنقاش في مثل هذه المواضيع لا يعنى إلغاء لأي موضوع آخر ولا إعادة تصنيف الأولويات والملفات ثم إن الحركة الاجتماعية المحدودة أو الواسعة الجماهيرية هي التي تبوّب أولوياتها وليس العكس.

طرح السيد فتحي عدة نقاط أخرى في مقالته تحتاج للنقاش من الناحية الفكرية وخاصة في تحديد الوقائع ذاتها.كما أن العناصر التي تعاملت مع هذا الموضوع بشعارات عنصرية وبشعارات مستمدة من تاريخ الدكتاتوريات والإصرار على الاكتفاء بسطح الأمور ،ليس مسالة قدرية هكذا دون وجود أرضية منتجة لها والسيد فتحي يعرف ذلك لان المجتمع المكبوت والمحاصر يحتاج إلى حركة وعي وفي حالتنا الراهنة حركة الوعي لن تمر إلا عبر التصدي للدكتاتورية الحاكمة.
لأنها هي التي تحجب الحقيقة عن الشعب وتحول دونه وقضاياه العادلة،كما أن تغلل الصهيونية لا يكف ولعل خبر رافائيل حداد الجاسوس الإسرائيلي صاحب الجنسية التونسية وافتضاحه بعد تاريخ الحفل تزيد من التأكيد على هذا الخطر.

ملاحظة

1- نص السيد فتحي بالحاج يحي بعنوان :"بيبي"طلع موش بو العروسة . الموقع الالكتروني الأوان بتاريخ 13 آب 2010
2- تصريح قدمه الأستاذ احمد الكحلاوى لقناة الجزيرة المغاربية عبر الهاتف.
سبتمبر 2010



#لطفي_الهمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -نهار على عمّار-
- الطاهر الهمامي :رحل تاركا أثرا يدل عليه
- حتى إسماعيل فعلها....يا عرب.......
- رسالة خاصة في الممنوعات
- ظبيةٌ بريّةٌ، ثائرةٌ تراقب
- الحالمُون في الوطن الحالم
- وَجهُها يفتحُ نوافذهُ للقمَر (سهام عقيل)
- لافتة خارجة عن الصف
- بدون تصفيق
- وقوف المَنازل
- قصص الأجساد
- -مٌناشدة -
- -حق العودة- التونسية الجزء الثاني
- -حق العودة - التونسية
- فلينهض الشعب السوداني ضد جلاده
- المدن الجريحة
- الانقلاب على جمهورية الجماهير
- العنكبوت-3-
- العنكبوت-2-
- العنكبوت


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - لطفي الهمامي - حفل أنصار إسرائيل والرّقص على موسيقي الدّبابة