فاطمة الزهراء المرابط
الحوار المتمدن-العدد: 3116 - 2010 / 9 / 5 - 09:42
المحور:
مقابلات و حوارات
القاص المغربي البشير الأزمي... في ضيافة المقهى؟؟!
- الحلقة 67 -
من الحمامة البيضاء، قاص عميق في متنه الحكائي، يبحث بشكل مستمر عن لغة وأحداث مثيرة لتأثيث قصصه القصيرة المتناثرة هنا وهناك، ومن أجل التعرف على المبدع المغربي البشير الأزمي وعلاقته بالمقهى كان الحوار التالي:
من هو البشير الأزمي؟
البشير الأزمي عاشق للحرف والكلمة، من مواليد مدينة سبتة، وإن كانت الوثائق الرسمية تسجل مولدي بتطوان. تلقيت تعليمي الابتدائي بسبتة وتطوان، إن كنت أنسى فلن أنس كلاّ من الفقيه العروسي، رحمه الله، الذي لقنني قراءة وحفظ القرآن الكريم في بداية مشوار فك الحروف. وأستاذ مادة اللغة العربية، للأسف خانتني ذاكرتي في الاحتفاظ باسمه، أقول الأستاذ الذي علمني وزملاء رحلة البحث عن الانعتاق من براثين الأمية، عبر غرس بذور حب وعشق اللغة العربية في نفوسنا. و Don Fermin لذي ألقى بنا، في سن مبكر، بين أحضان لغة"Cervantes ".
رحلة التحصيل الثانوي والعالي كانت بتطوان، المدينة التي أعشقها بجنون منظم. حصلت على الإجازة في أصول الدين وولجت سلك التدريس ثم التحقت بالعمل الإداري بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجة - تطوان.
كيف جئت إلى عالم القصة؟
عالم القص يلفنا، يحيط بنا. تسيجنا خيوطه. تأسرنا شباكه. عالم القصة استهواني في وقت مبكر. كنت وأصدقائي نقصد المكتبة الإسبانية لقراءة القصص المصورة، كانت القصص باللغة الإسبانية، كان في الحقيقة ما يشدنا نحو المكتبة الإسبانية التي أصبحت اليوم تحمل اسم "معهد سيرفانطيس"، هو الهدية التي كنا نحصل عليها إن نحن التزمنا الهدوء والانضباط خلال فترة تواجدنا في فضاء المكتبة؛ كنا نسبح الفترة التي نقضيها بالمكتبة في بحر الصمت؛ صمت المقابر، سعياً للحصول على الهدية، لم تكن الهدية سوى بضع حلويات تقدمها لنا المسؤولة الاسبانية. لاحقاً، وبتوجيه من بعض أساتذتي، قصدت وزملائي المكتبة العامة والمحفوظات قصد المطالعة، كنا أحياناً نظل في صف الانتظار لفترة قد تطول، إلى أن تصبح بعض المقاعد شاغرة. اكتشفت في هذا الفضاء سحر عالم القصة مع سميرة بنت الجزيرة العربية وجورجي زيدان وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وأسماء أخرى ثم ارتمينا، فيما بعد، بين أحضان نجيب محفوظ وجبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف وحنا مينة و.... ومن شرفة النافذة المقابلة أطللنا على ما رسمته أنامل تشيخوف وتولستوي ومكسيم غوركي... أنامل وخطوط هؤلاء الكتاب وغيرهم بَصَمَتْ على صفحة حافظتي عوالم الحكي الجميل والماتع. اختمرت لفترة طويلة، إلى أن طفت فوق صفحة اللسان تَمْتَماتٍ متواضعة ترجمت إلى حروف وكلمات كانت البذرة التي أعطت "الضفة الأخرى". وهي الآن تعمل على ري "دوائر مربعة" و"أحلام مُعَلَّبَة". وبالمناسبة، تحية صادقة للقاص والروائي الصديق مصطفى لغتيري الذي حشرني بين عاشقي الحرف، وللأخوات والإخوة في الصالون الأدبي. وتحية جد خاصة لـ"منتدى تطوان للسرد الأدبي" الذي تشرفت بالانضمام إليه ونَعِمْتُ بالاستفادة من تجربة أعضائه ولا زلت.
ما الدور الذي يلعبه النشر الالكتروني في مسيرة المبدع الأدبية؟
للنشر الالكتروني وجهان: أحدهما إيجابي يتمثل في سهولة الإبحار سعياً للتعريف والتعرف على الإنتاجات والاستفادة من جيِّدها والاطلاع على خبرات من تمرسوا بها، وفسح المجال للمبدعين الذين وضعوا أقدامهم الإبداعية على عتبات الكتابة وتقويمها إن كانت تحتاج إلى تقويم، وسهولة إيصالها إلى أكبر شريحة من القراء في ظل صعوبة بل، أحياناً، استحالة عملية النشر. والآخر سلبي أو يقترب من هامش السلب حيث تغدو بعض المواقع ساحة لنشر "الغسيل الإبداعي" دون مراعاة الحد الأدنى اللازم التوفر في الأعمال مع الإفراط في الإشادات المغلفة بالمدح الزائف، فيغدو بعض "الخاطِّين الحرف" شعراء وقصاصين ونقاداً.
ما هي طبيعة المقاهي في تطوان ؟ وهل هناك مقاهي تهتم بالمجال الثقافي؟
هي المقاهي كمثيلاتها بباقي المدن المغربية، شعبية ومتوسطة وراقية. وبحكم قضائي فترة غير قصيرة بحي شعبي لم أسلم من عدوى ارتياد هذه المقاهي التي لم تكن تقدم لروادها غير ألعاب الورق و"البارشي" و"الدومينو" و"دروس النميمة" وسيلاً من الكلمات البذيئة وكميات هائلة من المحظور والممنوع للاستهلاك وقصصاً لمغامرات الجنود المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية إضافة إلى حكايات وقصص ومغامرات يتفنن في حكايتها من ولجوا السجن. مقاهي مثل هذه تضيف إلى الحافظة صوراً عن تجارب شرائح متنوعة كلمى اكتوت بلظى الواقع وبصمت حياتها البسيطة والقاسية في آن. إلى جانب ذلك توجد مقاهي متنوع جمهورها؛ للسمسرة في العقار والسيارات والمرشحين للهجرة السرية و.... وبعيداً عن هذين النوعين من المقاهي توجد بالمدينة نوادي خاصة (كازينوهات) هي في الغالب إرث خلفه الإسبان واليهود الذين كانوا يتواجدون بالمدينة بكثافة، وكان هدفهم من إنشائها، في الغالب، وضع سياج يحد من اختلاطهم بالمغاربة، وإن كان اليهود بدورهم مغاربة إلاَّ أنهم في مرحلة من المراحل أضحوا يضعون مسافة بينهم وبين المغاربة المسلمين ويقتربون ما أمكن من الإسبان. تتوفر غالبية هذه النوادي على قاعة لمشاهدة التلفاز وقاعة للألعاب؛ ألعاب الورق و"البارشي" و"الدومينو" و"الشطرنج"، وفضاء للاستراحة وقراءة الجرائد والمجلات و مشاهدة التلفاز ومسجد، وناذرا ما تنظم بهذه النوادي أمسيات أو لقاءات لها ارتباط بالشأن الثقافي.
هل هناك علاقة بين المبدع البشير الأزمي والمقهى؟
باختزال شديد أستحضر هنا ما أشار إليه "ارنست فيتشر" في كتابه " ضرورة الفن" حيث أشار إلى عملية التماهي من طرف المتلقي داخل قاعة العرض السينمائية؛ عملية تماهي وانسلاخ المتلقي، المسيج بالظلام المحيط به من كل الجوانب إلا من فسحة أمامه وهي الشاشة حيث يطل من خلالها على عالم المخيال، أقول ينسلخ من الواقع ويلقي بذاته بين الفاعلين في الشريط المعروض. يتألم لألم البعض ويسعد لسعادة البعض الآخر، ولا يتوانى في تحذير الفاعل المتعاطف معه. فالمبدع عندما يشرع في وضع الترسيمة للنص المرام إنجازه يموقع ذاته داخل بنية تسيجه إلى جانب شخوصه. فأنا أتحدث مع بعض زملائي عن شخوص عملي كأنهم شخوص لها وجود حقيقي، تحيا معي وأعيش معها لحظاتها الماتعة والتعيسة. فمنذ أن أبدأ في التخطيط لعملي وأنا أصاحب الفاعلين في النص. ولا تنتهي عملية المصاحبة إلا بالانتهاء من العمل. إذاك فقط أودعها وأطل عليها من زاوية أخرى. وأعود أدراجي للواقع الفعلي أستمد منه قبس ما يمكن مساعدتي على سبر أغوار عالم تخييلي موالي.
ماذا تمثل لك: تطوان، الطفولة، الصداقة؟
تطَّاوِن، إلى مرحلة قريبة كانت تعتبر أخت الأندلس، الشبه بينهما في العمارة ساحة الفدان .. رياض العشاق.. المحطة الطرقية القديمة .. سوق وسط المدينة بلاصا بريمو و.... في مرحلة طفولتي كان الناس يقضون فترات جميلة في التنزه بين فضاءات بوسملال والزرقاء وبوعنان التي كانت تعتبر متنفساً طبيعياً.. بنزوح بعض العائلات الأندلسية فراراً من البطش الذي لاحقهم فترة سقوط الأندلس، والاستقرار بالمدينة أضافوا لبنة جديدة للصرح الحضاري؛ عادات وتقاليد امتزجت ورسمت لوحة جميلة اسمها "تطَّاون".. تحولت الآن المدينة إلى شبح مخيف.. تشويه في المعمار..هجرات غير منظمة. اكتظاظ . اكتساح الشوارع الرئيسية من طرف الباعة المتجولين...
تطوان الطفولة مهد للاطمئنان، لنسج علاقات صادقة وبريئة. كسبت خلالها علاقات؛ علاقات التي لازلت أحتفظ بها رغم بعدي عن المدينة لمدة تزيد على الربع قرن.
مرحلة مبكرة من مشوار الحياة، خيوط رقيقة بل صور وأشباح بقيت عالقة بتلابيب الذاكرة. أسعى جاهداً الآن إلى لملمتها واغترافها من جديد. يستعصي علي الأمر وأخضع لمنطق تلك المرحلة التي تصدح في وجهي: أمتأكد أنك قادر أن تكون صادقاً في الحديث عن مرحلة الطفولة وأنت تضع على حافظتك نظارات عمر تقدم بك وأعماك عن رؤية.. لا تجهد نفسك في اقتطاع صور بعيدة... هي ببساطة مرحلة فتح العينين على عوالم جديدة بين أحضان أسرة متماسكة قوية، نسيج العلاقة الرابط بينها مشدود بخيوط المحبة والاحترام. طفولة في "برينسيبي" أحد الأحياء المهمشة بمدينة سبتة إلى جانب أسر مغربية وإسبانية فقيرة وغجر.. وطفولة في تطوان موزعة بين "المسيد" ومدرسة المغرب العربي.. وتبادل مجلات الرسوم المصورة، بلغة سيرفانطيس، وارتياد السينما دور السينما تقريباً كل يوم بعد انتهاء الحصة الدراسية المسائية..
كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟
فضاء مجهز بمكتبة متنوعة العناوين، مكان هادئ يوفر للزائر ظروف الاستمتاع بالقراءة والبحث، فضاء تعرض فيه ندوات محاضرات قراءات. في مدينة تطوان توجد نواد خاصة تتوفر على قاعات للعروض وقاعات للألعاب؛ لعب الورق والشطرنج وقاعة للتلفاز.. وأغلب هذه النوادي بها نادي ثقافي إلا أن أنشطتها قليلة جداً، دون الدخول في الحديث من محتواها...
#فاطمة_الزهراء_المرابط (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟