جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3116 - 2010 / 9 / 5 - 00:33
المحور:
كتابات ساخرة
قبل شهرٍ اتصل بي أحد المهندسين الأصدقاء وقال لي:
-ليلة الأمس ذكرتك عند بعض الناس .
فقلت: شو إنشاء الله بالخير؟.
فقال: طبعا بالخير بس بسببك حصلت مشكلة كبيرة واختلف بعض الأصدقاء وكادوا أن يمدوا أيديهم على بعضهم البعض بسببك, أنت يا أستاذ جهاد تسببت بمشكلة كبيرة.
فأقسمتُ لصاحبي بأنني لا أعرف المتخاصمين ولم أثر أي فتنة, فقال: أعرف ذلك ولكنك وأنت جالس في البيت تسببت للناس بمشكلة كبيرة.
وبصراحة ذهبت بأفكاري بعيدا وقلت بيني وبين نفسي : فعلاً كلام صاحبي صحيح 100% مش بس أنا هيك! كمان في ناس إكثير يتسببوا بمشاكل عديدة بين الناس وهم نائمون في بيوتهم ولم يخرجوا منها , يعني كمان أذكر أن أحد سائقي باصات النقل الكبيرة مات في حادث سير هو وعشرين راكبا بسبب شريط كاسيت لأم كلثوم حيث أراد وضعه في المسجل وحصل الحادث فجأة أثناء انشغاله بوضع الشريط .
فقد حصل معي مرة وأن تضاربتُ مع أحد الناس حين تناقشنا عن (هيغل) و(كانط) والمعرفة الإمبيريقية , وذات مرة خاصمني شيخ صديق لي أكثر من سنة بسبب الملك جلجامش , ومرة قال لي أحد الأصدقاء لا تتصل بي ولا تقل أنني لك صاحباً وكان ذلك بسبب هارون الزفت أقصد هارون الرشيد ويومها شتمتُ نفسي وشتمتُ هارون الرشيد وقلت : ليش أزعّل صاحبي الذي أستفيد منه في عملي بسبب هارون الرشيد ! أي يلعن ط....ز أم هارون الرشيد, هذا الرشيد تسبب لي بمشكلة كبيرة وهو ميت ويبعد عني 800 سنة, أي الله يلعن اليوم اللي قرأت به عن هارون الرشيد .
ومرة من ذات المرات تطرقت مع بعض الأصدقاء حول موضوع (إدلر ) و ( فرويد) وكيف يخرج التلميذ على أستاذه بنظرية جديدة وحصل بسبب هذا الموضوع خلاف كبير ما زال إلى اليوم قائما حيث ما زالت آثاره لهذه الساعة محل تأثير في نفسي حين خاصمني صديقي خصاما أبدياً , وحين أتذكرُ الموضوع أقول : الله يلعن تعريس أخت فرويد على أخت إدلر , شو دخلني أنا حتى يحصل ما يحصل!؟.
وبصراحة أكثر في ناس عاديين بتسببوا لبعض الناس بمشاكل كثيرة علما أنهم لم يخرجوا من بيوتهم , وسمعتُ مرة عن امرأة قُتل من أجلها أو بسببها ثلاثة رجالٍ وكان اسمها يتردد في هيئة المحكمة وملفات التحقيق دون أن تُطلب للشهادة لأنها حقا لم تكن تعرف لا القاتل ولا المقتول , ولكن بسببها حصلت عدة مشاكل .
كثيرة هي المشاكل التي يتسببُ بها أشخاص ميتون أو نائمون في بيوتهم أو مقيمون في دولٍ أخرى أو في عصورٍ أخرى.
هنالك من يتسبب للناس بعدة مشاكل وهو جالس في بيته ولم يخرج منه إلى موقع المشكلة, وأحيانا يكون في بلدٍ آخر وأحياناً يكون في عصرٍ آخر, كأن مثلاً أن يختلف مجموعة فقهاء على شخصية تاريخية مثل الخليفة فلان , أو أن يختلف مجموعة مؤرخين على شخصية أحد الملوك أو العباقرة فيتنابزون بالكلام ويسبون بعضهم البعض ومن ثم يرفعون أصواتهم على بعضهم البعض ومن بعد ذلك يرفعون أيديهم على بعضهم البعض.
وحصلت معي قبل فترة ليست بالبعيدة مشكلة بسيطة وتافهة بسبب أبي العلاء المعري ومن ثم تحولت المشكلة إلى موضوع آخر فتسبب بها أبو الطيب المتنبي بخصام شديد بين أعز صديقين أعتز بصداقتهما ,لقد قام أحد الأشخاص بذكر أبي الطيب المتنبي فقال عنه أحد الحضور : متملق كذاب ,وقال آخر : هو طموح ومغرور جدا , وقال آخر: بل هو شاعرٌ عظيم أما أنا فقد وصفته بملك الشعراء العرب إلى يوم يبعثون فرد عليّ رجل آخر وقال: هو كلب من الكلاب وهو في النار لأنه تحدى القرآن وكتب نصاً قرآنياً, وهذا ليس موضوعنا بل موضوعنا الأساسي هو أن أبا الطيب المتنبي قد تسبب بعدة مشاكل بين الأصدقاء أضف على ذلك أنه أثار فتنة كبيرة فقلتُ بيني وبين نفسي : يفضح حريشك أيها المتنبي حتى وأنت ميت مش سلمانين منك ومن مشاكلك ولسانك , يفضح حريشك ويلعن ولاياك ألله كان في عون من عاصروك من أمثال أبي فراسٍ الحمداني وابن خالويه وابن جني وسيف الدولة الحمداني وكافور ...إلخ ....أي إذا الآن تسببت في مشكلة بين الأصدقاء وأنت في قبرك وتبعد عنّا 1000عام هذا كيف لو كنت تعيش في حارتنا؟.
وسمعتُ مرة بأن سيدة مجتمع قد تسبب لها (نزار قباني ) بالطلاق لأنها تركت زوجها ينتظرها في السيارة وذهبت إلى إحدى المكتبات لشراء ديوان شعر لنزار قباني وحصلت بسبب ذلك مشكلة بين الزوجين انتهت بالطلاق الأبدي وخراب البيت.
لقد لاحظتُ هذه الظاهرة ليلة الأمس وتذكرتُ معها وأنا شاب صغير مندفع نحو الثقافة كيف كنتُ أطرح مواضيع مثلاً عن المسيح وكيف كانت الجلسة التي أكون فيها تكتظ بالأصوات والهتافات المنددة بي أو بالمسيح أو بمحمد أو بأي شخصية أطرحُ عنها موضوعاً , وهذا الموضوع ليس جديدا فبعد صلب المسيح بعشرات السنين وبسبب الاختلاف على طبيعته اللاهوتية والناسوتية تضارب الكهان في معبد أور شاليم (الهيكل) وأدى هذا إلى ظهور فتنة كانت هذه الفتنة سنة 69-70- ميلادي قد أدت إلى هدم هيكل سليمان حجرا حجرا وتسويته بالأرض, وبصراحة لا يستطيع أي شخص عادي أن تختلف الناس بسببه إلا إذا كان شخصية اعتبارية بلغة القانون ومؤثرة جدا بلغة علم الاجتماع ومثيرة للتساؤلات بلغة علم النفس, فشخصية المتنبي أو نزار قباني أو مصطفى وهبي التل (عرار) ليست عادية بل هي محط أنظار واهتمام المثقفين والمبدعين .
وهنالك طفرات تحدث على الصعيد الشخصي أو على مستوى منقطع النظير أو مستوى ليس له نظير أو على مستوى أهل حارتنا وتجمعات النساء فيها وهن يفرمن الملوخية أو ينتقين العدس وهذا ما حصل مع أمي حين كانت ذات مرة لفُ بورق العنب حيثُ اختلفت أمي مع جارتها حول شخصية صدام حسين وكان النقاش حدا وكاد أن يؤدي إلى حدوث أزمة كبيرة على مستوى حارتنا علما أن صدام حسين لم يكن مهتما لا بجارتنا ولا بأمي وذات مرة اختلفت أمي مع جارتنا على وصف امرأة ميتة كيف كانت تمشي فقد اشتد الخلاف بينهن والنقاش على كيفية مشي العجوز المتوفية من عشرين سنة فقد قالت أمي بأنها كانت تمشي على عصاة (عكازة ) تتعكزُ عليها , ولكن جارتنا ردت على أمي قائلة : والله أم جهاد صايره امخرفنه أي عمرها أم زياد ما شالت عكازه وماتت من الدنيا وهي بكامل قوتها وصحتها حتى أنها بحياتها ما شكت من أي ألم وماتت فجأة , ويومها بقينا لمنتصف الليل في جدل مستمر كاد أن يؤدي إلى مشكلة كبيرة , علماً أن صاحبة المشكلة غير موجودة وكمان متوفية من عشرين سنة ولم تخرج من قبرها .
وشاهدتُ مرة في احدى ورش العمل التي أعمل فيها طوشة كبيرة بين اثنين على سبب تسمية شركة (مرسيدس) بهذا الاسم , فمنهم من قال أنها شجرة تنبتُ في ألمانيا وقال آخر بل هي اسم علم لابنة صاحب الشركة أو المصمم الأول لسيارة مرسيدس , وصدقوني اشتد الخلاف بينهما لدرجة أنهم كادوا أن يتضاربوا , علما أن الست هانم مرسيدس غائبة وميتة ولم تنهض من قبرها , أو كأنها نهضت من قبرها وتسببت في المشكلة ثم عادت إلى القبر بعد حدوث الصدامات بين الناس.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟