|
الأنبا شنودة عطَّل الكتاب المقدس بثلاث عبارات
سامي المصري
الحوار المتمدن-العدد: 3111 - 2010 / 8 / 31 - 22:21
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كيف أدخلت الكنيسة الكاثوليكية العالم إلى ظلمة العصور الوسطى؟!!!
هذا السؤال لا يكف العالم عن طرحه، وكم من الكُتَّاب أطنبوا الشرح في أسبابه، ألوف الكتب أفاضت في بحث الموضوع، سواء على المستوى الديني الكنسي أو المستوى المدني العلماني. أنا أعتقد أن أهم الأسباب جميعا هو أن الكنيسة الكاثوليكية منعت قراءة الكتاب المقدس حتى لا تبلغ مسامع الشعب كلمات السيد المسيح القوية ضد رجال الدين المفسدين. فكانت الكنيسة حريصة أشد الحرص على ألا يصل الكتاب المقدس إلى أيادي الشعب ولا تعاليمه إلى آذانهم، فاعتبرت قراءة الكتاب المقدس لغير الإكليروس (وبحسب الدرجة) جريمة تفوق كل الجرائم وتستوجب توقيع أقصى العقوبات على من يرتكبها. يضاف إلى ذلك جريمة أخرى وهي التعليم بقدسية رجل الدين، والتي بلغت لحد إعطاء البابا العصمة من الخطأ. ماذا كانت النتيجة؟!!! الغنى الفاضح للباباوات والكرادلة من دم الشعب المغيَّب. الملابس الفضفاضة الغالية الثمن جدا الموشاة بالذهب والمجوهرات المثيرة لرهبة القداسة الزائفة. المباني الفارهة المغطاة بالرخام للكنائس التي تذهل العقول بروعة جمالها المعماري. التماثيل الرخامية التي تنتشر في كل مكان، تماثيل قديسين وتماثيل عارية بلا معنى في ردهات الكنائس. ترتب عن غيبة الكتاب المقدس انتشار التعاليم الفاسدة التي بعدت تماما عن روح الكتاب المقدس والمعروفة في التاريخ باسم اللاهوت المدرسي (هذه التعاليم التي تخلصت الكنيسة الكاثوليكية من معظمها في مجمع فاتيكان 2). في نفس الوقت استشرى الفساد الكامل الذي عاش فيه الإكليروس بحسب رتبهم الكنسية فكان للباباوات عشيقات وأبناء غير شرعيين بشكل معلن حتى ِأن ِأحدهم رسم ابنه الغير شرعي كاردينال. كان الشعب في هذا الوقت يتضور جوعا وجهلا تحت قسوة عبودية مريرة. فباع الإكليروس الجنة، وصار الإقطاعيون والمتسلطون على الشعب يرتكبون كل الجرائم بضمير مستريح، بعد شراء صكوك الغفران التي تمنحهم حق الهرب من النار ودخول الجنة!!! كل ذلك والكتاب المقدس غائب تماما وكل التعاليم تنصب في قدسية الإكليروس وطاعة الرؤساء والإقطاعيين ملاك الأرض. التعاون الكامل بين أصحاب السلطان من الإقطاعيين والإكليروس أنشأ قوة فولاذية وضعت أوروبا كلها خلف القضبان وتحت ذل عبودية رهيبة باسم المسيح والدين. ودخل العالم كله إلى نفق العصور الوسطي المظلم حيث أفسدت الصورة الحضارية للإنسان. (من فضلك قارن مع واقع الكنيسة القبطية البوم). في عام 1971 وصل الأنبا شنودة إلى كرسي البطريركية بمساندة الدولة بعد أن مُنِع الشعب من الانتخاب بالمخالفة لجميع القوانين الكنسية الخاصة بانتخاب البطريرك. وكان هناك شعب واعي فُرِض عليه هذا البطريرك المخالف للقانون. كان يحيط به الكثير من الأتباع سواء المنتفعين أو المغيبين الذين وعدهم بشكل واضح، في أول رسالة له، يوم تنصيبه بأن يجعل لهم السلطان (من فضلك راجع خطاب الأنبا شنودة يوم تنصيبه بإمعان لتفهم رسالته السياسية لمن ساعدوه، ووعيده لمن قاوموه من المثقفين). حاول المثقفون التعاون مع اِلأنبا شنودة رغم اختلافهم معه وذلك من أجل وحدة الكنسية، لكنه قام بإقصائهم واحدا بعد الآخر، فليس غريبا ما فعله ضد الأب متى المسكين والأنبا غريغوريوس والمؤرخة إيرس حبيب المصري. وأساء جدا إلى المثقفين والصفوة القبطية في ذلك الوقت وأحاط نفسه بشله من العلمانيين الجهلة ورسم منهم الأساقفة والقساوسة وكان معظمهم من صغار السن حتى يكون تسلطه وسيادته عليهم. وأبعد كل علماء الكنيسة فشتت أساتذة معهد الدراسات القبطية وكان معظمهم من ذوي الشهرة العلمية العالمية فهاجروا للعمل بجامعات العالم التي احتضنتهم. وعين مديرا للمعهد شخص غير حاصل على أي شهادات تؤهله للمنصب وبالتالي عين بالمعهد مدرسين غير مؤهلين الذين ينشرون الجهل مع تعاليم الأنبا شنودة الهرطوقية، فعمل على نشر الجهل بين الشعب ومعلمي الشعب. كانت هناك عقبة ضخمة أمام الأنبا شنودة وهي الكتاب المقدس وتعاليم المسيح القوية ضد كل أعماله وتعاليمه المخالفة. لم يكن الأنبا شنودة ليستطيع أن يمنع قراءة الكتاب المقدس كما فعل باباوات روما وكرادلة العصور الوسطى حيث الكتاب المقدس حاضر في كل مكان وبكل اللغات وبأرخص الأسعار. كما ِأنه منتشر وتعاليمه أصبحت معروفة للكل مسيحيين وغير مسيحيين. فكان عليه أن يجد وسيلة يغلق بها تعاليم الكتاب ويُعِّتم كل فكر أمام الشعب ليغيبه ويغلق آخر فرصة أمام المثقفين والإصلاحيين. ثلاثة عبارات فقط استخدمها اِلأنبا شنودة بذكاء شديد ليغلق ويعطل عمل الكتاب المقدس في وجه الشعب القبطي وهم:
1- لا تدينوا لكي لا تدانوا (مت 1:7) 2- رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا ً(أع 5:23) 3 ابن الطاعة تحل عليه البركة
بهذه العبارات الثلاث فقط استطاع الأنبا شنودة ِأن يلغي تماما كل تعاليم الكتاب المقدس بل ويغلقه في وجه الشعب ويمنع استخدام العقل فتحول الأقباط لشعب متلقي لأفكار سابقة التجهيز، فحولهم لعباد وثن كبير يتحكم في مصائرهم دون مراجعة. أول عبارتان انتقاهما من الكتاب المقدس بحنكة وخرج عن معناهما ودلالاتهما لينشر تعاليم مضللة ومغيبة للعقول البسيطة بعيدا عن روح الكتاب المقدس. أما العبارة الثالثة فهي من التعاليم الرهبانية الخاصة جدا فحولها لتعليم شعبي عام قادر على أن يخرب العقول ويفسدها. ولذلك لن أكف عن الحديث في هذا الموضوع حتى يبرأ الشعب من العمى الذي يعانيه بعد أن أسدل بستره المظلم على العيون لمدة أربعين عاما من التضليل. الدارسين لتاريخ الهرطقات يعرفون أن كل الهراطقة استخدموا الآية الواحدة من الكتاب المقدس أو حتى جزء من آية يفرغونها من معناها ليقيموا عليها عقيدة تحارب الفكر المسيحي الأصيل. لهذا حذر كل آباء الكنيسة من استخدم الآية الواحدة لبث فكرا فاسدا في الشعب باستخدام الكتاب المقدس نفسه. الأنبا شنودة أتخذ من الآية الواحدة شعارا رفعه لكي يبطل كل تعاليم المسيح.
أولا: لا تدينوا لكي لا تدانوا (مت 1:7) لقد كتبت عن هذه العبارة في حديث سابق على موقع الحوار على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=51216
لكني أريد هنا أن أوضح بعض الأمور حول موضوع الإدانة. الخلط بين الأمور في مجال التعليم الأخلاقي يعتبر جريمة. من المؤكد أن إدانة الآخر أمر قبيح ومرفوض تماما، لكن الخلط بين الإدانة وبين الشجاعة والأمانة في قول الحق والصدق، يعتبر تشويه وجريمة أخلاقية كبرى. إدانة اِلآخرين غالبا ما تقوم على الغيرة والحسد من الآخر أو الكراهية، وينتج عنها الاغتياب والنميمة والمذمة في الآخر، بهدف التشنيع عليه وتدميره. ولقد حذر السيد المسيح من هذا الشر. وشرح السيد المسيح معنى الإدانة في عدة أمثلة هامة، أهمها مثل الفريسي والعشار، حيث يظهر رجل الدين المتزمت المتعالي يدين ويحكم على انسان خاطئ، بنظرة تعالي وازدراء، بينما الفريسي مغرور بممارساته الطقسية الفاسدة والعبادة الشكلية المرفوضة أمام الله، بسبب قلبه الشرير لكنه يتعالى على العشار الخاطئ (إني أريد رحمة لا ذبيحة).
وأوضح الكتاب المقدس معنى الإدانة أكثر عندما أمسك المتعصبون امرأة زانية وهي تمارس الزنى وأحضروها للمسيح كنوع من التحدي لتعاليمه التي تتسم بالرحمة. فجلس المسيح وبدأ يكتب خطاياهم واحد فواحد على الأرض، و"قال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر" (يو 7:8). فغادروا المكان واحدا وراء الأخر خجلا من أنفسهم وتركوا المرأة، "فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك؟! أما دانك أحد؟! فقالت لا احد يا سيد فقال لها يسوع ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضا." (يو 7:8). وهنا يشرح الكتاب المقدس معنى الإدانة بشكل واضح. فالفريسي هو الذي أدان العشار، وتلك الجموع المدَّعية للتدين حاولوا ِأن يدينوا المرأة التي زنت. لكن في أيامنا هذه نجد أن الأمور تفهم وتشرح بالعكس، فبحسب مفهومنا الجديد الذي ارتكب خطية الإدانة هو المسيح لأنه كتب على الأرض خطايا زمرة الأشرار المتعطشين للدم الذين أرادوا أن يرجموا المرأة، وبذلك أنقذها المسيح من بين أيديهم بكتابة خطاياهم !!! (هنا أتذكر حادث كاميليا) المسيح وكل من يتبع فكر المسيح يُتَّهم اليوم بارتكاب خطيئة الإدانة. من يظهر شر الفريسي المتزمت المدعي الكذاب دفاعا عن المجتمع القبطي المذبوح يُتَّهم بالإدانة. الفريسي البشع يرتع في أموال الكنيسة بينما الشعب في أقصى حالات الضنك والأنين. البابا يغير طاقم عرباته الفاخرة المصفحة بمعدل أسرع مما أغير حذائي وكل ذلك من أموال ودم الشعب!!!! ومن يفتح فمه يقولون له لا تدينوا لكي لا تدانوا!!!! وعجبي!!!!
السيد المسيح ذكر مثل الفريسي والعشار لا لكي يحمي الفريسي من المحاسبة عن أخطاؤه بل ليحمي العشار من بغي الفريسي واستبداده. لكننا نعيش في عصر يقف فيه الفريسي مُعَلـِّما ومحذرا من خطية الإدانة حتى يعطي لنفسه الحق والسلطان في أن يدين العشارين وغير العشارين دون أن يراجعه أحد. فريسي اليوم يقول "لا تدينوني أنا وحدي وإلا حتروحوا النار"، بينما هو يدين الأبرار قبل الأشرار. وبعد ذلك يعتبر خطية الإدانة هي أعظم الخطايا جميعا لأنه مدان أمام الله والناس.
البابا والأسقف والكاهن يرتكبون كل الجرائم في حق الشعب وعليك بالصمت حتى لا تذهب لجهنم، فخطية الإدانة أصبحت أفظع بكثير من الزنى والقتل، ومن يريد أن يذهب للملكوت عليه أن يمشي جنب الحيطة وميعملش زيطة.... ولما تشوف واحد من رجال اِلإكليروس يرتكب جريمة فعليك أن تأخذ بركته في صمت، وتسجد له في خشوع، حتى يغفر لك ربنا خطية الإدانة التي قد تكون قد ارتكبتها رغم عنك في سرك!!!
وبذلك أصبح استحالة محاسبة المسئولين في الكنيسة القبطية على أي خطأ مهما كان الجرم والضرر المجتمعي الناتج، وبذلك تفشى الفساد يحميه شعب مغيب. لا يوجد مكان آخر على الأرض لا يحاسب فيه كل من هم في موقع المسئولية سوى في الكنيسة القبطية. فهناك نظام وقانون يحاسب الكل من أصغر عامل حتى الرئيس الأمريكي نفسه. الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة هو في الكنيسة القبطية، حيث محاسبة المسئولين تعتبر أكبر الكبائر وأعظم الخطايا جميعا ويسمونها خطية الإدانة. العجيب جدا في الأمر أن هذا الفكر العفن قد تسلل بل نشب وتشبث بقوة في عقول بشر غسلت أمخاخهم تحت تأثير المخدر الديني ... خوفا وهلعا من النار المعدة لإبليس، ولكل من يتجاسر ليكفر بإله جديد يجلس على كرسي مار مرقس اغتصابا.
الخلط بين الإدانة والشجاعة في قول الحق حول الخانع والكذاب والجبان في هذه الأيام السوداء إلى بطل وما أكثرهم.... وبمقاييس هذه الأيام صار أثناسيوس ومار جرجس ويوحنا المعمدان ومار مينا وكل شهداء وأبطال المسيحية بالإجماع الذين وقفوا ضد الحكام الظالمين والهراطقة المفسدين كلهم هالكون بخطيئة الإدانة الشنيعة!!! بل وكل أبطال الكتاب المقدس الذين وقفوا أمام طغيان الملوك والكهنة في العهد القديم والجديد هلكوا بالإدانة والعياذ بالله ... وذلك بحسب تعاليم ومقاييس عصر الأنبا شنودة ..!!!!
فما أعظم المنافقين والكذابين والمهللين بقداسة وبر وعظمة واتضاع وعلم المتغطرس بجهله وهرطقاته... يلزم أن نطالب بجائزة نوبل للمواهب النادرة في تخدير وذبح هذا المجتمع البائس... ولكل هؤلاء ملكوت السموات!!! ماذا تتوقع من ابنك أن يكون، عندما يراك جبانا ومنافقا وكذابا ، تؤيد الظلم لحساب رجال الكهنوت، خوفا من خطية الإدانة ؟!!! وماذا تنتظر سوى أن يكون ملحدا رافضا للمسيح نفسه؟!!!! إن تعاليم الأنبا شنودة عن اِلإدانة أغلقت الكتاب المقدس بكل تعاليمه وهي من أهم أسباب إلغاء استخدام العقل في الأربعين عاما الماضية. إن تَبعاتُها لخطيرة ومدمرة لهذا المجتمع.
ثانيا: رئيس شعبك لا تقل فيه سوءا ً(أع 5:23) هذه العبارة الثانية والتي تُكمِّل وتؤكد فكرة العبارة الأولى، مع تخصيص الحماية من النقد لرئيس الشعب بشكل شخصي. فلقد اختيرت العبارة بدهاء من الكتاب المقدس لإلغاء المفهوم المسيحي وتعاليم الكتاب نفسه. فتستخدم كشعار بين الدهماء والمغيبين والجهلة للتمسك بشعارات تلغي حق التفكير مع رفض استخدام العقل.
سؤال هام: لو رئيس الشعب أخطأ هل مطلوب منا أن نوافقه على الخطأ أم نعارضه؟ وهل نتبعه كما تبع الملائكة الساقطين إبليس؟ وهل عندما يخطئ رئيس الشعب فنقول على الخطأ أنه خطأ، فهل هو قول سوء ضد رئيس الشعب أم قول حق؟!!! وهل تفاق رئيس الشعب بالتهليل الكاذب يتفق مع تعاليم المسيح؟!! ما رأي الكتاب المقدس؟ وماذا يقول القانون الكنسي في ذلك؟
يقول القديس بولس الرسول "ولا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة بل بالحري وبخوها" (اف 11:5). فأعمال الظلمة التي يقوم بها أي إنسان حتى لو كان أسقف أو البطريرك يلزم أن توبخ. بل يضيف على ذلك قائلا "فاعزلوا الخبيث من بينكم" (1كو 13:5) أليس ذلك هو تعليم الكتاب المقدس؟ هل نتبع الكتاب أم التعليم الجديد للأنبا شنودة؟!!!!
ويقول القديس بولس أيضاً "لكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما كما سبقنا فقلنا أقول الآن أيضا إن كان أحد يبشركم في غير ما قبلتم فليكن أناثيما" (غل 1: 8-9). وهذا معناه أن لو ملاك من السماء جاء بتعليم مخالف أو بولس الرسول نفسه وطبعا لو كان بطريرك أو أسقف أو رسول المسيح جاء بتعليم مخالف فيكون (أناثيما) اي محروم من الكنيسة.
وماذا لو وافقنا أي شخص حتى لو كان البابا على الخطأ ونافقناه ما هو رأي الكتاب المقدس
"ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما الجاعلين المر حلوا والحلو مرا" (اش 20:5) .
ويطالبنا السيد المسيح أن نميز بين الخير والشر حتى لا نسقط ونخدع بالشر وخاصة لو أتي من الرئاسات فيقول لنا "من ثمارهم تعرفونهم هل يجتنون من الشوك عنبا أو من الحسك تينا" (مت 16:7).
"ابتدأ يقول لتلاميذه أولا تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء" (لو 12 : 1) ويقول هنا أولا لأهمية الموضوع فالرياء هو أخطر الخطايا التي حذرنا منها السيد المسيح. والرياء هو أن نرى الشر فنقول عليه خير. السيد المسيح يحذرنا من الرياء بغض النظر عمن يرتكب الخطأ أنبي أو ملك أم داود نفسه أم بطريرك، أيا كانت وظيفته وسلطانه. فالشر هو شر والخير هو خير بغض النظر عمن يرتكبه. فمن يفعل الشر هو شرير ومن يفعل البر هو بار بغض النظر عن منصبه.
وفي هذا يقول القديس يوحنا، "أيها الأولاد لا يضلكم أحد من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار من يفعل الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء يخطئ" (1يو 3: 7). الأمر واضح وصريح وقاطع وسهل التمييز جدا. ولا يوجد أي تمييز بين أسقف وبطرك وعشار، بل يقول السيد المسيح للكتبة والفريسيون ورؤساء الشعب "الحق أقول لكم إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (مت 21 : 31)
كم من الانحرافات والأخطاء في تاريخ بطاركة الكنيسة ولم تحاول الكنيسة أن تزينه أو تزيفه بل تعلنه بكل الصدق. فحتى أخطاؤنا تشهد لبر الله. كم من الانحرافات في تاريخ الأنبياء والقديسين. داود النبي زني وقتل والكتاب المقدس لم يخفي فعله القبيح مع أنه مثلا للمسيح، وهو ابنه الذي جلس على كرسيه. هل عندما نقول أن داود الملك زني وقتل فهل هذا قول سوء في رئيس الشعب يلزم تقديم عنه توبة أم أن ذلك قول حق؟!!!
القديس بطرس الرسول الملقب بهامة الرسل، وبخه القديس بولس على أكبر خطية وهي خطية الرياء. قام بولس وهو الأصغر بمواجهة بطرس وهو الأكبر بخطيته أمام الجميع وكتب ذلك في رسائله ولم يكن هذا مُعثِرا أو ضارا بل بالعكس كما يحاول منافقين هذا العصر أن يصوروه. الرياء هو العثرة والكذب والتضليل والتمويه على الحق عثرة. العمل الذي عمله بولس صحح به مسار بطرس بل مسار الكنيسة كلها. القديس يوحنا ذهبي الفم له كتاب عن ضعفات القديس بولس الرسول، ولقد كان هذا القديس يعشق كتابات بولس. هل الأنبا شنودة أرفع من مستوى داود النبي ومن بطرس وبولس حتى أنه معصوم من الخطأ. يقول القديس يوحنا الرسول "إن قلنا انه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا" (1يو 8:1) ويقول القديس بولس "الجميع زاغوا و فسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (رو 12:3). إن عصمة البابا هي هرطقة الكنيسة الكاثوليكية في العصور المظلمة، ولم تملك إلا أن تتخلى عنها في القرن العشرين. واليوم الكنيسة القبطية تتبنى هذه الهرطقة في القرن الواحد والعشرين وبصورة أكثر تخلفا من الكنيسة الكاثوليكية في عصورها المظلمة.
إن كل الهراطقة في تاريخ المسيحية كانوا من رجال الدين المبرزين وكان منهم بطاركة ومنهم ضالعين في الفلسفة والدراسات اللاهوتية. ومثل علي ذلك نسطور الذي كان بطريركا للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية. لم يمنع مركز هؤلاء الهراطقة أو علمهم أو موقعهم السياسي الخطير من أن يقف العالم المسيحي ضدهم وقفة حازمة، ولولا ذلك لضاع الإيمان بالمسيح منذ زمن بعيد. لقد حافظت الكنيسة على الإيمان المسلم مرة للقديسين بدم ملايين من الشهداء. الشاب أثناسيوس يقف أمام آريوس الشيخ الذي كان يحمل درجة الأسقفية وكان يطمع في كرسي الإسكندرية. لقد وقف القديس كيرلس ومعه الأنبا شنودة رئيس المتوحدين - الذي لم يكن حاصل علي أي رتبة كهنوتية حتى رتبة شماس- أمام نسطور البطريرك. هل لو قلنا أن بطريرك مدينة القسطنطينية العظمى قد هرطق فإننا نرتكب خطية؟ أو أننا نقول السوء في رئيس الشعب تحتاج لتوبة؟!!!!! العكس هو الصحيح فلو وافقنا نسطور على هرطقته فإننا نصبح هراطقة مثله.
بالأمس القريب في منتصف القرن العشرين عندما كان الشعب القبطي أكثر تحضرا وأكثر وعيا بكتابه المقدس وأكثر دراية بالقانون الكنسي وأكثر غيرة على كنيسته وسلامتها من الخطأ قام بعزل الأنبا يوساب البطريرك 115 من كرسيه، لا لأنه أخطأ بل لأنه تمادى في ترك تلميذه ملك في أخذ الرشاوي مما أساء لسمعة البطريرك والكنيسة كلها. لقد كان الأنبا يوساب نفسه باعتراف الجميع عالما وقورا وفي عصره تم الكثير من الإنجازات العظيمة في الكنيسة القبطية والتي كانت تبشر بثمار عظيمة.
أما ونحن في القرن الواحد والعشرين فقد تسلل إلينا صورة من التخلف الحضاري المريع تحت مسوح التدين الكاذب. في كل تاريخنا لم يحدث أن تدهور الأقباط في تفكيرهم إلى هذا الحد من التخلف والجمود والخلل مثلما بلغنا إليه اليوم. فيوجد الكثير من الشباب الذي يدعي المعرفة والثقافة من يدافع عن الفساد باسم التدين المريض. إن التصرفات الغير مسئولة لبعض من أساقفة الكنيسة اليوم أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على وجودنا المسيحي بصورة مخيفة. إن مجرد الدفاع عن الفساد الحادث في الكنيسة اليوم لهو جريمة في حق تاريخنا القومي والكنسي المجيد. إن السلوك المخزي لأساقفة هذا العصر لهو عار تاريخي، لن يغفر لنا أولادنا علي ما ارتكب فيه من حماقة وكذب وجهل وافتئات على الحق. لو كان هناك وعي بمسيحيتنا لطالب الشعب بمحاكمة المسئولين عن هذه الماترات بدلا من الدفاع عنها.
أما المقولة الثالثة التي عطلت الكتاب المقدس بل أغلقته في عصر الأنبا شنودة فهي "على ابن الطاعة تحل البركة"
ورغم أن هذه المقولة ليست آية من الكتاب المقدس وليس لها أي أساس في التقليد، لكنها تعليم رهباني يطبق في ظروف خاصة جدا، إلا أنها وجدت موقعها اليوم لتتقدم أمام كل التعاليم الكتابية. ما هي حدود هذه الطاعة؟ وفي ماذا يطاع؟ ومن الذي يطاع؟ أليست كل مشكلة البشرية تتركز في طاعة حواء للحية؟!!!! أما الكتاب المقدس فيعلمنا الطاعة هكذا، "فأجاب بطرس والرسل وقالوا ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (اع 29:5). ويلزم أن نعرف أن هذا الكلام كان موجها لرؤساء الكهنة قبل أن تنفصل الكنيسة عن المجمع اليهودي. فكان الكلام موجها لرئيس الشعب، ومع ذلك لم يقل أحد لبطرس رئيس شعبك لا تقول فيه سوء!!!!
يوجد بالعهد الجديد 17 آية عن الطاعة لا يوجد واحدة منها تطالب بطاعة الرؤساء الطاعة العمياء حتى لو كان ما يقولونه ضد الحق والخير، بل كل الآيات شملت الآتي: طاعة الإيمان، طاعة الله، طاعة البر، طاعة اعترافكم لإنجيل المسيح، طاعة المسيح، طاعة الحق، طاعة الإنجيل. الآيتان الوحيدتان اللتان تتكلم عن طاعة الناس ينصان علي الآتي: +هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح (2كو 5:10) +فأجاب بطرس والرسل و قالوا ينبغي أن يطاع الله اكثر من الناس (اع 29:5)
واضح أن الكتاب القدس عندما تكلم عن طاعة الناس فيحذرنا منها حتى لا تكون مخالفة للحق الإنجيلي. إذن ما هو مصدر الآية التي اخترعت حديثا والتي تقول: "ابن الطاعة تحل عليه البركة". إن هذا التعليم الجديد مغشوش لأنه يتعارض مع تعليم الكتاب المقدس الواضح، ويستهدف استعباد الشعب لأفكار القيادات الكنسية وليس لحق المسيح. إنها هرطقة جديدة.
وبهذه الثلاث مقولات لم يعد هناك حاجة لمنع الشعب من قراءة الكتاب المقدس كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في العصور المظلمة، فقد وضعت هذه المقولات حجابا على الفهم يمنع الرؤية. وإلي جانب هذه المقولات الثلاث توجد مفاهيم أعيد لخبطتها حتى تعطي معني عكسي تماما عن المفهوم المسيحي المقصود منها.
يا شعب المسيح، يا من نلتم حرية المسيح، نقوا التعاليم الكنسية من كل انحراف فكري وعقيدي.
"لقد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس" (1كو 23:7)
#سامي_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -3 دور حبيب باشا المصري
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -2 رد على رسالة
-
لائحة 1938 والأنبا شنودة -1 تاريخ ظهور اللائحة
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة 5- التعاون الحكومي مع البابا لذبح
...
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة ... 4- الدولة المدنية والزواج الم
...
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة (3)
-
الأنبا شنودة وحافة الكارثة (2)
-
الحاجة الإنسانية المُلحَّة للدين
-
إبراهيم هلال وحوار مخجل بالمصري اليوم
-
رسالة عز للأقباط «بزيارته للغول في قريته بقنا»
-
«لا يا شيخ!!!»
-
جريمة في مرسى مطروح... 1- «الأقباط تحت السبي»
-
مرسى مطروح بعد نجع حمادي... وآليات الإرهاب
-
نجع حمادي 3- « ديروط ...وجريمة القضاء المصري»
-
النكسة 2- رد على مقال «من الخمسينات حتى نجع حمادي» للأستاذ ش
...
-
نجع حمادي 2- «الوضع الكنسي وسقوط أقنعة السلطة الفاسدة»
-
نجع حمادي 1- «الوضع السياسي وفشل النظام المصري»
-
كل سنة والحوار المتمدن بخير
-
ما بين عزبة الهجانة ومذبحة الخنازير
-
الأنبا شنودة يتعدى ويتحدى القوانين الكنيسة 2- «القرعة الهيكل
...
المزيد.....
-
قوات جيش الاحتلال تقتحم مدينة سلفيت في الضفة الغربية
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|