أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إبراهيم منصوري - بابليون حول قطر المربع















المزيد.....


بابليون حول قطر المربع


إبراهيم منصوري

الحوار المتمدن-العدد: 3111 - 2010 / 8 / 31 - 08:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كان "نبوخ" و"حمو" يشتغلان كمحاسبين رئيسيين لأحد الملوك البابليين في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أي زهاء أربعة عشر قرنا قبل ميلاد الفيلسوف وعالم الرياضيات الإغريقي فيثاغورس. كانت مهمتهما الأساسية حساب وتحصيل الضرائب لصالح مملكة بابل وكذلك حساب نفقات الدولة.

خرج نبوخ وحمو ذات يوم لقياس مساحة أرض زراعية وكانت أرضا مربعة الشكل قرر الحاكم توزيعها بالتساوي لصالح شخصين من نبلاء بابل على أساس أن يكون نصيب كل واحد منهما مثلث قائم الزاوية. رسم المحاسبان خطا مستقيما مائلا يربط بين أخر نقطة على يمين الضلع العلوي وآخر نقطة علي يسار الضلع السفلي للمربع. تبين للموظفين البابليين أن الخط المرسوم يقسم الأرض المربعة إلى قسمين مثلثين متساويين. لذلك فهما أن مساحة كل من المثلثين تساوي نصف مساحة المربع كله بالتمام والكمال. وبما أنهما يعرفان أن مساحة المربع هي قياس ضلعه مضروبا في نفسه فإنهما لم يجدا أية صعوبة في معرفة أن مساحة المثلث هي نصف جداء الضلعين أي نصف جداء قاعدة المثلث وارتفاعه.

شكر النبيلان الحاضران وقتها كلا من "حمو" و"نبوخ" على نبوغهما في الحساب والهندسة وقدما لهما دعوة لحفلة في أحد قصور بابل الفخمة. ركب الجميع على عربة مذهبة يجرها حصان أدهم في الطريق إلى بابل. تشتتت أفكار أحد النبيلين ولم يعد يتابع حوارات الراكبين معه. بادره نظيره بالسؤال:

- "ما لي أراك مهووسا سابحا في السحاب يا "سومو"؟ ألا تشاركنا في الحوار؟".

- "آه يا "سمسي"، لا تقل لي إن الأمطار وحدها كافية لري أرضنا ! لو قدر لنا أن استفدنا من مياه نهر دجلة وروينا بها الأرض التي تقاسمناها قبل حين، أتدري كيف سينزل علينا الخير العميم مدرارا؟ سنغتني أكثر وسنصل إلى النجوم!".

استدار المحاسب"حمو" نحو النبيل "سومو" معقبا:

- "هذه فكرة هائلة يا سيدي، سيما أن نهر دجلة قريب من مزرعتيكما وإيصال مياهه إلى أرضيكما سهل للغاية".

واصل الأربعة طريقهم وهم يتجاذبون أطراف الحديث حول الموضوع حتى وصلوا بابل والشمس ترسل آخر أشعتها على المدينة قبل الغروب. دخلوا القصر البابلي العامر وولجوا إحدى غرفه الواسعة والمزينة إلى حد الاستلاب. أثار النبيل "سومو" موضوع الري النهري من جديد مسترسلا:

- "أرى أنه من الأحسن مد ساقية تخترق المزرعتين بحيث نستفيد نحن الاثنين من مياه النهر؛ ولكن، حتى لا تضيع المياه الممتدة من النهر، أقترح أن تفتح ساقية ثانية انطلاقا من نهاية الساقية الأولى بحيث تعود للصب في النهر".

سرح المحاسب "نبوخ" بذهنه لفترة فقال:

- "هذا قول حكيم يا سيدنا؛ ولكن، كيف سنشق الساقية بحيث تستفيد كلتا المزرعتين المثلثتين من مياه الري؟ ما هي أمثل السبل لمد الساقية؟ أرى أنه من العدل أن يستغل سيدانا سومو و سمسي مياه الري بالتساوي، لا ضرر ولا ضرار!".

عقب المحاسب "حمو" وهو يلمس لحيته الكثيفة برفق:

- "أحسنت الإطناب يا نبوخ ، قسمت الأرض بالتساوي بين سيدينا سومو و سمسي ، فلنتوخ العدل والإنصاف عند مد ساقية الري!".

تأمل المحاسب "نبوخ" في المسألة لفترة ثم قال:

- "أرى أنه من العدل والإنصاف أن تمر الساقية تماما على الخط المائل الذي يقسم الأرض المربعة المستوية إلى مثلثين متساويين وعلى سيدينا النبيلين سومو و سمسي أن يمدا منها ما يكفي من السواقي الجانبية لري أرضيهما! فوحق الآلهة إني لأرى أن هذا الحل هو الأمثل من بين حلول أخرى بديلة!".

تناول المحاسب "حمو" كوب ماء فشرب حتى ارتوى ثم تساءل:

- "هذه فكرة عبقرية يا نبوخ وأقترح أن نعود غدا إلى نفس المكان لنقيس المسافة الفاصلة بين النهر وأخر الساقية بما فيها مسافة الخط المستقيم المائل الذي يقسم الأرض إلى قسمين مثلثين متساويين".

استرسل "نبوخ" في الكلام ثم استفسر:

- "ولكن، أليس من الممكن أن نعمل عقولنا لقياس مسافة هذا الخط المائل دون الرجوع إلى عين المكان ما دمنا نعرف قياس ضلع الأرض المربعة ومساحتها؟ لقد وهبتنا الآلهة عقولنا لنفكر بها لا لنطلقها في إجازات طويلة جدا!".

أخذ "نبوخ" لوحا طينيا فرسم عليه بقطعة نحاسية خفيفة مربعا وسطر خطا مائلا يقسم المربع إلى مثلثين متساويين ثم قال:

- "ألا ترون معي أن قياس الخط المائل يفوق قياس ضلع المربع الماثل أمامكم؟". ردد بقية الحاضرين: "هذا صحيح! هذا صحيح! ولكن، كم قياسه بالضبط؟ هذا هو السؤال الجوهري!".

غاص "نبوخ" بأفكاره في ذلك العالم الهندسي العجيب ولم يعد يكلم أحدا لفترة ليست بالقصيرة. غاص معه الآخرون بأذهانهم لعلهم يصلون إلى الحقيقة المطلوبة. في تلك اللحظة المحفوفة بالتفكير العميق، جاء أحد الخدم يخبر النبيل "سومو" أن كبير محاسبي وكتاب مملكة بابل، السيد "أدو"، يريد مقابلته حالا. أشار إليه بإدخاله إلى الغرفة. تفضل السيد "أدو" بالدخول إلى الغرفة الفاخرة فألفى الحاضرين مجتمعين حول اللوح الطيني ومحدقين في المربع المرسوم بعناية.

-"ما لي أراكم هكذا مشدودين إلى هذا المربع وكأنه طلسم عظيم يسحر القلوب ويذهب بالألباب؟"، هكذا استفسرهم كبير المحاسبين والكتاب لدى ملك بابل.

كان المحاسبان يقولان في قرارة نفسيهما:

- "أه يا سيد أدو ! لو عرفت السؤال العويص الذي يكتنف هذا المربع العجيب، لسامحتنا على قلة الاكتراث بمقدمكم!".

استفاق المحاسبان من سفرهما الهندسي الطويل فرحبا برئيسهما ترحيبا يليق بمقدمه. قدم له كأس عصير من العنب الطري فشربه بنهم كبير ثم طلب كأسا ثانية فشرب حتى ارتوى ثم أردف قائلا:

- "إني وحق الآلهة لأرى أن فكرة هندسية جديدة قد ذهبت بعقولكم! وهي من وحي الأرض المربعة التي تفضل صاحب الجلالة بمنحها بالتساوي لسيدينا النبيلين سومو و سمسي ؛ فالكل يعرف أن أرض بابل هي ملك لمملكة بلاد الرافدين كلها ولا مجال للملكية الفردية، لقد وجب على الفلاحين خدمة الأرض لصالح مالكيها وحق لجلالة الملك المعظم أن يمنح منها ما يريد للنبلاء الأجلاء".

ردد المحاسبان:

- "هذا صحيح، هذا صحيح، يا سيد أدو !".

استرسل السيد أدو في الكلام:

- "لقد فهمت أن فكرة هندسية جديدة تطفو على السطح وأن نبوخ و حمو هما اللذان طرحاها للنقاش، فأنا عرفتهما حق المعرفة واختبرت قدرتهما على ابتداع الأفكار وتوليدها. حدثوني من فضلكم عن مسألتكم الهندسية الجديدة لعلي أفيدكم في شيء".

بعدما عرف السيد أدو كنه المسألة، أخذ اللوح الطيني من أمام المحاسب "نبوخ" وتمعن لوقت طويل في المربع المرسوم ثم عمد إلى رسم خط مائل ثان يقطع الخط المائل الأول في وسطه وخاطب الحاضرين:

- "بهذه الطريقة، استطعت أن أقسم المربع إلى أربعة مثلثات متشابهة ومتساوية المساحة؛ فلو تفضل جلالة ملك بابل بتقسيم تلك الأرض المربعة بالتساوي بين أربعة نبلاء، لكانت إحدى الحلول الممكنة تقسيمها بهذه الطريقة الهندسية البسيطة".

أضاف السيد "أدو" وهو يبرهن على أفكاره الهندسية برسوم واضحة على اللوح الطيني:

- "أنظروا إلى المثلثات الأربعة، إنها مثلثات قائمة الزاوية ولكل منها ساقان متساويان. إذن، فمساحة كل منها تساوي نصف مساحة مربع قياس ضلعه هو نصف الخط المستقيم المائل الذي رسمتموه قبل مجيئي إلى هنا".

وبينما كان السيد "أدوا" يستجمع أفكاره لاستكمال مبرهنته الجنينية، بدأ المحاسبان "نبوخ" و"حمو" يتجاذبان أطراف الحديث حول شروحات "أدو" الهندسية فاستدار "نبوخ" فجأة نحو رئيسه قائلا:

- "طبقا لما تفضلتم به قبل حين، أرى يا سيدي أن مساحة كل من المثلثات الصغرى المرسومة تساوي قسمة جداء نصفي الخط المائل إلى اثنين".

قال "سومو" معقبا:

- "وبماذا سينفعنا هذا التحليل ما دمنا لا نعرف قياس الخط المائل وما بالك بنصفه؟". "فكرة نبوخ صحيحة يا سومو وربما ستكون هي مفتاح اللغز"، هكذا تدخل السيد "أدو" قبل أن يضيف:

- "بما أن مساحة كل واحد من المثلثات الصغرى الأربعة تساوي نصف مساحة مربع قياس ضلعه هو نصف الخط المستقيم المائل، فإن مساحة كل واحد من تلك المربعات الأربعة هي ربع مساحة مربع أكبر يبلغ قياس ضلعه قياس الخط المائل المعلوم. ولذلك فإن مساحة كل واحد من المثلثات الصغرى الأربعة هي ثمن مساحة المربع الأكبر ذي الضلع الذي قياسه هو قياس الخط المائل المعلوم بالتمام والكمال!".

تمعن المحاسبان في شروح سيدهما الهندسية فاختلطت خيوط البرهان في عقليهما. أما السيدان النبيلان "سومو" و"سمسي" فكانا يغطان في نومهما السرمدي منذ بدء الحوار الشيق بين المحاسبين ورئيسهما، ولم اليقظة والتفكير ما داما يعرفان أن الأرض أرضهما والساقية ستمتد وسترويها والخير سيكثر سواء فكرا مع الغير أو لم يفكرا. استطرد السيد "أدو" مبرهنا:

- "بما أن مساحة كل واحد من المثلثات الصغرى الأربعة هي ثمن مساحة المربع الأكبر ذي الضلع الذي قياسه هو قياس الخط المائل المعلوم، فإن مساحة المربع الأصلي هي أربع مرات مساحة واحد من المثلثات الصغرى الأربعة، أي نصف مساحة المربع ذي الضلع البالغ قياسه قياس الخط المستقيم المائل الذي رسمتماه سابقا".
تابع السيد "أدو" براهينه مضيفا:

- "هذا يعني أننا لو ضربنا قياس الخط المائل في نفسه وقسمنا النتيجة على اثنين، فإننا سنحصل على مساحة المربع الأصلي، أي ضلع ذلك المربع الأصلي مضروب في نفسه".

حاول المحاسب "حمو" ترجمة براهين سيده إلى ما سيسمى بعد قرون من تاريخ الرياضيات بالمعادلة الرياضية فأردف معللا:

- "هذا يعني يا سيدي أن قياس ضلع الخط المائل المعلوم مضروبا في نفسه مع قسمة النتيجة على اثنين يساوي تماما نتيجة ضرب قياس ضلع المربع الأصلي في نفسه".

أحس السيد "أدو" أن محاسبه قد فهم شروحاته فتهلل وجهه ثم أضاف:

- "أحسنت التخريج يا حمو ! هذه هي النتيجة الهندسية الأهم في حديثنا ذي الشجون! وهي نتيجة تعني فيما تعنيه، كما تبينه رسوماتنا على اللوح الطيني، أن مساحة المربع الأكبر ذي الضلع البالغ قياسه قياس الخط المائل المعلوم تساوي ضعف مساحة المربع الأصلي الذي وجدته مرسوما على اللوح عند دخولي عليكم في هذه الغرفة".

تابع السيد "أدو" تحليله الرياضي فاستطرد قائلا:

- "إذن، لدينا عبارة حسابية هندسية تعبر عن تساوي مساحة مربع مع ضعف مساحة مربع آخر أصغر من الأول؛ وهذا يعني بلا شك أن قياس الخط المائل المعلوم مضروبا في نفسه يساوي ضعف قياس ضلع مربع الأرض المقسومة مضروبا في قياس هذا الضلع نفسه!".

غاص المحاسبان "حمو" و"نبوخ" في أفكارهما لهنيهة وأخذ "نبوخ" الكلمة مستفسرا:

- "ولكن، ما الجدوى من هذه المعادلة إذا كانت لا تنفع في شيء للوصول إلى قيمة قياس الخط المائل المعلوم الذي ستمر منه الساقية لري أرضي سيدينا النبيلين سمسي و سومو ؟ فالمعادلة التي بين أيدينا تعبر عن تساوي مساحة مربع وضعف مساحة مربع آخر، فأين لنا من حل لإيجاد قياس الخط المائل المعلوم؟".

ابتسم السيد "أدو" وأخذ اللوح الطيني ثم بدأ يشرح أفكاره الهندسية بتفان وعمق:

- "تبين المعادلة أن ضرب قياس الخط المائل المعلوم في نفسه يعادل ضعف ضرب قياس ضلع المربع الأصلي في نفسه! وهذا يعني أن نتيجة قسمة ضرب قياس الخط المائل المعلوم في نفسه على ضرب قياس ضلع المربع الأصلي في نفسه ستعطينا العدد اثنين بالتمام والكمال؛ وهذا يعني أيضا أن ضرب قسمة قياسي الخط المائل وضلع المربع الأصلي في نفس هذه القسمة سيعطينا العدد اثنين ، أي أن مساحة أي مربع يبلغ قياس ضلعه قيمة هذه القسمة تساوي وحدتين مربعتين كاملتين!".

توقف السيد "أدو" لهنيهة وكأنه يدعو مساعديه إلى التفكير العميق لسبر أغوار براهينه الهندسية ثم وجه لهما سؤالا جوهريا متوخيا من ذلك توليد مزيد من الأفكار على طريقة "مايوتيكا" سقراط الذي سيولد بعد تلك الحقبة بقرون:

- "إذا كانت نتيجة القسمة المعلومة هي اثنان وكانت هذه القسمة هي بمثابة مساحة لمربع، فكم سيكون قياس ضلع هذا المربع؟". تدخل المحاسب "نبوخ" مجيبا: "بالطبع سيكون قياس الضلع هو العدد الذي إذا ضربناه في نفسه تكون النتيجة هي العدد اثنان !".

- "أحسنت الجواب يا نبوخ ، أعتقد أننا في الطريق الصحيح للحصول على القياس الحقيقي للخط المائل المعلوم!"، هكذا عقب السيد "أدو"، كبير المحاسبين والكتاب لدى ملك بابل.

رد المحاسب "حمو" متسائلا:

- "هل من المعقول أن نجد عددا بحيث إذا ضربناه في نفسه نحصل على العدد اثنين ؟ هناك الكثير من الأعداد يسهل الحصول على جدتها أو جدة جدتها أو خالتها، أو، أو،...لا أعرف!".

ضحك السيد "أدو" والمحاسب "نبوخ" حتى استلقيا على ظهريهما فاستفاق النبيلان "سمسي" و"سومو" من نومهما. عند ذلك، وضح "حمو" عباراته مبتسما:

- "أعني بالجدة أو جدة الجدة أو الخالة العدد الذي إذا ضربناه في نفسه يعطينا العدد اثنين بالتمام والكمال...لنسمه أصل العدد اثنين أو ما شئتم! وهذا الأصل لا يمكن أن يكون العدد واحد ولا العدد اثنين لأن ضرب الأول في نفسه تكون نتيجته أقل من اثنين وضرب الثاني في نفسه تكون نتيجته أكثر من اثنين !".

تلقف "نبوخ" كنه هذه الفكرة فاقترح ما يلي:

- "لنقم إذن باختبار على أعداد بين واحد و اثنين لعلنا نجد الأصل ، ولنبدأ بالعدد واحد ونصف !".

لمعت عينا السيد "أدو" فتساءل:

- "ولكن، للقيام بالاختبار، يجب علينا ضرب العدد واحد ونصف في نفسه، فهل نعرف كيف نجري هذه العملية المعقدة؟".

سكت الجميع لبرهة حتى أضاف السيد "أدو":

- "أتعرفون ما معنى قياس ما هو حسابي بما هو هندسي وما هو هندسي بما هو حسابي؟ ألم تفهموا من خلال حوارنا اليوم أن هناك علاقة جدلية بين الحسابي والهندسي؟ هذه الجدلية العجيبة هي التي ستمكننا من فك لغز قياس الخط المائل الذي يقسم الأرض المربعة إلى مثلثين متساويين!".

أخذ لوحا طينيا جديدا فشرع في شرح فكرته:

- "إن ضرب العدد واحد ونصف في نفسه يطابق رسم مربع قياس ضلعه هو العدد واحد ونصف نفسه! وهذا الضلع يتكون من مقطعين قياس أحدهما يساوي واحد وقياس الأخر نصف !".

لم يفهم "حمو" و"نبوخ" هدف هذه الفكرة الهندسية في أول الأمر فتساءلا:

- "يا سيد أدو ، لقد فهمنا هذا الانتقال الواضح من الحسابي إلى الهندسي، ولكننا لم نفهما الهدف منه!".

دعاهما إلى التركيز والتريث معللا بوضوح كأنه يعرف إحدى المتطابقات الهامة في الرياضيات الحديثة:

- "مساحة المربع ذي الضلع الذي قياسه واحد ونصف ، كما يتبين من خلال الرسم، هو مجموع ثلاث مساحات، أي مساحة المربع ذي الضلع الذي قياسه واحد وضعف مساحة المستطيل الذي قياس عرضه نصف وقياس طوله واحد ومساحة المربع الأصغر ذي الضلع الذي قياسه نصف !".

تمعن المحاسبان جليا في رسومات السيد "أدو" وفهما مغزاها العام ولكن الالتباس ما زال يلف فهمهما لبعض الجزئيات فاستطرد "نبوخ" قائلا:

- "لنمعن النظر في الرسم حتى نستطيع حساب المساحات الثلاث؛ فمساحة المربع ذي الضلع الذي قياسه واحد هي واحد ، و مساحة المستطيل الذي قياس عرضه نصف وقياس طوله واحد هي نصف ؛ ولكني وحق الآلهة، إني لا أعرف كيف أحسب مساحة المربع الأصغر ذي الضلع الذي قياسه نصف !".

تدمر السيد أدو بعض الشيء من سذاجة معاونيه فاستطرد معللا كأنه يعرف القواعد الأساسية لحساب جداء كسرين بالمعنى الحديث للكلمة:

- "إذا كانت نتيجة ضرب العدد واحد في العدد نصف هي العدد نصف ، فمن الأكيد أن نتيجة ضرب العدد "نصف" في نفسه ستكون هي نصف النصف، أي الربع !".

استوعب المحاسبان براهين رئيسهما فبدآ يحسبان مجموع المساحات الثلاث وهما يتمعنان النظر في الرسم المبين على اللوح الطيني:

- "واحد زائد ضعف نصف زائد ربع ، يساوي واحد زائد واحد زائد ربع ، يساوي اثنين وربع ! ولكن العدد اثنين وربع أكبر من العدد اثنين ، إذن، فالعدد الذي إذا ضربناه في نفسه يعطينا العدد اثنين هو أصغر شيئا ما من العدد واحد ونصف !".

حاول المحاسبان مع أعداد متعددة مستعملين نفس الطريقة الهندسية حتى أحسا بإرهاق شديد. دعاهما السيد أدو إلى اختبار العدد "واحد وضعف الخمس" لعل ضرب هذا العدد في نفسه يعطي ما يقارب العدد "اثنين". أجريت العملية هندسيا باستعمال اللوح الطيني فتبين أن النتيجة تقارب العدد "اثنين"، أي 1,96 بالتعبير الرياضي الحديث.

واصل المحاسبان اختباراتهما حتى حصلا على قيمة تقريبية جيدة لما نسميه في العصر الحديث بالجدر المربع للعدد "اثنين"، أي حوالي "...1.414213562373095048801688724209". بعد الوصول إلى هذه القيمة التقريبية، أوجز السيد أدو مفسرا:

- "إذن، فقياس الخط المستقيم المائل الذي يقسم الأرض المربعة إلى مثلثين متساويين هو بالتقريب نتيجة ضرب هذه القيمة التقريبية في قياس ضلع الأرض المربعة التي تم تقسيمها بين سيدينا النبيلين سومو و سمسي !".

فهم الجميع من ذلك اليوم أن ما نسميه حديثا بقطر مربع تبلغ مساحته وحدة وحيدة مربعة لا بد أن يبلغ قياسه ما يناهز القيمة التقريبية لما أسموه بأصل العدد "اثنين" أو ما نسميه اليوم بالجذر المربع للعدد "اثنين". هذا ما فهمه أجدادنا البابليون الحكماء بعقولهم فأحسنوا الفهم. أما أولادنا اليوم فلا يفهمون إن فهموا إلا تطبيق الصيغ الرياضية التي يحفظونها عن ظهر قلب وكأنها آتية من عدم!!!

بعد الانتهاء من كتابة هذه السطور، سألت أحد التلاميذ النجباء في سلك العلوم الرياضية بكلية العلوم عن قياس قطر مربع تبلغ مساحته كيلومترا مربعا واحدا، فأجاب بكل تلقائية:

- "طبقا لمبرهنة فيثاغورس، فإن قياس قطر هذا المربع أس اثنين يساوي واحد أس أثنين زائد واحد أس اثنين ؛ أي أن قياس القطر أس اثنين يساوي اثنين ، أي أن قياس هذا القطر هو الجذر المربع للعدد اثنين ".

أشعل حاسوبه ثم نقر على موضع الآلة الحاسبة وطلب منها حساب الجذر المربع للعدد اثنين وكانت النتيجة ...1.414213562373095048801688724209 . ودعت الطالب النجيب وأنا أقول في قرارة نفسي: "هؤلاء الطلبة لا يعرفون إلا تطبيق الصيغ الرياضية ويجهلون تاريخ العلوم...كلما تعمقنا في تاريخ علم فهمناه أحسن؛ هذا صحيح، ولكن لا حياة لمن تنادي. ولكن، أيتحمل ذلك الطالب مسؤولية ما يلقن له؟ طبعا، لأنه ينتظر من أساتذته أن يجتروا له كل شيء في عصر المعرفة والتطور الهائل لوسائل الاتصال والإعلام؛ ولكن المشكلة أعمق من ذلك بكثير، فأنظمتنا الثيوقراطية لا يهمها إصلاح محتويات ومناهج التربية والتعليم بقدر ما يهمها حشو الأذهان بصيغ رياضية تتمثل للطالب وكأنها طلاسم ومتاهات وأسحار لا حول ولا قوة له بها..."...وللحديث بقية.



#إبراهيم_منصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تتسطح القدمان ويلام الغدير
- رجل سلطة يفلسف تاريخ القمح
- أحمق يهزم عاقلا
- عندما يحتضر الفرس وتلام المرأة
- ...وسار على الدرب عاما حافي القدمين
- أربع وعشرون ساعة في أمستردام
- قصة قصيرة ولكنها من الواقع: (الفحام الوقح الجريء: زوجته وأتا ...
- بوكماخ في بلاد السنغال
- ذكرى الوالدة
- في مدح النمو: أشعار في مفهوم غير مفهوم
- قصيدة شوق جديدة: من اللسان الأمازيغي إلى لغة الضاد
- في مدح صاحب الجلالة أصل النمو: حفنة أشعار في مفهوم الادخار
- شركات الأمن الخاص بالمغرب: احترافية متدنية واستغلال بشع للعم ...


المزيد.....




- هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش ...
- القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح ...
- للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق ...
- لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت ...
- مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا ...
- رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
- الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد ...
- بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق ...
- فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
- العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إبراهيم منصوري - بابليون حول قطر المربع