|
لنا الكوارث ولهم الخيرات
علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
من يزور منطقة صفوى هذه الأيام يلاحظ الدخان الأسود الذي يغطي المنطقة والرائحة الكريهة المصاحبة له. الدخان ناتج عن حرق للغاز المصاحب للنفط وهناك ثلاثة أبراج احتراق للغاز شمال صفوى، وآخر غرب صفوى، ونتيجة للرياح الشمالية الجنوبية وصلت سحب الدخان إلى المدينة وغطّت المنطقة بروائحها الكريهة. لقد أعلن الأمير عبدالله بأن المملكة ستزيد من إنتاج النفط ليصل إلى أقصاه وهو ما يزيد عن 10.5 مليون برميل يومياً للمساهمة في انخفاض أسعار النفط حتى لا يتأثر "الاقتصاد العالمي"؛ أما نحن فندفع الثمن أهل المنطقة الشرقية، وخاصة المناطق المنتجة للنفط مثل صفوى، ندفعه من بيئتنا ومن صحّتنا، فلنا الكوارث ولأهل نجد خيرات النفط. لقد أصبحت المنطقة تعيش فعلاً كارثة بيئية. إن المنطقة عاشت ولازالت تعيش كوارث بيئية متلاحقة بدءاً من دفن المناطق الساحلية وبيعها أراض سكنية بأوامر أميرية من محمد بن فهد وغيره من الأمراء، مروراً بحرق آبار نفط الكويت وصب النفط في الخليج والذي كانت نتائجه المدمّرة علينا بشكل كبير، والآن بالغمائم السود التي تغطّي منطقتنا. قبل عدة أشهر قامت منظمة عربية بيئية لا أذكر اسمها بتقديم جائزة للأمير سلطان بن عبدالعزيز لخدماته "الجليلة" وجهوده "الكبيرة" في مجال "المحافظة" على فالأمير سلطان يرئس الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، ولا أعلم كيف يمكن تجاهل التدمير المتعمد للبيئة من قبل الحكومة السعودية وبأوامر عليا من الأمير سلطان ونايف وغيرهم، وهذا الدمار وإن شمل معظم مناطق المملكة، لكن المنطقة الشرقية عانت ولا تزال تعاني الجزء الأكبر منه. فالأراضي الساحلية تم حجزها لبعض الأمراء والأميرات لاستثمارها كأراض سكنية على حساب سكان المنطقة، فالكثير يمتهن حرفة صيد السمك وبهذا تم غلق أكثر المنافذ البحرية في أوجه الصيادين. إضافةً إلى استخدام الشواطئ كمرادم للنفايات ممّا قضى على أشجار القرم ولوثّ السواحل وهذا انعكس على محصول الصيد من الأسماك والربيان، على عكس ما تتبجح به الحكومة في تقاريرها من أن تناقص الأسماك والربيان سببه الصيد الجائر؛ فعدد الصيادين في تناقص باستمرار ومواسم الصيد محدودة وكذلك محصول الصيد في تناقص سنة تلوى أخرى. عندما كنّا صغاراً، كان بعض الصيادين يذهب بعيداً للصيد ويقترب من أنابيب النفط المجاورة وهناك اتضح بأن الأسماك بها رائحة النفط وهذا سببه تلوث تلك المنطقة، ولغياب أي نوع من المراقبة البيئية لم تتورع شركة أرامكو أو أي شركة أخرى عاملة في مجال النفقط من ممارسة كل أنواع الخروقات البيئية وصب أي نوع من الملوثات في مياه الخليج والذي هو شبه مغلق، وهذا يعني المزيد من التلوث للبيئة البحرية حيث يحتاج الخليج لمدة طويلة حتى تتحرك المياه منه وإليه من المحيط. إن المعاناة البيئية هي جزء من الكارثة، فالكارثة الأخرى وهي الصحية، فانتشرت العديد من الأمراض في المنطقة، والبعض منها أمراض خبيثة لم يُعرف عنها في المنطقة، وبعضها لا يصيب صغار السن من الأطفال، لكن بسبب التلوث ظهرت لنا هذه الأمراض في الأطفال والمواليد ولم تستثني أحداً. إن الحكومة السعودية لا تنشر أي نوع من التقارير وتتعامل مع صحة المواطن بسرية تامة وبسبب غياب جهات محايدة تقوم بأبحاث تقييم للأمراض المنتشرة وعلاقتها بتدمير البيئة المتعمد في مناطق الشيعة، لا يستطيع الباحث الوصول إلى الحقيقة إلاّ عن طريق تكهّنات ينقصها الدليل العلمي الواضح. إن المطلوب هو مصارحة الشعب بما يحدث ولماذا هذه الأبخرة السامة التي تغطي سماء المنطقة وماهية تأثيراتها السلبية. نحن نعلم أن المملكة في سباق مع الزمن لإنتاج أكبر كمية من النفط، ويبدو أن إنتاج هذه الكمية وما يرافقها من غازات سامة لا تستطيع الحكومة التخلص منها بشكل مدروس وسليم، ولغياب أي نوع من الرقابة أو الاهتمام بصحة المواطن وبالوطن، قامت شركة أرامكو بحرق تلك الغازات، كما كان في الماضي، قبل إنشاء الهيئة الملكية بالجبيل حيث تم استثمار الغاز في الصناعة. والله وحده يعلم كمن مرض خبيث انتشر وكمن مواطن مات بسبب تلك الغازات في تلك السنوات، وهاهي الحالة تعود بشكل أفظع مما كانت عليه في السابق. إن خيرات المنطقة تذهب لنجد وللأمراء من آل سعود وحاشيتهم، ولنا في المنطقة الشرقية الكوارث البيئية والصحية، الفقر والاضطهاد أيضاً. المسؤولية لا تقع فقط على الحكومة السعودية الذي فقدنا الأمل فيها، بل تقع على المثقفين والأكاديميين وأصحاب القلم الحر الذي يعيشون بيننا، فعليهم مسؤولية الكتابة والتحذير من هذه الكوارث والتنبيه لخطرها المحدق بالمواطن والوطن. إن رفع الوعي البيئي والصحي مسؤولية الجميع والمفترض أن يتم التحقيق في هذا الموضوع على أكبر مستوى، خاصةً وأن بعض الكتّاب المخلصين من هذا الوطن لهم باع طويل في أكثر من مجال ويستطيعون المساهمة في هذا الموضوع بالذات. من هنا أيضاً نوجه نداء إلى كل المنظمات البيئية العالمية التي تتابع الكوارث البيئة، نوجه لها نداء استغاثة بأننا نعيش كارثة إنسانية بجميع نواحيها وتأثيراتها المباشرة معروفه من أمراض تنفسية وتأثيراتها بعيدة المدى لها علاقة بأمراض خطيرة وخبيثة أبرزها السرطان. لطالما عشنا على الهامش وتحت الاضطهاد عقود كثيرة دون أن يكون هناك أي نوع من التدخل العالمي لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الإنسانية بسبب التضليل الإعلامي الحكومي، أماّ اليوم مع وجود قنوات الاتصال المباشر بين الجهات الأربع للأرض يجب علينا التحرك وبسرعة، ليس فقط لمنع الهدر لمواردنا الوطنية، بل للحفاظ على أرواحنا أيضاً بالحفاظ على صحة البيئة التي نعيش فيها. في هذا المجال لا يمكن التعويل على أي تحرك حكومي، خاصةً وأن الأمر يتعلق بأرواح الشيعة، فالوضع المزري الذي نعيشه هو ما يسعون إليه جاهدين طوال السنين الماضية، ولازالوا، فلنا الكوارث ولهم الخيرات.
#علي_فردان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحكومة والوطن والمواطن: رأيٌ آخر
-
أين مصلحة الوطن العليا؟
-
مهزلة القضاء السعودي: إذا بُليتم فاستتروا
-
قبول الطالبات الشيعيات في الكليات الصحية: الخطوة التالية الم
...
-
قناة الجزيرة: لماذا في بغداد وليس دارفور؟
-
القيد للمجرمين والحرية لأستاذنا الدميني
-
شهيد الواجب في الرياض، وقتيلٌ في بغداد !!
-
السنافي يسأل عن حقوق الإنسان وعاداتنا وخصوصية غرف النوم
-
الإصلاح في السعودية: لا تتفاءلوا - - تُحبَطوا!!
-
نكافح الفقر أم التسوّل؟
-
الأقباط في مصر والشيعة في السعودية: تشابه في الاضطهاد
-
كيف لا يشعر الشيعة بالاضطهاد في وطنهم؟
-
من يضحي بحياته ليعيش آل سعود؟
-
المرأة في عصر الإسلام وفي عصر آل سعود
-
خذوني إلى أرض الأمل
-
انتهاكات حقوق الأجانب في السعودية: في انتظار فجرٍ جديد
-
تعالوا نفجّر ونقتل ونسحل الجثث الآدمية
-
الطائفية ضد الشيعة في السعودية: جريمة حكومية منظمة
-
ثلاث شمعات تضيء طريقنا المظلم
-
شعار الدولة السعودية: العفو عن الإرهابيين والتنكيل بالآخرين
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|