|
الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن لـ ( احوار المتمدن ):الكاتب ينبغي أن يكتب مثلما يغني أو يرقص أو يطير
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 942 - 2004 / 8 / 31 - 11:40
المحور:
الادب والفن
رغم أن الكاتب محفوظ عبد الرحمن قد بدأ حياته الأدبية قاصاً وناقد أدبياً إلا أنه سرعان ما وجد ضالته في الكتابة للإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح، لذلك تخلى عن كتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي لينقطع تماماً لكتابة الدراما التاريخية والنصوص المسرحية التي لاقت صدى طيباً، ليس في مصر وحدها وإنما في مختلف البلدان العربية. ومن أبرز أعماله الدرامية التي لم تغادر ذاكرتنا حتى الآن مسلسل ( سليمان الحلبي ) و ( ليلة سقوط غرناطة ) و ( بوابة الحلواني ) و ( مسلسل ( أم كلثوم ) الذي اقتحم المنازل العربية في كل مكان تقريباً. لم يمحض الكاتب محفوظ عبد الرحمن السينما حباً كبيراً، فأغلب الأفلام التي كتب سيناريوهاتها جاءت نتيجة ضغط وإلحاح شديدين من أصدقائه وهذه الأفلام هي ( القادسية ) و( ناصر 56) و ( العندليب ) فهو يعتقد أن علاقته بالسينما ضعيفة وربما يظل مسهماً فيها جرّاء ضغط الأصدقاء. في حين أنه يمحض الإذاعة عناية خاصة، لكن نظرة الناس إلى الإذاعة قد تدنت بفعل مداهمة الوسائل السمعية والبصرية الجديدة التي اقتحمت كل شيء. عمل محفوظ عبد الرحمن في الصحافة لعدة سنوات وأصبح سكرتير تحرير لمجلة ( السينما ) ومجلة ( الفنون ) ومجلة ( المسرح والسينما ). كما شارك في العديد من لجان التحكيم في المسابقات الأدبية والفنية والمهرجانات السينمائية. وبمناسبة اشتراكه في مهرجان الفيلم العربي الثاني الذي أُقيم في روتردام هذا العام إلتقاه موقع ( الحوار المتمدن ) وكان لنا معه هذا الحوار: لا وقت عندي بدأت حياتك الأدبية في مطلع الخمسينات بكتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي. هل تعتقد أن القصة القصيرة هي الحاضنة الأساسية والأم الشرعية التي أنتجت كتاباتك اللاحقة للسينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون؟ هل تحن إلى القصة القصيرة وتكتبها بين الحين والآخر، أم أن إنشغالاتك الأخرى قد أنستك هذا الجنس الأدبي المهم؟ - أنا أعتبر القصة القصيرة عاملاً مهماً في تجربتي الأدبية من بين عوامل أخرى كثيرة. فعندما أفكر بكتابة مشهد تلفزيوني أو مسرحي قد تحضر القصة القصيرة نمطاً أو المسرحية ذات الفصل الواحد. ما زال الشكل الأدبي مؤثراً بنسبة كبيرة. بالمناسبة أنا لا أدري متى بدأت بكتابة القصة القصيرة، ولكنني أعلم جيداً أن القصة القصيرة قد بدأت قبل أن يتشكل وعيي المعرفي بالأجناس الأدبية. أما عملية النشر فهي قضية أخرى. عندما بدأت أنغمس في الكتابة للتلفزيون والسينما والمسرح تضاءل اهتمامي بكتابة القصة القصيرة أو بنشرها. بل لا أخفيك أنني كنت أكتب القصة وأخجل من نشرها. قد يسأل سائل: ولماذا هذا الخجل؟ الجواب قد يأخذ شكل سؤال آخر: هل أنا أكتب القصة القصيرة بمستوى الناس المتفرغين لكتابتها والمنقطعين إليها؟ هذا سؤال يلح عليّ في حقيقة الأمر من جهة. ومن جهة أخرى هل يغفر لي القارئ أنني لست متفرغاً لكتابة القصة ومع ذلك أكتبها؟ لقد أصبح عندي الآن مجموعة قصص تصلح لأن تخرج في كتاب هل أنشرها مرة واحدة وأقول في نفسي ( وكفى الله المؤمنين شر القتال ) أم أنشرها في عدد من الصحف والمجلات الأدبية؟ أنا أحب هذا النوع الأدبي، وأتمنى أن أكتبه، ولكنني مع الأسف لا وقت عندي لانغماسي في كتابة أنواع أدبية أخرى. ذاكرة هشة تعد أهم كتّاب الدراما التلفزيونية، وبالذات الدراما التاريخية. ما هي أبرز الأعمال الدرامية التي كتبتها للتلفزيون وتعتز بها أكثر من غيرها باستثناء مسلسل ( أم كلثوم ) ذائع الصيت؟ - أنا لست مقتنعاً تماماً بأنني أبرز كتّاب الدراما. ( أم كلثوم ) ربما هو أشهر عمل درامي. لقد كتبت للتلفزيون منذ وقت مبكر جداً في سنة 1965 . ولكن التلفزيون فيه جانب استهلاكي كبير. فمهما يكون مستوى العمل التلفزيوني كبيراً، والجهد الذي تبذله عظيماً إلا أنه في النهاية يضيع، لأن التلفزيون ليس له ذاكرة قوية، أو لنقل ذاكرة هشة. فمنذ بداية 1965 حتى عام 1975 هي مرحلة بداية الكتابة للتلفزيون، ثم انتظمت بعد ذلك في الكتابة للتلفزيون حتى الآن. إن أول مسلسل تاريخي كان عن ( سليمان الحلبي ) عام 1975، وكان هذا مسلسلاً مهماً، ثم تلاه في العام التالي مسلسل عن ( عنترة ). وبعد ذلك كنت أكتب بمعدل مسلسل في كل سنة أو سنتين وأحياناً كل ثلاث سنوات حسب الظروف الإنتاجية. أنا أعتقد أن ( ليلة سقوط غرناطة ) هو من أهم المسلسلات التي كتبتها عام 1981 ، ويتناول هذا المسلسل الليلة الأخيرة في غرناطة قبل سقوطها أو قبل تسليمها إلى يد الأسبان. ثم كتبت ( لحم يحترق ) ويتناول هذا المسلسل المهم موضوع مواجهة العالم العربي للحلف الفرنجي المغولي. كما كتبت مسلسل ( بوابة الحلواني ) وهو مؤلف من ( 20 ) حلقة. هذا المسلسل أعتبره من الأعمال القريبة إلى نفسي أيضاً، فضلاً عن مسلسل ( أم كلثوم ) الشهير المكون من ( 37 ) حلقة. مطربة مصر الأولى كيف انبثقت في ذهنك فكرة مسلسل ( أم كلثوم ). لا شك أنك أفدت من الوقائع اليومية لها. ما حدود المخيلة في هذا العمل الدرامي، وما هو حدود الواقع فيه؟ وهل اخترت الكتابة عنها لأنها تمثل إحدى الشخصيات البارزة في القرن العشرين؟ - لابد من القول أن الفكرة بحد ذاتها ليست عبقرية. فكتابة عمل عن أم كلثوم هي فكرة واردة في ذهن أكثر من كاتب ومخرج وجهة إنتاجية، لكن الذي كان يعطّل هذه الفكرة هو شائعة أنه موضوع مكلف ويحتاج إلى ميزانية كبيرة. وهذا بطبيعة الحال غير صحيح. أنا كتبت هذا العمل سنة 1993-1994 ، أي أن القرن العشرين كان مشرفاً على نهايته. ووقتها كنت أفكر بالسؤال التالي: من هي أبرز الشخصيات التي تمثل القرن العشرين؟ والجواب هو أن هناك عشر شخصيات مهمة جداً وأم كلثوم هي إحدى هذه الشخصيات من دون شك. أم كلثوم بدأت تغني في مصر بعد ثورة 1919. فالمعروف أنها جاءت إلى القاهرة عام 1923، وأصبحت المطربة الأولى في مصر، وظلت تغني حتى عام 1972. لقد ملأت قرناً بكامله بفن رفيع لا يتخلله الابتذال، ولم يكن فناً معزولاً عن الناس، بل بالعكس أنها وحدت الأمة العربية في السماع. فالكل كان يستمع إليها من مشرق الوطن العربي إلى مغربه. وهي نموذج مؤثر في القرن كما هو حال سعد زغلول، وجمال عبد الناصر وغيرهم من القلة النادرة التي أثرت في عصرها ووحدتهم على شيء معين. كيف تتعامل مع موضوع من هذا الطراز. فأم كلثوم شخصية مبدعة أثرت في عصرها. وقد غيّرت من جلدها مرات عديدة. أنا على الصعيد الشخصي أعتبر أم كلثوم انعكاس لعصرها، وهي مؤثرة فيه على المستوى الثقافي والحضاري والعلمي وحتى السياسي إن شئت. فهي لا تستطيع أن تكون فنانة بهذا الحجم وتبرأ من أي تأثير. كما أنها كانت تمثل المواطن العادي في أحاسيسه. والمواطن العادي ممكن أن يخطأ في أحاسيسه واختياراته وممكن أن يصيب لكنه يظل منتمياً إلى نفسه ووطنه. لقد غنت للملك لكنها لم تكن ملكية، كما غنت للأميرات في مناسبات متعددة لأنها كانت متواجدة في الساحة الفنية، لكنها كانت من أبرز من استقبل ثورة 1923بترحاب شديد لأنها كانت تتوفر على روح المواطنة العادية التي تحب الخير لبلدها، أما التغييرات التي طرأت عليها فهي تحصل للجميع. لقد أسهم الناس المحيطون بها في دفعها إلى الأمام لأن عصرها كان يشهد بداية نهضة حقيقية. فالمشروع النهضوي في مصر بدأ منذ ثورة 1919، لكنه ضرب في سنة 1967 ثم تردى الآن بشكل كبير. هناك عناصر كثيرة سواء من الفنانين أو غير الفنانين وقفوا إلى جانب أم كلثوم بدءاً من محمد القصبجي إلى أحمد رامي وانتهاءً بشيخ الأزهر، الرجل ذي المكانة الكبيرة والذي أصبح وزيراً للأوقاف فيما بعد. لقد وقف المجتمع المصري كله معها، فلهذا حاولت أن أطل من عيني على المجتمع المصري ما بين العشرينات والسبعينات، وليس من عيني أنا. أنا لم أحاول أن أرى المجتمع المصري من خلال زاوية الكاتب، وإنما من خلال زاوية الشخصية، وكيف كانت ترى عصرها؟ وكيف تعاملت معه وتعامل معها؟ كيف شجعها أو كيف خالفها أحياناً أو اختلفت هي معه؟ إن هذا المسلسل هو في الحقيقة مزيج من وقائع تاريخية ووقائع خيالية، وهذه هي الوصفة للدراما التاريخية. والدراما التاريخية هي هكذا منذ بدأت من قبل الميلاد وحتى الآن. وحتى المعلومات التاريخية أنت تعيد تخيلها وتكتبها بأسلوب جديد. أنا لا أكون صادقاً عندما أقول إن مسلسل ( أم كلثوم ) عمل تلفزيوني من أول لحظة إلى آخر لحظة هو من صنع الخيال. كلا، إن الخيال موجود في أجزاء منه، لكن الوقائع التاريخية الموثقة والشخصيات الحقيقية موجودة بنسبة كبيرة. يتكون المسلسل من أكثر من ( 100 ) شخصية وفيه على الأقل ( 50 ) شخصية تاريخية بدءاً من أم كلثوم القصبجي وجمال عبد الناصر والملك فاروق والشخصيات المعروفة التي شاهدها المتفرج العربي. وهناك طبعاً شخصيات مبتدعة أتيت بها لكي أؤثث العمل الفني وأربطه. ومن الشخصيات المبتدعة زينب الأورفلي ووجدي هيكل وغيرهما. والقصد من الشخصيات المؤلفة هو ربط العمل الفني من أوله إلى آخره. وحينما تتابع المسلسل تكتشف أن هناك من أثر في أم كلثوم في العشرينات أو هي أثرت فيه، وهكذا في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات. الأب والأم يموتا خلال المسلسل، بينما الشخصيتان اللتان تظلان طوال المسلسل هما القصبجي وأحمد رامي. القصد من الشخصيات المؤلفة هي أنها تربط العمل الفني وتعكس روح العصر أيضاً. حس إذاعي قوي في السينما كتبت فيلم ( القادسية ) و ( ناصر 56 ) و( العندليب ). ما هي الشروط الفنية للكتابة للسينما، وما حدود اختلافها عن الكتابة الدرامية للتلفزيون؟ - أنا في الحقيقة كتبت جميع أنواع الكتابة، ولا يوجد شيء اخجل منه في مضمار الكتابة. أنا برأيي أن الكاتب يستطيع أن يكتب في كل مجال، ولكن شرط أن يكون في لحظة الكتابة في مجال معين، ومدركاً لشروط الكتابة في هذا المجال، متجنباً الخلط بين الأنواع التي يكتب فيها. أحياناً يحصل خطأ كأن تخرج من المسرح لتكتب للتلفزيون وتستخدم مفردات المسرح أو بالعكس. الكتابة قد تكون ناجمة عن ثقافة أو عن حصيلة كبيرة من المعلومات، لكنها ليست كافية ما لم تكون ناجمة عن حس. أنا أمتلك هذا الحس الذي يجعلني مرة أكون كاتباً للمسرح ومرة للسينما وثالثة للتلفزيون ورابعة للإذاعة. لكنني عندما أكتب للتلفزيون أنسى أنني أكتب للإذاعة أو السينما أو المسرح. هذا الحس موجود عندي في ثلاثة مجالات على الأقل وهي المسرح والتلفزيون والإذاعة. بالمناسبة أنا أتوفر على حس إذاعي قوي جداً، لكن مع الأسف أن الزمن هو ليس زمن إذاعة، فالناس تعتبر الإذاعة من الدرجة الثالثة. الإذاعة مزاج ومتعة. أنا حقيقة علاقتي بالسينما ليست كبيرة. لقد كتبت ثلاثة أفلام ، وحتى فيلم ( القادسية ) كتبته بإلحاح شديد من قبل صلاح أبو سيف. وكان المفروض أن ينتج هذا الفيلم في مصر، ولكن الإنتاج انتقل إلى بلد آخر. ثم كتبت لاحقاً فيلم ( ناصر 56 ) بإلحاح شخصي من أحد الأصدقاء، وحتى فيلم ( حليم ) أو ( العندليب ) كتبته بإلحاح من الأصدقاء. المزاج الوقتي أنت تكتب مسلسلات وأعمال درامية طويلة. كيف تحافظ على مزاجك النفسي؟ لا يتعرض مزاجك إلى تقلبات بحيث يترك أثراً ما على انسياب فعل الكتابة وعفويتها أو استرسالها؟ - في الحقيقة أنا لا أكتب موضوعاً إلا إذا كنت أعرف مساره بالتفاصيل من أول لحظة لغاية آخر جملة تقال في العمل. فأنا عندما أكتب مسلسلاً مكوناً ثلاثين حلقة أخطط له تخطيطاً تفصيلياً. وهذا التخطيط لي وليس لشخص آخر. أي أن لدي تصوراً عما سيحدث إلى المشهد الأخير، بل كيف سأكتب جملة النهاية. لذلك فالمزاج العام موجود. أما المزاج الوقتي أو اليومي فهو غالباً ما يساعدني في الكتابة اعتماداً على المزاج الذي رسمت العمل من خلاله. وهناك طبعاً تفاصيل قد تستغرقني وقتاً طويلاً. فمسلسل ( أم كلثوم ) استغرقني ما بين التحضير حتى كتابة آخر جملة قرابة سنتين. فعندما يتعطل المزاج اليومي أو الوقتي لبضعة أيام أو أسبوع أو حتى شهر لا يؤثر على سياق العمل لأن الخيوط الأساسية موجودة. أذكر لك مثلاً بسيطاً. أحياناً تضيع مني ورقة لسبب ما فأكتبها من جديد. ويصادف أن أجدها فأقارن بين الورقة التي كتبتها والورقة الضائعة فأكتشف أنني كتبت الجمل بالنص وكأنني استنسختها. وهذا يعني أن الموضوع يعيش معي لحظة بلحظة، وأن العوامل الخارجية لا تؤثر فيه كثيراً. مشروع ناقد جيد أنت عضو في لجان تحكيم عديدة لمهرجانات مسرحية وسينمائية وأدبية أيضاً. هل لديك معيار محدد تحتكم إليه، ورؤية فنية تتكئ عليها أثناء التحكيم، أم أنك ملزم بشروط ومعايير فنية عامة يشترك بها أغلب المحكمين؟ - أعتقد أن المعيارين الشخصي والعام موجودان. لقد كتبت القصة القصيرة أول الأمر، ثم كتبت النقد الأدبي لاحقاً. وذات يوم أعلنت أنني سأتوقف عن كتابة النقد الأدبي فحدثت ضجة كبيرة جداً من قبل أصدقائي الذين كانوا يرون فيّ مشروع ناقد جيد، وليس مشروع كاتب. ولا أدري ما هي وجهة نظرهم الآن. ويمكن أكون قد أكدت وجهة نظرهم ومع ذلك فاهتمامي بالنقد لا يزال موجوداً، وأن الناقد لم يغادرني حتى الآن. المعايير الشخصية موجودة. ومن الضروري القول بأنني لست محترفاً في التحكيم. وغالباً ما أدعى تحت ضغط صداقة ومحبة وإلحاح، بل أنني أعتذر عن الكثير من المهرجانات التي تطلبني محكّماً. ولهذا فأن لجان التحكيم التي أشارك بها عليها أن تتحملني بكل أخطائي. وأقصد أن مزاجي الشخصي قد يصطدم بعمل يكون جيداً في نظر محكمين يعتمدون معايير نقدية عامة أو متفق عليها. أدرّب نفسي على النسيان على ذكر الجانب النقدي. طالما أنت تتوفر على حاسة نقدية عالية، هل تتدخل هذه الحاسة النقدية أو الرؤية النقدية الصارمة في لحظة انسياب الكتابة لديك؟ - أنا تعلمت كيف أقرأ أشياءً كثيرة وأنساها، بل أنني أحياناً أدرّب نفسي على النسيان. فعندما أقرأ كتاباً لا يهمني أن أتذكر عنوانه أو اسم مؤلفه أو عدد فصوله أو جملاً منه. توفيق الحكيم يقول إن الكاتب يتكون كما الإنسان يأكل خبزاً وخضاراً وفاكهة لتتكون الخلية. والكاتب يقرأ ويتعلم ويتثقف لكي ينتج كتاباً معرفياً على سبيل المثال. هكذا إذاً عندما ترى فيلماً سينمائياً أو معرضاً فنياً، أو أمسية موسيقية فأنت بالنتيجة تكوّن حاستك الفنية أو النقدية. وإذا ما تعطل أحد هذه الأركان فسوف يكون ثمة خطأ ما في حاستك الفنية. إذا على الناقد أو القارئ أن يتمثل الأشياء التي قرأها أو يراها، وعند ذلك لا يعترض طريقه شيء. بعض المخرجين، حسب اعتقادي، أساءوا إلى أعمالي المسرحية، فقررت أن أخرج أعمالي القادمة بنفسي. وعندما بدأت أكتب العمل الجديد كتبته من وجهة نظر مخرج. وبعد مرور ( 12 ) كتبت ثلاث صفحات فقط لأن مشروع المخرج عطّل فعل الكتابة لديَّ. أنا أظن أن الكاتب ينبغي أن يكتب مثلما يغني أو يمشي أو يرقص أو يطير. باختصار شديد أن يكتب بعفوية وألا يؤثر عليه أي عارض جانبي. عصر الكيانات الكبيرة كيف تقيّم واقع الدراما التلفزيونية العربية. وهل تعتقد أن الدراما التلفزيونية السورية قد بدأت تنافس الدراما المصرية مثلاً؟ - أنا أعتقد أن الدراما العربية متكاملة، وليس هناك تنافس بالمعنى الحقيقي. يمكن أن يكون هناك تنافس بين الدراما السورية والسورية أو بين المصرية والمصرية. أنا أتمنى أن تكون الدراما العربية كتلة واحدة ونحن نعيش في عصر العولمة، وعصر الكيانات الكبيرة. وعلينا أن نواجه هذا العصر بقوة، لأنه لو استمرت الدراما العربية بهذا التمزق فلن نستطيع أن نواجه العالم، ونبقى نتفرج على الدراما الرديئة والمسلسلات المكسيكية والأرجنتينية المدبلجة التي تهددنا جميعاً. لقد رأيت جميع أنواع الدراما العربية، ولم تفلت مني أية مسلسلة عربية إلا ما ندر. ولكنني إذا أردت الحكم فسأقول من دون تردد أن هناك مسلسلات جيدة، لكن المسلسلات الرديئة أكثر، والأعمال الرديئة ليست محصورة عندنا فقط وإنما هي موجودة في كل العالم. بالمناسبة لقد شاهدت دراما أمريكية غاية في الرداءة. مثلما تتوفر عندنا مسلسلات ( عبيطة ) أيضاً. أعمالنا الدرامية فيها تسرّع كثير، وهي غالباً ما تكون في يد من لا يدرك أهميتها ولذلك يتدنى مستواها عاماً بعد عام. وحتى الجيد منها ينسحب إلى القاع. أظن أن المشكلة إدارية، وحل هذه المشكلة ليس أمراً مستحيلاً. في هذا العام مثلاً انتج مسلسلان عن صلاح الدين، بينما كنا نحن منذ أربعين عاماً نطالب بإنتاج مسلسل عن صلاح الدين. أنا شخصياً طرحت ( 100 ) مرة فكرة إنتاج مسلسل عن صلاح الدين، وكانت الاعتراضات أنه يحتاج إلى ميزانية كبيرة. ترى كيف أُنتج مسلسلان في ظرف سنة واحدة؟ هذه الكيانات العربية يجب أن تتحد وتتفق لأنني لا أرى هناك أي تناقض بين بلد عربي وآخر لأن مستهلكنا العربي لا يميز بين هذا القطر أو ذاك. والمشاهد العربي يتفرج على الفيلم الذي يحبه رغم أنه متيقن أن هناك أكثر من مسلسل يعرض على أكثر من قناة عربية. محنة في الداخل والخارج هل تعتقد أن الأفلام المشاركة في مهرجان الفيلم العربي في روتردام تنطوي على خطاب محدد يتوجه إلى المواطن الهولندي خاصة أو الأوربي عامة؟ وكيف تقيّم فيلم ( مواطن ومخبر وحرامي ) خصوصاً وأنه يتناول أفكاراً إسلامية لم تدقق جيداً، وهي من قبيل أن الإسلام أفضل دين من دون أن نعرف لماذا؟ وأن الرواية التي كتبها خالد أبو النجا هي رواية كافرة تمس الدين الإسلامي مثلما تمس المحرمات الاجتماعية الأخرى؟ هل تعتقد أن فيلما كهذا مناسب لأن يعرض لجمهور أوربي؟ ألا ينبغي أن نقدّم أفلاماً مدروسة بعناية للأوربيين كي نغيّر هذه الرؤية النمطية عن العرب والإسلام؟ - هذا سؤال مهم جداً، وينبغي أن نفصل بين الإنتاج المخصص لنا وبين الإنتاج المخصص لمخاطبة الآخر. إن مخاطبة الآخر هي قضية مهمة جداً وأن عنصر السينما هي من أهم العناصر في هذا الخطاب. وهذا لا يقلل من أهمية عناصر الخطاب الأخرى. أود هنا أن أذكر واقعة طريفة حدثت في ألمانيا. ذهبنا مجموعة من الفنانين والأدباء لنتكلم عن القضية الفلسطينية في ألمانيا. ونحن في المترو سمعنا شخصاً ينادي بصوت عال ( يا محمد ) فجفل الألمان الذين في المترو من حدة الصوت. فذهب أحدنا إليه وقال له: لماذا تصرخ بهذا الشكل. أنت في مكان عام؟ فأجاب ببرود: فيها إيه أنا بنادي على محمد. طيب إذا نحن لا نعرف كيف ننادي على صديق لنا بطريقة حضارية فكيف نستطيع أن نخاطب الغرب! إن الإشارة إلى الرواية في الفيلم على ما أظن تحيلنا إلى التكتلات الإسلامية أو المتأسلمة والتي تتدخل في الفكر والثقافة وكل شيء. نحن حقيقة نتعرض إلى محنة من الداخل والخارج. في الداخل هناك أناس يعتبرون أنفسهم مسؤولين عنا دينياً. ويحق لهم أن يقولوا لنا هذا حلال وهذا حرام. بينما قدّم الفكر الإسلامي المتنور أشياء عظيمة يحترمها العالم كله. الحرامي الذي بدأ يحلل ويحرم على هواه وهو الجاهل أيضاً هو إدانة للرقابة بصورة عامة وإدانة للرقابة الدينية تحديداً. علينا أن نتوحد أولاً. دع كتابنا ومفكرينا وعلمائنا يتجمعون ويتحاورون أولاً ثم نبدأ بمخاطبة الآخر لكي لا نبقى خارج التأريخ. أنا على أية حال لا أرى أن هدفنا هو مخاطبة الغرب، بل علينا أن نبني أنفسنا وأن نقدّم أنفسنا بشكل صحيح لكي يتقبلنا الآخر. أما إذا أخاطب الغرب بخطاب سيئ فهذا يعني أنني سيئ، والعكس صحيح أيضاً.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الروائي المصري رؤوف مسعد لـ ( الحوار المتمدن )المكاشفة تحتاج
...
-
هل كان جان دمّو يعيش في المتن أم في الهامش؟
-
الفنانة إيمان علي في معرضها الشخصي الجديد - حلم في ليلة مُقم
...
-
النهايات السعيدة وسياق البناء التوليفي في فيلم - سهر الليالي
...
-
شاعر القصبة لمحمد توفيق: فيلم يتعانق فيه الخط والشعر والتشكي
...
-
الفنان إسماعيل زاير للحوار المتمدن: أنظر إلى اللوحة مثلما ين
...
-
التشكيلية إيمان علي- تحت الأضواء - عيون مسافرة إلى أقاصي الو
...
-
باب الشمس ليسري نصر الله: فيلم يجسّد مأساة الشعب الفلسطيني ط
...
-
سينما الموضوع في فيلم- ما يطلبه المستمعون- لعبد اللطيف عبد ا
...
-
صورة البطل الشعبي في فيلم - المنعطف - لجعفر علي
-
فهرنهايت 11/9 لمايكل مور آلية التضليل عنوان مسروق ورؤية مشوه
...
-
أهوار قاسم حول بين سينما الحقيقة واللمسة الذاتية ومحاولة الإ
...
-
رصد الشخصية السايكوباثية في فيلم - الخرساء - لسمير زيدان
-
المخرج خيري بشارة: من الواقعية الشاعرية إلى تيار السينما الج
...
-
المخرج الجزائري- الهولندي كريم طرايدية نجح فيلم العروس البول
...
-
المخرج التونسي الطيب لوحيشي السينما فن مرن أستطيع من خلاله أ
...
-
حياة ساكنة - لقتيبة الجنابي الكائن العراقي الأعزل وبلاغة الل
...
-
المخرج السينمائي سمير زيدان
-
الفيلم العراقي- عليا وعصام
-
فيلم - الطوفان - لعمر أميرالاي
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|