امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 15:25
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام ـ الجزء 2
عمل الإستعمار المباشر على تركيز أسس النظام القائم و ذلك بتأهيل تحالف البورجوازية و الإقطاع ، من أجل لعب دوره في استمرارية استغلال خيرات البلاد و تدفق الرأسمال المالي على الرأسمال المركزي من خلال تركيز الإقتصاد التبعي للرأسمالية الإمبريالية ، عبر توجيه الإنتاج الفلاحي و المعدني و الثروات البحرية في اتجاه التصدير و السيطرة على المؤسسات المالية بالمدن و فتح هامش من الإستثمار الرأسمالي لتحالف البورجوازية و الإقطاع ، بعد القضاء على التنظيمات الثورية (حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير) و احتواء قيادات الحزبين البورجوازيين حزب الإستقلال و الحزب الشيوعي التحريفي/التحرر و الإشتراكية الذي تخلى عن دوره القيادي للطبقة العاملة.
فكان لا بد من أن يحدث انشقاق في حزب الإستقلال الذي يضم بداخله طبقات متناقضة من أجل إحداث الفرز السياسي في الساحة السياسية و الجماهيرية ، بعد بروز حزب بورجوازي جديد يدعي الإشتراكية و هو حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي عمل على الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، و احتواء الطبقات الشعبية من طبقة عاملة و فلاحين فقراء و كادحين و مناضلين ثوريين و بالتالي الهيمنة على إرث حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير.
فكان لا بد من أن تلعب قيادات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية دورها في تصفية ما تبقى من جيوب الحركة الوطنية الثورية ، و هو أقوى حزب يضم في صفوفه الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلى جانب المناضلين المثقفين الثوريين ، كما ينتمي إليه مناضلو المقاومة الوطنية و جيش التحرير الذين يرفضون الانتماء إلى الجيش و الشرطة ، و بقبوله رئاسة حكومة النظام القائم في 1960 التي لم تدم طويلا يريد إيهام الجماهير الشعبية على أن هناك بالفعل نظام ديمقراطي بالمغرب ، في الوقت الذي شاركت فيه القيادة البورجوازية لهذا الحزب في تزكية القمع و التقتيل الذي تعرضت له الثورة الريفية في 1958 و 1959 و بالتالي تصفية جيش التحرير بالجنوب في 1960 .
و لم يستمر الزواج العذري بين هذه القيادات و النظام القائم بعد طردها عند انتهاء دورها الرجعي التصفوي المرسوم لها ليفتح لها هامشا من الفعل السياسي البورجوازي البرلماني في 1963 ، و هي التي لا تتعلم الدروس من التجارب و ذلك بعد التصويت ضد الدستور الممنوح في 1962 الذي عرف مزيدا من القمع و اعتقالات المناضلين الثوريين و محاكمتهم و إدانتهم ، لإيهام الجماهير الشعبية بأنها بالفعل تلعب دور المعارضة داخل نظام إستبدادي مطلق ، لتتفرغ القيادة البورجوازية لهذا الحزب لتصفية المناضلين الثوريين داخله و الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل التي بنتها الطبقة العاملة في السرية في عهد الإستعمار المباشر.
و هكذا استكمل النظام القائم بنياته بعد التحكم في مجريات الساحة السياسية و الجماهيرية و احتواء القيادات البورجوازية لهذين الحزبين و القضاء على الحركة الثورية داخل المقاومة الوطنية و جيش التحري ، و عملت بعض المجموعات التي رفضت وضع السلاح على القيام ببعض العمليات ضد رموز السلطة خاصة في الدار البيضاء ، كما هو الشأن بمجموعة شيخ العرب و امتداداتها بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي استمرت مقاومتها إلى 1964 ، بعد القضاء عليها و اعتقال مناضليها و محاكمتهم في صمت تام للقادات البورجوازية لهذا الحزب.
و كان للأوضاع المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادين و الزخم النضالي الثوري الذي عرفته 10 سنوات من الإستقلال الشلكي ، أثر كبير في الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء التي واجهها النظام القائم بمزيد من إراقة الدماء و الإعتقالات و المحاكمات و الإدانات ، و التي لعبت فيها الشبيبة الطلابية و التلاميذية دورا أساسيا في تأجيجها ، في الوقت الذي ركنت فيها القيادات الحزبية و النقابية البورجوازية إلى أساليب المساومة مع النظام القائم و التراجع عن مطلب الطبقات الشعبية في التغيير الثوري .
لكن النظام القائم تعلم مزيدا من الدروس في هذه الأحداث و خاصة في الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء ، التي علمته أن الشعب المغربي الذي أفرز مناضلين ثوريين من طينة محمد بن عبد الكريم الخطابي و عباس المساعدي و شيخ العرب و غيرهم ، باستطاعته إفراز مناضلين ثوريين في كل مكان و زمان و عرف جيدا أن الأحزاب و النقابات البورجوازية و مؤسساته المزورة لن تقيه من الإنتفاضات الشعبية و الحركات الثورية ، و هو يعي جيدا أن نظامه القائم على الإستبداد لن يدوم أمده إلا بممارسة القمع و التقتيل باعتباره نظاما تناحريا تبعيا للرأسمالية الإمبريالية ، و كان لا بد له من حل مؤسساته المزورة و تعطيل أحزابه البورجوازية و شيوع العسكرة و حالة الطواريء و ملاحقة الثوريين و تصفيتهم ، كما هو الشأن بالنسبة للشهيد المهدي بن بركة الذي تم اغتياله في أكتوبر 1965 بباريس عاصمة الثورات الديمقراطية و الإشتراكية ، بمؤامرة مع المخابرات الإمبريالية و الصهيونية و بذلك أصبح النظام القائم بالمغرب مؤهلا للعب دوره في حماية مصالح الرأسمالية الإمبريالية .
أما الحزب الشيوعي المغربي فما كان عليه إلا هيكلة نفسه من أجل إيجاد مكان لائق به في المشروع السياسي للنظام القائم و حتى لا يبقى مجالا لتربية الماركسيين اللينينيين ، فأصبح حزب التحرر و الإشتراكية التسمية الجديدة المنعبرة عن الخط التحريفي الإنتهازي ، ليتحول إلى حزب إصلاحي يتنكر للمرجعية الأيديولوجية للأحزاب الشيوعية المرتكزة إلى الماركسية اللينينية و بالتالي تحريف ما يمكن تحريفه من تعاليمها.
و أمام القمع الشرس للنظام القائم بعد الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في 23 مارس 1965 و تواطؤ القيادات الحزبية و النقافية بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية و نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، لا بد من الفرز السياسي الثاني داخل هذين الحزبين (حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية) في أواخر الستينات و الذي قاده الجيل الثاني من المناضلين الثوريين الذين أسسون الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و التي ستتخذ شكل منظمتين ثوريتين سريتين اللتان لم تختارا السرية بمحض إرادتهما ، و لكنها شكل تنظيمي مفروضة بفعل الأوضاع السياسية التي يسود فيها الرعب و القمع و الإعتقال أمام خيانة القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية لمشروع التغيير الثوري.
و نشأت منظمة 23 مارس المنشقة عن حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و منظمة "إلى الأمام" المنشقة عن حزب التحرر و الإشتراكية ، في ظل هذه الأوضاع السياسية نشأت هاتين المنظمتين اللتان تضمان في صفوفهما المثقفون الثوريون والشبيبة الطلابية و التلامذية و بعض العمال ، و اللتان ترتكز أسسهما المرجعية إلى الماركسية اللينينية من أجل بناء الحزب الثوري ، و لعل الوثيقة الأيديولوجية و السياسية لمنظمة " إلى الأمام" التي تنطلق من القراءة النقدية للإتجاه البيرقراطي داخل حزب التحرر و الاشتراكية في علاقته بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب الإستقلال ، توضح مدى الصراع القائم حول التوجه الأيديولوجي و السياسي للحزب بين القيادات البيروقراطية و الطليعة الثورية التي تسعى إلى التغيير الثوري كما جاء في وثيقة : " سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " التي تم نشرها سابقا :
" فإعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها ، بعد أن سقطت أقنعتها، بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم ، عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية ، ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية ، مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي ، بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته.، ولعل محاولة" حزب التحرر والاشتراكية" الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة "الكتلة" على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير."
في ظل هذه الظروف حدث الفرز السياسي الثاني في ظل 15 سنة من الإستقلال الشكلي إستطاع فيه النظام القائم هيكلة آجهزة مشروعه السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و الثقافي ، في إطار نظام إستبدادي مطلق خدمة للمشروع الرأسمالي الإمبريالي الذي سيتم مواجهته من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة "إلى الأمام".
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟