|
عقيدة التوحيد في مصر قبل الاديان
لطيف شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 3109 - 2010 / 8 / 29 - 00:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عاش المصريون فترة طويلة في زمن تعدد الألهة حتى عهد الملك اخناتون والذي قاد أول حركة توحيد , فقد وحّد اخناتون الآلهة في صورة إله واحد سماه آتون ورمز له بقرص الشمس المشعة التي ترسل أشعتها بالخير ، كما سمي نفسه إخناتون أي المرضي لآتون ,ولم يكن إخناتون مهتما بالناحية العسكرية وذلك لوهن جسده واعتلال صحته وربما كان هذا هو السبب لاهتمامه بالفكر و الدين ، ولكن توحيده للآلهة في صورة إله واحد سبب ثورة عارمة ,حيث كان في ذلك الوقت كهنة آمون ذو نفوذ قوي مما أدي لقيامهم بثورة سميت بثورة كهنة آمون , وقام إخناتون باضطهادهم وعمل على محو ذكرى الإله آمون من المعابد والآثار, كما عمل على نشر عبادة آتون في البلاد فاتخذ منطقة تقع تقريبا في منتصف المسافة بين مدينتي طيبة ومنف في جوار قرية العمارنة بمصر الوسطى أتخذها عاصمة له و اسماها "اخيتاتون"
والمصرى القديم لم يكن وثنياً Paganism أو متعدد الآلهة طوال تاريخه كما يُروج له عالمياً بل ولأبنائنا فى مناهجهم التعليمية .. ومن أهم هؤلاء الباحثين المصريين الدكتور / نديم السيار الذى صدر له كتابان فى غاية الأهمية يبحثان ويجمعان الأدلة القاطعة على هذه النظرية التى تؤكد على أن المصريين القدماء كانوا أول الموحدين ولذا فإنه من المتوقع أن تكون هذه الصور وتلك المعبودات المختلفة عندهم ليست سوى مقدسات ترمز إلى صفات مختلفة للإله الواحد . وكما ذكر د. وسيم السيسي فى مقالاته عن المصريات ، نجد أن ” الشمس دليل على قوة الله الكونية ، والصقر ليس له جفون والله لا يغفو عن رؤية البشر ، والقطط مبعوثة العناية الإلهية لمكافحة وباء الطاعون. والعقيدة المصرية القديمة هى عقيدة أصيلة فى عمق تاريخ الإنسـان المصرى منذ بداياته .. فبالرغم من تعدد الأسر الحاكمة المصرية القديمة واختلاف شكل وأثر المقدسات من أُسر حاكمة إلى أخرى وفيما بين المدن والأقاليم المصرية وكذلك عصور الاضمحلال أو الاضطراب التى واكبها تخلف فكرى مقارنة بما كان يسبقها أو يليها.. وكذلك بالرغم من تطور شكل هذه العقيدة وخاصةً فى تأويلاتها الفلسفية وأساطيرها عبر فصول التاريخ المصرى القديم.. وبالرغم من أن هذا التطور قد جعل عدداً من العلماء يحاولون الإشارة والتأكيد أحياناً على أن العقيدة المصرية القديمة هى مجموعة من العقائد وذلك ربما لسلب المصرى القديم أحقيته فى كونه أول انسان ذى عقيدة واحدة ناضجة .. وإن لم يكن بسوء نية فهو بسوء فهم ..ولكنه أدى إلى نفس النتيجة ..وهى تضليل الرؤية الواضحة لنضج الفكر المصرى القديم مقارنة بعصره .. وكانت أفضل الطرق لدى هؤلاء العلماء للتدليل على هذا الأمرهو الإشارة إلى كثرة وتعدد الأشكال الحيوانية التى اتخذتها الأقاليم كمقدسات لها..وهى فى حقيقة الأمر وكما تجرأ وأقدم على اثبات ما هو عكس ذلك العالم كما ذكر هنرى بريستد فقال ” وقع الناس فى الخطأ حين اعتقدوا أن قدماء المصريين عبدوا الحيوانات ، إنما كانت رموزاً للعواصم والمدن " ويقول العلماء انه ليس من العقل ان يظهر في منتصف التاريخ رجل ينادي بالتوحيد الا اذا كان هناك من الاصل عقيدة موجودة و القواعد موجودة من الاصل ... ولم يظهر اخناتون فجاة و لكنة خرج من تراث موجود سوف يعتقد القاري ان هذة نقطة تؤخذ علي الموضوع بالكامل فسيظن انه كان بالفعل يوجد تعدد و اخناتون قام بالتوحيد .. لكن الحقيقة عكس ذلك, فما من احد يعبد تماثيل و حيوانات و يؤمن بالبعث و الحساب و يؤمن بالاخرة ولا يؤمن بالاله الواحد في اشكل متعددة حسب ماهو واضح وملموس في بيئتهم . بل ما من احد قط كان مؤمن بالاخرة مثل ما كان يؤمن بها المصريون الفراعنة فمن اجل هذة الاخرة بدعوا التحنيط و حفظوا الموتي بكل ممتلاكاتهم بل لقد قاموا بتصورير مشاهد للاخرة و نري تلك الصورة التي يوزن فيها قلب الرجل و كأنهم عرفوا ان الايمان محلة القلب . واخناتون وهو الملك أمنحوتب الرابع ابن الملك أمنحوتب الثالث ابن الملك تحتمس الرابع . وأمة الملكة ( تي ) وهي من عامة الشعب و ليست من سلالة الملوك . وزوجته الملكة ( نفرتيتي ) . هو عاشر فراعنة الأسرة الثامنة عشر حكم مع زوجته الرئيسية نفرتيتي لمدة 17 سنة منذ عام 1369 ق.م. (توفي 1336 ق.م تقريبا) وشارك اخناتون والده في الحكم لمدة تسع سنوات وبعد موت والده أمنحوتب الثالث توج فرعون على عرش الإمبراطورية المصرية . وتولى الحكم بعد وفاة أبيه "أمنحتب الثالث وعمره لا يزيد عن 16 عاماً، وتزوج من "نفرتيتى" Nofretete or Nefertiti المشهورة فى التاريخ، ولم يكن مهتماً بأمور السياسة والحرب، ولكنه انشغل بأمور الدين. لم يرض "أمنحتب الرابع" عن تعدد الآلهة فى الديانة المصرية القديمة، ورأى أن جميع الآلهة ليست إلا صورة متعددة لإله واحد، فنادى بعقيدة دينية جديدة تدعو إلى عبادة إله واحد هو "آتون" الذى كان يمثله قرص الشمس، وصوره بقرص تخرج منه أشعة تحمل الحياة والنور إلى الأرض وما عليها. واعتقاد القدماء ان الشمس والقمر والنجوم هم آلهة (عائلة الالهة) كانت شريعة قديمة لدى شعوب المنطقة بما فيهم العرب الذين كانوا يعتقدون ان الله هو القمر. واستمر اخناتون يعتقد ان الفراعنة من سلالة الالهة وممثليهم على الارض، وانهم وحدهم الذين يعودون الى حضن اباءهم الالهة بعد الموت. غيّر "أمنحتب الرابع" اسمه إلى "أخناتون" وأتخذ له عاصمة جديدة هى "أخيتاتون" وموقعها "تل العمارنة" بمحافظة المنيا، وذلك لكى يبعد عن "طيبة" مقر كهنة الإله "آمون". ونتيجة لذلك ثار كهنة الإله "آمون" والآلهة الأخرى ضد "أخناتون", وبعد موته جرى التخلي عن الاله الجديد وعادت مصر الى آلهتها القديمة، وعمل الكهنة على نسيان اسم اخناتون وعقيدته. وبرغم ذلك احتل اسم "أخناتون" مكاناً بارزاً بسبب تلك الثورة الدينية التى قام بها ضد تعدد الآلهة، ولهذا يعتقد البعض ان موسى كان من ابناء مدينة طيبة وانه درس عقيدة التوحيد فيها لتتطور على يده الى دين جديد بقيت فيه اثار التعدد. ووصل الينا بعض من مضامين عقيدة اخناتون مسجلة في مزامير اخناتون، يمكن الاطلاع عليها هنا حاول توحيد آلهة مصر القديمة بما فيها الاله أمون رع في شكل الإله الواحد آتون. ونقل العاصمة من طيبة إلي عاصمته الجديدة أخت أتون بالمنيا. وفيها ظهر الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم وظهر أدب جديد يتميز بالأناشيد للإله الجديد آتون . أو ما يعرف حاليا بنظام تل العمارنة . وإنشغل الملك إخناتون بإصلاحاته الدينية وانصرف عن السياسة الخارجية وإدارة الإمبراطورية الممتدة حتي أعالي الفرات والنوبة جنوبا . فانفصل الجزء الآسيوي منها . ولما مات خلفه سمنخ كا رع ثم أخوه توت عنخ أمون الذي ارتد عن عقيدة آتون وترك العاصمة إلى طيبة وأعلن عودة عقيدة أمون معلنا أنه توت عنخ آمون .وهدم كهنة طيبة آثار إخناتون ومدينته ومحوا اسمه من عليها. الثورة الدينية : فكرة الانقلاب الديني أو الإصلاح الديني كانت موجودة في ذهن تحتمس الرابع . ولكن عندما تولى اخناتون الحكم وجد الأمور مهيأة له بالإضافة إلى ايمانة المطلق بفكرة التوحيد ورفضه القاطع لتعدد الإلهة . إن اخناتون كان يعبد الله الواحد, والذي رمز له بقرص الشمس وسماه ( أتون ) الإلهة الواحد . وفي الوقت الذي كان المصريون يؤمنون بتعدد الإلهة ويعبدون أمون ورع وحورس وايزيس و تحوت وغيرهم . ولم يقم اخناتون بالانقلاب الديني دفعة واحدة بل قام بتعظيم شان اله رع ؟ ثم أعلن الثورة بشكل رسمي في السنة الخامسة من حكمة وحارب كهنة معابد أمون وبقية الآلهة وهنا حدث الصراع الشديد بين أنصار و كهنة أمون وبين جيش اخناتون وانصارة ، بحيث قام الجيش بتخريب المعابد جميعها ومحوا اسم أمون من على جدرانها ثم فرض اخناتون عبادة ديانة أتون على الشعب وقام ببناء المعابد الإله الشمس . وفي السنة السادسة من حكمة قرر اخناتون بناء مدينة أو عاصمة خاصة بة ويترك طيبة ، وتنفرد العاصمة الجديدة بعبادة الإله أتون واسماها ( أخي _ ناتون ) وتسمى ألان بتل العمارنة وهي بالقرب من منطقة المنيا جنوب مصر . أطاح اخناتون بدين مصر القديم وأسس الدين الجديد واسقط جميع الإلهة المتعددة وثبت ديانة الإله الواحد آلة الشمس أتون من خلال ثمانية عشر سنة من حكمة . سقوط اخناتون : بعد موت اخناتون عاد كهنة أمون من جديد وأعادوا ديانة مصر القديمة وعبادة أمون ورع وبقية الإلهة ولم يتركوا أي أثر سليم يدل على حكم اخناتون ثم شطبوا أسمة من قوائم ملوك مصر ، وهدموا مابناة ومحوا كل النقوش التي تناولت ذكره لكي لايبقى من ثورته شيء يذكر ويبقى لثورة اخناتون الدينية شيء محير لدى الباحثون والمؤرخون : 1 / سرعة تنفيذ وتثبيت هذه الثورة في إنحاء المملكة المصرية وإيمان الناس بها . 2 / إبادة ومحوا كل اثأر ومدونات الثورة بعد موت اخناتون مباشرة وتبرء الناس منها . علما إن الصراع على عرش مصر بعد موت اخناتون اشتد على توهجه بين سمنخ كارع إخوة ونفرتيتي زوجته وتوت عنخ أمون ابنة . حيث أراد كل واحد منهم إرضاء كهنة أمون وانصارة كحملة انتخابية له . لو تأملنا هذه الإحداث وهذه الثورة لوجدنا إن الصراع السياسي على السلطة والصراع الاقتصادي على توسيع النفوذ هو المهيمن على مسيرة الإحداث وليست المسألة مسالة ديانة أو عقيدة على الرغم من كون اخناتون كان ملك سديد الرائ وعادل وصائب النظر فيما اتخذ من إصلاح ديني يتمثل في توحيد الإلهة واعتبار الإلهة الأخرى زائفة ، ولكن الطبقة السياسية وأصحاب النفوذ ضربت مصالحهم وثرواتهم ومكانتهم الاجتماعية فانتظروا موت اخناتون بفارغ الصبر حتى اسقطوا دينه الجديد وعادوا إلى ديانتهم القديمة والى مكانتهم بين الناس .. وهذا الأمر يحدث في كل زمان ومكان فالدين قد يصبح ألعوبة بيد الساسة والمتنفذين وإما الطائفية والمذهبية فهي الوجه الثاني للساسة الذين يستخدمونها كورقة رابحة لكسب ميل الشعب لهم وعلى مر العصور والأزمان ... ومن اقوال اخناتون: ان نور الله يشرق امامنا حيث كان سواء في الجحور السفلي او في الظلمات , فلا يخشى من يتبعه ان يضل طريقه الهي زدني حكمة وعلما حتى اكون شعلة تضيء لمن يضرب الحجاب عليهم فا جنبهم طريق الظلمة والجهالة ليحيوا في نور شمسك الساطع كما ما هو خير ينزل من السماء وكل ما هو شر يصعد من الارض
#لطيف_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطف البنات في مصرعلي المشاع
-
عقيدة الموت والخلود
-
حدث الآن في مصر ....!!!!
-
الكلام الموجع يهيج السخط
-
علي رأسها ريشة وفي يديها قفازات منقوشة
-
دروس مستفادة من مارتن لوثر كينج
-
حقوق الاقليات بين الامس واليوم
-
دروس مستفادة من النضال اللاعنفي (1)
-
الزوجة الواحدة ختام الانظمة الزوجية
-
القراءة في ظل حياة صاخبة
-
هل حقا الكلب الاسود شيطانا ؟؟
-
زيدان وازدراء الاديان وتهديده للمطران
-
البابا الكبير وعزازيل الصغير
-
زيدان وتابعة بباوي وتصحيح المفاهيم
-
عمروبن العاص من أحقر الشخصيات التاريخية
-
قراءة متأنية في كتاب اللاهوت العربي والعنف الديني ( 2)
-
قراءة متأنية في كتاب اللاهوت العربي والعنف الديني (1)
-
لماذا يهينون المصريون تاريخهم ويكرهون حضارتهم ؟ 2-2
-
لماذا يهينون المصريون تاريخهم ويكرهون حضارتهم ؟ 1-2
-
قراءة في كتاب خلف الحجاب
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|