نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3108 - 2010 / 8 / 28 - 09:36
المحور:
الادب والفن
1
طائر العقعق يأكلُ تحت شجرة التفاح ، والنجوم تستترُ في الضفة الأخرى من النهار .
تسلبنا المصادفة خبراتنا الأساسية في رصد الأشباح واشاراتها للموتى . نحنُ أيضاً
نعبر سراج الموعظة في الظلال المغبرة لمخاوفنا ، وترفرف فوق رؤوسنا أشواك الغيوم .
من أجل ما نود القبض عليه في نضوج اللهب ، نصعد الى المعبد في ثيابنا التي من
فاكهة الصيف ، ونضع قرابيننا فوق الصخرة السوداء للمغفرة . الحبّ دوحة ابر تتعجل
الكلمات ، والهجران فضاء في المعاصم . في الأرض الغريبة سمعنا الريح تحرك المنجنيق
واستترنا أكثر تنفساً من جرس في المخاض . كل حمامة تحك مخلبها في كوكب الشجرة
وتطير بلا نصل في سفينة الطوفان ، والخطيئة تتدرج في ضوء رجائنا ، وصلواتنا تتفكك
في الاقامة النيّرة تحت تلألؤ الرغبة . عبر الاشارة المصونة ، ننشد الفراء الأزرق للناي
ونوقظ الألم من فوسفوره المرهق . قمح كثير يزيد عطاء الانسان في الصيف ويصغي الى
نبع شفته التائهة . الوعود واثقة من ملح الله وغفرانه ، ننحني عليها ونطيع صرخاتنا تحت
الأنقاض ، وفي الحجارة الغرابية التي يخضرّّ فيها سم الفناء .
2
رغيف ونهد غيمة وامرأة تصرعها شمس الرغبة
هذه هي حياة الانسان التي يحياها بشظف بين مخالب
الزمن . أن تحيا أو تموت . لا جديد تحت الشمس
الشعلة الوسنانة للعالم تسقط نورها على الصخرة وفي
الينبوع ، ولا تبالي بمحنة تمثال الملح المحكوم بالاهمال .
نقضمُ أغصان موتنا في الأنفاق التي تنغلق على المستقبل
ونطلب علامة بين مشنقة الميلاد وتعفن شجرة النهاية .
مجابهة خاسرة ضد صنونا الذي يركن آلات التعذيب فوق
أعناقنا المحنية على الهاوية ، وأولادنا يغيبون في جلود
أفاعي الزمن . الى متى نظل نصقل شواهد قبورنا في ليل
القرون ؟ لماذا نضطهد فراشات موتنا في لحظة الاحتضار
من أجل البقاء أسرى براثن كهولتنا المسيجة بالثوباء ؟
لكن قطرات الزمن تنساب وتحطم المسلات والوردة
والعظم . ينبغي أن نرتوي في كل ماهو رحب ، وماهو
أكثر زرقة من الظلمة ، ومن الامتداد المشرق في الغياب .
تنغلق حياة الانسان متنفسة في الشهب المتعاقبة على الأرض
والحضور ينبضُ في الأفياء التي تحنو على نعاسه .
رغيف ونهد غيمة وامرأة تصرعها شمس الرغبة ، هذا هو
ميراث الانسان ونصيبه الذي له عقيق شبيه بالتعفنات .
3
يمكننا التحرك ما بين أدغال النجوم ، في لحظة صعود الصقر الى كاتدرائية
الشجرة . كل جريمة حرّة في اصطفافها مع الفضائل الأخرى ، والقانون رغم
افتقاده الى واعظ ، يغوص في بحيرة الصمت ولا يضيف للحريق ممرات أو
مطهرات . كثيرون يتهدمون في نومهم مثل مومياوات مكسيكية ، ولايزحفون
على أرصفة السنة وعتباتها التي تلمعها اعصارات الشمس . نخفي في جباهنا
آبار الصباح ، ونتبادل بذور الحصاد مع الملائكة في فضاء الرغبة . كل سنبلة
تغادر أرضها ، تمهد لنا الطريق الى شراع المرض . المجهول والواضح يتناوبان
على حمل رسائلنا الى سفينة النسيان ، لكننا مع الأرباح التي نجنيها من تجارتنا مع
الأعراق الميتة في فراغ الزمن ، نصبح أكثر قداسة مع مَن تاجرنا معهم بعدالة .
المستقبل كوخ يمرض فيه الجميع ، والشمس طلاء الغوّاصة .
4
واقفاً تحت ضباب قبركِ في الرياح التي تشحذ أسلحتها ، أرثي كل أعمال الجنس
البشري . كل ميتتة لها علامتها الجديدة في امتداد القرون ، والاذعان للشروط
القاسية لمصيرنا هو ما يحرضنا على الانحدار صوب التفجرات العظيمة للبركان . هذا
الموت – الأب الكهل الحنون ، يصافحنا بعصمته في كل حين ، ويستلب منّا انسانيتنا
في الذروة من رغباتنا . كل كائن في هذا الكوكب الذي تغربل حجارته الازهارات
المتوالية للصاعقة ، يسير في الليل حاملاً مرآته المتصدعة ، والصخور لا تحرك
أجفانها في الصمت وفي الحركة . سنوات قادمة تتعفن في جباه الذين سيصبحون آباء
والزمن شجرة تفاح نحيفة يثقبها طائر السنونو بابرته الزرقاء . التفسخ لحظة لتلمس
ما ينطفىء من حواسنا في { الما قبل والما بعد } وأحلام تتهرىء في الاندحارات
التي يطلقها الأب – الموت .
5
توقظني في شواطىء الفجر مراكب شراعية ، وتحرضني على الابحار في بحر البلطيق .
رحلة طويلة عبر ممالك تتلاقى فيها الأجناس ، هي ما يفتح لي الباب للصعود الى أرض
الشمس . كلمة التقوى تسقط من يدي في النزهات المسائية ، ولا شراع يلامس صخرة
نومي . أصدقائي القدامى أضاعوني في الضفة المتهدمة للذكرى ، وغاصوا بعكازاتهم في
ليل شطرنج المتاهة . مرتعشاً تحت مرايا أغصان جروحي ، أحلم بصداقة الوشق على
امتداد جغرافيا الليل . كل نصل أطلقه باتجاه الموتى ، يرتطم بالقضبان التي علّقت عليها
اشارات حياتي ، والكلمات لا تطيعني في الاسلوب المريض . أشياء كثيرة ترقد في أعماقي
مضمومة باكراهات ، وتصطدم بالسلالم التي أريد صعودها . السنوات ثقيلة بتحطماتها
المستمرة ، وينبغي اجتياز الصخور التي توصد أبواب الزمن .
6
نزيحُ في انهيارات الأرق عن حيواتنا ، طحالب ضغائنها المتداعية ، ونحمل الجثث
المشنوقة فوق رؤوسنا التي لا تحميها الأفكار . تشنجات هذيانية كبيرة في مدائحنا ،
وأفعالنا الشائنة تتحطم وتتبعثر مثل الحشرات في الظلمة المرتجفة لأحلامنا . يا بحر
الأرق . يا تألقات النعمة ووميضها في غرائزنا المطقطقة . يا ظلال التحطمات االكبرى
لخزائن الأمراض . نريدُ الآن أن نصغي الى الانحلال العظيم لموتنا بين القشور التي
تمتهن كرامتنا ، وتضيّعنا في الترقبات الصقيعية لرماد الأمل . كل عبور لا يوصلنا
الى سهادنا المتشظي ، والحشرجة تغمرنا بحراشفها وتسقط صادحة في الظلمة المدوّمة .
7
كلمة في يدي ، كلمة منطوقة تعريني من الزمن وندائفه الشائخة . لآلئها المحرّمة
تكتنز بحمولة اجابات كثيرة ، وتحرمني من الانتفاع بشرائع موتي في ليل الفصول .
هل لي أن أعقب الخيانة وأبعثر ركيزتها في تغريد طائر نقّار الخشب ؟ نعوش كثيرة
يطلقها البحر لتحنو على مصابيح رموشنا في الأمطار الفائرة ، والأمواج تغزل بأثدائها
الكبيرة أضرحتنا الشكسبيرية في تهدم القارات . في ضمور الصلصال بين الينابيع التي
نهجرها ، ندرك ما كنّا نضيّعه ، وما كنّا نكسره في السواحل التي هي قبورنا ، وننسى
استنفادنا للوسائل التي تعيننا على الامساك بانحناءات الهاوية . يشرئب الصباح في سطوع
نذورنا تحت ضوء الأصداف ، وانشادنا لقداساتنا بأرض الحصاد ، يعلو بعذوبة في الليل .
27 / 8 / 2010 مالمو
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟