|
الحق في التنمية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 20:04
المحور:
الادب والفن
الحق في التنمية المجتمع المدني العربي.. شريك للحكومات ومكمّل لدور الدولة
قدّر لي أن أحضر عدداً من المؤتمرات والاجتماعات الدولية والإقليمية للبحث في قضايا التنمية، ولا سيما موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ودور المجتمع المدني. وبدعوة من الاسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا) التابعة للأمم المتحدة شاركت مع فريق من الخبراء العرب لمناقشة دليل لتعزيز الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني، واستهدف اجتماع الخبراء, الذي انعقد في بيروت عدداً من القضايا التي تندرج في إطار التنمية، منها كيفية مشاركة المجتمع المدني في التدخل بالمشاركة كمناهج وتعاميم وأساليب تنفيذ، فضلاً عن الجوانب الميدانية، وتهيئة الظروف لبناء وتطوير القدرات المؤسسية والفردية، من خلال الأطر القانونية الضرورية للإسهام في صنع القرار. وفي القاهرة التأم اجتماع آخر لعدد من الخبراء في إطار جامعة الدول العربية بدعوة منها ومن المؤسسة السويدية الدولية لتطوير الديمقراطية والانتخابات، وناقش الاجتماع سبل تعزيز دور المجتمع المدني ليسهم في عملية التنمية المستدامة وقضايا الإصلاح والتحديث. وفي عمان شاركت مع فريق من الخبراء العرب لمناقشة قضية علاقة المجتمع المدني بعملية التنمية والدور الذي يمكن أن يضطلع به في إطار التكامل الاقتصادي العربي. وقبل ذلك كانت مبادرة قمة الكويت الاقتصادية التي انعقدت في مطلع عام 2009 قد أولت اهتماماً بالمجتمع المدني، ولا سيما بدعوة مؤسساته وبعض خبرائه لحضور جانب من اجتماعاتها، وكانت الدعوة قد وجهت للباحث من مفوضية المجتمع المدني التابعة لجامعة الدول العربية ذاتها، إضافة إلى الدولة المضيفة. كما أن موضوع الشراكة وعلاقته بالتنمية كان محور نقاش مثير في مؤتمر حول الطفولة والتنمية في القاهرة، وحضره الباحث بدعوة من المجلس العربي للطفولة والتنمية وبرنامج الخليج العربي للتنمية وجامعة الدول العربية وشركاء آخرين، كما ترافق مع ورشة عمل وحوارات بين الإعلاميين وعدد من نشطاء المجتمع المدني في إطار التنمية ومستقبلها. وشاركت أخيرا في اجتماع تحضيري لعقد القمة الثقافية العربية بدعوة من مؤسسة الفكر العربي و الاسكوا (المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم) وجامعة الدول العربية. أعلاه يؤكد أن التنمية الشاملة والمستدامة بمعناها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، حسبما توصلت إليه العديد من التقارير الدولية، بما فيها، إعداد أوراق خلفية، تتطلب الاعتراف بالدور الجديد للمجتمع المدني، ولا سيما إذا استطاع هذا الأخير أن يتحوّل من قوة احتجاج واعتراض، وهو الصورة السائدة عنه في مجتمعاتنا العربية، إلى قوة اقتراح واشتراك, وهو الأمر الذي سيعني استكمال مهماته ووظائفه، باعتباره شريكاً للحكومات ومكمّلاً لدور الدولة، التي تفترض مساهمته لإنجاز وتحقيق مستلزماتها, بخاصة التنموية. وإذا كان مثل هذا الدور لم يتبلور بعد في عالمنا العربي لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، فإن بعض المبادرات الدولية والعربية، خصوصاً في إطار الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية, تكتسب أهمية خاصة أولاً لتساوقها مع التطور الدولي على هذا الصعيد، ونظراً لما يمتلكه المجتمع المدني العربي من حيوية وقدرة على التجاوب رغم بعض نقاط ضعفه، وثانياً لتمهيدها لتطور لاحق لا مندوحة عنه، وهو إشراك وتوسيع دائرة التفاعل بين الحكومات والمجتمع المدني العربي، وثالثا لعل في ذلك خطوة أولى لا بدّ منها لإعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية، الذي تم إبرامه عام 1945 وقبل قيام الأمم المتحدة, الذي لم يتحدث ولو بإشارة واحدة عن المجتمع المدني، الأمر الذي في حاجة إلى قراءة جديدة وتحديث يستجيب للتطور الكوني. ورابعاً لأن الخطوة التجديدية التي اتخذها الأمين العام عمرو موسى بإنشاء مفوضية المجتمع المدني العربي وإيكال أمر توليها إلى شخصية جديرة هو طاهر المصري رئيس الوزراء الأردني الأسبق، لا بدّ من البناء عليها تمهيداً كي تكون المفوضية كياناً مستقلاً ومظلّة يمكن أن تجتمع تحتها وفي ظلها مؤسسات المجتمع المدني العربي وتكون أقرب إلى المرجعية في إطار جامعة الدول العربية وبالتعاون الوثيق معها، ورغم اعتذار المصري عن عدم مواصلة عمله بعد تكليفه برئاسة مجلس الأعيان الأردني أخيرا إلاّ أنه أسهم في بناء أسس صالحة يمكن تطويرها. التنمية التي تعني عملية توسيع خيرات الناس تتطلب تحقيق المساواة وعدم التمييز لأي سبب كان، مثلما تتطلب تحقيق عدد من الجوانب المعنوية، وبخاصة فضاء الحرية وحق الحصول على المعرفة وحق التمتع بالجمال والفن والأدب ومنجزات الثقافة. وبهذا المعنى لم تعد التنمية بمعناها الحديث تتعلق بالنمو الاقتصادي أو الحكم الرشيد أو الصالح كما يحاول البنك الدولي تضييق مفهومها، بل هي بمعناها الواسع تتعلق بصميم السياسة العامة، وعلاقة المحكومين بالحكام، والأفراد بالإدارة الحاكمة، بما لذلك من شرعية ومشاركة وتمثيل ومساءلة، ولا سيما في ظل الحريات العامة وبخاصة حرية التعبير وحق الاعتقاد وحق التنظيم والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة وتولّي الوظائف العليا، وتلك الحقوق تأتي بالطبع بعد حق الحياة, الذي هو حق مقدس وفوق جميع الحقوق، بل إنه جوهر ومحتوى حقوق الإنسان. وإذا كان الحق في التنمية جزءًا من حقوق الإنسان، ولا سيما في إطار الجيل الثالث من الحقوق, الذي تضمن إضافة إليه، الحق في السلام والحق في بيئة نظيفة والحق في الحصول على العلم والتكنولوجيا والاستفادة من منجزاتها البشرية، فإن الجيل الأول تضمن الحقوق السياسية والمدنية التي تكرست في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948, والتي تم توسيعها وتعميقها في العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، في حين أن الجيل الثاني ركّز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي توّج بالعهد الدولي الثاني الصادر عام 1966 أيضاً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 1976، وفي تقديري أن هذه الحقوق جميعاً، مضافة إليها حقوق الجيل الرابع التي يمكن تبويبها أكاديمياً بالحق في الديمقراطية والحق في التعددية والحق في التنوّع الثقافي واختيار المحكومين للحكام، لا يمكن تجزئتها أو اقتطاع أو مفاضلة بعضها بالبعض الآخر. لقد ذهبت تقارير التنمية البشرية العربية منذ أواخر القرن الماضي والعشرية الأولى من قرننا الحالي لتأكيد النقص الفادح في عالمنا العربي، ولا سيما فيما يتعلق بالحريات ونقص المعرفة وعدم تمكين المرأة واستمرار الموقف السلبي من الأقليات الدينية والقومية واللغوية والسلالية (قضايا التنوّع الثقافي)، إضافة إلى قضايا التقدم الاجتماعي، حيث يقف الفقر غولاً في وجه التنمية مثلما تقف البطالة، الأمر الذي يستلزم لتحقيق التنمية تخطّي هذه العوامل الكابحة، ولعل ذلك هو ما ذهب إليه إعلان الحق في التنمية الصادر عام 1986 حين أكّد أن التنمية حق للإنسان (الفرد) وللشعوب محدداً هذا الحق والمسؤولية على أساس فردي وجماعي، ومتناولاً اتساق ذلك مع احترام القانون الدولي، ومتعهداً تعزيز التنمية في البلدان النامية من جانب الدول الصناعية المتقدمة ودول العالم كافة. ولعل مبادئ الإعلان ركّزت أيضاً على السلام والاستقرار ودوره في إنجاز مهمات التنمية البشرية وتمكين المرأة وضرورة اتخاذ تدابير سياسية وتشريعية لتأمين هذا الحق بربطه مع حقوق أخرى غير قابلة للتجزئة. وإذا كان بإمكان المجتمع المدني أن يلعب دوراً إيجابياً في عملية التنمية، فلا بدّ أن تكون منظماته طوعية وغير ربحية، والانتماء إليها لا يتم على أساس ديني أو طائفي أو عشائري أو وراثي، بمعنى أن تكون عضوية مؤسساته مفتوحة باعتبارها اتحاداً طوعياً بين أفراد تجمعهم أهداف مشتركة، ويعتمدون الأسلوب الديمقراطي في التوجّه والأداء، بالأهداف والوسائل والأساليب في تعاملهم مع بعضهم بعضا ومع الآخر. وهنا ينبغي التنويه إلى أن مؤسسات المجتمع المدني بقدر حفاظها على استقلاليتها وعدم انخراطها في الصراع الأيديولوجي الدائر في مجتمعاتنا ووضع مسافة واضحة بين الحكومات والمعارضات، يمكنها أن تلعب هذا الدور، لأنها لا تستهدف الوصول إلى السلطة، وترفض العنف وتعمل تحت الشمس ولا تلجأ إلى العمل السري، إنما تمارس نشاطها بالطرق والأساليب القانونية ـــ الشرعية ذات الطبيعة السلمية، وهذا يحتاج إلى معالجة بعض إشكالياتها ومشكلاتها من حيث جاهزيتها الفكرية وقراءتها العملية للمستجدات والمتغيّرات الدولية، وكذلك ما يتعلق بإدارتها وأجنداتها وتمويلها وتداولية المسؤوليات فيها وديمقراطية العلاقة في داخلها، وبالتالي مواجهتها للتحديات الداخلية (من السلطات والمجتمع أحياناً بحكم الموروث والتقاليد البالية) والخارجية المتجسّدة في مشاريع الهيمنة وفرض الاستتباع، بما فيها التي تريد تجنيدها أو احتواء بعض عناصرها أو استغلالها تحت ضغوط التمويل أو الرغبة في التغيير أو غيرها، الأمر الذي ينبغي الانتباه إليه جيداً، ولا سيما من النشطاء والعاملين في هذا الإطار. التنمية ليست ترفاً، بل هي حاجة ماسة وضرورية وصولاً للتكامل العربي المنشود، أسوة بما وصلت إليه أوروبا من بناء اتحادها المتين، ولا سيما في ظل عملة وبرلمان ومواطنة موحدة وحقوق إنسانية متقدمة ومتساوية، في حين أن الكثير يجمع العرب الذين بدأوا طريقهم للعمل المشترك قبل أوروبا في تأسيس جامعة الدول العربية، لكنهم ما زالوا يراوحون وتتعثر الكثير من خطواتهم .. فهل سيستطيع المجتمع المدني أن يلعب الدور الموعود ويسهم إسهاماً جديًّا في تذليل بعض العقبات ومواجهة بعض التحديات؟ وإذا كان الإنسان هو هدف التنمية وهو الأصل في كل سياسة أو استراتيجية، وهو المقياس لكل شيء على حد تعبير الفليسوف الإغريقي بروتوغوراس، فإن الأمر يتطلب مشاركة واسعة, فردياً وجماعياً, لاستكمال دور الدولة وتمكينها من القيام بوظيفتها على أحسن وجه، ولا سيما من خلال التعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟
-
جديد الفقه الدولي: كوسوفو وقرار محكمة لاهاي أية دلالات عربية
...
-
جرائم بلا عقاب
-
دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
-
ثلاث سلطات تلاحق المثقف
-
الثقافة رؤية والسياسة تكتيك
-
سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر
-
صدام الأصوليات وحيثيات التبرير!
-
هرطقات ديمقراطية صهيونية
-
نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
-
الثقافة والابداع من أجل التنمية!
-
عن النقد والمراجعة الفكرية
-
هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
-
حين يرحل المفكر مطمئناً
-
أسئلة التنوع الثقافي
-
استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة
-
الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية
-
سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
-
الثقافة والتغيير
-
ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|