|
كتابي .. الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الثاني
صبري هاشم
الحوار المتمدن-العدد: 3107 - 2010 / 8 / 27 - 09:30
المحور:
الادب والفن
***
الديوان الخامس
أطياف الندى شعر
صبري هاشم *** 1 ـ طيف الندى *** أتحلمُ بعمرٍ لا تجد فيه سوى الندى ؟ أتحلمُ وقد مرَّ الكثيرون ، على أطيافِ طفولةٍ لم يجدوا فيها غيرَ خرابٍ وثيابٍ لمّا تزل عبِقةً بلا عطر دفعتك بأكفِّها العشر الدافعاتُ صرتَ للهواء الثقيل أقرب جسدُكَ مِن ريشٍ أو مِن قبسٍ ... أو نسيمٍ ختمتَ بأقلامِ الشمعِ مسافةَ العمرِ هل تدفنُ أسرارَكَ أم تفتحُ صناديقَ أزمانِك القاحلة وتهوي إلى طقسِ الرحيلِ ؟ في لوحةِ الذاهبين ..... انتظرتَ فاتتك بعضُ الطقوسِ لم تكترث للوسيلة هنا برقت في عينيك صحوةُ العمرِ رعدت في صدرِك الهتافاتُ النادمةُ : فات الدليلُ مات النرجسُ الهيمانُ حسرةً وانطلقَ العويلُ يا هذا المحراب الأصم أنطقْ هل عاد في الوهمِ أبناؤك البؤساء ؟ هل تكدّرَ النجمُ لتعثر الماء أم تكدر الماءُ لغفلةِ الشعاعِ ؟ حيناً تناهبَنا الوصلُ حادَ بنا عن سكةِ الوصولِ ولتشعبِ الطرقِ ، انبهرت قوافلُنا التي داهمها العطشُ سنصلُ ... قال الدليلُ ... يوم .. يومان .. ثلاثة .. عشرة زمنٌ يتهرّب كجبان في ميدان وما بين الباديةِ والبحرِ فقّسَ بين أصابعِنا الرملُ وكفَّ عن البللِ مطرُ الخريف لن تصلوا هتفَ هودجٌ سماويٌّ مرَّ مصادفةً فوقَ رؤوسِنا بعدهُ ناحتِ السماءُ وتهنا في ظلمةٍ مسحورةٍ أو في لُجّةٍ عنيدةٍ غمرتنا يا هذا الموصل بيننا وبين الوصلِ هلكنا ودرست رسومُنا تحت جُنونِ رياحٍ عاتيةٍ لن تصلوا ابتعدَ رغمَ الموجِ عنّا الماء لن تصلوا انشقت رغمَ الدليلِ بنا الصحراء أتحلمُ بعمرٍ يأخذُك إلى حافةِ فردوسٍ زائل ؟ سنة ... سنتان ... عشر طيف يزول هو العمر حبيبي برق يمرُّ هو العمر حبيبي لن نصلَ إذن .. قلنا للدليل
3 ـ 5 ـ 2001 *** 2 ـ طيف النرجس *** و قبيل الربع الخالي أُنيخَ جملان واحد لنشوى التي مرَّ هودجُها و واحد لشبحي الذي باتَ جاثياً على طيفٍ خجلٍ في محجري عينيك هل تورّد الطيفُ يا نشوى ؟ في حدقتيك هل شهقَ النرجسُ العطشان ؟ اختلجت شفتاها وفرَّ من قرمزهما الكلامُ فترت عيناها وانكسرَ في بحرِهما الحلمُ أمامنا الواحة ، صرّحت نشوى ، ووميض الحصى العابث بماء الصحراء نهضت ، قبيل التعلل ، قارّاتُ التيهِ بأمتعةِ المسافة مرّت سحائبُ مازالت مباركةً ، ونسائمُ سافرت بأنفاسِنا لا تحزني يا نشوى فهذه الأبراج تزدحمُ السماءُ .. بطيورِ دهشتِها
16 ـ 4 ـ 2001 *** 3 ـ في الغابة *** على شجرةِ اللقاءِ الوحيدة الصاهلةِ في الفضاءِ كانت الحمامةُ أطلقَ الصيادُ رصاصةً فتطايرت أشلاءُ السماءِ وفزّتِ المدينة
7 ـ 10 ـ 2000
*** 4 ـ نديم الليل *** طائرُ الهوى سكران عاد متأخراً من حانةٍ لا تذرفُ دمعاً إلا في الليلِ فتفيضُ في أحواضِها النشوةُ طائرُ الليلِ الأبيض يتفننُ بالتغريدِ هل عدتَ بأُنثاك أم ستنام وحيداً ؟ طائرُ الليلِ ترنم لم يتركني أهجع صحتُ به : يا طائر الليل أسكت سكتت حنجرتُك ثم .. ثم تراجعتُ لا .. لا تراجعتُ دعوتُ عليك حبيبي ثم تراجعتُ إذا سكتَّ يا طائر الهوى إذا سكتَّ يا طائر الليل فمَنْ يطردُ عني الوحشةَ .. ؟ 1 ـ5 ـ 2001 *** 5 ـ طيف الوليمة *** بشراً من الصدفِ ، نُطْعَمُ للطيرِ المسافر بشراً من الوهجِ ، نُهدى للظلامِ الكفيف بثيابٍ زاهيةٍ وأساورَ تلتمعُ على المعاصم ، أبْهجْنا ضيوفَ الوليمةِ للحمامِ القابعِ خلف تخومِ الزرقةِ حملنا أقلاماً من برقِ ، محابرَ سود ، وأقماراً تُقْطِرُ كلاماً مُدهشاً يسيلُ على البياضِ أطيافاً ، مترنمةً دخلنا أوكارَ الطيرِ وجدناها بالصمتِ غارقةً غائرةً في كهفٍ مائيٍّ شفيفٍ لا يكفّ عن تزويقِ موجهِ أطْلَقْنا السؤالَ : هل صرنا للعراءِ وليمةً ؟ لم ينطقْ وكرُ لم يجبْ طيرُ لكنّ الحرسَ المجنّحَ جرّدنا بعضاً من دهشتِنا لكنّ الحرسَ العاري أمرنا أنْ ندلفَ من أبوابٍ محتشمةٍ ومن وليمةٍ للشوقِ أقامها على شرفِنا الخلاءُ خرجنا فرادى من رغوةِ الحفلِ
29 ـ 1 ـ 2001 *** 6 ـ حالمون *** مثلنا يحلبون الصبحَ بأقداحٍ فضضتها اللوعةُ شفّت وزهت .. في وجوهِهم أضحوا يسكبون النورَ إلى أعماقِهم مثلنا يطلعون سلالمَ الهواء نحو السماء حيث يزرعونها بالحدقات مثلنا يراقصون الريحَ عند زفافِها فتسفر عن كنوزِها مثلنا يقيمون الولائمَ للغيوم العابرة ويسقون القوافلَ من أباريق الصحوةِ مثلنا .. يعبرون الخرائطَ بلا بوصلةٍ أو دليل يركبون قبيل الفجرِ خيولاً سابحةً لكنّ بحارهم صهيل غادرَ قيعانَه مثلنا ... يحلمون
9 ـ 7 ـ 2001 *** 7 ـ حانة للعبادة *** نتعبدُ في جذعِ شجرةٍ أو في جسدِ امرأةٍ تخرجُ من حدقةِ نهر ، سهماً نارياً .. يطوفُ الغابةَ في جسدِ المرأةِ ، قِبلتان لكلِّ قبلةٍ قبةٌ متوترةُ المزاجِ تنطُّ إلينا إذا ما مرت عليها الصلوات الجذعُ ماخورُ العبادة .. فيه نُمارسُ شتمَ السماءِ ونحترزُ لثورةٍ ملائكيةٍ تحت الماء لكنّ الشجرةَ أمست حانتَنا التي نعمُّ هكذا عمّدتها الأيام على ضفّةِ جدول يُسرِّح الهائمين ويقذف الحالمين إلى نهدِ الحانةِ فيدرُّ النهدُ لبناً سماوياً أو غجرياً أو لبناً للشهوة من ورد المرأة
7 ـ 7 ـ 2001 *** 8 ـ موسم الرقص *** وردةُ الحبِّ الربيعية هذا العام .. حطمت ميسمَها في حوضِ الشهوةِ وحزنت أياماً في العام القادم حبلى جاءت بثوبٍ أبيض وعلى رأسِها عشُّ طيور
**
كلّ العيون التي سهرت على نجمةٍ تستحمُّ في بركةِ ماء نامت أخيراً ** الهمسات التي أطربتنا نبعت من سريرِ الليل
** طيرٌ خجولٌ يراقصُ غيمةً متهتكةً خرَّ شبقاً في نهرِ نهديها
** إذا نامتِ المدينةُ دخل النهرُ مخدعَها في غيابِ الحرس **
تتغنجُ الأشجارُ إذا صفعها المطرُ تُغمضُ عينيها دلالاً
** كلما نظرتُ إلى السماء رحلت غيومٌ أحببتُها
** النخلةُ التي تجولت معي ذات مساء قطعوا رأسَها بفأسِ الخيانة 7 ـ 7 ـ 2001 *** 9 ـ أجداد وأحفاد *** في الواحة التي أرَّقنا الوصولُ إليها شجرٌ راقصٌ على إيقاعِ الأجدادِ سماواتٌ مُذهبةٌ وطيورُ أسرارِهم المتقلبة الألوان في الواحةِ التي أدمتنا السبيلُ إليها ، بيوضُ السلالةِ ماءُ فحولتِهم ، وبقايا رائحةٍ من تبغِهم في الواحةِ ، التي لم تبقِ منّا غيرَ الحطامِ وأنفاسٍ أخيرة ، بشرٌ ... خُدعوا في الغالبِ مثلَنا 2 ـ 5 ـ 1 200 *** 10 ـ زيارة غريب *** الشجرةُ التي أورقت بعيداً عن الماء اكتفت بزيارة طائر الندى
2 ـ 5 ـ 2001 *** 11 ـ كائن اللوثة *** جبلٌ ليلُ المنفى بحرٌ مخبولٌ ليلُ المشفى في المنفى
** كالجلاد هو المرضُ لا يغادر سلطةً إلاّ بالثورة ** من النافذةِ أطلقتُ سهماً كي يصطادَ الهواءَ يجلبهُ إليَّ أسيراً أُراقصُهُ ثم أُطلِقُهُ صوبَ الزحامِ 2 – 5 – 2001 *** 12 ـ امرأة *** جُنّتِ الرّيحُ حين تنسمت عبيرَها
** انحنت هاماتُ الشجرِ عند مرورها
** فاتنةٌ تمشي وتنبجسُ وراءَها الزهورُ **
كلما أطلّت رقصتِ السماء ** كلما التقينا زقزق في مخيلتي جسدُها ** عندما تتعرى أمامَ السماء تحتجبُ الشمسُ
**
يهدأُ البحرُ عندما يلامسُ جسدَها ** لا أريدُ عطراً يَطغي على رائحةِ جسدِك
**
تسرحين في الغابة بلا صهيل أو هديل ** الوردة التي زرعتها في الصباح ارتمت على سريري بكاملِ أنوثتها هذا المساء **
نساءٌ من شعاع سقين وردَ الليلِ بلؤلؤِ الجسدِ ** لا تزحفُ الغابةُ نحو البحرِ إلاّ بأمرِها
** في غفوتِها يعمُّ السكونُ
** إنْ تنهدت أنصتَ لها الكونُ **
إنْ فتحت أمام البحرِ .. عينيها انسحبت زرقتُه
** أضاءني وجهُها في غيابِ القمرِ ** حلّت ضفيرتَها فهبطَ الظلامُ .. كثيفاً ** رحلَ الشعاعُ حينما مشّطت شعرَها
** طلبتُ الشمسَ بعد دعاء فأشرقت هي ** طاردْنا البحرَ اختفى في عينيها ** طلبتْ شربةً فجلبتُ لها الكوثرَ
** دعوتُها ، فتمنعت وأرسلت الشمسَ بديلاً ** أطلقت أنوثتَها إلى الفضاء فسكرت الأكوانُ
** عانقتِ الريحَ فهدأت العاصفةُ
** رأيتُها تراقصُ الغيمَ عاريةً قبل نزولِ المطر
4 ـ 7 ـ 2001 *** 13 ـ من وحي الصيف *** النساءُ الجميلاتُ اللاتي يمخرْنَ عُبابَ الصيفِ بأجسادٍ ناعمةٍ يعطرْنَ نسماتِه بحبيباتِ العرقِ المتلاعبةِ على الصدورِ النساءُ الخارجاتُ من كتمانِ الثيابِ يخسرْنَ من أجلِ الرغبةِ ، جميعَ الأسرارِ النساءُ الفاتناتُ المقشوراتُ ينزلقْنَ كالحيّات بماءِ الدهشةِ 4 ـ 5 ـ2001 *** 14 ـ المصور المسحور ***
أسميناهُ المصور المسحور لجموح مُخيّلته كان كذلك حتى غادر منفاه إلى وطنٍ أبديٍّ مَن قتل المصوِّر المسحورَ ؟ هؤلاء ... تُشيرُ السبَّابةُ إلى أبناءِ جلدتهِ هؤلاء جميعاً
16 ـ6 ـ 2001 *** 15 ـ تداخل *** للحبِّ وجهٌ هو أجمل ما خلق الخالق وللكراهةِ وجهٌ هو أقبح ما خلق الإنسان
2 ـ5 ـ 2001 *** 16 ـ أسر *** آه يا صدري المأسور متى يفك أسرُك ؟
2 ـ5 ـ 2001 *** 17 ـ لوحات مريض *** هذه لوحةٌ لبكائي وتلك للألم الجلاد هذه حياةٌ ازدحمت بالأحزان وتلك يتفتحُ في بابِها السوسنُ هذا نهرٌ ينطقُ باسمي كلما تأزم أو تخبطت في رأسهِ موجةٌ اجمعْ يا قلبي لوحاتِ العمر وارحل 2 ـ5 ـ 2001 *** 18 ـ مَنْ أتلف جذر الوردة ؟ *** كلما عادَ من رحلتهِ الصيفُ ، وجاء بأستارِ الليلِ .... تساءلتُ كلما أغْوَتْني نجومُ السماء ، وشدني إلى ضوئهِ القمرُ .. ثمّ أطْلَقْتُ تراتيلي من أعالي الهضابِ ، لأجلِ أجنحةٍ أُصيبت ذات محنةٍ بلوثةِ السفرِ ... تساءلتُ كلما أنشدتُ في حاناتِ الضبابِ ، أناشيدي المُتْعَبة ، وصرتُ جُزءاً من الوقتِ ... فِمن أعماقِ نفسي الولهى ... تساءلتُ : لماذا تنكرنا بثيابِ الندى .. حَمَلْنا أفْؤسَنا وتسللنا إلى مخدعِ الوردةِ .. أ نسقيها أم نقتلعُ جذرَها ؟ منذُ عمرٍ مضى أتحرقُ للإجابةِ .. منذُ أطنانِ السنين أتشوقُ لمَنْ قدحَ بين حَجَريّه السؤالُ : مَنْ قادنا في حضورِ الوحشةِ عُراةً ، ودفعنا إلى وهدةِ الموتِ ؟ أمضيتُ عمراً أبحثُ عَمّن يُطْلِق بوجهي الكالح بقايا الأجوبة ، أو يدلني على ذلك السَؤول ، إنْ وجد ، كي أسألَهُ : لِمَ دفعتمونا إلى جذرِ الوردةِ نسكنهُ ؟ لِمَ نحرتمونا على أبوابِ الحيِّ ؟ لِمَ أتلفتم صفاتِنا الحميدة ؟ لِمَ نبضَ في عروقِنا القتلُ ؟ لِمَ صار هذا الحيُّ المتلفعُ بالحقدِ منّا ؟ وهذا الداعرُ المتكبِّرُ منا هذا البدويّ المُتَغَبِّرُ هذا الكريه المُتَجَبِّرُ هذا العاهرُ الكافرُ هذا النمّام الكذاب هذا الدجّال الغيّاب هذا الفاعلُ الجاهلُ هذا المُعتدي المُرتشي هذا الرمّاد القوّاد هذا الداخلُ للحيِّ في آخرِ ذيلِ الفانوس هذا الخارجُ في أولِ شهواتِ الموتِ هذا الخائنُ ... المُسْتَبِدُّ هذا الموتُ وذاك الكابوس مَنْ أول مَنْ سلك السبيلَ بنا ؟ في ليلةِ صيفٍ تلألأت الكأسُ وتَفَرّتَ ما فيها ومنها ارتشفتُ رشفتين ومنها أخذتني رشفتان عاشقون هبطوا من أحلامِ غيمةٍ مسافرةٍ ، عُراةً على حصرٍ باليةٍ .. بحثوا عن مأوىً بالقربِ من نبعِ ماء ، اختلى بشجرةِ رمّان ، وجدوا ظلاً وبرداً وسلاماً .. استأذنوا الجُلّنارَ ومرآةَ الماء .. افترشوا محيطَ الصوتِ وناموا أياماً .. في مكانِهم ذاك ، أنسياً كان المكانُ ، نبتت ورودٌ لا تدمع بالريحِ ، لا تنحني بالثلجِ ، لا تذبل بالشمسِ ورودٌ بجذورٍ تمتدُّ إلى مالا نهاية ... ورودٌ سقاها الرحمن .. ورودٌ نفّاذةُ الرائحةِ ، زاهيةُ الألوان ... لم ترَ العيونُ مثلها ، فأطلق العاشقونَ على ذاك المكان جذرَ الوردةِ . أخذتني رشفتان أتيتُ الحيَّ كما يأتي الأبناءُ التعساءُ ، بلفافةٍ بيضاء وقماطٍ ملوّنٍ نُسج مِنْ قطنٍ . فوقي تطوفُ سحابةٌ مِنْ مَزيجِ أبخرةٍ وصلواتٍ ومسارِ عيون ... حولي تتربعُ نسوةٌ عنيداتٌ ، وجدةٌ تجثو على ركبتيها .. تارةً تستدرج الملائكةَ وتارةً تطردُ الشيطان أيُّ العذاباتِ تنتظرُك أيها الولدُ المسكين .؟ تُطلقُ الجدةُ ما في داخلها فوقَ طبقٍ من خوصِ النخيلِ ، زُينت حافّاتُهُ بالخرزِ والشذرِ والتعاويذ . سأجيبُك أيتها الجدةُ البلهاء لكن بعد حين بعد أنْ أرمي بوجهك الأسئلة : كيف جئتم أيها الأجدادُ بلا ماءِ .. بينما حذفتكم غيمةٌ من السماءِ ؟ أيها العاشقون لِمَ اخترتم هذه الرمضاء مفسقةً ؟ فهنا تُجدد الأفاعي جلودَها وتتناسلُ العقارب كما لو أنَّ الأرضَ خُلِقت لها كما لو أنَّ الأرضَ مملكتُها دون سواها . دخلتُ الحيَّ ، كنتُ أصغرَ من الطفولةِ بشبرين ، وأكبرَ من الأجنةِ بشبرين ، بلا مشاعرَ حقيقية ، فالحيُّ لم يسكني بعد ، ورائحةُ الحيِّ لم تدخلني بعدُ ، وإناثُ الحيِّ غدرت بهنَّ الولادةُ ، فتوقفْنَ تحت سقفِ السماءِ ، ينتظرْنَ غيمةً أخرى ، وكان صبيةٌ بالأشياء يلهون ... يحملون قمراً من فضةٍ .. سلّةَ نجومٍ ، وليلاً طويلاً ... ينفخون القمرَ ، فينطفئ ... ينفخون النجومَ فتنطفئ ... ينفخون ثم ينفخون .. صبيةٌ يعبثون ، بالأنجم المنطفئةِ يتراشقون ، ويبقى ليلٌ طويلٌ ، تحت جنحهِ أُممٌ تتطاحنُ طوائفُ تأتي على طوائفَ .. أجناسٌ تسحقُ أجناساً ..... سيوفٌ تمضي إلى أعناقٍ فتيةٍ .. بيارق ترتجفُ في سماء مُغبرةٍ . صرختُ بوجهِ الحيّ : أيها الحيُّ القائمُ على أخمصيهِ ، توقفْ عن دورةِ الدم لحظةً توقف عن دورةِ الألمِ مرّةً توقف .. فجذرُ الوردةِ نزفَ ما في كأسهِ الأخيرة 8 ـ 1 ـ 2000 *** 19 ـ خواطر قارع الطبل *** تلك أقمارُ البدايةِ فارحلْ يا ولدي لتنجوَ من غولِ الظُلمةِ ولتموتَ مشرقاً أشارَ أبي إلى رغبتي وعادَ إلى موتِهِ سعيداً هل كان جميلاً ؟ أُقسمُ إنّه كان أجملَ من خصوبةِ العشّاقِ ومن لوعةِ المشتاقِ وأبي كان حالماً وكان حليماً وكان عادلاً وكان حكيماً آه ما أجملَ ما كنتَه يا أبي ! وأبي قبلَ عودتِهِ لم يسألْني عن زينبَ التي احتفلت بها الدارُ ولا عن أمي التي انزرعت لها الدارُ ولا عن جدي الذي انسكنت من أجلهِ الدارُ ولا عن نخلتنا التي فاءت بها الدارُ لكنّ أمي قالت ذات حرقةٍ : رحلَ أبوكَ قبلَ الأوانِ فلم يَعُدْ يعرِفُ زينبَ التي كانت طفلةً أو يتذكرُ شيئاً عن زماننا أو زمانها صرختُ خلفَهُ : لقد كبرت زينبكم يا أبي وشبّت عن الطوقِ تسامقت نخلتُنا وناطحتِ الغيمَ انحنى ظهرُ جدي وصار قوساً لفجائِعنا وأمي ؟! آه يا أبي لم تَعُدْ تهتم بالديرم ولمّةِ الخلاّن لم تَعُدْ تحفل بالناي فجراً ولا بوقعِ الخطى ليلاً لم تعد لكنها يا أبي ... ماتت في خاتمة المطاف ماتت كمداً ـ 8 ـ 1999 *** 20 ـ النفس الباقية *** الشجرةُ التي اندلعت ذات صباح في بيتِ الطفولةِ الشجرة التي سقيتُها من كأسِ لوعتي الأخيرة أورقت صبراً ودفاترَ ذكريات الشجرةُ التي أينعت قبل الوداعِ مازالت وارفةً الشجرةُ التي هملت عيناها بعد الفراق لم تكف عن البكاء الشجرةُ التي لا تشيخ ، حملت هذا المساء البيتَ إليَّ *** 21 ـ صلاة المحبة *** كلما حان موعدُ الصلاة أصلّي قبلتي وثن من سحاب وآياتي مطر يخترق العراءَ وينزفُ في كؤوسي 4 ـ 5 ـ2001 *** 22 ـ طيف النخلة *** لا تقتلوا النخيل فمَن قتل نخلةً أدخلهُ اللهُ فسيحَ جهنم
1 ـ 5 ـ 2001
*** 23 ـ الشارتيه *** في الحديقةِ المجاورة صيفٌ متهورٌ ، أجسادٌ تتراشقُ لغةً لا أفهمُها بل أفهم عبيرَها في الحديقةِ وعلى المصاطب تسترخي النفوسُ المُتْعَبَة بعد رحلةِ الألمِ في الحديقةِ انتصر الزهرُ على رائحةِ النساءِ الفائحة لم ينتصرْ على رائحةِ الكبريت في أنفي في الحديقةِ تآلف الطيرُ وهامات شجر آمن فحطّت يمامةٌ على رأسي آمنت .. سكنت و صار عشّها نَفْسي
1 ـ 5 ـ 2001 *** 24 ـ رؤيا مُخَدّر *** في شارع ثملٍ تنفتحُ على البحرِ خاصرتُهُ اليسرى رأيتُ وجهاً أنكرته الحانات يبحثُ عن زورقٍ أو عن أكرةِ باب رأيتُ ... وجهاً شبحاً يتوسدُ في الليلِ خواء وخفقةَ حجر تاه في مساربِ الريحِ صار أنيناً وبوصلةً للعابرين على أرضٍ مترنحةٍ رأيتُ وجهاً مخذولاً وخيلاً عابرةً على ظلِّهِ تهمسُ للترابِ : لا تنسَ صورتَهُ في أروقةٍ تصطبحُ كُلَّ يومٍ بالأنينِ في مركزِ أمراضِ القلبِ كان قمرُ الزمانِ بالأسرةِ متعثراً يتوقفُ معه الزمانُ ينطفئُ كلما غاب مكانُ يذبُّ عن وجههِ الخيلَ ويلتهمُ الترابَ
27 ـ 4 ـ 2001 *** 25 ـ الشيخ السكير *** هذا الصباح وفي ساحةِ جدكم الكسندر العظيم رأيتُ الشيخَ ماركس بعمامِتهِ المكسوّة بالبياض ، يحتطبُ في غابةِ الأسفِ خيباتِهِ ثم يضعُها على ظهرِ إنجلز العجوز في المساء رأيتُهما يُدخنان السيجارَ الكوبي في ملهىً عائمٍ على ظهرِ موجة منفلتةٍ نحو السماءِ
1 ـ5 ـ 2001 *** 25 ـ البغيض *** في السريرِ المقابلِ وجهٌ صلفٌ لا يعرفُ غيرَ الأكلِ وتقشير البشرِ في السريرِ المقابلِ بغيضٌ فأين وجه الغرابة ؟
1 ـ5 ـ 2001 *** 26 ـ جحود *** على بابي العذراء التي لم تمتد إليها يدُ وقف الثلجُ حائراً أدخلته غرفتي مددته على سريري الرثّ منحته دفئاً ولقمةً يتيمةً وحين تدفأ ... الثلجُ وحين أكل من زادي ... الثلجُ وحين غمرتُه بصحوتي الدائمة غادرني الثلجُ على عربةِ الجحودِ السريعةِ العَدْو 2 ـ5 ـ 2001 *** 27 ـ غرقى *** من خلفِ حدودٍ مُزججةٍ بالغيْلانِ جاء العراقيون إلى منافيهم حفاةً يحملون صرراً لا تحوي سوى كسراتِ الخبزِ وأوراقٍ مُزورةٍ مع همسِ البحرِ تدافع العراقيون لركوبِ موجةٍ مغادرةٍ ابتلَّ زورقُهم وجنحوا في الطريقِ مزَّقوا أوراقَهم وناموا في بطنِ حوت لكن العراقيين أُطعِموا للبحرِ لكن العراقيين صاروا بلا أسماء لكن العراقيين طافت المحيطاتِ قبورُهم
2 ـ 5 ـ 2001 *** 28 ـ مالك بن نويرة *** هل قبضت من الريح شيئاً عند هبوبها ؟ تسفّ لها الرمالَ وتكشفُ وجهَ الطريقِ لصحبٍ ما آمنوا يوما ما ارتدوا يوما وما أفلحوا هل جاء المُرتدون .... كي يفلحوا ؟ ما جاءوا ما أفلحوا يامالك بن نويرة زأرتك الزائرات فابعدْ عن النارِ وجهَك الجميل ولا تصطدْ الموتَ في بستانِ بن قحافة فيلفّك الموتُ عنوةً تهلك ويهلك الصحبُ أزحْ عن عينيك هذا الكحل المسحور ففي الليلِ لا تُطعَمُ ليلى إلا طمعاً وفي الليل تكفُّ عن البكاء يا مالك مازلتَ تمرُّ على الخيام وتَقطنُ قصراً في الريح فاطلبْ من ليلى ألاّ تستبدل خيمةً بخيمة لا مأتماً بمأتم لا وجهاً بوجه فالفرق فضاء تسكنُهُ الحمائمُ والوحوش
19 ـ 2 ـ 2001
*** 29 ـ شعاع *** إنْ شعَّ في المدى حزنُك يا قلبي العليل فإلى أين تُرسلُ الشمسُ ضياءَها
1 ـ 5 ـ 2001 *** 30 ـ ظلال لا تنسى *** الطيور التي تابعتها البنادقُ ستعودُ أخيراً الطيور التي فززتها الطلقاتُ حطّت على وجهِ الماء ما عدا البلبل السكران ظلَّ باحثاً عن نخلِ الواحةِ
2 ـ 5 ـ 2001 *** 31 ـ عابرون ***
عبروا الغابةَ جميعاً ماعدا الدليل ضيّع الذاكرةَ
2 ـ 5 ـ2001 *** 32 ـ وصية ثانية ***
في عينيك جمالُ الكون فحافظي عليهما
2 ـ 5 ـ 2001 *** 33 ـ طائر الجحيم المسحور *** قبل ميلادين منذ الآن أفِقنا بين طينِ الضفّةِ المجنون على نداءِ الوصولِ دخلنا ، في غفلةِ الغبشِ ، دائرةَ الأسماء لكن أُمِرنا بالإنتظارِ فانتظرنا قبل ميلادين منذ الآن عمدوا طفولةً نامت على هدهدةِ الجوزاء ليلاً وطحنتها رحى الشموسِ في فُسحةِ الضحى قبل ميلادين منذ الآن اجتمعت جنياتُ الخرائبِ في دائرةِ الأسماء وأطلقت صوتاً لطائرٍ سحريٍّ ، اسمه عبدالواحد خلف الحسن آثر أنْ يعيشَ وحيداً بين إناثٍ حبيبات ، تارةً غريبات ، وحدائقَ تتنفسُ بلا رئات أدمنَ الفقرَ المدقعَ ، كتابةَ الأشعارِ ، تقليدَ الطيورِ ، والبيات على الطوى ثم أدمنَ البقاءَ في مسقطِ رأسِ الحكايا بعد ميلادين منذ الآن آثرَ أنْ يكونَ وجهَ المدينةِ المتشقق بالأقمارِ السوداء وأنهارِ الملوحةِ يا طائر الجحيم المسحور ياعبدالواحد .. الوحيد يا ابن نجمتي القصية هل حافظتَ على قربي منك ؟ هل زرتَ بابي المطليةَ بالأزرق المفجوع ؟ هل جاءك العِصاميّ محمد بن هاشم المسكون بالصمتِ وعشقِ التأملِ في ليلةٍ ممطرةٍ يطلبُ خبزاً أو كأسَ نبيذ ياعبدالواحد ... يا ابن شجر الروح هل أدمنَ البصريون عيونَ الأخبارِ ؟ طافت سفائنُهم بين الأحياء بأبواقٍ حزينة أم تُراهم كفّوا عن ترتيلِ الزمنِ الغابرِ ؟ ياعبدالواحد يا ابن صحوة الأشياء جئتَ في الرؤيا بعد ميلادين .. مُذ ذاك الزمان وحيداً جئتَ .. سرى بك الندى قبلَ الفجرِ إلى غربةٍ يابسةٍ جئتَ .. يا ابن نفحة الحُسن برحيقِ السنين ياعبدالواحد جئتني بعد فواتِ الأوان جئتني .. لكي تبقى وحيداً
5 ـ 5 ـ 2001 *** 34 ـ طقس لموت السوسن *** قِفي نشوى قبل أنْ يذبلَ السوسنُ المجنونُ باللقاء وجهتنا الماء ، والماء يمرُّ سحابةً كاذبةً ما أمطرت وضاعَ خَرَاجُها قِفي وارتشفي من شفتين ساحرتين ندىً لكي تبتلَّ أمامَنا الطريقُ والطريقُ أشواق تُكابدُ المسافةَ وجهتنا الماء ... ولو طُوِّقت المعاصمُ وجهتنا الماء ... ولو حاصرَ الخواصرَ وجهتنا الماء ... ولو أثخنَ في مُداعبتِنا وجهتنا بغداد وسماواتٌ تتبرجُ في مراياها تسحرُ آنيةً زرقاءَ في مَأدُبةِ الجنِّ وحين تحتمي بالأنجمِ الصاهلة بغداد تلوذين بي من وهدةِ الليلِ : هل نام أبناءُ الماءِ في مُحّارةِ المخمل ؟ تسألينني عن شيءٍ لا أعرِفُه تردينَ ستارةَ ليلةٍ شحيحة الطلِّ دون قمرٍ مخبولٍ قمر سيخرجُ من دارتِهِ ممتطياً صهوةَ جوادٍ من فضّة أو من حرير تسألينني عن زمنٍ لا اعرِفُه أو ربما أعرِفُهُ عن تأريخٍ لم يُدْرِكْ ذاكرتي أو لم تُدْرِكْهُ ذاكرتي وجهتنا الماء ترشِدُنا طيورُ الغسقِ الأخير عَبْرَ كثافةِ الطريقِ المُنْطَفِئةِ بالظلامِ عَبَرْنا خيوطَ الليلِ وأجهشت عيناكِ بريقاً ، أوهنهُ السفرُ قلتِ لن ترضي بغيرِ بغدادَ قبلةً قلتِ ستحتلُّ أنفاسُكِ مسافتي قلتِ ستسكنين صمتي وعندما تجولُ حرائِقُك في شراييني سوف أقسُرُكِ على العناقِ يا نشوى سوف أطبعُكِ على الغناءِ يا نشوى سوف أوقِفُكِ عن البكاءِ يا نشوى سوف تُشرقُ عيناكِ وجهتنا بغداد لامسَ نسيمُها وجنةَ الليلِ فهل تُطلِقُ جمراً يُحفِّزُ الكلامَ ؟ أشرقت عيناكِ وجهتنا الماء فلا تتركي السوسنَ يغطُّ في نشوةِ الليل وجهتنا بغداد فلتبتلْ أيها السوسنُ قبل أنْ نصلَ الماءَ
29 ـ 5 ـ 2001 *** 35 ـ الثمل الجميل ***
فتك البلبلُ بتمرتِه أودع فيها شهداً من لوعةِ الطريقِ نادمها زمناً حتى ثمل بات يُغني الليلَ تحت تاج المنتهى أيها البلبلُ الولهانُ سبقتك ، إلى الصباح ، الصبايا بأباريق اللذّةِ وطافت على الحضورِ ارتشفوا من رحيقِ الشفاه صحوةً وظلوا نياماً أيها البلبلُ الذي مازال يُقطِّرُ اللذّةَ فاتتك الحسانُ في غمرةِ الغناءِ إلى رفيفِ الأجنحة
4 ـ 5 ـ 2001 *** 36 ـ رائحة الأم ***
هذه الدارُ أعرِفُها أعرفُ ما يكمن خلفَ بابِها هذه الدارُ طوحت بي ذات ولادة درتُ في باحتِها دورةَ المختونِ والعريسِ والفارس هذه الدارُ أسَرتْني مرةً سرّاً عن آبارِها العشر وآخر عن شموسِها العشر وعن خيلِها التي لا ترِدُ الماءَ هذه الدار لم يبقَ في ملامحِها من ملامحِ الأبناء ولا حرقة في أنفاسِها من حرقةِ الآباء هذهِ الدارُ عاصفةُ الشوقِ عاصمةُ الوفاءِ طللٌ للحنين لم يبقَ منها سوى أنّةٍ سوى حطامٍ
29ـ 3 ـ2000 *** 37 ـ الريحُ توحي *** بماذا تُذكرُك الريحُ برمالٍ ... قبرت حُلُماً على مشارفِ الولادةِ باصطفاقِ الأبوابِ المشرعةِ للقادمين من أقصى المسافاتِ بنعيبِ التيجانِ حين يتلبسُ النخلَ حزنٌ بماذا تُذكرك الريحُ بموجٍ لا يتركُ رغوةً في كأسِ النهايةِ بنوافذَ لا تُطلُّ منها خفقةٌ أو نأمةٌ بنارٍ تندلعُ في الهشيمِ أو في ثوبِ طفلةٍ لم تُكملْ التاسعةَ ؟ هل تأسرُك الريحُ تسحرُك ... ؟ هاجرْ في رمادِك إلى ضبابِ مُدنِ تلتهمُ الضجيجَ تُبددُ الحنينَ وماءَ الوجهِ بماذا ... تذكرك الريحُ ؟ أنشرْ على حبالِ وهنِك شيئاً من ذكرى واقتلعْ الريحَ إنْ زأرت أو داهمت خلوتَك ساعةَ صحوٍ
9 ـ 3 ـ 2000 *** 38 ـ تقلبات شاهين *** أمسِ حين تكاثفت زرقةٌ في صحنٍ هوائيٍّ أطلقتُ حماماتي السبعَ كي يغتسلَنّ بعطرٍ ذكوريٍّ أمسِ لم أختمْ في الرؤيا عقداً فأسلمتُ حماماتي السبعَ لشاهين في الأعالي .. لم أسمعْ صوتاً لكن في الرؤية انكشف الدمُ النازلُ من فمِ شاهين إلى سطحِ المنزلِ بخيطِ الدمِ صعدتُ من خيطِ الدمِ صرختُ : شاهيـــــن اُترك لي منقاراً لغصن الزيتون شاهيـــــن اُترك لي جنحاً لرحيلٍ قادم شاهيـــــن اُترك لي البيضاء منديل عذراء شاهيـــــن لكنّ شاهين ثردَهنّ جميعاً في طبقِ الهواء أمسِ خدعتني الرؤيا حين تكاثفت المحنةُ أسلمتُ لشاهينَ حماماتي السبعَ فلم يُبقِ على واحدة
4 ـ 2 ـ 2000
********************
الديوان السادس قال الأَفْيُون شعر صبري هاشم *** 1 ـ طيف لمحمد يمرّ *** كأننا نسكنُ الريحَ لا بلدةَ آمنةً فنحطّ رحالَنا ولا واد طرقَ حجارتَه في غفلتِنا العابرون هجرهُ الوحشُ ولاذ في ظلِّه نبتُ نخشى نظرةَ الطيرِ إنْ زارنا صبحاً وطينَ الطريقِ إنْ أنكرَ القدمَ هل صرنا نخافُ الذرى فوق رؤوسِنا ؟ فلا الطير تُرشدنا ولا السماء تأنس لصحبتِنا كأننا نسكنُ الريحَ أو على ضفّةِ شمسٍ لم نبتنِ في شروقِها معبداً ولا ظلّنا نحو غروبِها خطى في تلك الأيامِ حروبٌ خفيّةٌ بُدئت كنّا في دارِ اليتامى أو في مكانٍ هو إلى الذُّلِ أقربُ علينا الأكفُّ تتلاعبُ وعلى رؤوسِنا اللعناتُ تتعاقبُ لا أذكرُ تحت أيِّ سماء أتلفعُ بالضيمِ حين جئتني مطعونَ الكلامِ تسبقُك إليَّ قوادِمُك تعضّ بنواجذ صبيٍّ جائعٍ على جلبابٍ قديم تزأرُ صمتَك وزمنَك الشحيح حاملاً قدحَ ماءٍ وبعضَ حزنٍ في عينيك تُرى هل كنتَ صغيراً فعابثتك الطائراتُ أم تدرجتَ إلى عمرٍ سيلهو وعمرٍ سيأسى ؟ تلك غربتُك آتية وحروبُهم تلك ، لم تسع إليها ، آتية لا طير يرشدنا عنّا المدى تاه.. والطريق لا شئ سوى سرابٍ وبعيد هو النبعُ وأنتَ ظمآنُ تنشدُ بللاً فأسقطوا من يدِك قدحَ الماء وجففوا النهرَ إليَّ سرّحتَ بصرَك متسائلاً أتدري .. ؟ شهقتُ وعيني فزعت إلى دمعتِك التي في عيني انصلبت لم تستنفر ضعفي وأنتَ بضعفي أدرى كنتُ مثلَك صغيراً فعفوتَ عني .. و سكتَّ سمعتُك تقول : لا عتب عليك حبيبي لا أتذكرُ سوى جلبابِك المخططِ بطفولةٍ آفلةٍ ، وسوْراتٍ في صدرِك دارت سمعتُها ؟ أجل وسمعتُ اصطخابَها لا أتذكرُ سوى سؤالٍ تردد لم أسمعْه لكنه في حدقتيك مراراً دار لم تطلقْه آه .. لو أطلقتَه وحررتني من هذا الأسرِ آه .. لو تكوّر في طريقي مثل قتيلٍ دهراً عذبني ولما يزل لم أتذكر حبيبي سوى الطائراتِ التي عابثْتَها كدمىً متحركةٍ وجلبابِك القديم كنّا في دارٍ إلى الموت أقرب فالدارُ لا تزهرُ إلاّ بلوعتِنا والموتُ إليه نُعبِّدُ السبيلَ صحتَ بها : فلتزهري بنا أو بغيرنا أيتها الدارُ فنحنُ نسكنُ الريحَ أزهري ما شئتِ فنحنُ نحصد الريحَ ونحن أُسلِمنا إلى الريحِ والحربُ ما بدأت كنتَ صغيراً حبيبي أنا مثلك في الشقاء أمرتني : اسقِها من أوجاعِنا كأساً وحربُهم ما بدأت زغباً كنّا فأجهشت في وعائنا الشمسُ انتظرنا حتى دبّت حروبٌ ، لم نسعَ إليها ، تحت جفونِ الغيبِ أ كنتَ تعدُّ النجمَ وتطحنُ الليلَ برحى الرجاء ؟ أ كنتَ تغوي الصبحَ ؟ تستدرجُه بصبرٍ نافدٍ ؟ ما فائدة أنْ يأتي الصبحُ وقد جاءت حربُهم ثالثةً قالوا هي حربُك يا محمد هي حربُهم الثالثة التي لم تسعَ إليها هي حربُنا التي ( لا نوق لنا فيها ولا جمال ) قالوا هي حربُ محمد وقد جلبَ لأهلِه عَبْرَ البرِّيةِ البحرَ وجنحت سفائنُه هي حربُهم يا محمد فلا تفسحْ لها الطريقَ لا تُدخلْها البيتَ هي حربُهم ونحن لا بحر رمل جلبنا ولا ماء ولا سماء دعونا
31 ـ 7 ـ 2002 *** 2 ـ وقفة النّوتي *** في أعلى مصبّاتِ اللوعةِ وقف النّوتيُّ يفتحُ أبوابَ البصرةِ لشجرٍ ، مُتعباً يأتي يأتي الماء وتأتي أفراسٌ طائرةً بأجنحةِ الشمسِ فلتفتحْ أيّها الفتى للريحِ جسدَ الصحراء ولتفتحْ لأشواقِ الموجِ أحضانَ الميناء في أقصى شهقاتِ العشقِ وقفَ النّوتيُّ مرحّباً بأجسادٍ عاريةٍ تأتي مثلَ تماثيلَ رومانية نُحتت من هواء تأتي أرواحٌ مُتعبة يأتي المنفيون بلا صيدٍ في شباكِهم ولا ندى ويأتي صيادو الفجرِ الذين بالبهجةِ غمروا البحرَ غمروا الميناء فلتفتحْ يا هذا الفتى المتيم لحورياتٍ استنشقْنَ زهرَ الطينِ ولتفتحْ للصفوةِ باباً نحو المجدِ في أعلى أكتافِ الليلِ وقفَ النّوتيّ ليطفئ بوجهِ الأبناء كلَّ الأقمارِ وينثرُ الترابَ
27 ـ 8 ـ 2004 *** 3 ـ القوافل في الطريق إليها *** أتدري ؟ منذ عامٍ لم تنمْ المدينةُ إلى دورِهم غادرَ حرّاسُ الخليفةِ وعلى الأبوابِ نُصبت حانُ فدارت بيننا ندلٌ فاتناتٌ ثم أُشرعت للجارياتِ بعد القصورِ غابُ منذ تشييد القلاعِ لم تنمْ المدينة ربما مرَّ في صحوتِِها الأبناءُ خفافاً كانت قد انكسرت خلفَ السورِ سراياهم ربما انفتحت للغيلانِ بابُ ربما انتظرت شجراً في الوادي زاحفاً ربما سيقت أمامها إلى الموتِ نوقٌ بحاديها منذ عامٍ لم تنمْ المدينة هل يصهلُ النهرُ لو تكاثفت فوق رأسهِ ليلةٌ ثم أُمطرت وتفجّرت ريحُها ؟ هل يصهلُ النهرُ لو طوقتنا سحائبُ ؟ مَنْ يمسحُ عينَ المدينةِ ، التي منذ عامٍ لم تنمْ ، لو طافت مآقيها ؟
26 ـ 7 ـ 2002 *** 4 ـ استباحات
*** فلتكن مشرعةً إلى أقصاها مسافاتي وحزني يُعلِّمني درساً في العراء ألاّ أُغلق على جنّتي الأبوابَ أو أردّ بوجهِ النورِ نافذةً فالريحُ تختارُ من أشواقِها لحظةَ دهشٍ ومن أثوابِها شفيفَ الظلالِ فلتكن مشرعةً مدني ونحو أعالي التخومِ تبعثُ حنينَها فتُعلِّمها الوحشةُ لغةَ بوحٍ وأسرارَ روحٍ وتُطلقُ ما اعتمل في الجائشةِ : أيتها النجمةُ القصيّةُ تعالَي في هنيهةِ اشتهاء لتسهري في سريري وتستنفري ورودي حتى منتهى التفاؤل فلتكن مشرعةً للمطرِ حدائقي تُعلِّمها المنافي ألاّ تخفي في بهجتِها الرحيقَ فلتكن مشرعةً للهديلِ سمائي يا ضيفي المستريح في دورةِ الأفياء وتحت وحشةِ السفرِ ادخلْ في ربيعِ الطيرِ ومن بوّابةِ الجناحِ فلتكن مشرعةً لحظاتُ زمني من أجل إيواء العابر وإرشادِ الضائع وإغواء المنفيين فما عادت تسحرني في نسيمِ الليلِ أعراسُ الياسمين ولا تطربني أنغامُ الصيفِ في عودةِ القمرِ فلتكن مشرعةً حتى جنونِ الأحزانِ مسافاتي وكفّي مُحنّاة تسابقُ أكفَّ الطارقِِ على بابي فلتدخلي أيتها الرياحُ النبيلةُ من أوسعِ بواباتِ الحزنِ من عويلِ نوافذي المسكونة بالرحيلِ وأعلِني في الليلِ على رأسِ الهجعةِ الأخيرة على رأسِ الصمتِ الصديقِ اللدود على رأسِ الكلامِ المؤجل العذوبة إني أمام الاشتهاء جهّزتُ لكلِّ النسيمِ بلادي وجعلتُها مباحةً لكلِّ الرياحِ 14 ـ 7 ـ 2002 *** 5 ـ بهجة المساء *** ذات ليلٍ جميل غمرتْنا في جبهةِ النهرِ دهشةٌ كان ، في الحومةِ ، جليسنا القمرُ وطفلٌ عدنانيُّ الملامحِ من نسلِ هاجر أو من سلالةِ الجُرهمية ذات ليلٍ يختضُّ التياعاً عمّرْنا أكؤسَ الحنينِ وليلَ النسيمِ وباشرْنا الشوقَ ثم لم نرتشفْ من زلالِنا سوى بللٍ يأخذُنا نحو ثغورِ المسافةِ ولم نتنسمْ سوى نشقةٍ تعبرُ معنا بحرَ النجاةِ ذات ليلٍ جميلٍ كنّا في الحومةِ ندورُ بلا طفلٍ ولا قمر
18 ـ 6 ـ 2002 *** 6 ـ قيثارة الصندل *** مرّةً وأنا أبحثُ عن شمائلِ السوسنِ رأيتُ في أُفقِنا ناراً تُطلقُ الأسماءَ الحُسنى وبعضاً من رؤىً تُلامسُ وجدَ قيثارةٍ صغيرةٍ سوداء ، صُنِعت من بهجةِ الصندلِ أو من جَفْلةِ الأبْنوس وشئٍ من لوعةِ وطنٍ مأسورٍ كلما انعتقَ في محاجرِنا استعبدته دمعةُ امرأةٍ هي قيثارةٌ صغيرةٌ .. صغيرة تُحفةٌ أثريةٌ انسلّت من سفينةٍ غارقةٍ في مياهِ نهرٍ كأنه السرابُ ودخلت ليلاً بحريّاً مدهشاً أزرق لا ندري لأيٍّ منهما تنتمي الزرقةُ ؟ صنعها جارُنا أثناءَ استراحةِ المحاربين على مشارفِ صيدا في حربِ الأُرزِ أو على أبوابِ تبريز في حربِ الأهواء قيثارة تُدندنُ مرّةً وتصمتُ مرّاتٍ لكنها وبكلِّ أناقتِها صُممت للصخبِ .. للصمتِ .. وللصدمةِ تئنُّ .. جعلها الصانعُ .. تئنُّ وفي غيابِنا مرّاتٍ تئنُّ هكذا أخبرتنا المرأةُ القاطنةُ في طبقاتِ الشوقِ من مسرحِ أوهامِنا السامقِ قالت : تسترقُ السمعَ لهمسِ الصلاةِ ، ثم في وحدتِها تُردد ، على أُذنِ الخميلةِ ، الهمسَ قيثارةٌ تَنسجُ ، في دفءِ الحانةِ ، أنفاسَنا وتنزفُ في كأسِ النهايةِ وهمَنا الجميل 20 ـ 4 ـ 2002 *** 7 ـ الوقوف بين يدي الياسمين *** **************** إلى عبدالكريم كاصد ****************
كلّما طُرِقتْ في الليلِ بابي هزّتني طيورُ الفجيعةِ وحرثت سمائي أجنحةُ المساء كلّما أسلمتُ بابي للدخيل طُويتْ صفحةٌ من دفءِِ الليالي البيض ورحل زمني بلا أنيسٍ للطريق أيّها الطارقُ المجنونُ لِمَ تركتَ الليلَ ثملاً متعثرَ الخطواتِ ؟ لِمَ تركتَ الملائكةَ تحملُ زرقاءَ العصورِ في مسيرةِ الظلامِ نحو طينِ النهاية ؟ أيها الطارقُ الذي نسيَ أنْ يمرَّ تحت طوقِ الياسمين لِمَ فتحتَ نحو القبورِ ثغوراً و أغلقتَ أبوابَ البداية ؟ أيها الطارقُ بي اشتهاءُ لمعاتبة الطير المعاند لكنّ طيرَ الفجيعةِ ظلَّ حائماً ما بين الطوقِ وبين القبرِ وأنا في الظلامِ أعدو كحصان ضيّع القافلةَ وأنا في الظلامِ لم أرَ غيرَ وجهٍ كريمٍ غير وجهِ نبيّ ، زكيٍّ دليلي إلى ثغرِ البلادِ وأصرخ : يا صديقي هل أتعبتكَ المسافةُ ومرّت بين قدميك الحصى ؟ يا صديقي هل أجفلك الحُدَاةُ حين مرّوا بلا نوقٍ ؟ يا صديقي أ كنتَ زهوَ العالياتِ حين جُنّت ورودُها وطيفَ النادباتِ حين هدهُنّ نحيبُ ؟ لكن صاحبي أسرى إلى غربتِه وحيداً توحّد والظلامَ حتى أمست طويلةً ساعاتُ الليلِ وأمست كثيرةً عَبَرَاتُ الحبيبِ حارقةً دموعُ الغريبِ صادقةً عيونُ الصديقِ يا صديقي وعدتْ ( حذامِ ) وقالت إنّكم في الصيفِ آتون تأخرتم مرَّ الصيفُ تلوّنتِ السماءُ هاجرت بأهلِنا المراكبُ وجفّت مياهُ الموانئ الدارُ بأهلِها ترقبُ المسافةَ هل أنتم قادمون ؟ قلنا تأخرت بهم الأسفارُ وانحرفوا عن الطريقِ وانتظرنا وحين حلّ في صحارينا السرابُ لم نسعَ إلى الماء فالماءُ صار السرابَ و الطارقُ على أبوابِ لندن مخبولٌ و الطارقُ لا يفرّق بين الفصول و الطارقُ جبارٌ يأتي من آفاقٍ لا ندركها لا يجلبُ غيرَ غيومِ الرحيلِ وشبحِ الظلامِ الثقيلِ
25 ـ 3 ـ 2002 *** 8 ـ سفينةُ الطلِّ *** على ظهرِ سفينةٍ حالمةٍ زرقاء نصبتُ في الليلِ مائدتي وأطلقتُ عَبْرَ الموجِ الهوائيّ حمامةً من نور نحو الآفاقِ التي يلفُّها الظلامُ أطلقتُها كنتُ مزهوّاً بالصحبِ بأكؤسِ الكرستالِ ورحيقِ الأنفسِ فمائدتي أُعدّت للمدنِ الشقراء لسكّانِ الخيامِ المُبَخّرة
للكهفِ الجبلي وليلِ النار وللنساءِ العامرات بخريرِ الشرابِ وضحكاتِ الشمعِ في أقاصي اللهاثِ فلتسقني حبيبي كلّما امتلأت كأسُ ! كنتُ ثملاً فأخذتني غفوةٌ رأيتُ ساحرةً تُجدِّلُ شعورَ الفاتناتِ ومنهنَّ تفتضُّ العذارى لا أدري إنْ كُنّا على قمةِ جبلٍ في قاعٍ أم على جنحِ غيمةٍ مسافرةٍ كنّا حيارى لكن الغبشَ الجبليَّ تمطّى ... انتعشَ بوجهِ الندى فبانت قبورٌ في الهواء ثم أطلقَ ، من فوّهةِ تثاؤبه الطويل ، ريحاً سموماً انفضّ الصحبُ تحطّم على مائدتي الكرستالُ وفرّت نحو القبورِ ثرثرةُ الليلِ لتُصبحَ شاهدةً من نسيمِ وذكرى حسنةَ الوجهِ صادقةَ الرجاء : من هنا مرَّ الضيوفُ الأعرابُ ، شباباً كانوا ، بين مضايقِ الصمتِ وسفوحِ الكلامِ استقبلهم في الليلِ صوتٌ وأكفُّ غائمةُ المعنى زفّتهم نحو قصرِ الضيافةِ فيما الطوائفُ علّقت في فانوسِ الليلِ أسودَ الصدورِ وساقت إليهم العتمةَ 26 ـ 3 ـ 2002 *** 9 ـ موت الشعراء *** أمام غيومِ القصيدة نحو أقاصي الجبالِ .. فرَّ الشفقُ الموعودُ إلى كهفٍ من دخان في تلك الأثناء كان الشاعرُ ينوءُ بثقلِ وردةٍ خنقها البارودُ الوردةُ أسلمت جنونَها الأخير . في كوخٍ على ضفّةِ جدول أسْجى الوردةَ وعلى ضوءِ فانوسٍ مهمومٍ ناعسِ الذبالة نام الشاعرُ إلى جوارِ الوردةِ نام فوق حروبهِ التي لم تقعْ بعد نام فوق حروفهِ التي ، باسمه لم توقعْ نام نومةً أخيرةً قيل استعذبته رصاصةٌ وفززت روحَه / الوردةَ قيل لم يتركْ سرّاً أيها الشاعرُ المهدُ هل كتبتَ الرسالةَ ؟ وإنْ انتظرت في سرابِ الطريقِ امرأةٌ بمَ أُخبرُها ؟ أيها الشاعرُ الذي لم ينطقْ بعد بِمَ أسرُّها ؟ في وديانِ المنافي يطاردُ كلماتِ القصيدة أجاب الصحبُ
26 ـ 3 ـ 2002 *** 10 ـ هروب *** يحتاجُ الهاربُ عَبْرَ الصحراء : قربةُ ماء قطعةُ خبزٍ رفيقُ طريقٍ قليلٌ من نسيانِ الأهلِ وكثيرٌ من الموتِ
6 ـ 1 ـ 1983 *** 11 ـ حديقة القرنفل *** هنا في حديقةِ الزهورِ ، التي كلّفني الوصولُ إليها جيلاً من الصعودِ ، تمثالُ امرأةٍ عاريةٍ تسحرُ كلباً مهتاجاً وتقوده مبتهجةً نحو بحرِ اللذّةِ هنا في ملعبِ الورودِ الفتيةِ ، التي دفعتُ في سبيلِ الوصولِ إليها عمرَ صبيٍّ وجسداً فتياً ، تغتسلُ الصبايا منذُ الصبحِ بعرقِ الزهرِ وعند المساء إلى عذريتِهنَّ يرجِعْنَ فاتناتٍ عذباتٍ هنا في بحرِ البهجةِ الذي يطلُّ في رأسِه مسرحٌ رومانيٌّ ، تبتزُّ المدرجاتُ فحولةَ كلبٍ مسحورٍ من أجلِ امرأةٍ تطيرُ نحو البحرِ بلوثة
30 ـ 7 ـ 1996 *** 12 ـ مسرح *** فجراً غادرْنا المسرحَ وكان الفجرُ يتوضأ من رجسِ الليلِ في العراءِِ لا ندري هل نامَ رعاةُ النجمِ أم لفّهم سرادقُ الحريرِ ؟ فجراً خلّفنا الطهرَ يتهور في سريرِ الإثمِ
7 ـ 1 ـ 2000
*** 13 ـ وشم *** جنياتٌ في الليلِ سرقْنَ الحُلمَ وتيممنَ صوبَ الماء نثرْنَ على الرملِ صيحاتِ العمرِ لم يكترثْنَ لضراعاتي جنيّاتٌ ملعوناتٌ عثْنَ بالجسدِ فساداً وبنصلِ السكين وشمْنَ شيئاً غريباً
14 ـ3 ـ 2002 *** 14 ـ العرش *** هي الأميرةُ السمراءُ مليكةُ الأعراسِ والحنّاء إلهة الماء . تفتحُ أبهةَ الحدائق لوردةِ الإباحةِ وعلى وجهِ طوفانِها تنصبُ خيامَها وتقيمُ عرشَ السطوةِ . إليها يعودُ حلمُها المتفجّر عنفواناً . هي المليكةُ السمراءُ عزيزةُ المدنِ الضاحكة وحبيبةُ السفنِ الراقصةِ على جسدِ الانتظارِ وهي رايةُ الجزرِ المشرعةِ الذراعين وهي مَنْ يُهَدْهِد هامَ النخيلِ . نأتيها من أعلى كرمتِها أو ندخلُ من خضرةِ رمّانِها الفاجرةِ . هي الشهيةُ في همسةِ السريرِ والبهيةُ في الطريقِ . هي الأميرةُ السمراءُ الماضيةُ إلى شمالِ الروحِ في ليلِ الخرافةِ وهي الطاعنةُ بنصلِ السرابِ لهفةَ الرمالِ لقطرةِ ماء . هي الزاهيةُ .. الحائرة على جانبي الترقب بأحمرها المجنونِ . هي ياقوتةُ النّفْسِ المتمردة في خيالِها وفي واقعِها ، الفاتنة بطلّتها ، ترشقني كلّما من عيونِها الزرقاء دنوتُ في تهويمةِ الليلِ . هي التي غادرت منذ شهقةِ الريحِ على النافذةِ ومنذ صيحةِ الزائرةِ الجديدة على البابِ هي التي غادرت ولم تغادر فالهوى إلى آخره مفتوح على فتنةِ الجسدِ . 17 ـ 2 ـ 2004 *** 15 ـ الخارجي *** ونحن نتراشقُ بألسنةِ المديحِ ونتقاذفُ نظراتِ الثناء ، روّعنا في الطريقِ هواءٌ مرّ ، فعرفنا أننا على تخومِ بغداد ، ما بين واسط وطيسفون. حمدَ اللهَ ثم أمرنا ابنُ يزيد* ، وكان لحملتِنا الخارجيةِ المزعومةِ قائداً ، بالتوقفِ ، فتوقفنا قال أميرُنا الخارجيُّ : تزودوا من ثمرِ هذه الأرض ومن بقلِها . ولكن لنا وجهة أخرى يا مولاي الأمير . شُلّت نحونا عيناه ولمعت من تحت العمامةِ نارٌ وبه ارتاب الجوادُ ، فاعتلى ناصيةَ الخطابةِ : أيّها الجندُ أنّي بسرائرِكم أعلمُ وبوجهتِنا أدرى فما رأيكم لو جاء صاغراً إلينا الفراتُ ؟ لم نكن ندري قبل مجيء الرسولِ أنّ جيشَ عبدالملك بن مروان يخبُّ صوبَنا من ناحيةِ الكوفة . فأدركناه على أبوابِها وأهِلْنا قبلَ المغيبِ عليه الترابَ . وعند العودةِ فطنّا : لم تكن من بيننا الغزالة **. أردنا أنْ نبلغَ ابنَ يزيد ، فوجدناه يُصلّي ركعتين ، يُطلقُ أسرَ دمعتين ويُعاتبُ السماء .
21 ـ 12 ـ 2003 ــــــــــــــــــــــ * شبيب بن يزيد الشيباني زعيم خارجي ثار على الأمويين قهره عبدالملك بعد أن سيّر له جيشاً جراراً فأغرقه في نهر الدجيل . * غزالة من شهيرات نساء العرب في الشجاعة والفروسية قاتلت مع شبيب زوجها ، أصلها من الموصل . قتلت على أبواب الكوفة .
*** 16 ـ حامل النجم *** ********* إلى الصديق يحيى علوان ********* أرني تلك المسلّة التي طوّفتَ بها بحارَ الياسمين وتلك المرايا الزرق الفاجرة على قارعةِ الطريق سيدة الغواية التي نادمت مدارَ النجمِ أرني من أيِّ سوقٍ عجيبةٍ حملتَ أشياءك الكنوز أرني من لحظةِ العمرِ دهشةً قبل أنْ تكيلَ نحوي الصلوات ربما بعد أسفِ الغياب 7 ـ 11 ـ 2002 *** 17 ـ الطاعن في القلب *** مثلَ طاعنٍ بالسنِّ أو بسيفٍ رديء تزحفُ نحوي تبتلعُ السنين والصداقاتِ وتغمرُ الغرفَ الآمنةَ بالنفيرِ مثلَ يائسٍ تدور لا تقضمُ غيرَ الصديقِ وشيءٍ من ترفِ النفوسِ مثلَ هائجٍ تخور و على حطامِ زجاجِك ترتمي ووقعِ خطاك فالحجرُ الذي به رميتَ ارتدّ عليك لكي تبتليَ بما لم يبقَ لديك أيّها الذي لا يعرفُ زهرَ الصداقةِ وحدائقَ النفوس *** 18 ـ الأسير *** لستُ آسفاً لمرورِ موكبِ الأميرة وقد غمرتني نشوةٌ خالدةٌ وأطربني النخلُ بما لم يسمع به الخَلفُ من لحنٍ وأسمعني النخلُ ما فات على الأسلافِ لستُ آسفاً فالكلماتُ غيّرت طينَ الضفافِ وأسقطت حجرَ المدار فصار المدى أرحب من علبةٍ صدئةٍ تبتلعُك حتى الرمقِ الأخير
*** 19 ـ سقط البناء يا أبي *** وَصَلتْنا الريحُ يا أبي خفّتْ واعتدلتْ واشتاقتْ لمهجعِنا فدفعتْ سحابةً مثخنةَ الحنينِ لتسقيَ أرضاً بنا تملّحت . كنّا نُجاريها في وحدتِنا كأطفالٍ على الخواءِ يصطبحونَ بلا رغيفِ خبزٍ يجهشُ في صرّةِ آلامِهم وبلا حساءٍ في طبقِ الجوارِ . أبٌ مُهلهل الثوبِ صادقُ النَّوايا يصطاد حجراً بنصلِ الفأسِ ويرمي جذعَ جدارٍ في حانةِ النهرِ . خُذوا مزيداً من ثوانيكم إلى ساعةٍ أخرى فنحن تعطّلَ عندنا الزمنُ ودارت علينا الشمسُ من ناحيةِ الكوفة . نحن أبناء السباخِ المرسومة على المهملاتِ من الأرضِ مع القطيعِ نمضي ونعوي في هجيرةٍ لا خوف فيها . نحن أبناء الظباءِ الخائفات وعول المسرّةِ نَسفُّ في أحداقِ الطريقِ إنْ مرّ القحطُ بأرضٍ فبنا يمرُّ لا زرع فينا ولا ضرع يدرُّ ستأتي النساءُ العذباتُ يشرقْنَ من عرباتٍ تقودهنّ جيادُ ضامراتٌ كُنَّ يحصدْنَ الملحَ في حوطةِ بلُّورٍ من عفّةِ الله انخرطت كُنَّ يستبدلْنَ بالزرعِ ملحاً استقبلناهن مرّةً بثمرِ اللوزِ ووردةِ ماء النارِ اقتربنا فصار اللوزُ جمراً وانفرطَ على السعيرِ حَبُّ خلودِنا والماء ما ارتشفناهُ تبدد وسطَ الدهشةِ ماءُ نحن مسار الريحِ إنْ أتت سناجرةٌ عربٌ أخذْنا الجبلَ للنهرِ فانهزمَ الماءُ وعادَ الجبلُ بلوثةِ الغجرِ حين هطلت عليه كالدودِ في ثمرِ المواسمِ سناجرةٌ عُدنا بلا جبلٍ ولا ماء وللربِّ حطباً صرنا في كانونه الموقَد يوم صقيع استعرنا بنارِ الجنوبِ والتهبنا ومن حولِنا طائفةٌ انبهرت أيُّهم كان البدايةَ ؟ أيُّهم كان الضميرَ ؟ وأنتم قيل لنا ماذا ؟ أتستعرون ثانيةً حين تشرقون ؟ ومن حانٍ لحانٍ تشرقون ؟ كنتم خرجتم توّاً من حروبٍ غابرةٍ وكنتم خرجتم توّاً من صحبةٍ عاثرةٍ يا أبي ما عبقت في الصحوةِ سوى نفحةٍ من عطرِك الأخّاذ ففي الصباحِ يأتي مع فنجانِ الشاي ورطبِ البدايةِ المُهتزِّ في نخلةٍ باركتها السماءُ وسحرُ الأساطير شاركني المُخيلةَ يا أبي إنْ نحن بدأنا ما بدأتَ به وإن نحن سرنا بما سرتَ عليه دائخون حبيبي في الصيفِ وفي الشتاءِ دائخون نتوجسُ خيطاً من فضّةٍ يؤدي بنا إلى ماءِ السبيلِ ونسلكُ درباً نحو ثمرِ البدايةِ المُعَلّقِ في قناديل الجنّة نهريّون بحريّون جبليّون صحراويون نهطلُ كالطينِ ونُجرَفُ في سيلٍ يزفرُنا نحو الجحيم ونظلُّ نظلُّ هاطلين نأخذُ سوسنةً لصبايا خرجْنَ من طينِ اللذةِ على عُمرةِ الماء نوزعُ ورداتٍ على ضفائرَ سودٍ وضفائرَ حمرٍ وضفائرَ شقرٍ وضفائرَ عجزَ عنهنّ الوصفُ ونستنشق عبيرَ الجنّةِ ، في كؤوسِهنّ الناهلةِ ، طلاًّ . أية نهودٍ هتك بهنّ اللهُ أستارَنا في الصباح؟ هاطلون كأننا الهلامُ في المساء نُبعثُ من جزائرَ نائيةٍ هل كُنّا سوى صغارٍ من فتيةٍ نعطي بلا حدودٍ وردتَنا المفزوعةَ على ساقِها الجَذِلِ الرشيقِ ؟ أخذْنا بعضاً من جوعِنا الليليّ ودخلْنا في يراعِ الكلامِ على أُمهاتٍ جافلاتٍ في الفراشِ منفوشات الأحلامِ والدثارِ والشَّعْرِ الذي ما تدثر يوماً أمام زرقةِ السماء إلاّ لغايةٍ أرادتها أسرابُ الطيرِ نائيّون كأننا لسنا من زهرِ الأيامِ نأكلُ الخردلَ البرِّيَّ و"الشفلّحَ " الفاجرَ الحمرة المتفتقَ على عذابِنا و نباتاً لا نعرفُ له تسميةً غير " زهرة الغريب " يأكلنا الحمضُ المتلفعُ بالتربةِ وتُنعشنا رائحةُ النعناع في حدائقِ الشاي العصري . نعجنُ يومَنا بالقهرِ ونأتدمُ بسويق الفطر كم تفاحةٍ هجرت موطنَها لتسكنَ بين فخذي بادية كم ذاكرةٍ استوطنت في الصقيعِ البعيد أيها الهادئون بوجهِ أكاذيبِ الزمانِ أيها الصاخبون الحمقى المجازفون خانتكم الروابطُ وتهتكت بكم الساعةُ فاعطبوا ظهورَ خيولِكم لكي تصلَ بكم إلى آخر الزمان جوّابون أنتم في هذه الجبالِ وفي هذه الوديان تسرقون نجمةَ الله وتعطونها للدليل تلوكون البلايا أيها الصدّاحون في آخر الدُّنا إنْ اصطفيتم شيئاً فاصطفوا هرشَ الرمّان فهو الأيسر للانحناء تُشاغلنا الريحُ والسحابةُ الفارغةُ نُعمِّرُ ليلَنا بالخمرةِ السوداء وخيطِ بياضٍ من كفنِ التاريخ نتوسدُ شقائقَ وحشتِنا نحن أبناء الغفلةِ نزدهرُ بالكلامِ حين نكون بطوناً فارغةً تشهد لنا الريحُ نحن بيض الوجوه والثياب والجوانب والنفوس سلعةً لن نكون وهذا البيع حرام يا أبناءَ أخيارنا هذا البيع حرام كلهم يبيعون لنا الغبارَ و بقوارب الطلعِ يحتفظون هذا البيع حرام ونحن سلعة لن نكون وعلينا كُتِِبَ اللقاحُ نتكاثرُ بالرحيقِ السماوي والبيع حرام خوّافون ؟ لا لا نمشي إلاّ في ليلِ السعلاةِ وليلِ الجنياتِ وليلِ بناتِ نعش وعاشقةِ الدارِ مَنْ منّا تساءل مرّةً عن تخاريفَ موروثةٍ ؟ نمت معنا ومعها نمونا صباح النسيم صباح الحصاد آفةٌ هو التاريخ ونحن من أعماقه نأتي ما بالنا لا نقيم له قصراً على الورقِ أو خربةً في الذاكرةِ صخّابون ؟ أجل تأتي العرباتُ محملةً بأمهاتِنا المتعباتِ وأكوامِ البلُّور تدخل عينَ الشمس صدرَ الحيّ وفي المساء تصدحُ الحانةُ غيابون ؟ لا لا نهتدي إلاّ بالعزّةِ والصاحبُ فينا نُسلمُه قيادَنا حتى تهتزَّ له السماءُ فتطلق ضيماً أو طيراً يشهد الله كأنها أبابيلُ نحن ثمرٌ من شجرةٍ مباركةٍ من تربةٍ مشكورةٍ طيبةٍ استسقت غيثاً روى جذراً امتدَّ في حُلُمٍ إنسانيِّ ، ربانيٍّ ، ملائكيٍّ أو في بؤرةٍ جنِّ محتالون ؟ لا دفنّا أسرارَنا البدائيةَ ، هل لنا أسرار ؟ في مجرى الماء والماء ُ العذبُ أخذها إلى ساقيةٍ والساقيةُ أخذتها إلى جدول والجدول أخذها إلى نهرٍ يرتشفُ من بحرٍ هائجٍ أصدافَ الأُلفةِ وسمكَ الوحشةِ وأعشابَ الدهشةِ . دفاعون؟ نعم ، عن البلاءِ والصعابِ والحريقِ والغريقِ أكلنا في الهجيرةِ زادَنا وبانت عيوبُنا أو شقوقُنا انكشفتْ أمامَ الناسِ صيحاتُنا لعزّةِ الأبناء عيّابون ؟ معاذ الله خشيةٌ فينا تُسلّينا وتمنعنا فائضون كأننا من حطبٍ ، لقطٍ في طريق كأننا ما تحفّينا حفاةٌ وغير الشمس ما داهمتنا شمسُ ولا لوحتنا شمسُ تلظينا طلاّبون ؟ لمَن ؟ تهادي .. تهادي .. تهادي فالماء في منزلقِ البحرِ والربُّ يذكي في قيامتِه أوارَ نارٍ ونحن حطب البدايةِ وحطب النهايةِ ونحن حطب الطريقِ تهادي .. تهادي .. تهادي كالسفين إنْ شئتِ أو كالنسيمِ أو كقافلةِ نوقٍ من ورقِ التوتِ تهادي .. تهادي .. تهادي حريراً أمامنا فالأمهات تدفعنا نحو البحرِ أو نحو البرّيِّةِ أو نحو يبابِ الطريقِ هي الغفلةُ نجني ما غاب في باطنِ الأرض من شهدِ ونحن مفطرون وعلى الحصباء مفطرون لا نأتي من دقيقِ الدهشةِ شيئاً ومن سمكِ الذهولِ سوى ما أصبْنا يا أبتِ ضاع الدليلُ فاخرجْ لنا إلى عرضِ البرّيِّةِ تُرشدنا يا أبتِ ضاعَ الدليلُ والرومُ ما استخلفوا علينا سوى روميٍّ والساقطِ من ثمرِ الفُرسِ والغلامي والديلميّ والغجري المتشبث بالكهفِ المسحورِ ونحن ابتلعْنا غصتَنا في آخر الليلِ وأولِ الصبحِ وآخر الندامةِ يا أبتِ ضاع الدليلُ والموتُ منه ما جنينا سوى موتٍ فاصدحْ بنا يا دليلَ الريحِ وفي متاهتِنا فانظرْ نحن فزعْنا من هولِ ما عصفت بنا محنةٌ ونحن ذهلنا من هولِ ما مرَّ علينا من جحود الزمانِ سقط البناءُ يا أبي واهتزتْ مدينتُنا سقط البناءُ يا أبي وفينا جذرٌ يغورُ يغور يا دليلَ الريحِ سيِّر في مهبِّنا ريحاً يا دليلَ الفرقةِ كنّا ببابِ الألفةِ كلَّ ليلةٍ نسهرُ فاشرقْ علينا يا دليلَ الريحِ من ضحكةِ الحانةِ يا دليل الريحِ أرسلْها على رسلِ
24 ـ 11 ـ 2005 *** 20 ـ كلمات لصمت قادم ***
1 ـ مثل فراشةٍ عطشى زاغت من سربِ الفراشاتِ حطّت كفُّه على كتفي قال : أما زلتَ تقضمُ الذاكرةَ ؟ قلتُ : نعم قال : سنزرعُ منها حقلاً بعدئذٍ حطَّ كلّه على كفّي يلتقطُ البذورَ
2 ـ
الممرُ الذي انغلقَ بوجهي والذي تراكمت على جانبيه خيباتي الممرُ الذي لا يعرفُ من وجوهِ العشّاقِ سوى وجهي أطنب في إيذائي
3 ـ
عندما عادَ الجندُ مدججين بالهزيمةِ فرحين بالنجاةِ سألناهم عن طريقِ العودةِ لم يجيبوا ولكنهم سدّوا أنوفَهم
4 ـ
في بدلاتِ الجندِ ثمةَ رائحةٌ تدلّك على الهزيمةِ مثلما في الأسمالِ الباليةِ هناك دائماً ثمةَ رائحةٌ تدلّك على الفقرِ 5 ـ
قال : انتصرنا قلنا : مبروك ولكن أين الغنيمة ؟ 10 ـ 9 ـ 1999 *** 21 ـ أسئلة الأُلْفَة *** أيّها المنفىُّ وبعد عمرٍ طويلٍ هل ألفتَني أم أنّ رائحتي مازالت غريبةً ؟
27 ـ 6 ـ 2000 *** 22 ـ عطارد والسحاب ***
كنتِ عاشقةً حين تساقطتِ بين يديّ لهفةً لهفة واندفع اشتياقُك عَبْرَ شجنِ الطريق أيتها المجنونةُ التي ما هذبتها أهدابُ سحابةٍ وما زفرتها أنفاسُ ريحٍ لمَنْ ارتديتِ كلَّ هذا العنفوان الذي فتك بوردتِنا ؟ ولِمَ تقطرتِ بكأسِ هيامي الطافحة فتنةً فتنة أنتِ إذن مَنْ نَوّرَ أولَ الليلِ بصهيلِ الضحكاتِ وأنتِ مَنْ أفرغَ زيتَ القناديل أنتِ .. أنتِ مَنْ أحرقَ بصندلِه رائحةَ الوسادة وأنتِ .. أنتِ نجمةُ الدليل 20 ـ 12 ـ 2003
*** 23 ـ أشياء مرّة *** لا تتعجلي يا حبيبتي فمازال ثمرُ الطريقِ مرّاً وماءُ الفراتِ مازال مرّاً وبحجارةِ التيهِ مازلنا نتعثرُ لا تتعجلي الغربةَ يا حبيبتي فربما أنكرنا النخلُ وربما كان طلعُه مرّاً
21 ـ 12 ـ 2003 *** 24 ـ وردة الراعي ***
خُذيْها .. خُذيْها وردةَ الراعي وبرفقٍ من عطرِها إلى وجهِ القمرِ ارفعيْها ثم علّقيْها مثلَ خزامةٍ إلى أنفِ عذراء خُذيْها .. خُذيْها وردةَ الراعي وبهمسِك اسحريْها ثم إلى مخدعِ العاشقِ أدخليْها ، لتنزفَ على وسادتِه لوعتَها الأخيرة خُذيْها .. خُذيْها قبل أنْ يقطفَها شوقُ النسيمِ
15 ـ 2 ـ 2000 *** 25 ـ لا تنتظري المدينة *** لا تحزني يا صديقتي فعلى ساعديّ سأنقلُ إليك المدينة اُتركي مداخلَ النّفسِ مشرعةً فالمدينةُ لا تقفُ على الأبوابِ منتظرةً اُتركي يا صديقتي في الطريقِ هوىً فالليلة مع الصحبِ ننتظرُ على أبوابِ البحرِ أضواءَ المدينة وحين تمرّ بنا الأضواءُ ، نأسرُها إليك وبكاملِ هندامِها نجلبُها لكنني يا صديقتي أخشى من نشوةٍ تطرحني وتمرّ في غفلتي المدينة
18 ـ 2 ـ 2000 *** 26 ـ مداهمات *** في بعضِ بداياتِ الفصولِ الدافئة تمرُّ الوعولُ نسيماً بينما الأقمارُ تحتطبُ مؤونةَ الشتاء في غابةِ النساء في بعضِ بداياتِ الوعولِ النضرة تهاجرُ السماءُ ونبقى عراةً ننكشفُ أمامَ الليلِ بأسرارِنا وملوحةِ أجسادِنا عنّا يبتعدُ ورقُ التوتِ وتبقى الوعولُ ، حولَنا تدورُ في انشغالِ القمرِ
10 ـ 6 ـ 2002 *** 27 ـ رقصة ليل *** تنفّست بابي رائحةَ زائرٍ جميل فانفرجت ، للدفءِ القادمِ ، ضحكةُ نشوتِِها وللطارقِ بلهفةٍ على صمتِها الطويل ولهمسِ النسيمِ يُداعبُ وجنتَها ندهتْ : افتحْني يا هذا لزوّارِ الليلِ للقمرِ النازلِ من عليائه ليتمرغَ في الأحضانِ افتحني للطلِّ الفاجرِ المتخبط فوق الصدرِ في فحيحِ البطنِ في شفيفِ الثوبِ في ثورةِ الشعرِ ورفيفِ الشفّةِ افتحْ .. افتحْ ، تنده بابي ، لزوّارِ الغفلةِ لزائرةٍ تجرُّ وراءَها الدنيا أفتحُ أرى الأكوانَ ترقصُ على رأسِ النارِ ترقصُ أرى امرأةً تزفرُ وجداً هي زائرتي في العزلِ المطلق هي قاهرتي في الموجِ الأهوج أفتحُ تدخلُ في حومتي تصير في جنتي تطير مساء جميل تعلنُ صبوتَها
27 ـ 6 ـ 2002 *** 28 ـ حانة وسحابة *** في حيِّنا طافت سحابة أكملت من طوافِها دورتين ثم على أطلالِنا ذرفت عيناها دموعَ ثكلى مَنْ يدعو إلى وليمتِنا السحابةَ ؟ مَنْ يتعشق ماء أو يُكلّم ماء ؟ بقينا الليلَ .. جمعاً نتساءلُ حتى افترقنا وصرنا أفراداً بالهمسِ تطاعنا وحين داهمنا العطرُ علمنا أنَّ بالقربِ من نبعِنا حطّت ركابَها غانيةُ الحانِ وفي أكؤسِنا شغفاً صبّت دعتنا إلى مضاربِها مراراً دعتنا عدنا إلى جمعِنا نتساءلُ أ نرحلُ بما استعذب الهمسُ ؟ وافترقنا ثانيةً وثالثةً افترقنا لم ندعُ السحابةَ للوليمةِ لم نشربْ مما في الكأسِ من شغفٍ لم نقبلْ دعوةَ غانيةِ الحان حتى انبلجَ من فوقِنا الصبحُ 29 ـ 7 ـ 2002
*** 29 ـ أقمار ووعول ***
بوجهِ الليلِ افرغي كأسي افرغي الثمالةَ حطِّمي يا طيفي الجميل أصنامَ العبادة اغضبي ما شئتِ فأنا أشتهيك بهيةً كما أنتِ الآن ومن صدري لا يخرجُ هاتفٌ يثنيك عن التخريبِ لا تتعبي من التخريبِ لا تكفّي أنتِ لا تعلمين حدودَ مسرّتي فحين اعتلي هضباتِ الليلِ أتوسلُ قدومَك وحيداً أ تعرفين ماذا تعني الوحدةُ ؟ أنا مَنْ ينده مِن أعالي المسافة : تعالَيْ خُذي معولي واحرثي الظلامَ لعل نوراً خلفه توارى لعل صبحاً بعيداً حجزته الفاتناتُ وحدي يا صديقتي أرقبُ الطريقَ وحدي أهمسُ للوعولِ الصاعدة نحو القمر : من هنا تأتي من خلف أحراشِ غابةٍ جثمت على أطرافِ المدينة من جهةِ محطةٍ تردها قطاراتٌ ماضية نحو صقيعٍ خامد من مهابطِ الطائراتِ من مواقف حافلاتٍ أنجزت رحلتَها الأخيرة من سماء لا تعرفُ غيرَ البهاء من هنا تأتي مع مطرٍ أدمن الغناءَ وسحرَ التراشقِ مع سيلٍ لا يحملُ غيرَ النسيمِ مع برقٍ أفّاقٍ مع غيمةٍ كاذبةٍ هل أقايضُ الفصولَ ؟ مع الصيفِ .. أو الربيع هل تأتين خريفاً ؟ أو خمرةً للشتاء ؟ يا إلهي .. نفد صبري كفّي عن مداعبةِ خيطِ الدخانِ المتصاعد من عودِ البخورِ فمازالت في الليلِ بقيةٌ
3 ـ 7 ـ 2002
*** 30 ـ لقاء طويل *** عندما التقينا كانت بشعرٍ جميل وكنت بحزنٍ نبيل عندما التقينا أُخِذنا في عناقٍ طويل
14 ـ 7 ـ 2002 *** 31 ـ قول جميل *** قال لي ننتظرُ السفينة فقفْ على رأسِ رابيةٍ تُرشدُها إلينا مرّت واحدةٌ هتفتُ بها .. من بعيد لوّحت لنا .. عبرتْنا واحدةٌ أخرى مرّت بالقربِ من رابيتِنا هتفتُ لها خلفتْنا لم يتحركْ صاحَ بي مستدركاً لا تتعجلْ فسوف تعبرُ نحوَنا تائهةٌ تقصدُ المدينة
13 ـ 7 ـ 2002 *** 32 ـ صباح رديء ***
قرأتُ في الجريدةِ إنّ مخبراً أصبح شاعرَ عصرٍ و خائناً استيقظ ذات صباحٍ فوجدَ تحت وسادتِه جائزةَ فكرٍ قرأتُ في الجريدةِ كيف صار للبغيِّ شأنٌ وأصبحت في بلدِ القديساتِ أميرةً وكيف رضعَ مسخٌ من صدرِ كريمةٍ لبنَ القصيدة قرأتُ في فنجانِ قهوةِ الصباح وجهَ الجريدةِ الذي عليه بصقتُ 13 ـ 7 ـ 2002 *** 33 ـ حوار الملك والحاجب *** ـ صالت وجالت .. طغت وبغت ، ثم استنفرت أمةً من أجلِ رغبتِها يا جلالة الملك . ـ ماذا أرادت ؟ ـ تُريدُ أنْ تُصبحَ شاعرةً لا يُشق لها غبار ـ أهي جميلة ؟ ـ أجل مولاي .. لأجلِ جمالِها تكفرُ الملوكُ ـ اخبرها إذاً أنّها شاعرة عظيمة ـ كيف يا صاحب الجلالة ، لم تقُلْ ما ينفع الناسَ ؟ ـ كما سمعت . إنّه كلامُ الملوكِ
7 ـ 7 ـ 2002 *** 34 ـ ليست كالنساء *** 1 ـ
أعلمُ بوصولِها كلّما ارتجّت الطريقُ
2 ـ في ليلةِ صيفٍ فتحتُ للنسيمِ نافذتي فارتمت على سريري نجمةٌ عارية
3 ـ ذات ليلةٍ باغتنا الصبحُ فعلمتُ أنها نضتْ ثوباً
4 ـ خرجت من الماء فاختبل البحرُ
5 ـ حين مرّت على الرصيفِ انقطعَ السيرُ
6 ـ إنْ استيقظت مبكرةً تأخرتِ الشمسُ
7 ـ بحثوا عن الليلِ في شعرِها وجدوه
8 ـ
في بيتِنا لا يغرِّدُ البلبلُ إلاّ إذا شمّ عطرَها
9 ـ
اشتغلت نادلاً فسكرت الحانةُ
10 ـ
لا تحزني يا حبيبتي هم أقل مِن أنْ ينالوا منك جرّحوك ؟ خسئوا هم إلى الأرضِ أدنى من باطنِ قدميك لا تحزني حبيبتي وحتى تحت قدميك لا تبصقي
14 ـ 7 ـ 2002 *** 35 ـ مشهد العاصفة *** في أولِ العاصفة مثيراً كان المشهدُ مثيراً جداً حيث إلى السطوحِ طارَ بلا أجنحةٍ أقراني في آخر العاصفة طارَ المشهدُ تاركاً للسطوحِ الأجنحة
24 ـ 7 ـ 1984 *** 36 ـ مسيرة *** في الصحراء لم يأتِ الصبحُ انتظرناه سبعَ ليال .. ثم تابعنا المسيرَ وبعد سبع ليال أخرى لم يأتِ الصبحُ أبلَغَنا الليلُ
25 ـ 7 ـ 1983 *** 37 ـ قطار العمر *** أيّها المُنْتَظِرُ في شوقِ المحطاتِ أيّها الحالمُ بدفء المسافةِ لقد مرّ في غفلتِك المشتهى وفي غفوتِك مرّ النسيمُ أيّها الحالمُ المُنتظرُ لا تحزنْ إنْ فاتك قطارُ العمرِ فسوف على الجميع يفوتُ
22 ـ 7 ـ 1983 *** 38 ـ سخرية *** سوف تسخرُ منك بشريةٌ معذبةٌ إنْ ندمتَ على لحظةِ مولدِك
22 ـ 7 ـ 1983
*** 39 ـ حرب في الباب
***
يا فاطمة لا تفتحي البابَ فمِن سلامٍ مغتالٍ هربنا لا تفتحي يا فاطمة باباً فالحربُ تأتزرُ خرقةً بيضاء 27 ـ 7 ـ 1987 *** 40 ـ حرب في الطريق *** في الطريقِ إلى البيتِ حمراءَ كانت السماءُ وكنتُ مسالماً في الطريقِ هبّتِ العاصفةُ إلى شوقِها أخذتني ولمّا تركتني العاصفةُ كنتُ في حربٍ أجهلُها
1 ـ 8 ـ 1987 *** 41 ـ صيد صيفي *** في الصيفِ في كلِّ صيفٍ يتصيدني المساءُ حيث تعودُ النسوةُ من أعالي النشوةِ ممتلئاتِ الرحيق في الصيفِ في كلِّ صيفٍ تفيضُ الأحواضُ بما نضحت الأجسادُ المكتنزة الخرير
3 ـ 7 ـ 1994 *** 42 ـ غفلة *** في غفلةِ الأيامِ نرحلُ جميعاً كما ترحلُ في غفلتِنا الأيامُ 8 ـ 5 ـ 2000 *** 43 ـ عبور ليلي *** حين ينامُ الدوارُ وتسرحُ ساريةٌ في طلاقةِ الريحِ نهمسُ بأذنِ الليلِ ونعبرُ في غفلةِ النّوتي إلى تلك الجزيرةِ لكي نُرتِّبَ أحلامَها
2 ـ 8 ـ 2000 *** 44 ـ عودة ثمود *** يا بني لو عنّي سألت ثمودُ فأنا مُبحرٌ بناقةِ صالح نحو أعالي الفرات
23 ـ 8 ـ 1997 *** *************************************** الديوان السابع
خُذْ معك ثوباً للموجة شعر صبري هاشم
*** 1 ـ ذاكرة المساء *** مُتعباً مرَّ وجهُ المساءِ وبرشقةٍ مِنْ عذوبةِ الكلامِ أنعشْتُه بخاطري رخواً مرَّ المساءُ وفيه رأيتُ جسدَ المسافرِ بمئزرِ الرحيلِ مُتلفعاً زمنٌ مرَّ في وحدتي أيقظ دهشتي واستعجل ندائي : أيها المسافرُ صوبَ مُدنِ الذاكرةِ بلا بحرٍ أو سماء بلا مراكبَ أو طائرات ستجفلُك البريّةُ حين تقبِّلُ خطوك أشواقُ الحصى أيها العابرُ في لوعةِ المساء أيها العابرُ بلا وسيلةٍ هل فاتك السفينُ ؟ هل تبعَ موجةً لعوباً وارتحل ؟ هل طوى البحرُ أشرعةً وغادر القيعانَ ؟ والسماء هل فقدت زرقتَها ؟ أيها المسافرُ في الأفقِ طافت قطاراتٌ وبنا فتكت مسافةٌ
11 ـ 6 ـ 2007 *** 2 ـ امرأة المسرّة *** هي التي في أُذني سكبت وجداً هي التي إلى روحي هرّبت روحَها هي التي تتشوّقُ : بين ذراعيك احتويني ثم على موجِ عطرِ ياسمينك الأخاذ أرقص وبزرقةٍ فاتنةٍ في خلوةِ من سمائك أسبح هي التي تلظّت : أنشرْني بقدرِ ما تنبهر أحملْني أنى تريد لم تعد الأرضُ حاضنتي فإلى مجدِك أرتفعُ وبروحك ألتصقُ آه حبيبي دعْني أطلقْ في الأفقِ عويلي هي امرأةُ الطريقِ الطويلِ هي امرأةُ الريحِ 14 ـ 6 ـ 2007 *** 3 ـ نهد تحت المطر *** كلّما هبَّ نسيمٌ انفتحت على الطريقِ بابٌ وبسقت من لهفتِها زهرةُ الخباءِ الجميل كلّما عصفت ريحٌ وانشغلت بالستائر المتمردة فاتنةٌ ثم اشتعلت خلف الثيابِ حسرةٌ فتك بالنافذةِ نهدٌ سجين كلما فاجأني المطرُ وابتلَّ زهرُ القميصِ طوّحتني في أولِ المساء رغبةٌ رفعتني في أولِ الصباحِ شهوةٌ وأشرقت في عيوني الحلمات
14 ـ 6 ـ 2007 *** 4 ـ نافذة الجسد *** في النافذةِ الساهرةِ حتى آخر الليلِ امرأةٌ ، بدهشةِ القمرِ تغتسلُ من النافذةِ المُترنمةِ بأغنيّةٍ غجريةٍ تهطلُ ، إلى جنوني مِن أشواقِ الدورِ التاسعِ ، امرأةٌ فاحملْها يا نهرَ الفرحِ الربّانيّ وموّجيها يا بحار اللذّةِ في النافذةِ الفاجرةِ بشهقةِ النورِ يتحرر من لوعتِه نهدٌ ونحو حَيْرتي ينزلق في النافذةِ التي أذهلتني بطلّتها هذا الليلَ ، امرأةٌ بالعنبر مدهونةٌ تستحمُّ بكلِّ الاشتهاء الجسدي يا امرأة النافذةِ السعيدة يا امرأة التّفتحِ البهيّ ماذا لو حملك نحو عذوبةِ شاطئي موجٌ ؟ ماذا لو خَذَلَكِ ، حين تحت دهشتي تصيرين ، ماءُ ؟ ماذا لو إرتشفكِ النبيذُ ؟ 15 ـ 06 ـ 2007 *** 5 ـ العاشقة ***
لم تَعُد تأتي إذا ما طابَ مساءُ وإذا ما توزّعت العروشَ كواكبُ وإذا ما راقتْ سماءُ لم تَعُد نجماً فتأتي أو طيفاً وتأتي أو نسمةً تُبهجُ ليلَ الصّيفِ لم تعُد كما كانت تتجلّى بسمةً في سمرِ الحديقة قيل عنها إنّها نحو الغيابِ تحثُّ الخطى بلا وسيلةٍ أو دليلٍ وقيل إنّها عشقت ، ذات نزهةٍ ، فارساً متوحشاً أطعمها ثمراً مسحوراً فاختبلت لم تَعُد تأتي كما كانت تعدُّ المراكبَ التي مِن شبقِ البحارِ انفطمت ولليلِ الموانئ عاقرت لم تَعُد سوى حسرةٍ في صدرِ حبيب
16 ـ 06 ـ 2007 *** 6 ـ لو *** لو نسيتَ فوق طاولةِ اللقاءِ ذاكرةً فبماذا تحتفي المُدنُ وبماذا تتطيبُ الطرقاتُ ؟ * لو نسيتَ في الفراشِ رائحةً فبماذا يسكرُ الحفلُ وبماذا تختبلُ الفاتناتُ ؟ * لو نسيتَ في زحمةِ الطريقِ ضحكةً فبماذا تطرب الحسانُ وبماذا تندهش الصبايا ؟ * لو نسيتَ موعدَ الحفلِ فلمَنْ تتبرجُ النساءُ ولمَنْ تُعَمَّرُ الكؤوسُ ؟ * لو نسيتَ ، في الطريقِ ، نظرةً فلمَنْ تنتقي النجومُ أرديةً ولمَنْ تغتسل بالضوءِ كواكبُ ولمَنْ تشفُّ الثيابُ ؟
17 ـ 06 ـ 2007 *** 7 ـ أسفار الحالم *** الغُرابُ العدنيُّ مِن وراء الأفقِ يقطعُ دهراً مضائقَ أو خلجانَ الغُرابُ العدنيُّ ليس بالبشائر معنياً والأخبار لكنه ، في الغالب ، يحملُ موجاً في كلِّ أَوْبةٍ بمنقاره يجلبُ موجةً مِن سقطِ متاعِ الطريقِ مِن بحرٍ متهورٍ لا يرعى حرمةَ الأشياء يلتقطُ موجةً مِن وراء الأفقِ يأتي بالأمواجِ وبين حفرِ الرملِ يخفيها الغرابُ العدنيُّ في كلِّ مرّةٍ لأحواضِ الرمل يلقي بالأمواج لكي يصنعَ منها بحراً أزرق
17 ـ 06 ـ 2007 *** 8 ـ نهي *** لا تضعْ على حافّةِ الصحراء حبّةَ رملٍ لكي لا تطولَ بنا المسافةُ وتُرهقَنا الطريق
17 ـ 06 ـ 2007 *** 9 ـ الجرادتان *** إلى ليلِ عدن ستأتي الجرادتان نحو سماء عدنٍ حتماً سيأتي الطيرُ وتعود الجرادتان
17 ـ 06 ـ 2007 *** 10 ـ لو كنتِ نرجساً *** لو نظرتِ في بِركةِ ماء مصادفةً لو نظرتِ خجلاً لو نظرتِ وحسبناك نرجساً لو ... لو أمعنتِ النظرَ لو بكِ أطلتِ النظرَ .. في صورتِكِ المُلقاةِ فوق السطوحِ الضاحكةِ هل بحسنِ وجهِكِ تعجبين ؟ أبشخصِكِ تهيمين ولذاتِكِ تعشقين ؟ لو في المرآةِ عنوةً نظرتِ كبراً لو نظرتِ وحسبناك في لحظةِ إتهامٍ ، متعاليةً لو حسبناك امرأةً للمرايا هل يا إشراقة صبحٍ ستظنين سيدةَ الدنيا ستُصبحين ؟ لو .. لو نظرتِ من على كلِّ السطوح وتعرّيتِ أمامَ كلِّ المرايا لو تصاغرتِ .. أو تكابرتِ لو تواضعتِ .. أو تعاليتِ لو فعلتِ ما اشتهى قدرُكِ واشتهيتِ لو .. لو حطّمتِ يا حبيبتي على جسدِ الحَيْرةِ كؤوسَ لوعتي لو هشمتِني لو أجهشتِ ، كطائرِ السلوى فوق صفيحِ غرابتي ، رحيقَ شمسِك لو لو جننتِ ستظلين أنتِ التي أُحبُّ
18 ـ 06 ـ 2007
*** 11 ـ الغائبون في السماء *** عن أطيارٍ رأيناها أو لم نرَها نكتبُ عن أحياء فاجرةِ الأصواتِ في الجنّةِ حسبناها عن كائنٍ تخيّلناه أو صادفناه عن عذوبةِ ماء الكوثرِ نكتبُ عن عيونٍ تفتّقت بين دفتي كتابٍ أو في نصٍّ أطلق للمجازِ عناناً من ذاكرةٍ سليمةٍ نكتبُ عن ذكرى مشوّهةٍ عن أورادٍ تفتّحت تحت خطِّ الإستواء وأخرى فوق القطبِ النائي بسقت عن أزهارٍ فردوسيةٍ وأعشابٍ بأنسام السِّحرِ ملتفّةٍ نكتبُ عن بحورٍ بأسماء مبجّلةٍ أسميناها عن مُدنٍ فَجَرَت بنا عن بلدان شيّدها الخيالُ نكتبُ عن حضاراتٍ في عمقِ الصحراء نهضت وإليها من آخر المحيطات نستجلبُ النورسَ ندقُّ أساسَ فردوسٍ فجّرنا فيه عيوناً عن الحمامِ السواجع نكتبُ وعن نضِراتِ العودِ والكواعبِ نكتبُ عن جمالِ العيونِ ونفورِ النهودِ عن خيالٍ جامحٍ نكتبُ وعن جموحِ الخيولِ ونكتبُ عن أعشاشِ النساء عن الجواري نكتبُ وعن الغلمان عن وردِ الخزامى ورائحةِ النعناع نكتبُ عن حمارِ الوحشِ وحَيْرَةِ الأُسد ولوعةِ الظباء نكتبُ عن كلِّ الأشياء إلاّ عن هذا الواقعِ ذي الدمِ المسفوحِ لا نكتب لا نكتبُ نكتبُ .. نكتبُ .. لا نكتب
18 ـ 6 ـ 2007 *** 12 ـ هل كان ظلاً *** في هذا المكانِ الظليلِ نستدعي إلى طاولتِنا بعضَ الخمرِ قليلاً من عصيرِ الليمون وشيئاً من شهوةِ الشمسِ في هذا المكانِ الجميلِ كنّا شوقاً نتلظّى بينما الكؤوسُ المتحرّقةُ أطفأَ وجدَها الثلجُ وأَرْخَت مِن شدّةِ الوجدِ شفاهُ في هذا المكانِ الظليلِ وأنتِ تعطرين الأفياءَ من همسةٍ خضلةٍ عطرةٍ تارةً وتارةً من صهيل تخرج علينا مِن لوعةِ النهرِ حوريةٌ تُداعبُ فينا أشواقَنا بها نستجير فتأخذنا نحو الأعماقِ المجنونة 19 ـ 6 ـ 2007 *** 13 ـ أحوال الزاهد ***
1 ـ
لا أُريدُ مِن كوثرِك شيئاً فلقد سلبتني قليلي
2 ـ
ومِن أحدٍ ، مِنَّةً ما أردتُ وقد سُقيتُ مِن دهْشَةِ الكأسِ سُمَّ الثّمالة ومِمَنْ بالنعمةِ أوهمني لا أُريدُ عذوبةَ طلٍّ وقد أطعمني مِن طبقِ الجنانِ موتاً زؤاماً سأنكرُ وردةً نزفت عند غيري رحيقَها وصحباً سأنكرُ من خطوتي نظّفوا الطريقَ سأنكرُ وطناً بال على لهفتي وأوقفَ في صدري مجرى حنيني سأنكرُ ذاكرةً إلى ماضٍ تشدني وبالذكرى تشحنُ من خيطِ جنوني سأعانقُ منفى يعانقني في كلِّ حينِ
3 ـ أيها المنسيُّ مهما أطلتَ على النهرِ وقوفاً لم تدنُ منك السفائنُ أيها المنسيُّ الذي ما تُرك في دِنانهِ مقدارُ كأسِ ستبحرُ بعد حين بنا حانةٌ
20 ـ 6 ـ 2007
*** 14 ـ عربات الريح *** مِن وراء خطِّ الأفقِ الداكن تأتي عرباتٌ من ريح مسحورةً بدهشةِ النساء ومتطيبةً بشيءٍ من عطرِ جاريةٍ ، بدِنانِ الخمرِ نستقبلُها وهياجٍ ذكوريٍّ أفزعتْهُ الشهوةُ مِن وراء حقولِ الكمأةِ الخجولةِ المستورةِ بخمارِ اللذّةِ والعازفةِ عن الكلامِ الجميلِ تأتي العرباتُ بأحلامِ الصبايا منتشيةً نُلاقيها بزينةِ الفتيان فنبهرها نُقطِّر أمامها طلّنا الجميلَ وما بعد الضحى تستغرقُ في السرابِ تضيع في السرابِ ونحن مِن حزننا كآخر قطرة طلٍّ نزفناها ، نضيع من وراء كثبانِ الفجيعةِ تأتي بالخوفِ العرباتُ والمدى نحونا يزحفُ يحاصرُنا جيشُ الرَّبِّ ونموتُ بخوفِنا الأثير
21 ـ 6 ـ 2007
*** 15 ـ دعوات *** 1 ـ أطيلي يا جميلتي البقاءَ فأنا سأُكثر الرحيلَ سأطيلُ الغيابَ 2 ـ المدينةُ في برزخِها الأثير احتطبت غاباتِها جيوشُ الفجيعةِ وداهمتها الرمالُ المدينةُ في برزخِها الأخير أضاعت بدرَها إلى حين
21 ـ 6 ـ 2007 ** 3 ـ أيها الياسمينُ سأدمنُك حدَّ الجنونِ 4 ـ عصفت بإشراقةِ روحي أصواتٌ وئدت نفسي وانطفأ الكلامُ أيها الشِّعرُ المتسلقُ منذُ الفجرِ هامتي متى تُقبل ؟ متى كالماءِ بين الصخورِ تنبجسُ ؟ متى في صوتي تترقرقُ ؟ أرجو أن تأتيَ يا سيدي مع الصباح أيها الشِّعرُ عصف بالياسمين نهارُ و إلى كأسي تهاطل ندى أيها الشِّعر بنا عبثت برقةٌ فمتى تأتي ؟
22 ـ 6 ـ 2007 **
5 ـ هذه بغداد خلقها اللهُ للصهيل فليقبل الغزاةُ
23 ـ 6 ـ 2007 *** 16 ـ ابن الرؤيا *** أنا ابن الرؤيا حدّقتُ في المدى البعيد طويلاً . رأيتُ في البريِّةِ رايةً .. حدّقتُ أنا ابن الرؤيا ، الطالع أبداً في الرؤيا وفي الرؤيا رأوني . أنا الذي رأى في ضحكةِ الشمسِ بيتَ الطفولةِ أنا مَنْ عَبَرَ نحو الرغبةِ أنهاراً مُشعّةً أنا دفق الضياءِ .. مُجسّد الفرحَ الرّبانيَّ أنا خاتم الأشواقِ حدّقتُ في المسافةِ فرأيتُ الرايةَ تقتربُ .. أنا منها أقتربُ أنا الذي استوى على أُبهةِ الكلامِ على شرفِها الرفيعِ سأتبعُ في المدى سراباً وفيه أضيعُ اقتربتُ وانكشفتْ الرؤيةُ لن أضيعَ في السرابِ ولن يتبرمَ ، ذات يوم ، أحدٌ فيقولَ تاه ابنُ البتولِ . انكشفتِ الرؤيةُ . فتساءلتُ أنا الأعرابيّ الذي طار بالمسافةِ وبه المسافةُ تأنس فتطير .. طوى المسافةَ وبدونه المسافةُ لا تنطوي أو تضيق . أسألُ أنا المُلاحق بالرؤيا بعد أنْ اقتربتُ وانكشفتْ أمامي الرؤية . أنا الرّاسف تحت أثقالِ طفولةٍ حفرت على عاتقي أنهارَ طلاسمِها. أسألُ أنا المُراقب كالآثم في سجنِ الولاية .. المُحاصر بميراثٍ اشتعل في الرأسِ شيباً وبه عُلّ القلبُ . أنا العابر في البريّةِ ، أسألُ : مَن أنتَ أيها النابتُ في الطريقِ رايةً ؟ مِن أيِّ البلادِ أتيتَ ؟ أيها الخافقُ في باديةِ الكلامِ لِمَن تعاشر رؤوسَ التلالِ ؟ أترقبُ مدىً سيُقبِلُ بالنهارِ أم تنتظر سحابةَ حزنٍ تتكتم على نجمٍ أفل ؟ تأخذني حيرةٌ أقتربُ بعد وضوحِ الرؤيةِ وبوجهه أتفرسُ . عليَّ يوفِّرُ المسافةَ ويجيبُ : أنا ابن الرؤيا ومِنْ ماءٍ أتيتُ . أظلُّ أنا الأعرابيّ أُردد : أ هو أنتَ يا هذا ؟ يبهرني النورُ الطالعُ في وجهه .. يسحرني حديثٌ نقيُّ المأتى : أنا مِن ماء .. أنا مِن ماء أتيتُ . أتساءلُ أنا الأعرابيّ ثانية : مَنْ تكون يا هذا ؟ مِنْ أيِّ البلادِ أتيتَ ؟ أنا الأعرابيّ القادم مِن بلادٍ بالماء غاطسة وأهلها ظامئون . أسألُ وأنتَ منّي . أنا مثلك كنتُ في عرضِ الصحراء ظامئاً وفي بيتِ الشَّعرِ سكنتُ ومِن حولي بئرُ ماءٍ اختلج فيها البردُ. أنا الطالع مِن بئر الرؤيا أسألك : يا ابنَ الرؤيا ماذا رأيتَ ؟ هل رأيتَ ما لم ترَ العمّاتُ مِن على جبلٍ ؟ أرأيتَ ملائكةً تشرح لك صدرَك ومنه فصوص بغضاء تنتزعُ ثم بلا كراهةٍ تُطلقك ؟ أرأيتَ يا سيدي ما لم نرَ نحن بعد قرونٍ كثيرةٍ ؟ أنا مثلك في السيرةِ .. أنا مثلك في الغربةِ .. أنا مثلك في النشأةِ والفرق ما بيننا أننا عشنا زمنين مختلفين .. أنا مثلك في الرغبة يا سيدي. *** 17 ـ امرأة من عطر *** في الحُلمِ رأيتُها حول بحيرةٍ من ضبابٍ تدور في الحُلُمِ رأيتُها في سماء بيضاء تطير في الحُلُمِ رأيتُها .. رأيتُها تُعطِّرُ بجسدِها الأكوانَ في الحُلمِ رأيتُ مَن أُحِبُّها في بحُيرةِ وردٍ تعوم
24 ـ 6 ـ 2007 *** 18 ـ طائر قلق *** .................... إلى قيس الزبيدي .................... 1 ـ
أنتَ ابن الريحِ لا تطربُك غيرُ طيورٍ بها سابحات وذاكرةٍ لأصحابٍ أقاموا بعيداً أنتَ يا ابن الريحِ تبحثُ عن سبيلٍ لم تطرقْها جنحٌ وعن غيمةٍ غريبة فابعثْ في الطريقِ يا هذا الأثرَ وارتشفْ من كأسِك السماويةِ نبيذَ زهوِك المُزهر أنتَ لم تأخذْ إلى برجِك الهوائيّ وصايانا التي بها يزدحمُ الطيرانُ أنتَ لم تحتطبْ منذُ ليلٍ داجٍ ولم تجنِ سوى ساعةٍ إرتشفتْ من ثغرِ القمرِ رحيقَ وجده أو نهلتْ من وردةِ الإشتياق عذوبةَ مائها هي ساعةٌ أخذتَ ضحكتَها عنفوانَها أيها المُعمّد بنهرِك المفتون خُذْ نرجسةَ الحنينِ وأنبتْها في حديقةِ الروحِ ثم اسقِها من جدولٍ مموسقِ الخرير أو تسكب عليها من إبريق الكوثر لحنَ أفلامك العارية أنتَ أبهة الصورةِ في بهجةِ العرضِ الأخيرةِ فلتكن مسكوناً بها لتسكنك صورةُ الذاكرةِ أنتَ ابن الريحِ فبنا يا صاح تلطّف
2 ـ
طائرٌ أنتَ لا تعرفُ كيف تمنحُ الغيمةَ بعضَ دهشتِها ولا كيف تستدرجُ الريحَ نحو الجناحِ طائرٌ أنتَ ما علّمتك المسافاتُ زرقةَ الرحيلِ ولا علّمتك سرابَ البلدان وبعد تعبِ الطريقِ أ تسامرُ تخومَنا ؟ ترجلْ صديقي فحين يأتي فرسخٌ في القريبِ وحين يضيعُ في أروقةِ البلاد غريبُ وحين يمتزجُ بعثراتِ الهواء رمادُ خالياً تأتي عَبْرَ بحارٍ لا برق في موجِها وفيها المراكبُ تغور ترجلْ .. ترجلْ ولو للمرّة الأخيرة .
7 ـ12 ـ 2003 *** 19 ـ تَعَجُّب *** هي جاءت تحمل روحاً طاهراً وزرقةَ بحرين بها طوقتني واسكنتني جنةً أو جنتين هي جاءت وطوقتني بسنبلها المجنون آه لو تدرين أيّ وردٍ أَنْبَتَ النهدُ حين لامس شفّةً وأيّ حمرةٍ أزهرت في أنين الحلمتين 24 ـ 8 ـ 2005 *** 20 ـ نبي *** من زاوية في السماء يأتي بجلباب أزرق كلّ مساء يشرق في الشرفة ويلهو مع صمت القرنفل كل مساء يخرج من وجه القمر وينزل بخيط الندى دائماً إلى الشرفة نجلس وجهاً لوجه نتنادم ثم حين يتقدم الغبش أصنع له طوقاً من ورد الحديقة هو يحب وردات من نرجس مازلن صغيرات لا يفهمن معنى التشبب بالرجال هو يفضل طوقاً من ندى وكأساً من ريان الشام ويرحل فجراً يا عبدالله خذ معك دليلاً نحو السماء لأنك تأخرت الليلة ومُحيتْ خرائط الهواء يا عبدالله لا تنسَ الوصية
*** 21 ـ رحلة في صمت المنفى *** 1 ـ هل انتهى العمرُ حبيبي ؟ بأيِّ البلادِ حلُمتَ حين ذُكرت تلك البلادُ التي اعتادت إليها أن تطيرَ الروح بأيِّ الطريقِ مشيتَ ؟ وحين في المنفى تتوقف المسافةُ هل تنتظر تلك البلادَ ؟ لا تندمْ حبيبي هو عمرٌ بصقت عليه السنون وتوحّل بطينِ الطريقِ
2 ـ أيتها السنينُ المُزهرةُ هل توقّفَ بك الرحلُ ؟ هل خدعك العمرُ ؟ أيتها السنينُ المُزهرةُ في خرائبِ الأيام سلاماً وسلاماً على العمرِ الذي احتفى بأولِ خطوةٍ درجت على الطريقِ
3 ـ للواقفِ في لحظاتِ الحُلمِ وينثرُ على جسدي وردَ السعادةِ قبلاتي للزارع في صحراءِ أيامي قرنفلةً وشجرةَ آسٍ قبلاتي للاهين بصمتي حين تأخذني سوْرةُ صمتٍ قبلاتي للمشرقين في سمائي أقماراً ونجوماً قبلاتي للعاصفين في أوراقي حباً صادقاً قبلاتي للزهراتِ التي فازت بحبِّ العباد والبلادِ قبلاتي 4 ـ أنتم اللوعةُ الوحيدةُ وأنتم النشوةُ الوحيدةُ وأنتم زادُ الطريقِ أنتم الذين من أجلهم نزفتْ حروفي والذين من أجلهم إلى الله انطلقت ضراعاتي : أنْ يحفظكم ويصونكم ويسعدكم ويفرش طريقكم بالصحةِ والعافيةِ والبهجةِ والسعادةِ والنجاحِ . لكم أنتم أصلّي كأبٍ حنون ومِن أجلكم أقبّلُ أقدام السماء . 13 ـ 2 ـ 2007 مستشفى باولينا ـ برلين *** 22 ـ نهايةُ الطريقِ .. مرثيةُ عمري ***
في كلِّ يومٍ يأتي الخبرُ الفاجعُ : القلبُ حبيبي يتوسلُ أياماً ها قد إنسدّ الشريانُ والأملُ في القلبِ المعلولِ ضعيفٌ هذا ما قال طبيبُ المشفى فحَسمْنا الأمرَ وحسبنا الوقتَ لقد ضاع عليك العمرُ حبيبي هل كان قصيراً كان العمرُ ؟ لم تُبقِ في هذا الزمنِ شيئاً أعطيتَ كثيراً .. راهنتَ كثيراً .. وأفنيتَ من أجلِ الناسِ أعواماً مُزهرةً آهٍ .. آهٍ يا صدراً غدّاراً يا قلباً لا يعرف إلاّ النار هل بالماء أُطفِئتَ أم أطْفَأتَ الماء ؟ آهٍ يا صدرَ الله يا أرضاً تتنفسُ كلَّ خطواتِ الصحبِ في طرقاتِ البصرة يا رئةً تمتصُّ كلَّ غبارِ الدُّنيا في بغداد آهٍ يا قلبَ المشتاقِ يا منبعَ عشقِ الدنيا آهٍ .. آهٍ يا لوعةَ صبٍّ ما وصلتْ قلبَ المحبوبِ صبراً .. صبراً يا قلبَ حبيبي صبراً صبراً حتى يأتي الخبرُ الآخر
15 ـ 2 ـ 2007 الخميس مستشفى باولينن *** 23 ـ من السلالة الأولى دُنيا *** سألتُ الندى ليلاً : لِمَ أنتَ مسرعٌ ؟ أجابني : لأنامَ على خدِّ الوردةِ كضياء الدنيا في عينيّ أنتِ كبهاء الصبح كشروقٍ يأتي من فوق غاباتِ نخيل البصرة كزقزقةِ العصفورِ فوقَ اشجار التينِ كخريرِ ساقيةٍ في موسيقى الريح كنشيد صبايا لعشّاقٍ يأتون في أسحارٍ مقمرةٍ أنتِ وأنتِ عطرٌ يبتزُّ أنوثةَ بجعةٍ فتهاجر حتى تخومِ الأفقِ وأنتِ عبيرٌ في كلِّ اثيرٍ يمرُّ أنتِ .. أنتِ أقمارٌ في حفلةِ عرسٍ وأنتِ الحفل طينُ التاريخِ العربيّ أنتِ وكلُّ المجدِ السامقِ أنتِ جمعُ حضاراتٍ لأرضٍ اسميناها أرضَ السوادِ أنتِ بلقيس وأنتِ فاطمةُ وأنتِ زينبُ وأنتِ أروى وأنتِ خولةُ وأنتِ زنوبيا وأنتِ أنتِ دنيا 16 ـ 2 ـ 2007 برلين ـ مستشفى باولينا *** 24 ـ من ماء الفراتين أصيل *** خيطاً من ذهبِ الفجرِ تعدو فوقَ ذوائبِ الأفقِ العالي قمراً تعدو من شرقِ الدنيا حتى سماءٍ في البصرة أنتَ سمرُ عشّاقٍ في ظلِّ أعشاشِ الطيرِ وأنتَ هَدْهَدةُ الفراتين هذا عَبَرَ الجنّةََ في بغداد وذاك عَبَرَ شموخِ الأجدادِ عبقِ التاريخ وأنتَ المَلْقى حين يحنُّ الماءُ لعناقِ الماء أنتَ كلُّ غناءِ الوجدِ في أنهارِ السهلِ في شنعار وأنتَ بلبلُ صبحٍ بتغريدهِ يبدد عن وجه البصرةِ كلّ ضبابِ الدنيا أنتَ التاريخُ البهيُّ من عادٍ وثمودٍ حتى المربد أنتَ امرؤ القيس وقس بن ساعدة وأنتَ عمر وعلي وخالد أنتَ والنعمان وأنتَ الفراتُ ودجلةُ أنتَ وماء غربتي أنتَ أنتَ الفراتان وأنتَ الأصيل .
16 ـ 2 ـ 2007 برلين ـ مستشفى باولينا
*** 25 ـ شبحٌ هذا الشريان *** من بين كلِّ رجالِ الدنيا طاردني هذا الشريانُ من بين كلِّ شرايين الدنيا معطوبٌ هذا الشريانُ يا ربّ الدمِ والنفسِ والشريان من أين أتيتَ بهذا الوغد الميت في قلبي ؟ يا مَن تصنع جبالاً راسيات وتفتح أنهاراً عابرات وتعطي الجملَ الموغلَ في الصحراء صبراً وتهب الأفيالَ فتوّةً وتمنح الأسودَ جبروتاً يا ربّ المخلوقات وخالق كلّ الجينات يا مسخّر الأمواج والرياح والإعصار من أين أتيت بهذا ؟ يا ربّ أنقذني من هذا .. يا ربّ أنا لستُ ملحداً ولا كافراً ولا جاحداً بل أنا أشرف وأنا أطهر من كلِّ دعيٍّ وصدّيقٍ بك مؤمن أنا أطهر ياربّ حتى من بعض نبييك يا ربّ إن كنتَ الخالق أنقذني من شرِّ هذا الشريان يا ربّ أقبل دعوةَ نقيٍّ ، عفيفٍ ، طاهر
17 ـ2 ـ 2007 برلين ـ مستشفى باولينا
*** 26 ـ في باب رب المسرّات ***
انتظر حبيبي فمازال أمامنا متسع من الوقت لا تستعجل الرحيل حبيبي فأنا من النجمةِ إلى النجمةِ بانتظارك يا ربّ المسرّات يا واهبها ومشيعها بين النساء والرجال امنح حبيبي مسرّة يا ربّ الأشواق أترك لي حبيبي
17 ـ 2 ـ 2007 برلين ـ مستشفى باولينا *** 27 ـ من أحوال الصحراء *** مِنْ معرفتِنا ، ولم يزدْنا أحدٌ معرفةً ، بتأريخِ الصحراءِ ، أنها تشتهي ، وما أكثر الإشتهاء ، الأرواحَ الهائمةَ في ليلِ الشتاء . تشتهي النفوسَ المتأملةَ في المجهول والباحثةَ عن أمانٍ في رحلةٍ من رحلاتِ الجنونِ . مِنْ تأريخٍ لم نأخذْه من بين دفّةِ كتابٍ إنما عَبْرَ الكلام تناقلناه شفاهاً ، أنها تشتهي الأقدامَ المُعذّبةَ ، المؤرقةَ فوق حصباء التيه . مِن تأريخِ الصحراء الموغلِ في القِدمِ ، المُتلفّع في حضرةِ الطقسِ البريّ برداءِ حورياتٍ أو ببردةِ نبيٍّ أو بقفطان قدِّيسٍ فَجَرَتْه امرأةٌ مِن عطورِ الهندِ أو مِن خمورِ الرومِ أو مِن كرومِ الشام أو من أنغامِ لبنان . مِن تأريخٍ لم يجهش على أبوابِنا في آخر البلايا ، علمنا أننا نهيمُ على تخومِ البصرةِ . لاندري هل بنا انزلقت ، نحو ديجور بحرٍ لم ندركْه ، قدمٌ أم أنّ السماءَ أغوتنا فرحنا نخطبُ ودّها مثل صبيةٍ هيّجت أسافلَنا وتحت مائها سجدنا ؟ إنّا في ساعةِ لذّةٍ أُبْتِلعْنا . إنّا نتلّهى بالندى العالقِ باشتياقِ الغضا .. فوق حرابِ صمته الطريّ تسيلُ لحظاتُنا .. نتلهّى بانفلاتِِ الأفقِ أو بأرومةِ المسافةِ . مِن معرفتنا بدهشة الصحراء أنها تقتنص الأشواقَ العابرةَ نحو المدنِ العاشقةِ فتنتهبُ فحواها . ذات ليلٍ عبرْنا ، رغم معرفتنا بتأريخ الصحراء ، بالقرب من دهشتِها عبرنا .. بالقربِ من أحلامِها مررنا وبنا هتف الخلاءُ متعجباً : أنّى تعثرتم بالرحيقِ ؟ فرددنا نحن الطارئين : كنّا على خطىً لم يأتِ منها أبٌ وكنّا على طريقِ الرائحةِ نحثُّ الرحيلَ . كنّا أيها الحلمُ المنسيُّ في هزال الدنيا أو بين ضياعنا الأكيد .
4 ـ 3 ـ 2007 *** 28 ـ جناحان *** على فستانِها المُزهرِ في الليلِ حطّت على لوعةِ الحقلِ فراشةٌ بيضاء وفي الافقِ لاحت وراء التخومِ فراشةٌ أخرى هي من ماء جُبلت أو من هواء هي منّي على مسافةِ بحرٍ إنْ أبْحرت نحوي بيسرٍ وصلتْ أنا منها على مسافةِ موجةٍ إن ركبتها إليها بومضةِ برقٍ وصلتُ في الليلِ هي نحوي لم تبحرْ وأنا إليها موجةً لم أركبْ إنما من خلالِ البرزخِ رحنا نتصيّد الفراشاتِ التي من وراء التخوم لاحت على فستانها المشجّر الجميل ثلاثُ حماماتٍ مبتهجةً تطير نثرتُ على لهفةِ الفستانِ حَبّاً فازدهرت في وجهِها الحقولُ وفوق الغيومِ المسافرةِ ابتنت الحماماتُ أعشاشَها
13 ـ 3 ـ 2007 *** 29 ـ فندق البحّارة
*** لرجالٍ عصفوا في الحانةِ تأتي المراكبُ ويأتي بالبشائر موجٌ تأتي فتياتٌ في الليل يحملن قلائدَ فلٍّ ومن ثيابِهنّ يتضوع عطرُ لرجال أدمنوا البحرَ تفتحُ الحانةُ أبوابَ الريحِ وتُطلقُ خيولَ النسيمِ ستأتي الحورياتُ على ظهور الحيتانِ يأتي صيادو اللؤلؤ والمرجان ويأتي باعةُ أثمار البحرِ يأتي الغرباءُ لرجال تنفسوا التواهي كالهواء تأتي النسوةُ المخضبات بالشهد والحنّاء في فندق البحّارة يقفُ البحرُ متوسلاً لرجال غادروا البحار بعد خصومةٍ واكتنفوا الحانة في فندق البحّارة ينام التواهي وينام الغرباء وعلى راحتهم تسهر الحانة في فندق البحّارة يمرّ البحر أمام عشّاقه مختالاً *** 30 ـ أَبْيَن *** هي أبين المنحوسة ، المنسية هي المدينة التي لا تعرفها التواريخ المُعطرة ليل نهار المفتوحة على البحر والمدى تُلوّح لقراصنة أخذتهم النشوة بعيداً تُلوّح لغزاة تبدو في الأفق طلائعهم لراياتٍ تقصدُ عاداً أو ثموداً لعاشقي الغرائب هل جاء من وراء البحار العاشقون ؟ أبين في غربة العصر أبين سيدة الماضي أبين ما دخلت حاضراً إنما شهقت في صمت الوسادة هل ظلّت عذبة الروح كما تركناها ؟ ها نحن نطوي نحو حضرموت المسافة وعن أبين رحلنا ها نحن في رابعة النهار خلّفْنا أبينَ وصيّادي السمك السماوي وفسطاط التُّبّع الأخير خلفنا صارت أبوابُ حِمْيّر خلفنا أبين وحسرة الحضرمي : " أبين أرطب وألين بلاد الحاس والحسحاس والظلم الشديد لا حيّها يسلم ولا ميتها شهيد دخلتها بشلنغ وخرجت منّها بشلنغ " * ********************************************* * يُقال إنّ حضرمياً دخل أبين وفي جيبه شلن فراح يكدّ ويعمل حتى أثرى وحين داهمه الحنين إلى أهله ومرابع طفولته حمّل أمواله على ظهور الإبل وتوجه صوب حضرموت فداهمه في الطريق السيل العرم وجرف شقاء العمر . أخذ الجمل بما حمل كما يقول العامة وبالمصادفة لم يبق من هذا الثراء غير شلن في جيبه . عندئذ قال قولته المعروفة أعلاه . *** 31 ـ الرهبة *** في أبراجِه هدلَ عند المساء حمامُ وتقدّمت نحو تنّورِها سيدةُ المنزلِ عَبَرَتْ سباخَ الزمانِ حين تقاتلت في صدرِها الرغباتُ وبالرغباتِ تنهيدةٌ منها عصفت هي أمي التي استدرجت إلى بطنِها أكفَّ الملائكة فسكن لها هي مَن تجمّعت في عمقِها لهفةٌ وفوق رمادٍ متبرّدٍ سكبتها بلا صراخٍ منها ولا صراخٍ منّي .. سكبتني هي وضعتني بصمتٍ أجفلَ جدّةً حائرةً .. أطلقتني وبعد حينٍ فتكت بالمساءِ فرحتُها هي هكذا تحتفي هي هكذا لا تُجيد احتفالاً لا تلجُ المهرجانَ لا تبلغُ الذروةَ هي هكذا وقد جُبِلت مِن عذوبةِ الأكوان في المساء هدلَ الحمامُ فأقبلَ نحونا الحيُّ يجهشُ بالنساء فابتهجَ المنزلُ بالقربِ مِن تنّورِها المُسجّرِ وضعتني سيدةُ البهاء وكان أبي يتحرّقُ في غربتهِ إشتياقاً لامرأةٍ فاتها النهرُ هذا الصباح وبه ما اغتسلت وأبي كان مِن غربةٍ مات فيها يحزمُ الأشواقَ وبها مع العائدين يُرسلُ وبورقِ الهدايا يُغلِّفُ القبلاتِ ثم يُودعها صندوقَ البريدِ لم يصل البريدُ لم تأتِ القبلاتُ قيل لنا حين سألنا ضاعت في المسافةِ وضيّعت الطريقَ إنما في غفلةِ الحيّ في يومٍ ما في الحُلمِ عاد أبي باسطاً للحيِّ يداً كريمةً وناثراً في ظلالِ الحُجراتِ رحيقَ أشواقهِ في الحُلمِ عاد أبي طافياً فوق بحيرةِ وَجْدٍ في الحُلُمِ نزلتْ إلى النهرِ سيدةُ المنزلِ فإنغمست قدماها بكلِّ بردِ الصباحِ غاصت في الندى
2 ـ 7 ـ 2007 *** 32 ـ أطلْ مكوثاً *** في حيِّنا أطِلْ مكوثاً ولتُقبلْ خيولُك الصاهلة فعلى ضفافِنا انتظرَ الفيروزُ أعناقَ النساء أقبلْ بكلِّ الجموحِ السماوي فنحن للماء أفضينا دهشةَ أسرارِنا أقم بيننا طويلاً لنصبحَك بلذيذِ خمورٍ عتّقتها الشهواتُ لنمسيك بطيبٍ مِن ندِّ المعشرِ وإنْ شئت دهراً أقم فنحن لم نبلغ بعد زمنَ الإشتهاء أطِلْ مكوثَك فأنتَ لن ترى جفوةً منّا
7 ـ 7 ـ 2007 *** 33 ـ منام ***
1 ـ أيها الرصاص
أيتها الحربُ التي هبّت كالعاصفة أفزعتِ أبي النائم بوادي السلامِ أيتها الحربُ اللعينةُ التي انتهكتِ الحرماتِ وزلزلتِ هدوءَ الأنبياء أيتها الحربُ التي لم تبقِ لأمي غيرَ البكاء خُذي البكاءَ والرصاصةَ الأخيرة وارحلي
2 ـ أيتها السحابة
عليَّ اهطلي وطهّريني يا سحابة فأنا دنستني العاهراتُ عليَّ اللعنة اسكبيها يا سحابة فمنذ عشرين عاماً غدر التمرُ بنخلتي وفي مضماري ما لعبت خيلُ وتسلّى بحلمي الرحيلُ عليَّ اللعنة يا سحابة امتطيها وانزليها
3 ـ الليثان
إلى جوارِ لبؤةٍ نائمةٍ وشبلين يلعبان ظلّ الأسدُ منتصباً منتظراً دعوةَ الأنثى لخلوةٍ في المنام أيها الأسدُ المتحفزُ حتى احمرار العيون أيها الأسدُ المتأملُ صحوةً قل لي : هل خانتك يوماً ؟ لا تفزعْ أيها الضرغام وتصرعني فأنا لم أطرحْ سوى السؤال أيها الأسدُ الغيورُ على أنثاه خدعتك لبؤةٌ وخانتك في المنام أيها الملكُ الشديدُ صرعتك النساءُ في غابةِ الملوك
شباط 1991 *** 34 ـ من الرحيل الأول *** أخذتُ حفنةَ رملٍ ورشقتُ بها وجهَ القمرِ تلوّن بالخوفِ زهرُ الليلِ ونزلَ على رأسي أنا الساهرُ في أعلى سطوحِ الصحراء لا أعدكم بالموتِ سأمنحُكم وردةَ الروحِ لترموا بها غربتَكم خذوها وبها لوحوا للمراكبِ القادمةِ برقّةِ الماء لا أعدكُم شيئاً وقد كثرُ الموتُ إنما بالدعاءِ أعدكم : ربِّ اجعلْ مع عبدِك المخلوقِ صندوقاً أسود كصناديق الطائراتِ السود لكي نعرفَ أسبابَ الموتِ . ربِّ احمنا من أخوةٍ أعداء ربِّ احمنا من هذه الصحراء . *** 35 ـ قسمة ضيزى *** منّا المغيرةُ ومنكم أمُّ جميل ليأتِ بالرؤيةِ شاهدٌ وليأتِ شهودٌ كثرُ من كنانةَ أو كهلان من قيسَ أو عبدالدار وليأتِ سهلٌ منّا الفحلُ الكريمُ ، العظمُ ، الحبرُ ، الذي بدونه يختلُّ الميزانُ ومنكم الأنثى ، الفخذُ ، وسادةُ القمرِ منكم فليأتِ ثانيةً سهلُ وليُطلقْ هذا الزمنُ من بابِ المسجدِ حتى دهشةِ السماء
3 ـ 8 ـ 2005 *** 36 ـ خيبة *** كنّا على أبوابِ العراق على مسافةِ عامين أو أكثر حين جاءنا العراقُ بطبقِ الجحودِ كنّا نغني للفرات حين قاطعنا العراق ونأى عنّا ماءُ الفرات
24 ـ 8 ـ 2005 *** 37 ـ تعويض *** اعتاد أن يقولَ : إنّ عدن عن البصرة كانت عوضاً اعتاد أن يقولَ : عدن جميلة لو اخترقها نهرُ لو سكنها نخلُ لو داهمها الشتاءُ اعتاد أن يقولَ : لو أبحرت بها الذاكرةُ
24 ـ 8 ـ 2005 *** 38 ـ زادٌ للطريق ***
خُذْ معك ثوباً للموجة و سفينةَ أحلامٍ ترقصُ على جسدِ الماء حين تصلُ عدنَ طهّرْ بنظرةٍ من عينيك زهرَ التفاحِ واغسلْ بإشراقة من روحِك البحرَ فأنا رأيتُ عروسَ البصرةِ بالبَرَدِ في آخرِ الليلِ تغتسلُ وبشفتيها تُطهِّر كأسَ نبيذٍ أنا رأيتُ العاشقَ من صدرِ اللوعةِ يرضعُ خُذْ معك وردةً لوسادةِ الحبيبة
*** 39 ـ تزهّدْ *** أيها المُشبّعُ بأريجِ الليالي القادمُ من عمقِ زمنِ اللذّةِ المشرفُ على ألفيةٍ ثالثة ، أطوي خيامَك واعتصمْ بلائك الكبيرة : لا تشربْ خمراً لا تأكلْ لحماً لا تسمعْ رأياً لا تلبسْ حريراً جديداً لا تدخنْ سيجارة أو سيجاراً لا تباشر امرأة ولو كانت أجملَ النّساء أيها البديعُ ، النبيلُ ، الطليقُ الروحِ ، الذاهبُ إلى عزلتِك الأبدية ، تزهّدْ .. تزهّدْ فهذه الأرضُ ملعونة وتلك السماءُ ملعونة وملعونةٌ لعبةُ التكوين على استرقاقِك الجميل تمرّدْ وأدلقْ شهدَ أيامِك في آنيةِ سمرتك الممتعة أيها الشاهقُ ، المزهرُ بقناديلِ المساء طافت عليك الصبايا بكأسِ الخلود ونزفَ الوردُ بين يديك جميل الكلام
31 ـ 12 ـ 1999 *** 40 ـ لا عطر في هذا الليل ***
هي الهمسةُ تصعدُ من شفّةِ الزهرة وتنقرُ نافذةَ الليلِ هي الهمسةُ يتلبسُها الجنونُ وفي الظلامِ تُشاركُني قطرةَ الندى التي فَجَرَت بحلمةِ الكلامِ هي الهمسةُ تنتظرُ الفجرَ وتقول : هطلَ الطيبُ من فوق الترائب وفاضَ نهرُ العبادة 2 ـ ونحن كالقطرةِ في هذا الزمان مهما عظمت لا بحر منها يطوف ونحن كالقطرة مهما أجزلت في العطاء ضيّعها المطرُ *** 41 ـ قبضة *** من ترابِ الحيّ خُذي حفنةً وانثريها على وجهِ الماء فإنْ جاء من بعدها صهيلُ موجٍ اعلمي أنّ السرَّ في مركبِ الليلِ قادم
24 ـ 8 ـ 2005 *** 42 ـ العاشقة *** نزلتِ الشمسُ رأيتُها في الغابةِ تتنزهُ تقطعُ ورداتٍ بيضاً وتمسحُ بها وجهاً مشعّاً بينما الورداتُ تتعرّقُ في حمّامِ الشمسِ الشمسُ التي نزلت تغزّلت بجسدِ الفتى المُستلقي فوق بساطٍ من نور استدرجته نحو بؤرتِها احتوته بين ذراعيها وراحت ترضعُ شفتيه ومِن ريقِه حبلت الشمسُ التي غمرتْنا بعنايتِها حتى الأصيل
*** 43 ـ السماوي *** وأنتَ لم تعُد عاد إلى دورِهم الأحياءُ وإلى قبورِهم عاد الموتى وظهر في مسرحِ الجريمةِ قتلى وأنتَ ، انتظرناك على حافّةِ الزمان ولم تَعُد قالوا مع القافلةِ القادمةِ رأينا له ظلاًّ أو قميصاً ولم تعُد أين انتظرناك في المرّةِ الأخيرة ؟ حين عاد إلى فراديسِهم الشهداءُ وكنتَ منهم أين انتظرناك ؟ هل تذكرُ المكانَ ؟ ربما نسيتَ لكنّا سننتظرُ ولو جئتَ اسماً في قائمةٍ هل نملّ الانتظارَ ؟ هيهات .. هيهات والليلة ببزّتك السماوية اقتحمت خلوتي لا أدري إنْ منحتك إياها ملائكةُ أم أعارتك أديمَها سماءُ ؟ لا أدري إنْ عدتَ قائداً للعماليق ؟ أيها السماويّ لم يحلّقْ بجناحين مثلك إلاّ الشجعان أيها السماويّ خُذْ طقمَك البحريّ واجلسْ على عرشِ الماء خُذْ طقمَك السماويّ واجلسْ على عرشِ الزمانِ أيها السماويّ سننتظرُ القوافلَ
*** 44 ـ براءة *** لم نأخذْ خميلةَ الكلماتِ لم نأخذْ موجاتٍ تعثرت بهمسِ الشطآنِ ولا ضحكاتِ النساء لم نأخذْ سوى وطنٍ في القلبِ
6 ـ 6 ـ 1991 *** 45 ـ نهارٌ ظليل *** زمنٌ للنزهةِ مِن بابِ المقهى حتى البابِ القِبْلي مسافةٌ ، رقصةُ حجلٍ دلقةُ ماء ، زفرةُ ريحٍ إنما من البابِِ حتى البابِ صرتُ أُقلِّبُ صمتي في هذا النهارِ وذاكرةً مِن بقايا الليلةِ الفائتة أُقلِّبُ منذُ حين شيئاً ما عَلِقَ في حَيْرتي فآثرتُ الصمتَ حتى البابِ القِبْلي دختُ ومعي داخت متعةٌ وتفاصيلُ المكانِ الأثير هي نهايةٌ ربما ستطولُ بما امتلكت أطرافُها من أصيلِ الأجنحة حشودٌ معي ظفرتْ بالمسافةِ سارت .. وجنباً إلى جنبِ سرنا إلى أين وأنا فقدتُ في الطريقِ ظلِّي ؟ حين على رأسي جَهرت بسوءتها شمسُ من بابِ المقهى حتى البابِ القبْلي زمنٌ للنزهةِ ومسافةٌ تطول
21 ـ 07 ـ 2007 *** 46 ـ سفرةٌ عابرةٌ ***
في القطارِ الحالمِ في ليلِ برلين التقيتُ فتاةً فرنسيةَ الهوية شرقيةِ الهوى مراراً اصطحبتني نحو مقصورتِها أدلقت في المرّةِ الثانية فتنتَها على جسدي الذي ظلّ مشهراً استسلامَه حتى بعد عشرين عاماً في المرّةِ الثالثةِ كان لها طعمُ السّحرِ بخّرتْ بأنينِها المدى وملأت بنداها أنهارَ الدنيا في القطارِ الذي لم يعد بنا يتوقّف مضينا في أغوار الجسدِ المُدهش
22 ـ 7 ـ 2007 *** 47 ـ كرمُ اللذّةِ *** في الليلِ وكنتُ أريقُ ماءَ وحشتي ذات صيفٍ سحرتني في المدى البعيدِ نارٌ لم أدرِ ما هي فصرتُ أعابثها من على صخرةٍ نبذتها الجبالُ النارُ منّي تقتربُ وأنا عنها أنأى بصخرتي في الليلِ وكنتُ أغالبُ عيناً أرّقها الحنينُ فجرتْ بغفلتي أشواقُ الثريا عليّ تهاطلت وارتمتْ كالعاشقةِ بين يديّ هي الثُّريا ** في أعلى لوعاتِ الليلِ في أَرَقي تهمسُ أو في أخصب حالاتِ الوجدِ تمنحُ للعاشقِ صوتاً أمراً أحياناً دعوةً أنْ أهجر يا هذا جسدَ المكانِ مَن يذيبُ وحشةَ النداءِ إذن ؟ أنا العصاميّ الذي إنْ أطنبت في استدراجِه اللذّةُ هبَّ بوجهِها عاصفاً . أنا الذي لا يؤتمر بأمرِ سلطانٍ ومِن عزيمتِه لا تثني المغرياتُ. أنا الذي يؤاخي الغيمةَ الصدوق حين تُظهرُ همجيةً أصيلةً . أنا المتوحش في الحقِّ أداعبُ بلسانِ الصدقِ شفاهَ الفضيلةِ . أنا الذي لا يعرفُ مِن الوسائلَ غيرَ الوسيلةِ النبيلةِ ولا يحطُّ الرحالَ إلاّ عند بيتٍ كريمٍ . أنا الذي لا يريقُ ماءَ وجهِه ولو من ماءِ الوجوهِ امتلأت بحارٌ . أنا المتوجس ، من هفوةٍ ما أقبلت ، خيفةً لا أطرقُ باباً دوني أوصدت عمداً . أنا المتغطرس ، إنْ شئتم ، لا أمنحُ غيرَ المعاني الكريمةِ وكلِّ ما في الآي من معنىً أصيلٍ فليزهرْ المعنى في السطرِ الكريمِ وليقبلْ الزاهدون . ** تجرّدي مِن هذا الثوبِ الذي شفّ تحت نظري واكشفي عن قوامٍ ممشوقٍ جميلٍ فربما سعت إليكِ في لهفةٍ ، ذات ضحىً ، كلُّ الشموسِ . تجرّدي تجرّدي فأنا قادمٌ إليكِ .
25 ـ 7 ـ 2007
*** 48 ـ الفاتنة
*** ملاكٌ .. ملاكٌ أيها الفتيةُُ هذا ملاك ملاكٌ حطَّ على النافذةِ المقابلةِ هذا المساء تجرّد من ثيابهِ وارتشف ما في الكأسِ من شبقِ الظلامِ ملاكٌ أطلقَ مياهَ نهر العفةِ وصوّتَ عالياً : بكم سأفتكُ أيها الساهرون فانتظروني ملاكٌ خرج مِن وجهِ القمرِ أهدانا طلّته بالمجّان وقال انتظروني فلننتظر زيارته أيها الفتيةُ ربما .. ربما فأنا لستُ متأكداً سيقيم بيننا هذا الملاكُ ربما .. ربما جُبل مِن طينٍ مثلنا هذا الملاك 27 ـ 7 ـ2007 *** 49 ـ ليلٌ سكران *** جامعُ القناني السكران يأتي في ليلِ ما بعد الوحشةِ منتعلاً زمانه يفتحُ بابَ النفاياتِ على مصراعيها ويستلُّ نعاسَ القوارير الغارقةِ في الصمتِ وعند ارتباكاتِ الدركةِ الأخيرة يتحطّم النعاسُ وينفردُ بأقدامِ الحفاةِ زجاج جامعُ القناني المسكين لا يعرفُ كيف يستدرجُ بطلّتهِ أحلامَ القمامةِ أو يبهرُ سيدةً منفلتةً من جوفِ الليلِ
28 ـ 7 ـ 2007 *** 50 ـ على بابِ بستان اللوزِ *** فوق رأسي قطّرت يداها الكريمتان ، ندىً حَوَتْهُ من ليلِ تينتِنا الباردِ ذات صيفٍ وفوق أنفاسِ الطريقِ مسّدتْ دهشتُها صمتي اليتيمَ كنّا على اتساعِ رصيفٍ منفيٍّ مثلي تُرتِّلهُ الوحدةُ إلى بهجتِها الطافحةِ في عينين مُشعَّتين رفعتْ وجهي إلى بحرين مُدلهمين أخذتني كُلِّي ونحو شواطئهما المجهولةِ عبرتُ وفيهما ضعتُ قبّليني مرّةً يا أمي مرّتين ودعي رائحةَ اللوزِ المتدفقةَ مع عطرِك الأخّاذِ تغمرني كُلِّي تغسلني كلِّي دعيني يا أمي إلى حينٍ في أرضي أستوطن لا في الضياعِ يا أمي على رأسي باضتْ ، ومازلتُ فتياً ، ليال مُقمراتٌ نزعتْ هزيعَها المجنونَ واستحمّت في اشراقةِ الحليبِ ثم أدلقتْ ، تلك الليالي ، شيئاً من فجورِ نجومِها دثّريني يا أمي فأنا مُثقلٌ بذاكرةٍ تسافرُ مع اشتياقي حتى آخر العمرِ دثّريني يا للوعةِ الولهانِ يا للوعةِ العاشقِ يا للوعةِ المقطوعِ في عرضِ البريّةِ ! ** فوق رأسي أدمنتْ أصابعُها ودَّ هامتي وأدمنت أنفاسي رائحةَ اليدين مرّةً وقد فضّت أمامي منديلَها اليتيمَ ، غشتني سورةٌ من تحليقٍ مرّةً كدتُ أهيم : الله ما أجملَ هذا العطر العابق من منديلِك يا أمي ! وفررتُ وصرتُ بالعطرِ أهيم بعدئذٍ لم يدخلْ أنفي لعطرِها مثيل خمسون مضت ولم استعِد نشقةً مِن طيبِها القديم خمسون مضت ولم يبقَ لي الكثير دثِّريني ولو في طيفٍ مررتِ بماءِ وردِكِ الفريد بنفحةٍ من روحِك الجميل
27 ـ 7 ـ 2007 *** 51 ـ على مياهك أصبُّ هديلي *** مَنْ نكون أيّتها الغائبةُ وقد سخرَ منّا البحرُ ؟ مرَّ بقوافلِنا ذات سَكْرةٍ وابتعدَ هازئاً هذه الساعة كنّا نُقرِّبُ ما بين البحرِ وأطرافِ الصحراء أو نُؤاخي ما بين الزبدِ والسرابِ كنّا نجمعُ من الشتاتِ الهواءَ ، وعلى موجِ حَيْرَتِنا لم نتوقّف طويلاً انشغلَ بسوانا البحرُ قيلَ إنهُ يستجوبُ موجةً تعهّرت ثم عليه تمرّدت وسوف تتأخرُ علينا السفينةُ الليلةَ سيثملُ مِنْ حنقٍ وفي الصَّباحِ لن يُطلقَ زرقةً أو ربما سيعلن : ألغينا السفرَ من جسدِ الحقيبةِ هل نتنكبُ نحو الغابِ دهشةَ الطريقِ ؟ ألفُ سابور يستوقفنا في منتصفِ المسافةِ وأنتِ ستتأخرين .. حتى الرحلةِ القادمةِ تنتظرين أيُّ لوعةٍ تتنهّد في صدرِ المُنْتَظِرِ ؟ مَنْ نكون أيّتها الغائبةُ وقد تمطَّقَ بنا الشوقُ وانفجرتْ في عيونِنا لهفةٌ ؟ كنّا أرْخَيْنا لجامَ الريحِ ونظفْنا أقدامَنا مِنْ رملِ الطريقِ اسْتَرْوَحْنا قليلاً وتساءلْنا : مَنْ أغرى البحرَ على أنْ يمارسَ جفوةً أو سطوةً مَنْ أغوى الريحَ ؟ وأنتِ حتى الرحلةِ القادمةِ تنتظرين في غابةٍ موحشةٍ تطحنُ بين فكّي الرّحى روحاً بكِ سأُشعلُ الذاكرةَ وفوق سطحِ مياهِكِ ، حين تقدمين ، أصبُّ هديلي بكِ سأضيءُ المكانَ وبضحكتِك سأُطفئُ حرائقي فلتنصتْ أيها البحرُ لانطفاءِ اللهيبِ الليلة .. الليلةَ ، تنتظرين . ربما طويلاً تنتظرين .. دهراً تنتظرين الليلةَ .. الليلةَ ، لن تدنوَ المراكبُ ولن نقبضَ شيئاً من رملِ الصحراء ونحن نُغري البحرَ بالصحراء ونحن نهمسُ بأُذنِ الحصى أن يتنكبَ سبيلَ القافلة الليلةَ يا غاليتي الغائبة ، وأنا أحسبُ خساراتي ، ستنتظرين وما بيننا برزخٌ من حنين مرّت قوافلُ محملة بهدايا ملوكٍ ، حكموا عادَ ، للملكِ البابليّ القابعِ خلف الأسوارِ كان الملكُ البابليُّ أسيراً لحسناواتِ أورشليم الأسيرات اللاتي سيدفعْنَ بعربةِ المملكةِ نحو النهرِ ويعنفْنَ في بابل الساحراتِ كان الملكُ البابليُّ بفتنةِ العبرياتِ منشغلاً تَفَتْحِي إذن على جسدِ الغيومِ يا غاليتي الغائبة وروداً فأنتِ قمرٌ بحريٌّ قبّلته الرياحُ وصيرتْه إلهاً تَفَتْحي فَمَعَ حلاوةِ الصوتِ إليكِ سأعبرُ ، مع تشكّلِ العاصفة ومِنْ خيطٍ غير مرئيٍّ ما بين الغائبِ والحاضرِ سأسلكُ في السكرةِ سبيلي يا للذّة المنسكبة من فيك ، من عبثِ الكلماتِ مِنْ دهشةِ الرملِ بفخذِ الموجةِ المُستنطقة يا للشموس المتسكعة في ضحكاتِ البحرِ مَنْ نكون يا غاليتي الغائبة ؟ يا امرأة خُلِقت للصلاةِ أنقذيني مِن وهمٍ فتك بي من ضياعٍ في حُلمٍ كأنه المتاهة مرّ بقوافلِنا البحرُ وابتعد هازئاً فدعيني أحطّ أحطّ على سفرٍ في جسدِ الحقيبةِ دعيني من عذوبةِ الصوتِ أتنسمْ
5 ـ 10 ـ 2007
******************************** *** الديوان الثامن أعلى الشرفات شعر صبري هاشم *** 1 ـ الشرفة *** بالقربِ مِن سماءِ شُرْفتي ، التي بالزّاجلِ مِن الحمامِ ازْدَحَمَتْ ومِن دخانِ سيجارتي تكدّرتْ ، مرّتْ غيمةٌ بيضاء كانت مُتْعَبةً فقيلَ إنّها خَزَعَتْ مِن سرْبِ غُيومٍ دَهَمَنا ذاتَ طَقْسٍ خريفيٍّ أو ذاتَ شتاء دَعوتُها فتوقّفت خَلَعَتْ معطفَها الجلديَّ وقُبّعةَ المُسافر وللهواءِ أسْلَمتْ جناحيها وغادرتْ زمن الطّيرانِ ثم تركتْ رشيقَ ريشِها يتساقطُ ريشةً .. ريشة في شُرْفتي ، التي تخدّرت مِن أنفاسِ الطيرِ وأنغامِ هديلٍ عابر ، انْفلتَ عارياً جسدُ الغيمةِ ومنّي فلتت صيحةٌ : هذا جسدُ عاهرةٍ إلى سمائنا جاءت تصطاد الرّيحَ ولأنهارِنا تتعشّقُ هذا جسدُ ضيفتي العابرة هي تدري ما تُريد وأنا في الشُرْفةِ أسترُ بالدّهشةِ عورتَها وأنا في الشُرفةِ أطلُّ منذُ نعومةِ الشمسِ وغنجِ الضياءِ على ماءِ نبعٍ يجهشُ بأفخاذِ النساء أنا مِن الشُرفةِ أرى الأجسادَ بالبهاء تسبحُ أنا مِن الشُرْفةِ أتلمّظُ للزغبِ المفزوعِ في شفقِ الرؤيةِ غيمةٌ تعرّت في صمتِ الرؤيا كنتُ في بَرْزَخٍ مِن نوم أُرَتِّبُ في أقفاصِ الماءِ أحلامَ يقظةٍ ، عصفتْ بنشوتي ذاتَ غياب وعلى رأسِ أشواقي أُثَبِّتُ تاجَ أُقْحوانةٍ فاجرةٍ هي أشواقي التي بها غدرَ البحرُ والبحّارُ هي أشواقي التي هجرتْها السفينة دارت بي الأرضُ وعن شُرفتي التي زارتْها الكائناتُ تهتُ دارت بي الأرضُ وعني نأيتَ حبيبي ووراء عالمٍ مِن ضبابٍ تواريتَ هل كنتَ في العتمةِ موغلاً ؟ هل دخلتَ في انطفاءِ البصيرةِ ؟ هل كنتَ متوارياً خلف غَلاَئِل حنينٍ ؟ غيمةٌ في البعيدِ غيمةٌ في القريبِ تعرّت لم ترَ جبالاً ولا غيوماً برعودٍ وبروقٍ وليست هي السماءُ ما رأيتَ إنّها الصحراءُ تلوذُ بالسّرابِ والبحارُ تصهلُ بالضّياعِ سألونا : مَنْ يسألُ المَرْجانَ عن عُذوبةِ الأعماقِ ؟ مَنْ يسألُ الحيتانَ التي ما فرّطت بحبيبٍ عن شهقةِ القُبلةِ الأولى ؟ سألونا : مَن يسألُ الخالقَ عن مخلوقِهِ ؟ ونسألُ : ما تخفي وراءك أيّها الخالقُ ؟ هي شُرفتي التي عليها دائماً تهبّ الرّيح ولا يتفاداها في كلِّ أسفارِهِ قمرٌ هي شُرفتي التي تآخي الموجَ هي مقهى السحائبِ التي أنهكها الرّحيلُ هي حانةُ الأكوانِ هنا منضدةٌ للنجومِ العاشقةِ تلك للزهرةِ المُغتلمةِ وعلى مسافةٍ يحتسي نبتون كأساً مِن نقيعِ المشمشِ ومِن رحيقِ حوريةٍ تفجّرتْ شهوةً هذا النهار هنا تدبُّ الأحياءُ هل غادرْنا زهوَ المكانِ أم غادرتْنا الأحياءُ ؟ هل نامت في فراشي فرسٌ نافرة ؟ هل كانت ضيفتي غيمة آبقة ؟ كنتُ في برزخٍ مجهولٍ تأخذُني سنّةٌ مِن نوم
3 ـ 5 ـ 2009 برلين
*** 2 ـ أبوابُ الموتِ *** تلك بابٌ تُفْتَحُ على شعابٍ في بحرِ إيجة تلك بابُ البهوِ أقصدُ بابَ القبرِ وكنّا عَبَرْنا حقلَ المَرْجان بحثاً عن أجسادٍ تركتْ قاعاً فادخلْ وتَعَبّدْ مِن بابِ الماءِ ادخلْ هم زوّقوا صدرَ المَعْبَد فادخلْ جميلاً تقيّاً ادخلْ و نقيّاً تلك بابٌ مِن طلاءِ الصحراء مِن طوقٍ رَمْليٍّ تحرسُهُ الغَضَا مِن حَيْرَةِ القطا تلك بابٌ منها تأتي أطيارٌ وجرادٌ ومنها تأتي الركبانُ ادخلْ وأغلقْ بابَ المفازةِ الأخيرةِ ادخلْها واجعلْ طوافَك حولَ قبرٍ جماعيٍّ للعراقيين أو مِن بابِ ملائكةٍ تشرعُ أمام السماءِ ادخلْ ومِن فوق جنحِ الرّيحِ صلِّ صلِّ حين تدخلُ تلك الأبوابَ وتَعَبّدْ
4 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 3 ـ نهاية المشهد *** اخبطْ ما شئتَ في هذا اليمِّ فالموجةُ لا تحملُ جسداً مشبوباً أو فكراً مشبوهاً الموجةُ حوريةُ ماء اخبطْ على صدرِ العفّةِ فالموجةُ تحبُّ الشجعان اخبطْ ، اخبطْ تلك نهايةُ أمرٍ وتلك خاتمةُ المشهد
4 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 4 ـ مرتحل *** أنّى ارتوينا وجدناك ظامئاً تتحرّشُ بالخمرِ والندى وفي حانةٍ تطلُّ على أحزانِ شطِّ العربِ كنتَ زورقاً للرحيلِ الأبديّ ولم ترحل يوماً ما أنى ارتحلْنا وجدناك عاثراً وبنا تصيحُ : أنتم مَن صادرَ السفينةَ سل أرصفةَ المنافي عن أزهارٍ نبتت فوقَ قبورِ المنفيين وتحت الأعماقِ سل المَرْجان هل مرَّ به ركبٌ للعراقيين ؟
4 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 5 ـ أسئلة الصباح *** على شرفتي التي أطلَّ منها ذاتَ ليلٍ قمرٌ شريدٌ أُريقَ مِن جسدِ البهاءِ صبحٌ ورقصتْ مع النسيمِ طيورٌ عابرةٌ يا هذا المنشغلُ بقهوةِ المسافرِ مَنْ أراقَ الضوءَ فوقَ شراشفي ؟ مَنْ أطلقَ على تلك الطيورِ نداءً ؟ ومِنْ على وردِ حدائقي مَنْ سرَّحَ الندى ؟
8ـ 04 ـ 2009 برلين
*** 6 ـ وشمٌ آخر *** على جسدي الذي استمرأ الخيانةَ وشمُ امرأةٍ أسكرتْها القبلاتُ ونامت في قاربي الجميلِ قالت : ستأتي الشمسُ وفوق مياهي التي صادرَها الليلُ سترقصُ في قلبِ صحرائي الشاسعةِ سترقصُ على روحي المغامرِ وشمُ امرأةٍ لبطت في الجوارِ
9 ـ 04 ـ 2009 برلين
*** 7 ـ همسٌ في وسادة *** أيُّها الصبحُ الفاجرُ البهاء في حضرتِك سأُطلقُ دمعتين هما مِن غيمةٍ سبحتْ في محجريّ ثم استوتْ بحراً فمَنْ غيرك بطلِّها يبحرُ ؟ أيّها الصبحُ الشاهقُ الحضور جئتُ أُطرِّزَك بهمسِ قبلاتٍ علقَ في وسادتي منذ البارحة
15 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 8 ـ نجمة الدليل الحائرة *** مِن البدويِّ المُتَلَفِّعِ بروحِ الصحراء استعرْنا عباءةَ ليل ونجمةً مِن بلُّور وأقسمْنا أنْ نعيدَهما إليه حين نصلُ سالمين قال البدويُّ المُتمرسُ في الإسراء : ضعوا النجمةَ على الخدِّ الأيمن وبعباءةِ الظلامِ التحفوا توكّلنا على الله بعد إسرائنا الطويلِ والطويل واجهْنا بحراً يتوّجُ ، في حفلٍ بهيجٍ ، موجةً داعرةً أمرَنا بالبيعةِ فبايعْنا ثم بايعْنا وبايعْنا حتى نسينا أنْ نعيدَ للبدويِّ نجمةَ الدليل ثم نسينا على أجسادِنا عباءةَ ليل لكننا لم ننسَ أنْ نتبادلَ مع الموجةِ قبلةَ الرحيل
15 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 9 ـ دعوة أخرى *** لو دعوتني إلى مائدةٍ منصوبةٍ على سطحِ سفينةٍ راسيةٍ في ميناء لو دعوتني ودعوتَ إليها شمساً وأقماراً وكائناتِ اللذّةِ لو جعلتَ الموجَ يمدُّ أعناقَهُ فضولاً وبكفّيك لو صفّقتَ لطيورِ المساء وقلتَ لها تهاطلي يا شجيةَ التغريدِ لو أتيتني بقارّةِ نخيلِ لو رقصَ فوق رؤوسِنا النورسُ لو استجلبتَ النسيمَ وأمرتَهُ أنْ يحملَ كلَّ عطورِ الدُّنيا لو جلبَ لنا الفراشُ كلَّ ألوانِ المتعةِ وطعّمَ برحيقِ الزهرِ جسدَ السفينةِ لو فرشتَ الأرضَ بروحِ الحريرِ وشغافِ طيبِ النفوسِ ثم سكبتَ في كأسي مِن كؤوسِ الجنّةِ ريقاً مُسكراً لو جعلتَ الشمسَ ترضعُ مِن خموري لو جعلتَها ترقصُ في أنهاري شهوةً لو خرجتْ تميسُ عاريةً لو توّجتني مليكاً لو أخضعتَ مِن أجلي الأنسَ والجان لو عبّدتَ لي طرقَ السماء لو لو فعلتَ المستحيلَ لما خنتُ العراق
16 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 10 ـ فستان مارلين مونرو *** على جسرٍ مشاكسٍ في برلين هبّت ريحٌ شبقيةٌ عصفتْ بين أفخاذِ النساء اللاتي صرْنَ يَحْلُمْنَ في تلك الأثناء بفستانِ مارلين مونرو الجميلة الذي في جوفِهِ دارتْ ريحٌ همجيةٌ صادرتِ الصّمتَ وأدخلتْهُ التاريخَ فوق جسرِ الكاتدرائية الشهيرِ الحالمِ بموجِ نهرِ شبريه وأجسادِ السائحاتِ صارت تأتي الريحُ عنوةً وعنوةً تأتي النسوةُ فيما ظلّت آلاتُ التصويرِ تترقّبُ ريحاً في أيدي رجالٍ غرباء تلك أيامٌ صيفيةٌ في برلين التي لا تعرفُ مِن الأُنثى أنوثةً ومِن الرجالِ لا تعرفُ رجولةً تلك كانت أياماً وحسب
17 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 11 ـ المكان *** البيتُ الذي حاورتُهُ البارحةَ مثل طللٍ حبيبٍ غادر المكانَ خلسةً مثل حافلةٍ غريبةٍ مثل عابرِ سبيلِ
17 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 12 ـ الشحّاذ *** في شارعِ الحمّام Bad strasse الذي يقطنُهُ المهاجرون وتقطعُهُ صيحاتُ الباعةِ الأتراك شحّاذٌ ينتبذُ مكاناً آمناً على الرصيفِ مكانُهُ بضعُ طابوقاتٍ في الخلاء في شارع الحمّام شحّاذٌ يأكلُ بعيونِهِ المارّةَ وبلسانِهِ مَن استطاعَ حواراً لم يوفّرْ أحداً هذا الشحّاذُ يعرفُه القاصي والداني وبهيئتِهِ العامرةِ يعرفُ كلَّ الأشياء شحّاذٌ له يتوددُ الألمانُ ويقصدُهُ خوفاً الغرباءُ هذا النهار رأيتُهُ يُصافحُ السيدةَ أنجيلا ميركل مستشار ألمانيا العظيمة هذا النهار التقطتُ له ، وهو في أحسنِ هندامٍ ، صورةً الشحّاذُ كان في أصفى ابتسامةٍ ارتسمتْ فوق مُحيّا كائنٍ عجيبٍ الشحّاذ كان في مكانِه على الرصيفِ آمناً مثلما كان
17 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 13 ـ ذي قار *** ادفع .. ادفع فهذا زورقُ ليل والنهرُ أفّاقٌ غادر والموجُ دفّاقٌ ثقيل ومِن شجرِ الحَوَرِ حوّرنا بطنَ الجرفِ ورممنا شوقَ المركبِ وقبلنا مرّتْ أشرعةٌ افترسها الموجُ ادفع .. ادفع ولا تخشَ الطينَ المتسلطَ في الأعماق فمِنّا لا تهربُ القلوعُ ادفع .. ادفع ذي قار في الطريقِ ذي قار كوني بديلاً لعزّةٍ مفقودةٍ واجمعي أمةً تفرّقت ثم ذُلّت ادفع .. ادفع فهذا الماءُ رقراقٌ ومِن ورقِ السنديانِ ابتنينا قصوراً في الهواء كنّا في أقصى سوْراتِ الطوفان كنّا بوجهِ السيلِ خلف كتائبِ الملك الكنعاني القادمِ مِن شنعار كنّا نمدُّ بالرجالِ وبالأفراسِ وبالأسياف جيوشاً زاحفةً سنحطِّمُ جحافلَ الأعداء كنّا قوافلَ الرمال مِن حرّان حتى أكتافِ سهلِ السوادِ ادفع .. ادفع فخيولُ الموتِ طرقتْ أبوابَ البصرة ونحن على مقربةٍ مِن تلك الخطوةِ ننحتُ في صدرِ الجبلِ الصحراويِّ سنام صنماً للربِّ المعتلي ظهرَ دبابة ادفع يا هذا الملتاعُ ها قد وصلْنا وعن طاحونةِ الموتِ لم تبقَ سوى ساعةٍ رميةِ حجرٍ ثمة ذي قار أرضُ سوادٍ باعها الزارعُ والسقّاءُ وعافَها الناطورُ ادفع .. ادفع فما عدنا نخشى القصبَ المأجورَ ولا ليلَ البرديّ المسحور فلتأتِ يا عصفور الفجرِ بأطيافِ الليلِ الطينيِّ ولتأتِ مثلك شمسُ فنحن على أبوابِ البصرةِ ما بين صهيلِ الرّمحِ وبين النهروان فلتأتِ يا سيف الربِّ
18 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 14 ـ النهر الميت *** لا يُذكرُني بشيءٍ هذا النهرُ الميتُ في قلبِ برلين هذا النهرُ مثل شريانٍ عليل لا تدنو منه الأحياء لا تسبحُ فيه الأشياء لا ريح تهبُّ عليه لا شجر يطلعُ على ضفتيه هذا نهرٌ مِن ماء ليس ماء
19 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 15 ـ الضلّيل *** أنتَ عاشقٌ ضلِّيل آخيتَ البرّيّةَ ورحلةَ الماء وصرتَ الهيامَ الجميل أيُّها العاشقُ المجنونُ تلك ديارٌ خَلَتْ مِن أهلِها كانت للأحبابِ ملاذاً وتلك رائحةُ القوافل فاتبعْ نداها ونداءَ روحِك المُهتاج اتبعْ حداءَ حادٍ نأى وظلَّ في الأعماقِ يترددُ أنتَ مركبٌ ضلِّيل نحو الخاتمةِ أخذتْك موجةٌ فاجرة هناك .. فوق شهقةِ الزَّبدِ المنسيِّ تبددتْ وأنتَ أقربُ للحطامِ صرتَ لوحاً ينأى عن لوحٍ أيُّها المركبُ الذي به غدرتْ موجةٌ هل علّمتْك الأسفارُ صهيلَ الأشرعة ؟ هل أخبرتْك العواصفُ مكمنَ القبطان ؟ أيُّها العاشقُ الضلِّيل عن هائمٍ لم يدرك جنحَ الطيرِ حدثتْني ذات ساعةِ زهوٍ سماءُ قالت : جاء يُكحِّلُ عيونَ غيمةٍ استمطرها الحنينُ جاء يُداوي جفنَ طائرٍ نوّاح أنتَ عاشقٌ ضلِّيل مركبُ الأشجانِ دخلتَ مِن روحي بحراً متاهةً وغبتَ فيه ضعتَ في شعابِهِ تلك صحرائي القاتلة باديةُ الله التي لم تكن يوماً يباباً تلك مياهي المَهلكة فامكثْ ما شئتَ علّك تجدُ في قاعِها طللاً أو موجةً حانية 20 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 16 ـ سقوف *** مِن طينِ الفجرِ شيِّدي سقفاً لوردةِ النارِ التي أذْبَلَها الانتظار ستأتي طيورُ اللذّةِ لتؤمَّ المكانَ اتركيها ومِن طينِ الفجرِ لها أقيمي أسواراً لمدنِ الدّهماء التي بها استحكمَ الظمأُ استبدَّ بها الجوعُ لمدنِ الفقراء التي ستتحكّمُ بالنورِ والظلمةِ مِن طينِ الفجرِ الأحمرِ ابتني لنا وطناً بديلاً وطناً في تلك الأصقاع
21 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 17 ـ قارورة *** قارورتي الوحيدة أفرغَها فوق سطحِ الألمِ ساهرون أفرغوها جرعةً جرعةً قارورتي الوحيدة تفتت في يدي مثلَ عصفورٍ رمليٍّ نحتَهُ على ساحلِ بحرٍ طفلٌ مسافرٌ
21 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 18 ـ الحافلة والمطر *** ستأتي الحافلةُ بعد دقيقتين ستأتي قالت نفوسٌ مُنتظرةٌ والمطرُ غاضباً ينهمرُ انتظرتُ طويلاً ولم تأتِ الحافلةُ قلتُ ربما تأخرتْ في الطريقِ أو على كتفيها حملتِ الطريقَ المُتْعَبةَ فتعثّرت والمطرُ غاضباً ينهمرُ على بابِ قلبي يطرقُ مرّت ساعتان .. يومان .. سنتان ثم توالت عقودٌ لم تأتِ الحافلةُ وعن النشيجِ ما انقطع المطرُ
21 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 19 ـ شمسٌ في وليمة *** شمسٌ في طريقِها إلى الوسادةِ ضحكتْ مُصادفةً وبانت أسنانُها اللؤلؤ شمسٌ في مشيتِها تميسُ اعترضَ سبيلَها ولها أَوْلَمَ البحرُ كنّا مازلنا على طريقِ الشمسِ نحثُّ الخطى
21 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 20 ـ الصعود *** اليومَ حملتُ البحرَ والبرّيّةَ ودخلتُ السريرَ سأرعى في البريّةِ غنمي وأفلقُ ، إنْ أردتُ العبورَ ، بعصاي بحراً أنا شبيه موسى نبيّ الله المُطارَد الهارب في الكتبِ المقدسةِ جميعها القاتل على الولاءِ والمحتمي بمَدْيَن مِن قصاصٍ أكيد لا أكذبُ على شيخٍ غاربٍ ثانيةً واليوم عيدُ صعودٍ نحو السماء الغبيةِ قاء الألمانُ أعرافاً وقالوا بعد اختطافِ العيدِ : هذا يومٌ للأب كنتُ في قبوٍ مُعتمٍ أقنعُ سُلّماً صغيراً قديماً بحجمِ عصاي أنْ يصعدَ معي إلى تاجِ المشتهى أو سدرةِ المُنتهى أقنعْتَه وفي طقسٍ غائمٍ ممطرٍ ركّزتُ في الأرضِ قائمتيه ورحتُ نحو الغيمِ أصعدُ كلّما صعدتُ درجتين استطالَ فرسخين حتى أشرفتُ على سطحِ الغيمِ وفوق ظهرِ غيمةٍ حُبلى وجدتُ غيمتين صغيرتين نثاثتين على ذراعيّ طويتُهما وبهما عدتُ أنا شبيه موسى السارح في الأساطير عَبْرَ دركاتِ السلّمِ المُقدسِ هبطتُ وعلى الأرضِ نزلتُ ثم مِن على ذراعيّ نفضتُ الغيمتين اللتين انتصبتا أمامي عاريتين كفتاتي البئرِ كانتا بلا شيخٍ أو سقاية
21 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 21 ـ العازف *** إلى أعماقِهِ يأخذُني ليلٌ جائع ينهشُ في حشاشتي ويقضمُ شيئاً مِن دفءِ الذاكرة يُرعِبُني هذا الليلُ ويؤذيني فَمَنْ يحميني مِِن هذا الليلِ يا عازفَ الليلِ ؟ مَنْ ينقذُني مِن وحشةٍ في سمائي تشكّلت ؟ مِن غيابٍ فتّاكٍ ؟ مِن ظلامٍ مُدْلَهمٍّ يتكتلُ مثلَ الغيلان ؟ مَن يُنقذُني يا عازفَ الليل ؟ مِن أحزانٍ شتّى آه ما أثقلَ حزنَ المنفى ! ما أشدَّ الوطأةَ ! بالأمسِ أشجتني الناياتُ وسَحَرَني عزفٌ وقفَ الراعيّ فوق جسدِ الباديةِ كان مهيضَ الجناحِ فعابثَ وحدتَهُ وأطلقَ طوفانَهُ بالأمسِ سمّرني إلى جدارِ الماضي صوتُ ربابةٍ وظلَّ حتى الفجرِ يُناغي طفلاً في صدري بالأمسِ أتعبني الجريُّ خلف رعاةٍ غابوا في الضبابِ تلاشوا بالأمسِ يا عازفَ الليلِ صرتُ الأثيرَ الذي حملَ إليكَ رحيقَ الزهرِ فأنقذْني .. أنقذْني يا عازفَ الليل
22 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 22 ـ المُتْعَب *** أنتَ حصانُ العربةِ الذي ما أكل سوى الترابِ وبضع تمراتٍ منسياتٍ مِن ذاك الصيفِ وما شربَ غيرَ ماءِ المطر أنتَ حصانُ العربةِ القادمةِ مِن أعماقِ السرابِ مِن أغوارٍ سحيقةٍ وراءك تجرُّ عذاباتِ رجالٍ آثروا عرقَ الجبينِ على عطورِ نساءٍ أُغْرِقْنَ بأحواضِ اللذّةِ أنتَ حصانُ الرّيحِ الذي ما استردَّ أنفاسَه بعد سنين
22 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 23 ـ الدافئة *** علينا أطلقي مع جسدِ الشمسِ روحَ ريحانِك فنحن مِن سكّانِ الغابةِ أمامنا بِركةٌ للسباحةِ وأجسادُ نساءٍ مُلتهبات ثمة واحةٌ للياسمين تحيطُها أنفاسُ السّيّاحِ وبضعةُ فاتناتٍ تخمّرْنَ منذ الليلِ أطلقي زغباً دامعاً لم تألفْهُ العيونُ وقهقهةً تُثلجُ القلبَ يا دفئاً يأتي مِن غيهبٍ أينعي في عيوني عند أعالي الليلِ
22 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 24 ـ لحظة بكاء *** على المصاطبِ الحجريةِ أنزعُ ثوبَ أحزاني وأجهشُ على صدرِ الورقِ حنيناً أكتبُ أشعاراً عن سفرِ الماء وقصصاً بحجمِ كفِّ يدِ الوليدِ عن مركبٍ غريقٍ ضاع في القرار على المصاطبِ الحجريةِ فوق رصيفِ المنفى تأتي البصرة تفتحُ صدري وتقرأُ تقرأ ، تقرأ حتى تبكي تنبثقُ في عيني الأشياء وأسرحُ كراعٍ في فلاة
23 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 25 ـ أُمنيّه *** يا بصرُ يا بصرُ تعالي ومني اقتربي ثم بلهفةٍ قبّليني لعلي ثانيةً أحيا قبّليني يا بصرُ فلم تعُد في العمرِ بقية
23 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 26 ـ رأيتُك ياسين *** ............... إلى ياسين النصير ............... مِن على شاشةِ التلفازِ رأيتُ ياسين مُتلفّعاً بالدهشةِ صامتَ العينين على كاهلِهِ يحملُ أحلامَ الشطِّ إلى بطنِ سفينة ونخيلٌ إلى جوارِهِ يتشوّقُ لسفرِ الفسيلِ رأيتُك ياسين في المدى سارحاً كأنّ المدينةَ بها غدرَ المكان فارتحلتْ هل كنتَ مِن عشبِ البريّةِ تستنشقُ الندى أم تنتظر للشقيقاتِ عودةً ؟ لن تأتيَ الأرواحُ ثانيةً ومِن على شاشةِ تلفازٍ طائرٍ في فضاء غادرتْك الوجوهُ وكنتَ وحيداً مثل فرسٍ ضيّعتْهُ الكتيبة ياسين أُجلب لي سمرةَ العُشّاق وحمرةَ طينِ التاريخ ياسين في المدارِ ليست هي الشمسُ ما ترى وليس هو النجمُ الذي كان ليس شيئاً ما ترى إنها نارُ ربٍّ بنا فجرت وتلجلجت في الأمداء ياسين احمل لي معك أُمنيّةً هي نشقةٌ مِن صدرِ المدينة
23 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 27 ـ عين المُشتاق *** لم تكن غابةً في المدى تلك التي تزحفُ ولا جندَ الأمير هو الوهمُ يأتي كلّما اشتاقَ صدرُ الكريمِ إلى الطلل كلّما غامتِ الدُّنيا في عينِ المُلتاع
23 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 28 ـ تدفُّق *** مثلَ غضبِ ينبوعٍ متمردٍ يتدفقُ الألمُ مثل فحيحٍ في خلاء مثلَ عواء الريحِ يدهمني الألمُ
23 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 29 ـ ميدان هانا زوبك Hannesobekplatz *** إلى ساحةِ هانا زوبك نأتي نحن الغرباء وتأتي مثلَنا الحماماتُ ثم أحياناً تأتي الشمسُ وطيورٌ أخرى تأتي وأحياناً ، أحياناً نادرةً جداً في الليلِ يأتي قمرٌ بهالةٍ باذخةٍ ونجومٌ شاهقةٌ لا نعرفُ للوشائجَ بيننا مصدراً إنما نحن جميعاً نأتي غرباء عن هذه الأنحاء القمرُ والهالةُ والنجومُ والشمسُ والحماماتُ وبعضُ الطيورِ ونحن الذين لا نحسنُ الغناءَ على ساحةِ هانا زوبك في حيِّ الآبارِ الصحيّةِ وأمام حديقةِ هامبولد ، وعلى جسرٍ تمرُّ مِن تحته القطاراتُ نلتقي في الغالبِ بلا موعدٍ نلتقي مصادفةً عادةً هنا فوق ساحةٍ انبثقت فجأةً وأخذتْ اسمَها مصادفةً تمرُّ مروراً عابراً كلُّ الأشياء كلُّ الأحياء حتى نحن والحماماتُ وطيورٌ أخرى حتى القمرُ والهالةُ والنجومُ والشمسُ وكلُّ الأشياء كلُّ الأشياء
24 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 30 ـ الغياب *** تأتي القطاراتُ وتمضي وتأتي المراكبُ وتمضي ويأتي الطيرُ المهاجرُ ويمضي وتأتي الشمسُ حتى الشمسُ التي لا تأتي تأتي وتمضي تأتي فاتناتٌ وتمضي ورجالٌ يأتون ويمضون وحافلاتٌ بلا عددٍ للغجرِ تأتي وتمضي وعابرون وعابرات يأتون ويمضون حقّاً إلى أين تمضي هذه الكائناتُ ؟ إلى أين تمضي الأشياء ؟
24 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 31 ـ الحسناء *** أنتِ فوق الأربعين بقليل لكنك مِن بين أجمل ما رأيتُ أنتِ طاعنةٌ في الجمالِ وأظنُّ أني لم أرَ حسناً كهذا وفي البقيةِ مِن عمري لن أرى حسناً كهذا أنتِ الحسناءُ العابرةُ لحدودِ الخيالِ أنتِ سائحةٌ حملتْ في عينيها البحرَ وعلى وجنتيها اصطفّت حقولُ الجوري أنتِ سائحةٌ قادمة مِن أين ؟ جاءت تجرُّ وراءها صحراءَ متراميةَ الأطراف أنتِ خارقةُ الجمالِ صانعةُ الجمال
24 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 32 ـ نداءٌ خفيٌّ *** لا تبتعدْ كثيراً أيّها النهرُ الذي أحببتُهُ وباسمِهِ حنجرتي صدحتْ شغفاً لا تبتعدْ وتتعثرْ كأنك مِن رائحةٍ كريهةٍ تهربُ غنائي هو غناءُ الحبيبِ فاسمعْ جاورْني في المسيرِ واسمعْ مِن أجلكَ شدوي جاورْني ومثلَ أفعى تلوَّ مثل أفعى تورّطت بحيوانٍ بريٍّ زاد عن حاجتِها أو اعترض بلعومَها أيّها النهرُ الذي أدمنتُ صحبتَهُ انفضْ عن قدميك طينَ المسافةِ وقبل العراق اخلعْ نعليك وادخلْ أُدخلْ أيّها النهرُ 25 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 33 ـ طريقٌ موحشةٌ *** تلك طريقٌ منها لا يأتي مأتى لا تسلكُها قدمٌ طاهرةٌ ونفسٌ كريمةٌ نحوها لا تنزعُ تلك طريقٌ مِن حجرٍ أملس بلا أبعادٍ أو نتوءاتٍ تلك طريقٌ موغلةٌ في العتمةِ تلك طريقٌ موحشةٌ فلا تطرقْها
26 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 34 ـ الجرف *** مِن على جرفٍ صخريٍّ يتفجّرُ تحته غضبُ نهرٍ صيّرتْهُ عيونٌ خفيةٌ أرسلتُ إليكِ بيدِ الموجِ ورقةً مِن أديمٍ أسمر كُتبَ عليها ما دار في الليلةِ الأخيرةِ
26 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 35 ـ السوق *** ندخلُ سوقاً إليه تأتي مِن ألفِ مأتى القوافلُ فيه يُباعُ ما يأتي مع القافلة وفيه ما حملتْهُ القافلة ندخلُ سوقاً في أرجائهِ نُطلقُ فقرَنا الجميل نبحثُ عن الوردةِ العصية واحسرتاه فَجَرَتْ برائحتِها شمسٌ عاهرة نتلمّظُ للسمكِ المجففِ والنعناع ولفاكهةٍ تأتي مِن بساتين فوق خطِّ الاستواء وأخرى مِن مدارِ الجدي نتشممُ عطوراتٍ مِن بلادِ الهند وأخرى باريسيةِ الهوى نتمهلُ أمام نعالٍ نضعُهُ تحت الآباطِ أحياناً لئلا يبليَ نتفجرُ دهشةً لرؤيةِ بدلاتٍ رجاليةٍ وفساتين نساء لم تألفْها العينُ وفوق أحذيةٍ مِن جلودِ الأفاعي يرحلُ فقرُنا المُسالمُ. يُسافرُ على الواجهاتِ الزجاجيةِ بحقائبِ نسوةٍ كأنها المرايا المُطرّزةُ بالشهوةِ . نرى أشياءَ لم نرَ مثلَها على امتدادِ جدبِنا النبيل ندخلُ سوقاً نحن الفقراءُ العقلاءُ ومعنا يدخلُ غافلُ المجنونُ ذو العصا الغليظة والشفتين الكبيرتين ، يستجدي أحياناً قطعةَ نقودٍ وأحياناً يُدمدمُ مِن أجلِ كسرةِ خبزٍ أو تفاحةٍ تالفةٍ . كذلك يدخلُ المُهرِّجُ الوديعُ وعازفُ النايِّ الأسودُ وأغنياءُ لا ينظرون في وجوهِنا الناشفةِ تاركين سياراتِهم الفارهةَ خارجَ أسرارِ السوقِ وفضولِنا . ندخلُ سوقاً ومعنا يدخلُ الشحيحُ والمُسرِفُ والقوّادُ ونساءُ باذخاتُ الحسنِ شاهقاتُ الملمسِ ندخلُ نبحثُ في أقفاصِ الخوصِ عن بلابلَ مُغرّدةٍ وعصافيرَ تحت غلالاتٍ شفيفةٍ تنتفضُ في صدورِ النساء ندخلُ نحن الفقراء لا نملكُ غيرَ الرؤيةِ وسيلٍ مِن حسرات وأمام السوقِ يخذِلُنا الجوعُ فنسيلَ لعاباً فوقَ الاسفلت هناك إلى السوقِ دخلْنا بالقربِ مِن السياراتِ الفارهةِ التي استعصى علينا لمسُها هناك حيث الحياءُ يقطعُ أيدينا التي لو فكّرت مرّةً أنْ تمتدَّ إلى كسرةِ خبزٍ نُشاغلُ بها بطوناً خاويةً . هناك مراراً في قلبِ السوقِ كنّا نحن الفقراءَ دائماً نحن الشرفاء دائماً لو دخلْنا السوقَ تأتي القافلةُ بأمانٍ تأتي دائماً نحن الفقراء نحن الشرفاء 26 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 36 ـ سلّةُ الحكايا *** بردٌ في هذي الحُجُرات وأنفاسُ قصصٍ ما انتهت وفي كلِّ زاويةٍ عطرٌ وحكايةٌ ومخيلةٌ تجوبُ الأنحاءَ تقتنصُ عبدَ الشطِّ وصراعَ الأفلاكِ عند أعالي البحارِ حكايا عن النسرِ الذي صفّقَ بجناحيه فوق قصرِ السلطانِ ومنه انتزع أجملَ البنات في الحُجُراتِ ، حيث لا يكفُّ لسانُ الجدّات ، بردٌ في الزوايا وبضعُ جمراتٍ مثل ياقوتاتٍ سهرْنَ في موقدٍ نُفْرِغُهُ كلّما خنقه الرمادُ نجلي بالنفخِ وجهَ الجمرات هي الحكايا التي لا تكفُّ عن المجيء صيفاً ولا تكفُّ في فصلِ الشتاء تنسجُها الجدةُ نهاراً مثلما تنسجُها ليلاً تحاكي شهاباً سقط في إثرِ شهاب هي الحكايا حاضرة حتى في الغياب بردٌ في الحُجراتِ مرايا مِن نسيمِ الكلامِ وجيوشٌ مِن قصبِ الهورِ تُعلِّمُنا معنى الحكايا في الليلِ تزحفُ نحونا تخترقُ الطلاءَ الطينيَّ وتحرِسُنا مثلَ شياطين تقومُ بإعانةِ الأُمهات وردٌ في بردِ الحُجُرات يتفتقُ في الزوايا يُطرِّزُ الثيابَ وشفاهَنا بالدهشةِ المُشققة وحول البئرِ وردٌ وبردٌ حول البئرِ التي تقرقرُ في القرار لا شيء سوى همسِ الجمرات ووجوهٍ لنا ترتسمُ على صفحةِ الماء بردٌ في تلك الحجرات وحكايا الأحزانِ التي لن تنتهي بمرورِ الزمانِ وردٌ على الشفاه و وجوهٌ سحرتْ صفحةَ الماء كأنها الأقمارُ
27 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 37 ـ الحقل *** خُذْ سنبلةً بضعَ سنبلاتٍ وازرعْ حقلاً للقمحِ وتوسّع اجعلْ مِن الحقلِ حقولاً وتوسّع أنتَ في مملكةِ الشهوةِ أنتَ سلطةٌ في برِّ المعنى خُذْ سنبلةً وازرعْ مملكةَ القمحِ ستجدُ حولك عالماً مِن كائناتٍ سيأتي الطيرُ أولاً وتأتي الدابةُ وتأتي الأفعى ويأتي جرادٌ يملأ عينَ الشمسِ وتأتي زاحفةً جيوشُ الأرضِ : يأتي الطحّانون ومربو الأبقارِ يأتي صانعو الجعةِ يساومونك على خفضِ الأسعارِ وأنتَ منها ترفعُ وتوسّع تأتي شركاتُ المكرونة ومدراءُ المشافي ويأتي الجماسون ومربو الدجاجِ وتأتي معاملُ الأعلافِ وتأتي سفنٌ للنقلِ وقطاراتٌ تأتي مِن كلِّ الأنحاء ويأتي يأتي يأتي البنتاغون سيسحقُ كلَّ حقولِ الصمتِ وزهرِ الليلِ ويحرقُ مملكةَ الشهوةِ وكلَّ سنابلِ أجدادِك سيصرخُ بوجهِك أمامَ العالمِ : إرهابيٌّ أنتَ تزرعُ أسلحةً لدمارٍ شامل هذا قمحٌ فتّاكٌ راديكاليٌّ أنتَ أنتَ رجلٌ قاتل
27 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 38 ـ طائرٌ نبيذيٌّ *** جئتُكُم كي أنفضَ عن جنحي الهواء وغبارَ المسافة ثم أسيل كالشمعِ المُذابِ فوقَ مائدةِ المساء أنا نبيذُ المُشتهى إنْ تلوَّنَ بزهوِ الشفاهِ تهويمةُ العاشقِ أنا في قاربِ السكون طائرُكُم الوفيُّ أنا أشرقتْ بوجهي شمسُ حنينِكُم فتبعتُ خيوطَها وتعلّقتُ بدفءِ فتورِها اقبلوني أنا طائرُكم المُفارقُ بأشبارِ أرضٍ لستُ مُدعياً بمقامٍ عالٍ لستُ طامعاً فأنا شاهقُ التحليقِ ومِن شهواتِ الدّنيا لستُ مُبتغياً شهوةً ومِن ثيابِكم لن أرتديَ قطعةً ومِن مالِكم لن آخذَ حفنةً أنا جسدٌ مِن هواء لا يمسُّهُ ماء ولا به علِقَ التراب جئتُكم نقيَّ الطويةِ نبيلَ المعاني جئتُكُم بجناحٍ مِن لقاح وصدرٍ مِن رحيق أصبُّ في أطباقِكم أنفاسي وأشتهي مِن بينكم رفيقاً للطريق كنتُ في سفرٍ لم أنسَ الطريقَ ولكن تغيّر وجهُ الطريق أنا طائرُكُم الوفيُّ خذوني بلا قيودٍ أو شروطٍ أو حتى بلا أسئلةٍ واستعذبوا تغريداً نسيتموه في غمرةِ الضجيج وفي أقفاصِ رغبةٍ عابرةٍ لا تأسروني واسمعوا في داخلي المُطْلَقَ الطليق أنا طائرُكُم الوفيُّ غدرَ بي البحرُ والبحّارُ وتركتُ السفينةَ ثم أتيتُ أنفضُ عن جسدي الموجَ الذي أوهمني فضيعني أتيتُكُم بلا قافلةٍ و سرْبي ضيّعتهُ شواهدُ المكانِ فتاه في السماء أنا طائرُكم الغريب إنْ قبلتموني أدخل في محرابِ اشتياقِكم وأُنعشُ الذاكرةَ
28 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 39 ـ شجرُ الليل *** أنا عاصفةٌ في سكونِ اللامعنى أهزُّ عروشَ الكلماتِ الغادرة وأزلزلُ مُدناً مقدسةً أنا فأسُ الغابةِ التي باتت عدواً أحوي مِن شجرٍ أعمى بعضَ ظلام أحوي أحوي حتى تخرَّ الغابةُ على ركبتيها عاريةً
28 ـ 05 ـ 2009 *** 40 ـ امرأة الكوثر *** امرأةٌ في المقهى تتسلّقُ جذعَ المعنى وتعزف قبالتي تجلس وتنهلُ شيئاً مِن عبيرِ الكلامِ : احتطبوا في الليلِ نخيلَ البصرة وباتوا في العراء احتفلوا بعيداً عن أحزانِ النهرِ ولوعةِ الماء خارج أسوارِ الرغبةِ احتفلوا بلا ثمرٍ يزهو في أطباقِ الليلِ ولا رطبٍ مِن تلك الأثداء احتفلوا توّاً بالملكِ القادمِ مِن بلادِ فارس الذي قيلَ عنه لم ينكسرْ في أيِّ معركةٍ بعد وقيل كما تتضخّم في أرجائنا الأشياءُ : إنَّ اللهَ اختاره لتحريرِ الزنجِ مِن خوفٍ مُزمنٍ ومِن سطوةِ النخلةِ التي زجرتْ خيولَ الغوغاء . ربما كانت متواطئةً مع الخليفةِ في تلك الأيامِ فالنخلةُ لا تذعنُ في العادةِ للأمراء . هي شجرةٌ أدمنت العراء. احتفلوا قتلوا النخلَ وظلّوا وراء موكبِ الملك يهتفون : عاش الملكُ العادلُ وبعد حين عاش الملكُ الجائرُ حتى أغارَ عليهم " سابور ذو الأكتاف " باني مجدَ الحويزةِ المعظمةِ ومؤسس الفتنةَ الأكبرَ في تاريخِ الشعوبِ ، فتهالكوا بين يديه جميعاً . حملوا إليه النساءَ والأبناءَ وبايعوا : عاش الملكُ العادلُ مولانا . في الألفِ الثاني قبل الميلادِ احترقت البصرةُ على إثر سِفرٍ مِن الأسفار . أوغرَ الملكُ الفارسيُّ الجليلُ صدورَ الأعيانِ وألهبَ نفوسَ الدهماء كانت البصرةُ قصباً وطيناً امرأةٌ في المقهى تخصُّ الصمتَ بعذوبةِ الكلماتِ : لم نأتِ مِن زمنٍ نسطوريٍّ بعد ولم نيأسْ كما يئسَ الأجدادُ آخينا ما بين الماءِ وبين الرطبِ الشاهقِ وقدّمنا الدّفلى بوجهِ الزحفِ القادمِ مِن رملِ الصحراء. لم نحسبْ يوماً أنَّ بلاداً ستشرعُ أبوابَها أمام جحافلَ تأتي مِن وراء البحرِ وأخرى تأتي مِن بلادِ فارس فتخضّ سطورَ الحرفِ ويضيع المعنى . لا تسلبْ كوثري هذا زمنٌ أرقى مِن عطرِ رجلٍ خاضَ غمارَ الليلِ وركبَ البحرَ ثم بعد حطامٍ رسا . هذا زمنٌ أشهى مِن غنجِ الأنثى وأنقى . هنا احتفلوا في عمقِ الصحراء بعيداً عن ريحانِ الصيفِ في ليلِ البصرة وعن عصرِ الكرمةِ وسلالِ المشمش . هنا احتفلوا بعيداً عن كأسِ الرّمانِ وشوقِ الطلعِ وندىً يتوسدُ خدَّ الجوري . هنا احتفلوا ، بعد الذبحِ ، في صحراء : كلُّ حثالاتِ الدُّنيا هنا احتفلوا على مشارفِ تمرِ البصرة امرأةٌ مازالت في المقهى تجلسُ قبالتي وتنهلُ مِن عبيرِ الكلامِ وجعٌ في الخلاء وجعٌ على الرصيفِ وجعٌ في صدر المقهى امرأةٌ في المقهى
29 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 41 ـ كأسان *** في الشرفةِ كأسان كأسُ نبيذٍ وأخرى مِن روحِ الليمون الأولى لي والثانيةُ لفاتنةٍ ستطلُّ هذا المساء عاريةً ستأتي في غيابِ القمر بضعُ ورداتٍ ترنحْنَ مِن عذوبةِ طلِّ الظلال ثملْنَ الليلةَ وعطّرْنَ المدى برائحةٍ قلّما تفوحُ في أعطافِ برلين الليلة كأسان في شرفتي بضعُ ورداتٍ ندىً وقمرٌ سيغيبُ وفاتنةٌ ستأتي ما أشهى ليلَ الشرفةِ ما أجملني وأنا أنحتُ نجمَ برلين الفاجرَ في الليل
29 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 42 ـ تلك البلاد بلادي *** أنعشي روحَ البلادِ تلك البلادُ بلادي التي تحتضر أُنعشي جسداً تعاقبت عليه المُدى أطلقي نبيذكِ الحياةَ ولا ترددي لعلك تنقذين البلادَ لعلك في اللحظةِ الأخيرةِ تُحيين العراق
29 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 43 ـ أساطير العشّاق *** افتحْ صدرَ العاشق سوف تَحار تجد طفلاً يبكي وردةَ جوري تضحك مازالت في عمرِ الوردِ مازالت تَنْهدُ افتحْ صندوقَ ضبابٍ سوف تَحار تدخل بستانَ ندىً تَعْبر بحرَ خمورٍ وبحرَ طيوبٍ وفي خيارِك تَحار افتحْ قلبَ المنفيِّ تجد في أغوارِ الشريان وطناً مِن طينٍ وبقيةَ شطآن افتحْ حُجُرات الليلِ وادخلْ : الأولى غابةُ بيلسانٍ اشتراها جدُّنا الأعلى نبوخذ نصر الثاني وباعها لتجّارِ السبيِّ ابنُه نبونيد بموجبِ خديعةٍ قامَ بها عرّابو الغزوِ الأخميني . الثانية بحيرةُ وزٍّ عراقيٍّ تخيّلها رسّامٌ مجهولُ الأصلِ في سنةِ سقوطِ الدولةِ البابليةِ ومنها استوحى بيتر باول روبنس لوحتَه " ليدا والوزُّ العراقيُّ " . الثالثةُ حانةُ سيدوري وفيها سهرَ المدعوون إلى حفلِ زفافٍ لم يتم تلك الليلة . الرابعة أجمةٌ لشجرةِ عشتار مُنعَتْ مِن التنزُّهِ في أرجائها الدهماءُ ماعدا مَن اغتلمَ ونامَ في سريرِ الإلهةِ الجميلةِ وفحشَ . الخامسةُ حَيْرَةُ النبيِّ سليمان في استجلابِ عرشِ بلقيس. آه ما أجملَ ضحكةَ بلقيس في ساحةِ القصرِ ! ما أجملَ فخذيها ! السادسةُ عشبةُ خلودِ فحلُ الأسطورةِ جلجامش وأرضٌ شاسعةٌ للبغاءِ يمرحُ فيها انكيدو وكلُّ قتلةِ المعمورةِ . السابعةُ متاهةُ يزيدٍ وبضعُ قصائدَ سَحَرَنا فيها. نحفظُها رغمَ بغضِنا لفعلِه الشائنِ . الثامنةُ جمرةُ بروميثيوس موقدٌ في جحيمِ آلهةٍ استفزّها فعلٌ نبيلُ . التاسعةُ نقطةُ حبرِ ماري انطوانيت الجميلةِ دمعةُ أُمٍّ وحظٌّ عاثرٌ . العاشرةُ جيشُ زرقاء اليمامة القادمُ عَبْرَ الوديان . تُرى هل أفاد شكسبير العظيمُ شيئاً لمكبثهِ حين قال :" لا تخشَ شيئاً حتى تزحفَ غابةُ بيرنام على دنستان ". عشرُ حُجُراتٍ فادخلْ أُدخلْ غابةَ البيلسان وترنّحْ في صمتٍ ستأتي النشوةُ ما بعد الكأسِ الثانيةِ أما السكرةُ فتخرجُ مِن روحِ الثمالةِ أخذتْنا الشهوةُ لا تفتحْ شيئاً مِن هذي الأنحاء فالبصرةُ حُبلى تخشى الليلَ وغزواتِ الجُندِ والبصرةُ كالعادةِ لا تزني إلاّ بمَن تُحِبُّ لا تفتحْ شيئاً مِن حُجُراتِ الليلِ لئلا تدخلَ حشراتٌ وغبارٌ ذريٌّ وعيونُ الجارِ الوحشيِّ الفاسق . لكي لا تدخلَ أنفاسٌ عاصفةٌ . ما أرذلَ هذي الأيامَ ! كنّا نفتحُ أزرارَ قميصٍ ونصعدُ قمماً مِن عاج ما أرذلَ هذي الأيام ! كنّا نتنسمُ في الليلِ أريجَ العُشّاقِ وعند الصبحِ نهزُّ سريرَ الموجةِ آه ما أجملَ تلك الأيامَ افتحْ صندوقَ الدُّنيا لترى كم فات علينا الوقتُ . 30 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 44 ـ حلمٌ مرعبٌ *** ما أرعبَ تلك الليلةَ حمامةٌ في الحلمِ مِن الألمِ تتلوى كانت منفوخةَ البطنِ والرقبةِ والأوداج على الأرضِ تتمرغُ وفوق درجاتِ السلمِ الرخاميةِ أسألُها لا تُجيب وإليَّ تبعثُ نظرةَ استغاثة ألمُ حمامةٍ في الحلمِ أرعبني تمرُّ بين قدميّ تزحفُ نحوي تستنجدُ يا الله ماذا أفعلُ وأنا في أعمقِ أعماقِ الحلمِ حمامةٌ بعذابِها تُعذِّبني ما قبل الصحوِ بقليل أظنُّ تغيّر الحالُ أظنُّها مِن الألمِ برئتْ أظنُّ الحمامةَ لن تموتَ أظنُّها استقامت بها الحالُ ما قبل الصحوِ بقليل فتحتُ دُرْجاً وبحثتُ عن كتابٍ مخبوء فيه ما قبل الصحوِ بقليل صحتِ الحمامةُ وصار الدِّرْجُ لها ملاذاً
30 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 45 ـ النسر *** في أعلى البرجِ في برلين نسرٌ حطَّ منذ الضحى كيف أخطأ السبيلَ نحو الجبالِ ؟ كيف قطعَ المسافةَ ؟ هل يدري أحدٌ ؟ إنما الطائرُ كان زائرَ برلين الغريبَ في ساحةِ الكسندر كان الزائرَ السماويَّ في هذا المخاضِ . نسرٌ يتفرّسُ تارةً في تمثالِ الشيخين ماركس وإنجلز وتارةً يُحَدِّقُ بعقاربِ الساعةِ العالميةِ وكأنه على موعدٍ ما ، أو هو على موعدٍ مع ساعةِ صفرٍ . نبتون إلهُ البحرِ الجاثمُ على مقربةٍ مِن الشيخين يشحذُ فالتَهُ تحسُّباً لأيِّ طارئٍ . نبتون إلهُ البحرِ المُتجبِّرُ يوعزُ لحورياتِه أنْ يحذرْنَ مِن تقلُّبِ مزاجِ الطائرِ ويأمرُ كائناتِهِ أنْ تدخلَ الماءَ .. أنْ تختفيَ تحت الموجِ . مازلنا في الظهيرةِ نرقبُ نوايا الطائرِ العملاق ونمتحنُ سلوكَ الريحِ في ساحةِ الكسندر هاجتِ النوارسُ فزعَ الحمامُ وأطيارٌ أخرى تركت المكانَ فيما النسرُ لا يكفُّ عن مراقبةِ عقاربِ الساعةِ وتمثالِ الشيخين غير عابئٍ بالبشرِ . الشمسُ الصيفيةُ في أحسنِ طلّةٍ ورذاذٌ يأتي مِن نافورةٍ يسقي وجوهَ صبايا قبّلتها الشمسُ جئْنَ اليومَ في قافلةِ السيّاحِ مازلنا في منتصفِ الميدان نُرثي ماضينا وأمام نهودِ الفاتناتِ نتحسّرُ آه ما أبخلَ تلك الأيام ! ما أحلكَ تلك الأزمانَ ! كأنّ العمرَ حزنٌ وبكاء مازلنا في منتصفِ الميدان نتأهبُ لكلِّ احتمال نرقبُ سلوكَ الطائرِ وننتظرُ ما سوف تسفرُ عنه تلك الحَيْرَةُ هذا نسرُ الغلطةِ هل هذا نسرٌ للغلطةِ ؟ لا أظنُّ فالطائرُ هذا لا يُخطئ درباً في سماء. الطائرُ هذا خبرَ الأمكنةَ وسبلَ السماء. ما بعد الظهرِ اجتمعتْ قوافلُ السيّاحِ واُسْتُلّتْ نواظيرُ لكي تُقرِّبَ سلوكَ الطائرِ المحميّ برأسِ البرجِ . عدساتُ التصويرِ هي الأخرى جُهِّزت للغرضِ نفسِهِ . الشيخان مازالا هادئين وسطَ المرجِ الأخضر. حورياتُ نبتون مازلنَ يخطفْنَ قواريرَ البيرةِ مِن أيدي شبابٍ لطفاء. والنسرُ الفاجعُ يزرعُ الذعرَ في نفوسِ حماماتٍ لا يعرفْنَ غيرَ الأمان وفي سلوكِ النوارسِ القادماتِ مِن نهرِ شبريه المعتمِ . هذا نهرٌ بلالونٍ أو هو بلونِ الاسمنتِ بلونِ القاعِ هذا نهرٌ بلونِ الطينِ لم أرَ نهراً بهذا اللون بالبشرِ تلهو النوارسُ بالنوارسِ تلهو البشرُ أنا وقوافلُ السيّاحِ وكلُّ الأطيار ننتظرُ انقضاضاً مِن نسرٍ أخطأ سبيلَ الجبالِ وولجَ المدينةَ. تُرى هل أخطأ النسرُ سبيلَ السماء ؟ عصراً فرشَ النسرُ جناحيه عصراً صفّقَ بهما عصراً أقلعَ مِن أعلى البرجِ نسرٌ عصراً حلّقَ بعيداً صار شاهقَ الارتفاع نحوه توجّهت نواظيرُ السيّاح نحوه صوِّبت الكاميراتُ بعد دقائقَ مِن التحليقِ انقضَّ مِن شاهقٍ نحو تمثالِ الشيخين . اقتلعهما مِن مكانِهما وارتفع العيونُ تُتابعُ النسرَ الذي توارى خلال ثانيتين توارى بلمحِ البصرِ عن الأنظار توارى حملَ بين مخالبِهِ تمثالَ الشيخين وغاب.
31 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 46 ـ تخلِّي *** تركتُ على وجهِ اليمِّ زورقي وعن مجذافي تخلّيتُ أفرغتُ زجاجاتي التي منها التهويمةُ تأتي في حوضِ الماء وسكرتُ مِن أنفاسٍ مُضمخةٍ بنداءاتِ البصرة اليومَ حين صرتُ على أبوابِ البصرةِ خفَّ جسدي وظلّت تحملُني الريحُ أنا القادمُ ونجمةَ الصبحِ لا أحملُ سوى ذاكرتي وشوقِ سنين
31 ـ 05 ـ 2009 برلين *** 47 ـ صيفُ ألبا *** إلى نهرِ ألبا مِن ناحيةِ دريزدن في العادةِ لا يأتي الصيفُ بيسرٍ إنما النسوةُ يمزجْنَ الأجسادَ وموجَ النهرِ فيخرجُ ضوءٌ كضوءِ الشمسِ فتأتي الشمسُ ويأتي الصيفُ في نهرِ ألبا مِن جهةِ دريزدن نسوةٌ يخلقْنَ الصيفَ
31 ـ 05 ـ 2009 برلين
*** 48 ـ أعلى الشرفات *** وارفة ورائي شجرةُ السلالةِ بشرٌ للرفعةِ خُلقوا لشموخِ النّفسِ لارتفاعِ الهامِ فقراءُ الحالِ ولكن لا ينزعون عن النفوسِ عزّةً مشّاؤون حاضرو مُلِمّاتٍ فرسانُ اللهِ عند الشدائدِ سابحون في الرّيحِ التي لا تكفُّ عن العويلِ ربابنةُ في أعالي البحارِ مُؤَيّدون بالصدقِ وبالوفاءِ مُتَوّجون كنّا نأتي مِن باديةٍ آه ، ما أشقاها ! زرعتْ جذراً فينا لسموِّ المعنى وتركْنا فيها بذورَ حنين نأتي مِن وراءِ حقولٍ فائضةِ الثراءِ مِن برارٍ علّمتْنا الإسراءَ وأسرارَ النجمِ وعلّمتْنا لغةَ المسافةِ وهاجسَ الخُطى كنّا نأتي مِن هناك سَحَرَتْنا الطينةُ الحمراءُ والجرفُ الآمنُ ونارٌ تشبُّ في الأرجاء طيبةُ أرضٍ أصّلتْ فينا حُبّاً كنّا نوقدُ فانوساً لليلٍ لا نعرفُ فيه الخوفَ وكنّا بروعةِ الأشياءِ نتشببُ مثلما نتشببُ بفتنةِ النساءِ وقّادون نحن فوقَ كلِّ رابيةٍ للعابرِ في الليلِ والتائهِ عَبْرَ الصحراء عاصفون بوجهِ المُغيراتِ دفّاقون نحو يبابٍ نروي خرائبَ الخرائطِ وقحطَ الحقولِ نحن ندىً لكلِّ ترابٍ للطيبِ نفّاحون وارثو الجمالِ كرمٌ فينا وأيادٍ بيضاء فدنانُ نبيذِنا تمتلئ كلّما أفرغها ضيفٌ وكلّما مِن زادِنا أُطعمَ العابرون فاضتْ بالزادِ موائدُنا. عصاميون لو شحَّ في سمائنا مطرٌ وأُجدِبتْ أرضٌ لنا لا نشكو للجارِ جوعاً ألمَّ بنا ولا ضيماً لحقَ بنا. جئنا ومِن ورائنا شجرةٌ وَرَفتْ وتشعّبتْ بها الأغصانُ والورقُ قومٌ لا نصلحُ لغيرِ حضارةٍ ازدهرت وإنْ غمّنا الآن زمنٌ لابدّ للغمِّ مِن فرجٍ وللزمانِ لابدّ مِن ذهاب حاطبو زَبَدِ بحرِ التواريخِ نحن معمّرو صدرِ البرّيّةِ حافرو بئرِ الرّيحِ وللنجمِ لنا صعدةٌ عشقتْنا المجّرةُ فصارت جارةً فينا تلك الكواكبُ صيّادو نسيمٍ نقطفُ أعناقَ الجبالِ إنْ صارت علينا تطاولُ ونحو الهامِ نرفعُها إنْ تواضعت لنا قادمون مِن أعرقِ سلالاتِ الدُّنا حكمْنا الأرضَ وبنا أُمتحنت سلالاتٌ لأقوامٍ توّها غربت قُمْ أُسميك المجدَ الجميلَ في الأرضِ الحبيبة قُمْ عابتْ تفاصيلُ الكمالِ إنْ لم ترفدِ النصَّ وارفةً مازالت ورائي شجرةُ السلالةِ
31 ـ 05 ـ 2009 برلين
***
#صبري_هاشم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتابي الأعمال الشعرية الناقصة .. الجزء الأول للشاعر صبري ه
...
-
تلك الطائرة التي أقلتنا
-
صوفي أيها النبيل
-
أرض الرؤيا
-
الفراش لا يُحبّ العاصفة
-
قمر في بحري عينيك يسبح
-
الخراب الأخير
-
أُبهة النص
-
المحّارة الفاجرة
-
الحافلة والذئاب الجزء الثالث
-
الحافلة والذئاب الجزء الثاني
-
الحافلة والذئاب الجزء الأول
-
كائنٌ برّي
-
هذه ليست برلين
-
زمن الرحلة
-
عاصفةٌ في شجرِ الله
-
مملكة البدو
-
لكلِّ موجةٍ زورقان
-
جزيرة الهدهد
-
أطياف الندى
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|