|
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
رمضان عبد الرحمن علي
الحوار المتمدن-العدد: 3105 - 2010 / 8 / 25 - 23:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي هذا القول من الله يشعر الإنسان بالنضج في الفكر والعقل والرعب والخوف من يوم القيامة، ويشعر الإنسان أيضا أن الحياة الحقيقية هي في الآخرة وليس في الدنيا وغالباً ما تقع الناس في أثر الحياة الدنيا على حساب الآخرة، ولكن الطامة الكبرى أن الإنسان ليس له مراحل أو حياة في الدنيا غير مرة واحدة، وتمر السنين على الإنسان دون أن يحاسب نفسه، وأن الأغلبية من الناس ترقد في الدنيا من أجل أن يؤمنوا مستقبل لهم ولأولادهم، كيف ومن أين؟!.. الكثير من الناس لا يسأل عن السبب، هل هذا المستقبل المؤقت والذي لن يستمر كان على حساب ظلم الناس أو أكل حقوق الآخرين؟!.. سواء أكان أكل حقوق الناس في المجتمع –الدولة– هو أكل حقوق، أو كان ذلك في الأسرة هو ظلم ثم ظلم، ومتى يشعر الإنسان الظالم أنه ظالم؟!.. لا يشعر بذلك إلا عند الموت فيصبح مستسلم أسير ذليل ويريد أن يتخلص من كل شيء اقترفته يداه وهو بكامل قوته ونفوذه ولكن دون جدوى، انتهى الوقت المحدد لذلك الظالم، ولا تستطيع قوة على الأرض أن تؤجل موت أي إنسان، يقول تعالى: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) سورة النحل آية 28. في ذلك الموقف الرهيب والذي سوف يمر به كل إنسان وهو الموت ليس هناك نفوذ وليس هناك قوة غير التسليم من كل إنسان إلى ملائكة الرحمن الذين لا يعصون الله في أمر، بل أن الظالم حين يحشر عند الموت من الملائكة لا يطلب منهم السماح أو العفو وإنما يطلب أن يمدوا له الوقت فقط، وقد انتهى الوقت يا ظالم، أي ليس لك وقت أخر في الحياة الدنيا يقول تعالى: ((حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100})) سورة المؤمنون. الظالم الذي ظلم نفسه قبل الجميع والذي قضى عمره في ظلم الناس وأكل حقوقهم لم يتذكر أنه ظالم إلا عند الموت، أي ترك فعل الخير والتقرب إلى الله وهو في الحياة الدنيا من أجل أن يؤمن مستقبله ومستقبل أولاده ونسي المستقبل الأهم في الحياة الأبدية، فيندم الظالم يوم القيامة، يقول تعالى: ((وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى{23} يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي{24} فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ{25})) سورة الفجر. أن مواقف الظالمين كثيرة ومتعددة، وإن جميع مواقفهم تنحسر على الوقت الذي ذهب دون جدوى، متمنين ولو القليل من الوقت الإضافي، يقول تعالى: ((وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ{10} وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{11})) سورة المنافقون. وموقف أخر يبين كيف تهدر الناس الوقت وان الشيء الوحيد الذي لا يمكن تعويضه بأي ثمن هو الوقت يقول تعالى: ((وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ)) سورة الأحقاف آية 20. أي أن الوقت عند هؤلاء مضى في التكبر والظلم والفسوق في الأرض بغير الحق وأن الوقت المتبقي لهؤلاء الظالمين هو في جهنم وليس لهم حياة أخرى يحيون فيها غير النار، يقول تعالى عن الظالمين وعن أهل النار: ((إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى)) سورة طه آية 74. ونأتي إلى موقف أكثر ذلاً لأهل النار، يقول تعالى: ((وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ)) سورة الأنفال آية 50. أين الشافعين عن هؤلاء في تلك المواقف كما يعتقد بذلك بعض المسلمين؟!.. يقول تعالى: ((وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ)) سورة الأنعام آية 94. ثم أن أهل النار لم يطلبوا وهم في النار الشفاعة من أحد وكل ما يطالبون به هو التخفيف من العذاب ولو يوم وأحد أو يقضى عليهم، يقول تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ)) سورة غافر آية 49. أي أن المستقبل الحقيقي والحياة الحقيقية هي النجاة من النار، يقول تعالى: ((وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ{77} لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{78})) سورة الزخرف. من الذي يكره الحق غير الظالمين في كل زمان ومكان؟!..
#رمضان_عبد_الرحمن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فضيحة المصريين في القرن الوحد وعشرين
-
لولا الرسالات ما كان الرسل
-
كيف كان ينطق الرسول التشهد في الصلاة
-
لا يؤمن أحدكم حتى يموت أخيه
-
لبس الطرح أفضل لمعظم المصريين
-
مصر بين التدمير والتغيير
-
هذا ما وجدنا عليه آبائنا
-
يكون أمر منتهي
-
كتبة الوحي
-
المنقبات ومذهبهم يعدون من الأموات
-
ليس ذنب الباحث
-
الغريزة الجنسية قبل الإسلام
-
أول من تعلق رؤوسهم على الميادين
-
حمى عبادة الحاكم عند المصريين
-
نجحت إسرائيل وفشلت مصر والعرب
-
المحكمة الإدارية وزواج المسيحية
-
الوطنيون والخونة
-
يموت الإنسان ولا يموت فعله
-
ضد القانون والحكومة والشعب
-
هارب من التجنيد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|