حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 3105 - 2010 / 8 / 25 - 19:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أولا ً: السياق القرآني:
وردت كلمة نطفة لوحدها لتوصيف أصل خلق الإنسان عشر مرات في القرآن الكريم,
- "خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)النحل
- " قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) الكهف
- "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) الحج
- ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) المؤمنون
- مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)عبس
- أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة
- مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) النجم
- هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) غافر
- أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) يس
- وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) فاطر
و ورد تعبير"نطفة أمشاج مرة واحدة فقط في سورة الإنسان
"إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) سورة الإنسان
و يعلق ابن كثير في تفسيره على هذه الآية
{ إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } أي: أخلاط. و المشج و المشيج : الشيء الخَليط (5) ، بعضه في بعض.
قال ابن عباس في قوله: { مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } يعني: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا". انتهى
*
ثانيا: وجهة نظر الاعجازيين:
وجه الإعجاز : القرآن الكريم ذكر أن الإنسان مخلوق من "نطفة أمشاج"
أي نطفة مختلطة, و هي نفسها "البيضة الملقحة" بالمصطلح العلمي.
سأعرض لنصيين كعينة لوجهة نظر الاعجازيين.
النص الأول:
"الإنسانية لم تعرف أن الجنين يتكون من اختلاط نطفة الذكر وبويضة الأنثى إلا في القرن الثامن عشر، ولم يتأكد لها ذلك إلا في بداية القرن العشرين.
بينما نجد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد أكدا بصورة علمية دقيقة أن الإنسان إنما خُلق من نطفة مختلطة سماها "النطفة الأمشاج" فقال تعالى في سورة الإنسان ( إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) (الإنسان:2). وقد أجمع أهل التفسير على أن الأمشاج هي الأخلاط، وهو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة. والحديث الشريف يؤكد هذا عندما أخرج الإمام أحمد في مسنده أن يهودياً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت له قريش: يا يهودي، إن هذا يزعم أنه نبي فقال: لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي، فقال: يا محمد، مِمَّ يُخلق الإنسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا يهودي، من كلٍّ يخلق: من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة، فقال اليهودي: هكذا كان يقول مَن قبلك" (أي من الأنبياء)."15"
النص الثاني:
"النطفة هي الماء القليل و لو قطرة, و هي تطلق على مني الرجل و مني المرأة.
و في الحديث : من كل يخلق, من نطفة الرجل و نطفة المرأة "رواه مسلم".
و قد سماها المولى نطفة أمشاج. قال تعالى:
" إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه "الانسان2 .
و تعرف في العلم بالبويضة الملقحة بتطوراتها العديدة " الزيجوت" "16"
*
ثالثا ً: مناقشة وجهة نظر الاعجازيين.
السياق العلمي هو:
نطقة "مذكرة"+ بويضة " مؤنثة"= بويضة ملقحة
و هو واضح و بسيط لا يقبل التأويل.
و كلمات "النطفة" و "البويضة" و "البويضة الملقحة" هي مصطلحات علمية مضبوطة جيدا و معرفة تتوافق مع بيولوجيا التكاثر.
لنبحث عن السياق القرآني
أشارت الآيات القرآنية العشرة التي سبق ذكرها أن خلق الإنسان تم ابتدءا ً من "نطفة" و قد جاءت هذه الإشارة في سياقات أربعة:
أولا ً: إشارة عرضية , أي أن خلق الإنسان كان من نطفة دون تفاصيل أخرى و مثالها:
"خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)النحل.
ثانيا ً: إشارة لمصدرها الذكريّ , فهي نطفة من المني و مثالها:
" أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) القيامة
ثالثا ً: إشارة ضمن صيرورة الخلق , أي النطفة كإحدى مراحل الخلق و مثالها:
"فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ""5" الحج
رابعا ً: إشارة بصفتها نطفة أمشاج, و مثالها:
"إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) سورة الإنسان
و لنتساءل الآن :اعتمادا على السياق القرآني فقط, حيث أننا نفترض وجود سياق قرآني يوازي السياق العلمي في موضوعة التكاثر البشري
و هذا الافتراض سندعم وجوده مرحليا ليتثنى للقارئ التعرف على تعثر الحصول على سياق قرآني يتناول موضوعة التكاثر البشري من وجهة نظر علمية.
و هذا كما ذكرت سابقا ليس عيبا أو تقصيرا من جانب السياق القرآني و لكنه قصور من قبل من يُوظِف السياق القرآني توظيفا علميا بالخاصة.
لنتساءل:
هل النطفة " في القرآن " = النطفة "في العلم"؟
و هل النطفة الأمشاج "في القرآن= البويضة الملقحة "في العلم"؟
الإجابة على السؤال الأول: هل النطفة " في القرآن " = النطفة "في العلم"؟
دلالة النطفة في القرآن لا تتفق مع ما هو مستقر حاليا بكونها – أي النطفة – حيوانا منويا, حيث أن توصيف الحيوان المنوي بالنطفة هو توصيف اصطلاحي من المستحيل البحث عنه أو تأصيله قبل اكتشاف الحيوانات المنوية في السائل المنوي من قبل أنتوني فان ليفينهوك 1677 م
فالنطفة – في لغة العرب- هي اسم مرادف للمني بالمعنى,
وفي الحديث النبوي :" قال لأَصحابه: هل من وَضوء؟
فجاء رجل بنُطفة في إدارة؛ أَراد بها ههنا الماء القليل، و به سمي المنيُّ نُطفة لقلته" لسان العرب.
فتسمية الحيوان المنوي بالنطفة هي تسمية اصطلاحية, و علاقة الدال "النطفة" بالمدلول "الحيوان المنوي" هي علاقة اعتباطية كما معروف في علم اللسان , فنستطيع افتراض أن يطلق واضعو المصطلح "النطفة" - و المترجم أساسا من الانكليزية و الفرنسية – اسما ً آخر ليكن X
الاعجازيوون يستخدمون حيلة لغوية توحي بالمماثلة بين دلالة "النطفة" كما وردت في السياق القرآني و هي دلالة متداولة في لغة العرب المواكبة زمنيا لبعثة محمد النبي.و بين دلالتها الحديثة ك" حيوان منوي"
و حتى لو تجاوزنا افتراضا النقد السابق الذي قدَّمته فإن هذا سيوقعنا في إرباكات و تعارضات مع الحقائق المثبتة علميا ً.
كيف ذلك؟!
لنفترض أن النطفة في القرآن = النطفة علميا
فعندئذ الآيات القرآنية العشرة تخبرنا أن خلق الإنسان قد تم ابتداء من "النطفة" المذكرة.
و هذا يتنافى مع الحقائق العلمية حول موضوعة التكاثر البشري.فالنطفة مساهمة كشريك في عملية الخلق . و ليس الخلق يتم ابتدءا منها, أو مرورا بها, إذا أخذنا بعين الاعتبار مرحلة الخلق من "تراب" و هي فرضية أخرى لسنا في سياق التعرض لها من الناحية العلمية.
الآيات القرآنية تعرض أن خلق الإنسان قد تم من النطفة, و النطفة هي نتاج ذكري بقرينة آيتين قرآنيتين سبق الإشارة لهما, و هذا منافي للبرهان المثبت علميا ً. و سيكون مادة سهلة للتشكيك في مصداقية وجود سياق علمي في القرآن أو مادة سهلة للتشكيك في القرآن بحد ذاته إذا أصر الاعجازيوون على عدم الفصل بين السياق العلمي و السياق العقائدي.
و هنا أجد من الضروري مناقشة انتقادين شائعين
الانتقاد الأول: أنه قد تم الإشارة إلى أن خلق الإنسان قد تم ابتداء من" نطقة أمشاج" و هي من وجهة نظر الاعجازيين = "البويضة الملقحة"
أقول: وجود الإشارة إلى "النطفة الأمشاج" في موضع واحد من القرآن لا يكفي للزعم أن خلق الإنسان قد تم ابتدءا من "النطفة الأمشاج" كرواية قرآنية.
و لكان من الواجب الإشارة إليها دائما أينما وردت في السياق القرآني
أي استبدال كلمة "نطفة" ب "نطفة أمشاج" و هذا ما لا نجده في القرآن الكريم .
أو افتراض أن "النطفة" = "النطفة الأمشاج" و هذا منافي للبرهان فهما تعبيران غير متطابقين.
الانتقاد الثاني :و يعبر عنه وجهة نظر الدكتور زغلول النجار مدعّماً بمروية منسوبة للنبي محمد.
"النطفة هي الماء القليل و لو قطرة, و هي تطلق على مني الرجل و مني المرأة.
و في الحديث : من كل يخلق, من نطفة الرجل و نطفة المرأة "رواه مسلم".
التعليق:
إذا كانت النطفة هي الماء القليل و لو قطرة
فنطفة الرجل"مني الرجل" هي السائل المنوي ذو الكمية القلية و المساهم في عملية الخلق من خلال الحيوان المنوي الذي يقوم بفعل اللقاح.
أما نطفة المرأة "مني المرأة" فهي المفرزات التي يفرزها فرج و مهبل المرأة إبان الإثارة الجنسية , و هي لا تساهم في عملية الخلق كونها تلعب دورا مساعدا في الاتصال الجنسي.
و أما البويضة الأنثوية – و هي اكتشاف علمي لم يكن متاح حينئذ - فلا تنطبق عليها دلالة نطفة المرأة كونها كائن مجهري يستقر في الرحم قبل اللقاح , و لم يكن معروفا في زمن البعثة النبوية, و طالما أن الرواية النبوية- على فرض صحتها- لم تستثر فضول مستمعيها آنذاك و لم تحرضهم على طرق استفسارات أخرى, و لم تشكل حافزا لتكوين فرضية عن الخلق من الناطقين بالعربية و المشتغلين بالتفسير و الطب من المسلمين , مما يرجح كونها تطرح معاني و دلالات متداولة ليست جديدة.
و تعبير"نطفة المرأة " أو "مني المرأة" لم يرد في النصوص القرآنية الإحدى عشر التي تناولت موضوعة الخلق, و لم يرد أي إشارة إلى دور للمرأة في عملية الخلق مما يؤكد عدم وجود سياق علمي –بالخاصة- لتناول موضوعة الخلق و التكاثر البشري,و كونها وردت في سياق عقائدي غرضه التذكير بعظمة الخالق و المآل الأخروي للإنسان.
الإجابة على السؤال الثاني:
هل النطفة الأمشاج " في القرآن= البويضة الملقحة " في العلم"؟
التعليق:
إن فهم دلالة النطفة كحيوان المنوي أو بويضة أنثوية هو مغالطة علمية و لغوية, و قد سبق الحديث عنها.في فقرة "أولاً: اللقاح يتم بقليل من السائل المنوي"
من دراسة بعنوان "موريس بوكاي و خلق الإنسان و الإعجاز العلمي" ج1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=722&aid=224614
و كذلك توصيف النطفة "القليل من المني" بكونها "نطفة أمشاج" أي نطفة مختلطة
كما بيّنا سابقا في مناقشة "ثانيا ً: طبيعة لقاح السائل"
من دراسة بعنوان "موريس بوكاي و خلق الإنسان و الإعجاز العلمي"ج1
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=722&aid=224614
يحتمل وجهتين للدلالة ذكرها المفسرون
الأولى : "الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة." ابن كثير.
الثانية: "هي ألوان النطفة . وقيل : أخلاط الدم والبلغم والصفراء والسوداء ، والنطفة أريد بها الجنس" ابن حيّان في البحر المحيط.
و لذلك نرى أن الزعم بوجود إشارة قرآنية لخلق الإنسان ابتداء من البويضة الملقحة هو تحميل ما لا يُحْتَمل و هو إسقاط تعسفي لنظريات علمية على لغة القرآن الكريم ليس إلا.
**
"15" "شريف كف الغزال- مقالة عنوانها الجنين ونشأة الإنسان بين العلم والقرآن http://www.islamicmedicine.org/embryotext.htm
"16" الدكتور زغلول نجار – مقال بعنوان:النطفة العلقة المضغة – موقع الدكتور زغلول نجار تاريخ النشر 13- 9- 2006 http://www.elnaggarzr.com/index.php?itm=797
ملاحظة: يمنع توظيف هذه الدراسة لأغراض التبشير الديني.
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟