|
في سجال الدراما التلفزيوينة
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 12:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في سجال الدراما التلفزيوينة
على هذا الرابط: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=722&aid=226447
كتب الصديق العزيز الدكتور حمزة رستناوي مقالاً بعنوان: الدراما التليفزيونية في قفص الاتهام! لا أشك البتة في تنويرية الزميل العزيز، و"طهارة" نواياه الفكرية، غير أن ما كتبه يحتاج إلى توضيح بسيط مني حول ما التبس من موقف حيال الدراما التلفزيونية البدوية بشكل عام، التي تقف وراء إنتاجها تروستات النفط البدوي الشهيرة ببرنامجها السياسي والفكري الارتكاسي الارتدادي الترثيثي الذي ما زالت تعمل عليه منذ أن وجدت ثروات خرافية في أيديها لم تعرف كيف توظفها في الإنتاج، والتنمية والإبداع والتقدم، بل وظفتها في الجنس والدعارة الفقهية والإجرام والتكفير والإرهاب، ونسف وتفسيخ هذه المجتمعات، وهي أفلحت حتى الآن في مسعاها أيما فلاح، وما المسلسلات البدوية الفانتازية إلا جبل الجليد الظاهر لهذا الفلاح والنجاح.
وأتفق تماماً مع الزميل العزيز في مقولته الهامة والعريضة حين يقول: " ما ينقص الحوار / السجال الصراعي الدائر عموما حول الدراما التليفزيونية و عرض مسلسلات تتعرّض لقضايا إشكالية مثل مسلسل "ما ملكت إيمانكم" للمخرج السوري نجدت أنزور حاليا وغيرها , ...هو التأكيد على قيمة الحرية باعتبارها شرطا ً للحياة , و باعثا ً لأي تنمية بشرية مُستدامة."
نعم لاشك، يا أخ حمزة، أن الحرية شرط الإبداع الرئيسي والأول، وهو ما نطمح جميعاً لوجوده، وأعتقد أنني ما رست حرية بلغت حد "التهور" بالنسبة للبعض حين انتقدت المسلسل. وإن إقحامي مع الشيخ البوطي في ارتكاب نفس المخالفة "القمعية" هو "تجن" واضح علي نظراً لاختلاف المنطلقات النقدية والرؤيوية بيني وبين الشيخ البوطي. فالشيخ البوطي ينتقد، ويطلب المنع فعلاً لأنه بدأ يشعر أن الكهنوت الفقهي الذي يرسو عليه بدأ بالتخلخل والزحزحة، وهو هنا لا يدعو إلى أن نوع من الحرية التي طالب بها الزميل العزيز، أما انتقادي أنا فنابع من رغبتي في حرية مقاربة وانتقاد هذه الشخصيات وغيرها ووضعها في إطارها الصحيح، وهو ما يصب أيضاً في منهجية الخلخلة التي أرعبت شيخنا الجليل، وما مطالبتي بمنعها إلا من باب أنها، وفي طريقة تقديمها الحالية تساهم في قمع أي رؤية نقدية موضوعية لها .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ليس لي اعتراض على تقديم أية شخصيات تاريخية وإن كان لي توصيف قيمي –منحاز- ضدها كما يقول الصديق العزيز، ولكن هناك فرق كبير بين أن تقدم هذه الشخصيات في إطارها وسياقها النقدي السليم والموضوعي والتاريخي المادي، وبين أن توضع في إطار ما فوق تاريخي، رومانسي، قدسي روحي تجميلي تبريري، وبما لذلك من عملية تزييف وتشويه للوعي وقلب للمفاهيم والتصورات ونسف للرؤى المنطقية في مقاربة أية شخصية تاريخية أو غير تاريخية. لست ضد عرض ولا أطالب بمنع تقديم أي مسلسل، وعن أي كان، ناهيك عن أنني لا أستطيع، ولكن هناك فرق بين أن يقدم هذا الشخص على حقيقته الموضوعية وكما هو مجرد من أي بعد قدسي وروحي تبريري وتجميلي، وبين أن يقدم في إطار قدسي رومانسي تفخيمي تضليلي مخادع وكذاب بأن تبرر الجرائم الجماعية وعمليات الإبادة تحت أية حجة كما يفعل الخطاب الصحوي النفطي مع شخصيات البدو الأعراب الذين إن جردناهم من سياقهم القدسي وتبريراتهم الروحانية والإلهية، وهو المطلوب، فلن يظهروا لنا سوى مجرد قتلة وسفاحين وزناة، وهذه قمة الحرية التي يدعو إليها الزميل العزيز لكن منع الرؤية الموضوعية والنقدية لهم هي قمة القمع الفكري على ما أعتقد، وهذا ما كان يحصل عبر الـ1400 عام المنصرمة. ما يحدث يا صديقي في مقاربة هذا التاريخ أن هناك عملية تضليل واسعة وكبيرة جرت عليه، أدت لتزييف الوعي وتشويه الرؤية، وقلب المفاهيم وطعن العقل، ومنع أي تحليل نقدي موضوعي ومادي لما جرى عبر هذا التاريخ، وهذا ما نحن بصدده تماماً، وهذه هي الحرية الفكرية التي لا يوافقنا عليها كثيرون، وأخشى أن يكون الصديق العزيز حمزة من بينهم، وليست القضية مجرد عرض، أو لا عرض لمسلسل القعقاع، وغيره من الشخصيات التي تدخل في إطار القداسة والتبجيل، لكنها في معايير العصر والتقييم الأخلاقي والتوصيف القانوني النهائي لها، سوى مجرمي حرب، وسفاحين، وقتلة موتورين، حتى لو قالوا للبسطاء والدهماء والمساكين والدراويش أن الله قال لهم اذهبوا واقتلوا الناس واستبيحوا أعراضهم ودماءهم ونساءهم كي يؤمنوا بي-بربهم-. النظرة السابقة لهم، ومع انتشار ثقافة حقوق الإنسان، أصبحت في حكم الموات، ونحن ها هنا في حال من النظرة الموضوعية والنقدية الجدية لا الرومانسية والقدسية لأي كان، وهذه إن لم تكن حرية فما عساها أن تكون. وحين تقدم كل الأعمال التاريخية في إطار مادي وطبقي وموضوعي، فمرحبا بها، لكن أن يتم الالتفاف على الوعي ومحاولة خداع قلب وعقل ولب المشاهد عبر دغدغة عواطفه الدينية والوجدانية وخندقته أيديولوجيا، فهذه أيضاً جريمة أخرى تضاف لسلسلة الجرائم التي ارتكبها البدو السفاحون والقتلة الزناة ضد شعوب المنطقة، إنها جريمة التطهير الثقافي الكبرى التي رافقت جريمة الغزو والاستعمار الأكبر والأدهي والتي يسمونها بالفتوحات؟ تصور يا صديقي العزيز أن يجري تجميل عملية استعمار واحتلال وغزو واغتصاب ووصفها بالفتوحات. ماذا تسمي يا صديقي العزيز الخليفة المعروف الذي تغنى بالغيمة، وتتغنى معه إمبراطوريات ثقافية بها، والذي جمع أكثر من ثلاثة آلاف جارية وقن وعبد وغلام وسبية في فصره، هل هو ملاك حسب الوصف الدعوي الصحوي، أم زان وشاذ جنسياً وموتور عصابياً وعقلياً حسب التقييم الموضوعي؟ ها هنا تكمن القضية وجوهر الخلاف. اليوم لو قدم عرض فني عن هذا الخليفة فسوف يقدم بإطار قدسي تعبوي صحوي مخادع على أنه خليفة الله الذي كان يحرس الإمبراطورية الدينية وصاحب المعجزات المرتبطة بالمقدس..إلخ، ولكن في حقيقته ما هو سوى زان فاجر وشاذ جنسياً من المنظور النفسي والنقدي الجدي والبعد القانوني.
لا اعتراض على تقديم أي عمل، أو شخصية، ولكن أن تقدم في إطارها المادي النقدي الصحيح والصريح، لا كما يراها الشيوخ والفقهاء، أصحاب الرؤى الزائفة التضليلية الخادعة والكاذبة. فما يطعن في صلاحية تلك الشخصيات المجرمة هو تقديمها بصور مقلوبة ومغلوطة، تزيف الوعي وتضلله، وهذه جريمة تطهير ثقافي، ومن هنا منبع اعتراضي على المسلسل إضافة لخرقه لقوانين النشر والبث التلفزيوني المعمول بها في المجتمعات التيب تحترم نفسها وتحترم عقول أبناءها، ولا تبث مناظر مقززة وصور مرعبة للأطفال حفاظاً على اتزانهم النفسي ووضعهم الخلقي. وحين يقدم صدام مثلاً في إطار مقدس، كما يفعل الإسلامويون الذين غفروا كل موبقات صدام وإجرامه فقط لأنه خدعهم بحمل المصحف وترديد الشهادتين قبل أن يدق عنقه، يصبح الأمر لا أخلاقياً، ولا قانونياً، وتزييفياً، وأن ينظر له كبطل رومانسي وفاتح وبطل قادسيات كما فعل الإعلام الصحوي النفطي معه يوم غزا واعتدى على إيران "الشيعية الرافضة المجوسية الرافضة" ولك أن تدرك ما لهذه الصفات من مدلولات في عقل ووجدان المتلقي الدرويش ذي الهوية العقائدية بعينها وما تفعله تلك التوصيفات من آثار تضليلية وتزييفية في نفسه تساهم في النهاية في ربح وكسب سياسي ومادي هو الأهم في النهاية من قبل المضللين الذي يبد أن البعد الرباني والقدسي لا يعنيهم كثيراً في النهاية رغم أنهم يتاجرون به ويرفعون رايته. وأنتم تتكلمون كثيراً يا صديقي العزيز في المنطق الحيوي عن وحدة المعايير، وما أود التركيز عليه، رغم أنني لست حيوياً بالمطلق، هو التأكيد على وحدة المعايير في النظر إلى صدام وستالين والقعقاع وخالد بن الوليد وكل القتلة الملوثة أياديهم بالدماء عبر التاريخ، بنفس وحدة المعايير، لا أن نستثني القعقاع لأنه قال لنا بأن الله قال له اذهب واقتل ودمر...إ‘لخ، هنا لب القضية أيها الصديق والزميل العزيز. وكل الشخصيات تصلح للوضع والدرساة في إطار وقالب درامي ولكن من وجهة نظر موضوعية ونقدية جدية لا أن يقدم المجرمون والسفاحون والقتلة والزناة، كأبطال وملائكة وأطهار وأبرار كما تفعل الدراما التلفزيونية النفطية الخبيثة لأن ليس باستطاعتها ممارسة أي قدر من الحرية في مقاربة هذه الشخصيات المقدسة، تلك الحرية التي طالب بها صديقي العزيز حمزة.
وفي الغرب وفي كل دول العالم التي فيها قوانين يا صديقي العزيز يتم التعويض على المتضررين جراء عرض أي عمل تلفزيوني يسيء إلى مجموعات بشرية أو إلى نفسيات الأطفال أو العامة وتجرح مشاعرهم، ولا أخفيك أن فرائضي ترتعد، وأصاب بنوبات من الرعب حين أسمع أو أرى سفاحاً بدوياً يعمل السيف في رقاب أبرياء لأنهم لم يؤمنوا به، ومن حقي المطالبة بتعويض وطلب وقف عرض هذا المسلسل، وأتذكر كل أولئك الأبرياء والأقليات "الضالة" وكل المفكرين والكتاب الذي خرجوا عن "طاعة" البدو، كيف تم التعامل معهم بمنتهى القسوة والوحشية والهمجية من قبل هذا السفاح وأمثاله، وبالتالي فإن طلبي يدخل يف إطار ما وفره وشرعه لي القانون العصري بمساءلة ومحاكمة كل من تلوثت أياديهم بالدماء ومهما كانت المبررات، وأعتقد أن الأمر جد مشروع يا صديقي العزيز من وجهة نظر أخلاقية، وقانونية كلها تدخل في إطار ممارسة الحرية في التعبير والكلام.
وفي الختام إن طلب المنع، هو لحماية المجتمع، والأطفال خاصة من خطر الانزلاق نجو الجريمة والإرهاب وتجميل القتل الذي يبرره ويقدمه هذا المسلسل، ومن جريمة تزييف وعي وتضليل عام ما زالت تمارس على الناس، وبات من الضروري، بل من الواجب الأخلاقي والقانوني، مقاومة ومحاربة هذا التضليل والتزييف والكذب والخداع الممارس على نطاق عام، وأعتقد جازماً، أنه حين توقف آلات القمع الفكرية المتحالفة مع هذه الثقافة والخارجة من عباءتها، والتي أدعو لوقفها، ستنفتح أبواب الحريات على مصراعيها، ولكل الناس.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هو ليس بإله يا صديقتي
-
الهلال والنجمة كرموز وثنية؟
-
أوقفوا عرض مسلسل القعقاع بن عمرو التميمي
-
اللهم إني فاطر
-
لماذا يصومون؟
-
غوانتانامو العقل
-
أين مسلسلات الخيال العلمي العربية؟
-
اللغة العربية في برنامج الاتجاه المعاكس: إشكالية اللغة والحض
...
-
حديث أبي هريرة وهرّته: هل الأنظمة العربية في النار؟
-
المخابرات السورية هي الحل
-
لماذا لا يتقن العربي والمسلم لغته؟ 2
-
لماذا يعجز العربي والمسلم عن إتقان لغته؟ 1
-
مازوشية النقاب: كيف ستتزوج المنقبة؟
-
السيد وزير التربية السورية المحترم
-
خطر الجهاد على الأمن واالسلم الدوليين
-
الله لا يشبعكم يا رب
-
النقاب والعبودية والاستبداد
-
وهم الاستثمار واستثمار الوهم: لا لتوطين الوهابية في سوريا
-
سورية: ضربة جديدة ضد ظاهرة النقاب
-
]لماذا لا يوجد حزب علماني في سوريا؟
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|