زينب رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 09:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قبل بضعة سنوات، حدث أن عزم المسلمين في مدينة الناصرة على بناء مسجد محاذ لكنيسة البشارة، رغم الخيارات الأخرى العديدة المتوفرة لديهم، كأن لا يُبنى المسجد أساسا نظرا لأن المساجد الموجودة في الناصرة تفي بحاجة المسلمين وتزيد كثيرا، أو أن يبنى بعيدا عن الكنيسة، فالاراضي متوفرة وهي أرخص ثمنا من تلك المحاذية للكنيسة، أو أن تذهب التبرعات التي تبرع بها الناس لبناء المسجد الى توسعة أو ترميم مسجد آخر، وهو ما حدث في نهاية المطاف، ولكن ليس قبل أن يصدر قرار رسمي بمنع بناء مسجد ملاصق للكنيسة.
هذه الحادثة لم تكن الوحيدة وليست الأولى ولم تكن الأخيرة، فأينما وجد المسلمون فرصة لبناء مسجد بمحاذاة كنيسة أو أي دار عبادة أخرى لأي دين، فانهم يبذلون الغالي والرخيص وكل ما باستطاعتهم ليبنوا مسجدا محاذيا تنتصب على مآذنه عشرات من مكبرات الصوت ذات القدرة العالية، والغرض من هذا هو أن يعلو صوتهم وصوت آذانهم وصوت نصوصهم على ما عداها، وهذا في أفضل التفسيرات يعد اقصاءا للآخر بطريقة ما، في أماكن لا يستطيع المسلمون اقصاء الآخر بشكل مباشر.
أكثر من ذلك حدث ويحدث، ففي بعض الأحيان دفع المسلمون أموالا طائلة في غير محلها حتى يحصلوا على متر مربع واحد فقط أو أكثر من ذلك بقليل، أمام أو بجانب أو مقابل كنائس تقع بمناطق تاريخية وأثرية في أكثر من عاصمة ومدينة عربية، فقط حتى يتمكنوا من بناء مئذنة - مجرد مأذنة - ينصبون عليها عشرات من مزعجات-مكبرات الصوت.
حال المسلمين كحال غيرهم من البشر، لا يبدل أحوالهم سوى النصوص التي تدفعهم لهذه الممارسات التي تفتقد الى أدنى درجات الذوق والأخلاق، تلك النصوص التي لاتقيم وزنا للآخر، لا بل كل همها هو القضاء على أي آخر مختلف عندما يميل ميزان القوى لصالح أتباعها المؤمنين بها، فالعملية اذاً تلبية لرغبات الهية، واستجابة لما تطلبه منهم النصوص التي تتنافى مع أبسط الأعراف والتقاليد الواجب توفرها في العلاقات بين البشر.
اليوم أقلية عددية مسلمة تعيش في مدينة نيويورك الأمريكية، وبالاستناد الى القيم والمثل العليا التي يتكأ عليها الدستور الامريكي والتي تمنح الحق المطلق في حرية الاعتقاد الديني وممارسة العبادات وبناء دور العبادة، تريد بناء مسجد لها على بعد أمتار من موقع الهجمات الاجرامية في مدينة نيويورك "غراوند زيرو" وهي الهجمات التي أطلق عليها من قبل منفذيها غزوة ما نهاتن تيمنا بغزاوت المسلمين في صدر الاسلام كغزوة بدر وأحد وغيرها كثير.
مفارقة عجيبة أن يتحدث المسلمين عن الديمقراطية والحرية والقوانين التي تحترم التعدد الديني والمذهبي والعرقي والقومي، وتطالب بالاستفادة من ميزاتها، وشعوب كثيرة تعاني القتل والارهاب والقهر والتجويع على أيدي منظمات وأحزاب اسلامية نجحت في الوصول الى سدة الحكم عبر صناديق الانتخاب، لتنقلب بعد ذلك على كل معاني الديمقراطية والحرية والانسانية وأقل مظاهر التمدن، ولنا في غزة الأسيرة خير مثال على ذلك.
مفارقة عجيبة أن يطالب المسلمين ببناء مسجدهم مستفيدين من قيم الدستور الامريكي ومثله العليا، ونبي الاسلام هو أول من أمر بهدم مسجد لأن الوحي "وسوس" له ان هذا المسجد سيجلب له ولأتباعه الأذى والضرر، وللدين الجديد الفتنة. من يهدم المسجد بناء على ما يعتقده من نوايا الآخرين، وهو القدوة والمثال الذي يجب أن يحتذى لا يمكن لأتباعه بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام أن يينوا مسجدا ملاصقا لذكرى أكثر من ثلاثة آلاف ضحية قتلهم أخوة هؤلاء الأتباع، ولم يُخرجهم أحد من الملة حتى اللحظة.
حركة اسلامية تهدم مسجدا على رؤوس المحتمين فيه وتقتل العشرات من أخوة الدين والوطن، وهي الحركة ذات الشعبية الطاغية في الشارع الاسلامي، باستثناء قطاع غزة طبعا حيث تحكم وتتحكم، وحيث يكتوي الناس هناك بنار الحكومة الالهية، وقبل ذلك وفي بدايات الاسلام هدم المسلمين الكعبة على رؤوس من فيها من أخوة الدين وأبناء العمومة، وعلقوا جثث ضحاياهم بعد أن مثلوا بها على ما تبقى من أسوار الكعبة، وبين ذاك التاريخ ويومنا هذا هدمت مساجد كثيرة وأزهقت أرواح لا حصر لها بسبب خلاف فقهي أو تفسيري أو تأويلي أو خلاف على من له حق الولاية.
عامة الأمريكيون لن يهدموا المسجد الذي يصر مسلمو أمريكا على بناءه، ولا يريدون طرد المسلمين من البلد، ولا ممارسة التمييز ضدهم، فهذا قبل أن يكون مستحيل أخلاقيا على المستوى الأمريكي فهو ممنوع قانونيا وبشكل حازم وواضح ولا لبس فيه ولا يحتمل التأويل كما ان الدستور الأمريكي ليس حمال أوجه بتاتا خاصة فيما يتعلق بتساوي الجميع في حرية المعتقد الديني وحق الجميع في ممارسة شعائرهم وبناء دور عبادتهم.
كل ما يطلبه عامة الأمريكيين هو احترام مشاعرهم، واحترام جراحهم التي لم تندمل بعد، واحترام ذكرى ضحايا المجزرة الاجرامية التي نفذها مسلمون تخرجوا من مساجد لا تختلف أبدا عن المسجد الذي سيُبنى، وغالبية الأمريكيين ولكونهم لا يعلمون أين يقع مكمن العلة على وجه التحديد، فهم لا يزالون يميزون بين مسلم متشدد وآخر معتدل وثالث بين البينين، ولا يزالون يميزون بين الارهابيين المجرمين وبين الاسلام كدين، ولذلك فهم يأملون من القائمين على أمر بناء هذا المسجد التخلي عن فكرتهم، أو بناء مسجدهم بعيدا عن "غراوند زيرو"، وربما يأمل الأمريكيين ومن وراءهم شعوب العالم أن تذهب هذه الأموال الى منكوبي فيضانات باكستان فهم بحاجة كل سنت من المبالغ الطائلة التي سيكلفها بناء المسجد، وهكذا سيثبت القائمون على بناء المسجد بأنه لا غاية لهم لهم إلا فعل الخير الذي سيتأتى من دعم المنكوبين المسلمين في باكستان أكثر بما لا يقاس من الخير العائد من بناء مسجد اضافي لا ضرورة له، أليس ما يحتاجه البيت يُحرم على المسجد؟؟
لا أريد أن أقول ان هذا المسجد هو لتنظيم القاعدة الارهابي أو من تمويله، ولا لمنظمة شكر طيبة الكشميرية، ولا لحماس الفلسطينية، ولا لأمها الاخوان المسلمين المصرية، ولا يتبع أي منظمة اسلامية سواء كانت متطرفة أو معتدلة أو بين بين، حتى لا يتهمني أحد بالحكم على "الأخوة" من نواياهم دون الانتظار حتى يبنوا مسجدهم، ولكن ما أريد قوله هو ما يتفق معي عليه المسلم قبل غيره، وهو أن هذا المسجد ستصدح به آيات من القرآن في الحد الأدنى وهذه عينة منها على سبيل المثال لا الحصر.
فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون.
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم.
هذه عينة من آيات ستتلى على الأقل في افتتاح المسجد حيث سيتم ختم القرآن كاملا وهو ما اعتاد المسلمين على فعله في كثير من الأحداث الحزينة والسارة على السواء، وهي كانت تتلى ومازالت في كل مساجد نيويورك وغيرها، مضافا اليها نصوصا من السنة وكلٌ حسب اجتهاده، ولكن ما رأيكم بوقع هذه الكلمات في مثل هذا الموقع الحساس بالنسبة لكل الشعب الأمريكي.
أختم سطوري بالعودة الى ماذكرته من اعتقاد الأمريكيين بوجود مسلم متطرف وآخر معتدل وما بينهما، لأشدد على أن الفرق بين المسلم المتطرف والمسلم المعتدل، هو فرق بين مسلم عرف دينه وتمكن من نصوصه وبين مسلم مازال جاهلا ببديهيات دينه..فرق بين من امتلك وسائل القوة والتدمير فعاث اجراما وتدميرا وتفخيخا حول العالم، وبين بسيط لا حول له ولا قوة كل همه مازال الحصول على لقمة عيشه..فرق بين من يذهب للمسجد للصلاة فقط وبين من يقيم بذلك المسجد أطول وقت ممكن، ليعرف دينه أكثر وأكثر، وهذا الأخير ستؤدي به معرفته العميقة بنصوص دينه الى واحد من خياران لا ثالث لهما..اما أن يستعيد انسانيته ويبتعد الى غير عودة، واما أن يربط جسده بأحزمة ناسفة ليفجره في "رافضي" عراقي أو بهائي باكستاني و هندي أو كافر غربي أو مشرك بوذي وهو الطريق الوحيد والأسرع الذي يؤدي الى جنة ملؤها اللبن والعسل والخمر والغلمان والحوريات.
الى اللقاء
#زينب_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟