|
وحدة الواقع بين المرأة الشرقية والمرأة الغربية
تغاريد بيضون
الحوار المتمدن-العدد: 939 - 2004 / 8 / 28 - 12:08
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
عندما حاول مفكرونا في القرن التاسع عشر إقامة مقارنة بين المرأة الغربية والمرأة العربية لم يكونوا في الحقيقة مشدوهين إلا ببعض الفئات الاجتماعية المتمركزة في المدن، والتي تحمل بعضاً من الثقافة والحضارة، دون أن تشمل تلك الثقافة والحضارة جميع الفئات الشعبية الأوروبية على الأخص وأن طبيعة الرحلات والبعثات حتمت على الأعضاء المشتركين فيها اتصالاً بأفضل المستويات بل بالنخبة الاجتماعية، فالهدف قام على الأخذ عن الغرب أفضل مظاهره، وهذا ما لم يتوفر إلا في أرقى الأوساط، ولا يعني ذلك، إطلاقاً انتفاء الظروف القاسية وعدم سيطرتها على أغلبية الزمر هناك، لقد استمر الذكور منذ الهزيمة التاريخية للمرأة، يتناقلون، ويتوارثون مواقع القوة والنفوذ، فكانوا في البدء من رجال الدين الذين تخلوا عن دورهم فيما بعد إلى الإقطاعيين وأرباب العمل.
أما أوضاعنا في الشرق وقد توالت علينا صنوف استعمارية مختلفة، فما زالت ترغمنا على أن نكون ضحية لزمر اجتماعية واقتصادية وسياسية أيضاً تبعاً للمنطقة التي يتواجد فيها أحدنا أفي الريف أم المدينة أم العمل أم المدرسة أم المكتب، وهذا ناتج عن الغبن الذي يتمتع به شرقنا وطموح الغرب المستميت في اقتناص هذا الغنى والسطو عليه: ((ثراء الدولة العربية لا يعود بالفائدة على أبنائها وإنما على أبناء الدول الاستعمارية الكبرى وإلى القلة القليلة الحاكمة داخل البلد العربي)).
الشيء الذي أغرقنا في مظاهر استغلالية متنوعة تضمن مصلحة الأجنبي عن طريق تجميع أموالنا العربية وخبراتنا في حضن الهيئات صاحبة النفوذ، فشوهت معاني الحرية وزادت حدة الفقر والجهل، وسعى أرباب العمل إلى الربح الأكبر في الوقت الأقل، وتسرب إلى داخل الوطن العربي، ما لا يمت إلى الحقيقة الأصيلة والثقافة الفكرية والروحية بصلة، وإنما يمثل السطح والمظاهر السخيفة الزائفة القائمة على ما يصل إلينا من صور مشوهة عن المنظور الغربي وما يخدم القشور البراقة، فغابت عن الأسواق مثلاً المجلات الثقافية والكتب العلمية التقنية على حساب ظهور مكثف وفاحش للإعلانات الجنسية المستغلة للمرأة والدعايات المتطرفة للمشروبات الروحية اللا أخلاقية، ولابد أن نلاحظ أنه كلما ازداد ارتباط أي قطر من الأقطار العربية بالرأسمالية الغربية كلما وجدناه يغرق ويزداد غرقاً في الموارد التجارية التي يسهل فيها ربح الأجنبي ويزداد ليتوصل إلى مستويات عالية وخيالية.
واستناداً عليه يمكن القول بأن تثقيف المرأة وتعليمها ومشاركتها في المجالات المهيأة لها لا يمكن أن يحقق ذاتية المرأة، ما دامت تستخدم من قبل الأجهزة الاستعمارية كسلعة تزيد من الأرباح والمواد الدعائية والإعلانية تماماً كما أنه لا يمكن إقامة العدالة الزوجية بين الزوجين، ما لم يشعر كل طفل فتاة كان أم ولداً أنه يعامل في منزل والديه على قدم المساواة، وما لم تتوجه المناهج التربوية وجهة ثقافية استراتيجية تخدم إقامة مجتمع صناعي متطور، يسمح للمرأة بالعمل إلى جانب الرجل في مختلف المجالات الفاعلة، ومسترشد بتعاليم الإسلام الحقيقية وسنته الصالحة.
إن ما لم يؤكد عليه روادنا في محاولاتهم الإصلاحية تلك هو عدم صلاحية المطالبة بعمل المرأة ومشاركتها قضايا الإنتاج، في حال بقيت النظم الاقتصادية القائمة تتحكم بالأحوال المعيشية الرابطة بين البشر ((فإزالة الاضطهاد سواء أكانت اقتصادية أم جنسية أم أخلاقية أم نفسية وخروج المرأة إلى العمل وحصولها على أجر مساو لأجر الرجل لا يقود إلى حريتها الحقيقية مع بقاء النظام الأبوي الذي يخضع المرأة للرجل. فنحن بحاجة إلى نظرة جديدة نعالج فيها قضايا الأحوال الشخصية لكي نؤدي الدور المطلوب ليس فقط على صعيد تحرير المرأة، إنما على صعيد تحرير الرجل من زيف التربية وتحرير الأولاد وأجيال المستقبل من أدوار لا علاقة لهم بتأثيراتها. ماذا يفيد المرأة تقاضيها أجراً كأجر زوجها مع اضطرارها إلى تسليمه إياه في موعد أقصاه آخر كل شهر؟ وكيف تتقدم الأوطان إذا ربطنا أو حكمنا على نصفه بالشلل والسلبية؟ مبتعدين تماماً عما نصت عليه الشريعة ودعا إليه الإسلام؟ قد يلوح بسبب ذلك تساؤل في الأذهان حول عدم قيام حركات نسائية تحررية منذ بداية سيطرة العنصر الذكوري؟ في العالم العربي أو الإسلامي؟
للإجابة على هذا السؤال لابد من الانطلاق من الأسباب الذاتية.
تقول الدكتور سهير القلماوي: ((كان موقف المرأة وموقف رواد الإصلاح موقفاً فاتراً في منتصف القرن الماضي، وكانت المرأة المسلمة لا تشكو في القانون أي ظلم ولكنها في العادات والعرف كانت مظلومة والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها هي إن الديانة الإسلامية قدمت الكثير من العدالة الاجتماعية للمرأة قياساً بما كان يحدث قبل هذه الدعوة فلم يكن الشعور بالظلم أو الحاجة إلى تغيير الأوضاع مبلورة في أذهان الفئات النسائية ذلك إن وضع المرأة الشرقية أو المسلمة بوجه أدق لم يكن مما يبعث على سخط المرأة أو شعور بالظلم يحفزها أو يحفز المصلحين إلى تغيير أحوالها تغييراً عنيفاً لقد كان للإسلام الذي فرض باسمه كثير من الظلم على المرأة زوراً أكبر الفضل في عصمة المرأة المسلمة من الحركات العنيفة والثورات الشديدة لترفع عنها ظلم القرون.
ألم تسمح الشريعة الإسلامية مثلاً بتعدد الزوجات، في حال أثبت الرجل فيه قدرة على تحمل الأعباء المادية المترتبة على ذلك؟
وهل كان تعدد الزوجات من خواص الدين الإسلامي؟
لقد دلت القرائن المتعددة إن أمر تعدد الزوجات ارتبط عن أمم كثيرة، بعامل هام، هو القدرة المادية والقدرة المادية وحدها لا غير، لكن الدين الإسلامي الذي افترض شروطاً عدة لهذا التعدد، نظم تلك الظاهرة ولم تكن معه إلا للضرورة القصوى التي قد ينفذها الإنسان مع كرهه لها.
لكن المميزات الأساسية للثقافة الغربية القائمة على العنصرية واستغلال الضعيف ما زالت تتجه نحو تعميق الفوارق بين المرأة والرجل لحماية مصلحة فئة مستسلمة لأمر السلطة والزعامة ((فالثقافة الغربية المسيحية والأديان الذكورية الأخرى ليست أقل قهراً للمرأة بل أكثر قهراً من الإسلام)) والأصح القول أن الإسلام هو الدين الأول والشريعة الأسمى التي حققت عدالة عجزت عن تحقيقها أية شريعة أخرى.
كل ذلك يقودنا إلى الاعتراف بأن الظلم هو ظاهرة جماعية وليست فردية.
ولأن بيوتنا ليست سوى صورة حقيقية لمختلف المجالات الاجتماعية، والاقتصادية المسيطرة على الهيكلية العامة للدولة وللنظام، ولأن التجزيئية صفة بارزة ورسمة أساسية من سمات الأنظمة السياسية والاجتماعية التي تتعامل من خلالها بدا مجتمعنا عاجزاً عن ((تطبيق قوانينه العامة إلا باللجوء إلى تقسيم الإنسان الواحد إلى أجزاء مختلفة)).
فقد قسمنا الجنس البشري إلى فئة للاستهلاك وأخرى للإنتاج، ((الرجل للإنتاج والمرأة للاستهلاك)) له السيادة والرئاسة والتحكم بمطلق الأمور، وعليها الطاعة والإذعان تماماً كما نرى في المجتمع فئات تتحكم بالموازين الاقتصادية وأسعار السلع، وحقوق العمال والفلاحين وفئة أخرى تقبل وتذعن ((ألا تعكس هذه الحقيقة النتيجة الطبيعية لمجتمع قائم على الربح، ربح الأقلية التي تملك واستغلال الأكثرية التي لا تملك)).
والملاحظ أن الرجل المتمتع دائماً بدخل والمساهم دائماً في الإنتاج، هو في موقع أقوى مما تتمتع به المرأة التي فرض عليها الانحسار عن كل مساهمة فعلية وعملية. هذا ما حدد صلاحياتها وقيدها.
1 ـ هذا ما حدا بطرح قضية العمل على إنها واحدة من القضايا المساعدة على إقامة ميزان اقتصادي متمتع بفعالية على طريق تصحيح العلاقات الإنسانية تخفيف أبعاد الظلم اللاحقة بالفئات التي تقدم ذكرها.
وناقش الدارسون موقع المرأة من زاوية ما تلتزم به من أعمال يمكن أن تكون استهلاكية إذا تمت من قبل المرأة وداخل منزلها الخاص، وإنتاجية فيما لو تغيرت العناصر أو خرجت المرأة لتقوم بالأعمال نفسها خارج إطار العائلة.
فرأوا أن هذه الحال قد تكسب المرأة بعض المردود المادي من جراء عمل كان يستغرق منها ساعات النهار.
هذا الكسب الذي يحظى به الرجل داخل منزله، مؤمناً استقراراً مادياً وراحة جسدية يجعل منه صاحب مصلحة.
2 ـ تكون الأدوار العامة والطابع المسيطر في كل فترة من الفترات الزمنية أساساً فعالاً في تحديد سير الأمور، فكما امتدت عدوى التصنيع لتشمل أجزاء الكرة الأرضية قاطبة، امتدت الموجات الاستعمارية والأنظمة الرأسمالية عندما قويت شكيمتها في بعض الأقطار لتسيطر على أماكن أكثر اتساعاً وأكثر شمولاً.
3 ـ إن التتحويل الذي أصاب القطاع النسائي جاعلاً منه طبقة لا تنفصم ولا تنفصل عن مجمل الطبقات صاحبة المصلحة في التغيير، دفع بالكثيرات لأن يشكلن نواة أو طليعة تنظيمية تطرح توازناً معيناً بين مجمل القضايا الاجتماعية الفقهية والانسانية.
4 ـ إضافة إلى توسيع الدراسات التربوية والانمائية التي ربطت ربطاً واضحاً بين المستويات الاقتصادية والأبعاد الفكرية والحضارية التي تمثلها أمة من الأمم.
5 ـ إن للتحركات والنشاطات الغربية الأثر الفعال في تشجيع حركة التحرر النسائي العربي.
6 ـ تصادف أو ربما نتج عن الفترة الصعبة التي يمر بها الوطن العربي على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والحضارية، ظهور تجمعات أو أشكال تجمعات نسائية جعلت من مهامها المساهمة في بعض الأعمال الوطنية وإن اتسمت بطابع إنساني كتمريض أو اجتماع أو محو أمية، وقد تحمل هذه الظاهرة تجسيداً أو تعبيراً عن المسؤولية القومية التي تشعرها بها العديدات.
إذا تمكنا ربما من وضع بعض الملاحظات على الأسباب التي حتمت ظهور حركة إصلاح نسائي في هذه الفترة، ألا يتوجب علينا الوقوف على الأسباب التي جعلت من هذه النشاطات حركات على هذا المستوى من دون أن تتجاوزه إلى الأفضل؟؟
#تغاريد_بيضون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
-
فوز ترامب يهيمن على نقاشات قمة المرأة العالمية بواشنطن
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|