|
القوس والفراشة : سياحة في خرائب حداثة المجاورة 1
ابراهيم ازروال
الحوار المتمدن-العدد: 3098 - 2010 / 8 / 18 - 10:12
المحور:
الادب والفن
مما لا شك فيه أن علاقة الرواية بالتراجيدي حميمة ؛ فالرواية لا تستوطن إلا شقوق المأساة ، ولا تستظل إلا بالظلال الكئيبة للخرائب ، ولا تستسيغ إلا الإقامة في الزوايا المظلمة للنفس الفردية ولمخيال الجموع .
لا يمكن للرواية إلا أن تستكشف جغرافية الالتذاذ بالموت ، وبصناعة الموت و بأماكن انبثاق التهوس بالعوالم البديلة للعالم الحسي المشاهد .ليس الموت إشكالية الإشكاليات أو حقيقة الحقائق المرة في عالم الانتحار الطقوسي ، بل معانقة احتفالية للحياة الأخرى وصناعة مشهدية متقنة للكينونة وهي تصنع النجاة بالدم المراق وبالأجساد المحترقة وبالرعب المعمم .لا يأتي الموت من المجهول ، بل تبنيه الطوبى ، تدريجيا ، ليحصد الجميع في طقسية مشهدية لا تخلو من الاستعراضية الفرجوية . لم يعد الموت إشكالية أنطولوجية بل طوبى ميتافزيقية . لا يأتي الموت من بعيد ، بل ينبثق من كوى الذات و القلب المنهجي للقيم و من قيعان مخيلة قيامية جامحة . فالإرهاب لا يعني سوى الذهاب الفرح إلى الموت .... سوى تسريع الزمان البيولوجي وتقريب الفناء من الذات ومن الجمع .إنه نوع من حصد الخيرات بأدوات أخرى .! كيف يختارالحفيد( ياسين الفرسيوي ) الانخراط في المتخيل القيامي ،وينزاح عن الذاكرة التارخية الاستعادية للجد( محمد الفرسيوي ) والذاكرة المفتتة للأب( يوسف الفرسيوي ؟ كيف اختار الحفيد أن يشيد أسطورته القيامية ، بعيدا عن الأسطورة المرممة للجد وعن الأسطورة المتشظية للأب ؟ كيف ينحاز الحفيد إلى سردية الموت الجاهز ، بعيدا عن سردية التاريخ المستملك وسردية التاريخ المتحرك بين مثالية يسارية هي برسم الاستعادة الحالمة وواقعية نثرية هي برسم التفكيك ؟ كيف انتقل الحفيد من التركيبية التثاقفية للجد والابن ، إلى الأحادية الثقافية للفكرالسلفي الجهادي ؟ كيف ينتقل الحفيد الغض من التثاقف الصعب والمتراكب ، إلى ثقافة تقديس الثنائيات الميتافيزيقية وعشق الموت ؟ إن الموت الميتافيزيقي ، ليس من فصيلة الموت التراجيدي ؛ فالموت الميتافيزيقي ، خال من عناصر الدراما ومن تراكب الحوافز والغرائز والأزمة ؛ إنه محو معلن للتشابك والتراكب والتعارك ، والتحاق فرح بعدم امتلائي .ليس الإرهاب والحال هذه ، إلا عملية محو منهجية للثقافة أي لحصيلة التفاعل بين الإنسان والطبيعة ، بين الإنسان والزمان ، بين الذاتية والغيرية . الإرهاب إذن ، هو قفز على الحضارة لمعانقة لا الطبيعة المتحولة المتزمنة المؤنسة ، بل الثقافة المؤسطرة في بعدها القيامي .أنا أموت من أجل اللذة الأخروية ، إذن أنا موجود .ذلك هو كوجيطو الإرهابي . أو بالصيغة التداولية العربية – الإسلامية : انقتل تلقى الجنان .! الإرهاب تحويل لإحداثيات التلذذ ، لأمداء التمتع ، لزمانية الانتشاء .يريد الإرهابي لذة لا تخترقها سهام الزمان ، ولا تنالها ظلال التقطع .الإرهاب هو إرجاء اللذة ، نقل الالتذاذ من حداثة التحقق ، إلى قيامية الافتراضي . ( اختلت حياتي لهذا الحد ، عندما قرر ابني الوحيد الذي كان يتابع تكوينا لا معا بإحدى أكبر المدارس الهندسية الفرنسية أن يذهب إلى أفغانستان ويجاهد مع مجاهديها إلى أن يلقى الله . وقد لقيه فعلا ، في الأيام الأولى ، وفي ظروف غامضة لم أستطع استجلاءها ولما يبلغ العشرين من عمره . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب - الطبعة الأولى 2010- ص . 15 ) تكمن المفارقة هنا في الانعطافة الحدية لياسين الفرسيوي ،وتحوله من الهندسة المدنية إلى هندسة الموت .كما أن فرنسا الديكارطية والأنوارية ، تحولت إلى مجرد محطة استقطاب ثيولوجي .وهكذا تحولت الفعالية العلمية إلى معبر لاعتناق أشد الفكريات منافاة ومجافاة للمنهجية العلمية ؛ كما تحول فضاء الثورة الفكرية والسياسية ، إلى محطة عبور إلى فضاءات القتل والانقتال باسم اللذة المرجأة . فالإرهاب هو حصيلة التقاء سيمولاكر الحداثة بأيقون اللذة المرتقبة . تكمن مرارة الإرهاب الكبرى في إثارته المزمنة لسؤال الانبثاق . من أين انبثقت هذه الرغبة القاتلة في اللذة القيامية ؟ كيف يبزغ هوى الامتلاء الافتراضي ، في سياق ثقافي ، متخم بأسئلة المسار والصيرورة، بالولادات المستعصية وبخرائب الروح ؟ كيف يكبر التيتم بالانقتال في وسط يخلط الأسطورة بالتاريخ ويبحث لاهثا عن الفعل الممتلئ وعن المعنى المؤسس ؟ ( كيف يمكن أن نفهم الإقدام على تفجير النفس في مطعم أو في مسجد أو أمام مدرسة أو في موكب جنائزي .. كيف يمكن أن يكون ذبح الأطفال من الوريد إلى الوريد في قرية جزائرية تعبيرا ؟!كيف استطعنا أن نلد هذه الكائنات ؟ . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص . 140 ) يمثل الانبثاق الصاعق للقدامة الفائقة ، مفاجأة في مشهد تاريخي ، يصطرع فيه الفرفاء تحت مظلة الزمان ، وبآليات مصاغة بأنامل وضعية .لا يملك السارد ، أمام الانبثاق المفاجئ للقدامة الفائقة في المشهد الثقافي المغربي ، سوى استعادة المسار الأسطوري لمحمد الفرسيوي واستقصاء علل الخرائب في مغرب هناءة الحداثة الفائقة والإيغال في قياس مساحات التحول الميتامورفوزي لدى المهووسين ، ذات زمان ثوري ، بتثوير الفعل وتسريع التاريخ على إيقاع الزمان الماركسي اللينيني ! . ( قلت ، لست كذلك ، ولكنني أتفهم أن أكون كما تدعي ، لأن هذه الطمأنينة العامة تزعجني . هذا الشعور بأن الجميع قد وصل إلى بر الأمان ، وأن لا شيء يهدد غفلتنا هو شعور بليد ولا مكان فيه لأي شيء إنساني . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة –ص . 290 ) يأتي انبثاق الإرهاب ليرج الأمان الخادع ، وليرمي بمن يستظل بالمصالحة السياسية وبالموافقة الفكرية ، في لجة جديدة ، لجة استكشاف اللهب الجديد الاتي بعد انطفاء الاعتراك الفكراني . لقد خمدت نيران الايدولوجيا ، لتتأجج ، حمم القيامة .لا ينسحب أفق التاريخ من المشهد ، إلا لتشحذ القدامة الفائقة أسلحتها الانتحارية .لا يغيب الفعل التاريخي ، إلا ليطالب الجذمور الإبراهيمي باجتثاث المفعول التحديثي والتنويري للحداثة ، وقلب مسار التاريخ الحديث جذريا .! فالأمان الناتج عن المصالحة ، ينطوي على انتفاء العنف العمودي ظاهريا على الأقل؛ إلا أن الإرهاب يكشف عن عنف أفقي أشد ضراوة ، لأنه منغرس في قيعان الميثولوجيا وموجه إلى الالتذاذ القيامي .فالعنف القيامي المنفصل عن العنف السياسي للدولة ، يعلن عن انبثاق عنف متأجج ، شغوف باللذة الفردوسية وبتضاريس الإمتاع القيامي . فحين ينفصل العنف عن الفكر والسياسة ، وينصرف إلى رسم خرائط الرغبة المرجأة ، ينبجس الفعل الإرهابي ، ويخلخل بنية المصالحة من الأساس ويرج العقل الذرائعي . ليست رواية " القوس والفراشة "، على الحقيقة ، إلا تأملا في صدور اللامحتمل واللامتوقع في سياق تحكمه الموافقة ، فكرا وفكرانية ، والتناهب ، سياسة واجتماعا واقتصادا .كما ليست إلا تأملا في مكر القدامة الفائقة ، القادرة على الاستعانة الماكرة بخدمات الحداثة الخلاسية والحداثة الفائقة معا. لا تتفوق القدامة الفائقة في صناعة المشهديات القيامية ، فقط ، بل في استملاك الايطيقا والقانون والتقانة ، وكل ما بلورته الحداثة من إبدالات ومتصورات ، لتنفيذ مخططاتها الكابوسية . فقد تمكنت القدامة الفائقة من استقطاب موارد بشرية ، تؤهلها نشأتها الاجتماعية وتكوينها الثقافي الأصليان ، لتبوأ مقاعد وثيرة في فضاء الموافقة .تتجلى فداحة القدامة الفائقة ، في قدرتها على إصابة الحداثة الفائقة ، في مواردها البشرية وبآلياتها وتقانتها وقوانينها وعلومها نفسها .فهي لا تسلل من الهوامش ومن الحواشي ، بل تنفذ من البؤرة ، ومن العمق البشري والعلمي .فالإرهاب القيامي ، لا يتغيا الحجاج أو الاحتجاج ، أو التناظر .إنه مسكون بالثأر من الصوت السالب في الميثولوجيا المؤسسة ومن الهندسة الكيدية ضد التجليات العصرية للرافض الأول لخطاب التعالي .أليست مطالبة الإرهابي المسجون بالخلوة الشرعية ، مكرا وكيدا ، وثأرا من العمق النظري للحداثة القانونية والحداثة الأخلاقية ؟ ألا يضيف الإرهابي إلى سفسطته المرجعية ، كلبية سلوكية بها تكتمل كيديته المؤصلة ؟ أليس الانقتال ، الخاتمة المنطقية لثورة العبيد في الأخلاق ؟ ( ...وقال كأنه يكمل حديثا سابقا : - كل هذا العمر الذي ضاع منا ، يستحيل تعويضه ولو بكل ثروات الدنيا . لا توجد سنوات تباع في أسواق صغيرة أو كبيرة ، يا له من غبن !عندما أفكر في ما اغتصب منا من أعوام لمجرد أن أحدنا نسي كتابا سخيفا للينين في أمتعته ، والحال أن إرهابيي الخلايا النائمة اليوم بأحزمتهم ومتفجراتهم لا يقضون في السجن سوى بضعة أشهر يتمتعون خلالها عشرات المرات " بالخلوة الشرعية " . إنه شيء يفجر المخ !. قلت مواسيا . - وكل ذلك من أجل " المراكشية اللينينية " . لا يمكن حتى أن نقول . في سبيل الله !) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة –-ص . 128 )
يتسلل الإرهاب من خلال شقوق الحداثة الخلاسية ،ليهز الطمأنينة الوجودية وليعيد صياغة العنف المؤسس بآليات الحداثة الفائقة .فالإرهابي مرمق حاذق ، يستطيع عبور فجوات الحداثة الخلاسية اللانقدية و أن يدير آليات الحداثة الفائقة بحذق ماكر وانتقامي .فهو بارع في إبراز العتمات والفجوات والأخاديد المرسومة على تضاريس حداثة المؤالفة ، البعيدة عن مساءلة الإبستيمية العقدية في نواتها الصلبة وفي جسدها النظري . لا يعني ظهور الإرهابي ، إلا عجز فكرية التساكن والمجاورة الإبستيميين ، وصعوبة إقرار الحداثة في سياق يرجئ استشكال النصوص المؤسسة والبنيات الأنثروبولوجية للمتخيل الإبراهيمي . ( هنا تستفيق الدودة ، وتوسوس لصاحبنا ، هل تريد أن تفني صحتك على هذا الجنس ، هل تريد أن يكبر ولدك نصرانيا و أجداده كلهم إلى سيدنا إبراهيم يحملون القرآن في صدورهم هل تريد أن تترك " الشرفاء" يذلون من تبقى من أبناء قبيلتك ، هل تريد أن تتحول مدينة تضم رفات بضعة نبوية إلى وكر للواطيين والحشاشين والمتسولين ؟ ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 70 )
لا تخلو المثاقفة المركبة لدى محمد الفرسيوي من نزعة وطانية ومن تهوس بالأصول الميثية ؛ إنه يواجه الحداثة الظافرة ، بوطان الجذمور ، والعلمانية شبه النفاتية باستعادة التمثلات القروسطية للخصم العقدي .ثمة جرثومة قروسطية في المتصور النظري لحداثة المجاورة والتساكن المستحيل بين قدامة مرجعية متحصنة بأساطيرها وحداثة قارضة لسماكة السرديات المتعالية .فالجد يرفض تربية النصارى ، أما الحفيد فسيرفض تربية الحداثة المجاورة والإقامة المزدوجة في صوان الأسطورة الإبراهيمية وفي عمارة الثقافة الألمانية .فلئن احتفظ الجد بشذرات من الأسطورة المؤسسة وبأوتاد مأخوذة من خيمة القبيلة وبتحليقات الشعرية الألمانية ، فإن الحفيد سيعلن بالدم المراق على إيقاع الكلمات المسجوعة ، انتهاء كل مثاقفة وكل مجاورة ثقافية .كما سيعلن انتهاء التناقض الوجداني ، و زوال توتر الذات الانقتالية الناتج عن الفجوة الرهيبة الموجودة بين الجبروت والرحموت في البنية التأسيسة للرؤية الإيمانية نفسها . يقول علي حرب : ( كان الدين فيما مضى ، شأنه بذلك شأن أي مشروع بشري ، عبارة عن صيغة مركبة ومزدوجة تؤمن نوعا من التوازن بين الايجابيات والسلبيات :بين التقى والانتهاك ، بين الحرام والحلال ، بين الوعد والوعيد ، بين الخديعة والحقيقة ، بين العصبية والسلطة ، بين الحقوق والواجبات ، بين الوازع الخلقي والسلوك الهمجي، باختصار : بين الرحمن الرحيم من جهة وبين الجبار المنتقم من جهة أخرى . ) (- علي حرب – الإنسان الأدنى –أمراض الدين وأعطال الحداثة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى : 2005- ص. 51)
ولئن ذهب ياسين الفرسيوي بالنفي إلى أقصى تخومه ، فإن المتخيل الجماعي ، ما يزال يداور رهابه القروسطي من الغيرية ، ومن الغيرية الغربية الحداثية تعيينا ، ويصر على وسمها بصفات تاريخية منقضية الصلاحية . فقد اختارت الجدة ديوتيما ، الانتحار ، تتويجا لغربتها المزمنة في فضاء يدمن أساطيره الألفية ولا يقبل المثاقفة حتى ولو أتت في رحاب التنمية المستديمة أو العمل الاجتماعي الغيري. (لا أحد سواء وصله بعض من خيرها أم لم يصل ، حمل لها في قلبه شرارة محبة أو امتنان أو عرفان أو تقدير . كانت تجدف في نهر مضاد من التقزز والكراهية ، يعبر عنه الناس بتعبيرات مختلفة ، من الإشاحة بالوجه ، إلى الاستعادة بالله .) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 71) لا تعلم ديوتيما الفرسيوي لا الحكمة مثل ديوتيما سقراط ولا الشعر مثل ديوتيما هولدرلين ، بل تعلم الموت المفكر فيه ، في رحاب المساكنة المستحيلة بين الضريح وأطلال الرومان ، بين الحداثة الجمالية والقدامة الثيولوجية . ( وعندما استدار والدي ليصرخ فيها تعبيرا عن مشاعره الفياضة ، لم يجدها حيث توقع ، وسمع الطلقة النارية كأنها تحت هيكل السيارة ، فاندفع مذعورا ليرى والدتي ممدة بلا جمجمة تقريبا قبالة ضريح المولى إدريس الأول ، وغير بعدي عن الأطلال الرومانية التي غربت الشمس قبل قليل في وحشتها . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة –- ص .65-66) فقد اختارت ديوتيما الباحثة عن تجميع خيوط أسطورة جدها ، الباحث عن الدلالة في الشعر وفي استخراج علامات المثاقفة الرومانية – الأمازيغية في شمال إفريقيا ، تتويج التراجيديا والغربة القصوى بالموت الاختياري .وكأن الغربة ، لا تنتهي إلا بالانتحار ، والمثاقفة إلا بالانسداد ، مادام الكل مكتفيا بصقل أساطيره الخاصة . وليس الانحباس محصورا في حداثة المجاورة ، فإن النسخة المغربية للحداثة المعولمة ، لا تجد أمام امتحان حداثة المجاورة ( محاكمة المجموعات الغنائية المحسوبة على "عبادة الشيطان ") إلا العودة الظافرة إلى أطياف الميثولوجيا المؤسسة . ( وفي هذه الفترة ظهرت على يد عصام فكرة استبدال اسم المجموعة " أرتروز "" بالمشكاة " ، إلا أن مهدي وباقي أعضاء المجموعة رفضوا ذلك رفضا باتا مما ساهم في توتر إضافي في العلاقات بينهم . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة - ص . 244- ) لا تملك السردية الفنية المستعارة من معارض الحداثة الفائقة ، في مواجهة الحداثة المخاتلة إلا الاعتصام بالترميق الروحاني وبالتلفيق العقائدي والعودة إلى القدامة التصورية في أشد تجلياتها مخالفة لمنطق الحداثة . ( لا يعرف أحد ما إذا كان الأمر له صلة بهذه المرحلة ، لكن اعتكاف عصام لفترة طويلة ونزوعه إلى نوع من الدروشة المضطربة ، التي تمزج بين طقوس صوفية سنية وطقوس شعبية ، و أخرى من ديانات وحركات روحية مختلفة ، يرجع على الوجه الأرجح لتداعيات تلك المحاكمة . ) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب -2010- ص . 245- ) لا يختلف الاعتكاف عن الإرهاب إلا في الوسائل ؛ فهما مشدودان إلى النفي المنهجي للحدثية وللزمانية وللعينية وللجسدية .فلئن استوطنت كائنات الحداثة الفائقة هناك ، إبدال الاكتئاب كرد على البيو- سلطة وعلى بربرية البيو-سياسة ، فإن الكائن الطرفي ، سيركن إلى الدروشة لاتقاء شرور الثيو- سلطة الملقحة ببعض عناصر البيو-سلطة . يبدأ الإرهاب بإرهاب المخيلة والجسد والشهوة ، وبإفراغ الجسد الإنساني من أنساغه الحيوية ومن طاقاته الليبيدية ، ليشحنه بليبيدو افتراضية . وهكذا تشرع القدامة الفائقة ، في تفتيت شهوانية الجسد وفي تجفيف منابع الخيال الفني في الكائن ، لينخرط في طقوسية كابوسية لا يتوجها إلا التفجير الانتحاري في أحضان الحداثة النغولية أو في مراتع الحداثة الفائقة . ( ابتسم إبراهيم وقال : - إننا بلد متزمت بشكل لا مثيل له . انظر إلى الطريقة التي تتعامل بها مع الموسيقى والرقص والغناء . لم يوجد في بلادنا صنف من هذه الفنون لم يتعرض للاحتقار والاضطهاد منذ العيطة إلى الهيب هوب ! قلت : إنك تبالغ ، كل التعبيرات الفنية كانت طبيعية وتلقائية حتى حل الطاعون الظلامي فحرم ما حرم وحلل ما حلل ! ومع ذلك لم ينتصر على الرقص والغناء ، بل استطاع فقط أن يفرض الحجاب والعمرة على الشيخات !) ( محمد الأشعري – القوس والفراشة ص . 211- ) ليس الإرهاب الانقتالي إلا السقف الأعلى للإرهاب المخيلة والجسد والإمكان الراقد في ليل ثقافة لا تتقن تفكيك أسطورتها المرجعية واستشكال إبدالها المركزي ، وتتفنن في المماطلة الهيرمينوطيقية باسم التجديد من الداخل ! وفي هذا الصدد ، كتب عبد الله العروي عن التقليد باعتباره إستراتيجية سياسية ، في مغرب السبعينات . (ما يلفت النظر – ربما لأول مرة – ليس أن المجتمع المغربي تقليدي و أنه راض على حاله ، بل ما يتطلبه تركيز التقليد من مجهود . لم تعد تكفي المدرسة ولا الأسرة ولا حتى الزوايا – ما يقي منها - لترسيخ الذهنية التقليدية ، بل لم يعد من شغل للدولة بكل دواليبها سوى دعم التقليد وتبريره . لو كان قويا ، لو كان فطريا ، لو كان جزءا من التركيبة المغربية ، كما يقال في الدوائر الرسمية وغيرها ، هل كان يحتاج إلى هذا النشاط الشاق المتواصل ؟ لنترك ، مؤقتا ، التقاليد الأنثروبولوجية ولنحاول رصد التقليد كبرنامج سياسي . ) ( - عبد الله العروي – خواطر الصباح – يوميات ( 1967-1973) – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء- المغرب – الطبعة الأولى – 2001- ص. 93) .
نقلا عن الاوان
#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 2
-
العلمانية الرخوة واستقالة العقل النقدي 1
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 6
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 5
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 4
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 3
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية 2
-
الاعتراب في واقع انسداده-نقد تصور الجابري للأمازيغية
-
تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان
...
-
تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان
...
-
تمثل الفضاء الثقافي الأمازيغي في - وصف إفريقيا -للحسن الوزان
...
-
الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 4
-
الانسداد النظري لما بعد العلمانية - نقد تفكيكية علي حرب 3
-
الانسداد النظري لما بعد العلمانية -نقد تفكيكية علي حرب 2
-
الانسداد النظري لما بعد العلمانية نقد تفكيكية علي حرب 1
-
مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الرابع
-
مفارقات المثاقفة بسوس –الجزء الثالث
-
مفارقات المثاقفة بسوس- الجزء الثاني
-
مفارقات المثاقفة بسوس - الجزء الأول
-
الحجاب الإسلامي: من تأنيث الألوهية إلى تذكيرها/الجزء الثاني
المزيد.....
-
مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات
...
-
الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و
...
-
-أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة
...
-
الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
-
“من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج
...
-
المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ
...
-
بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف
...
-
عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
-
إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع
...
-
تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|