|
دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 20:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ظلّ الجدل والنقاش الاستراتيجي “الإسرائيلي” متواصلاً، في ما يخص الردع النووي رغم تباين توجهاته، وهيمنة استراتيجية الغموض عليه، إلاّ أن هناك من يدعو إلى التحوّل نحو استراتيجية ردعية واضحة، يتمّ من خلالها تحديد خطوط حمر على الخريطة لا يُسمح بتجاوزها، لاسيما في حال تمّ الانتقال من نظام الدفاع التقليدي إلى نظام الدفاع النووي أو تفعيل الترسانة النووية .
ومثل هذه الخطوة تتطلب إظهار القدرات النووية الردعية وتحديد الشروط المسبقة لاستعمال السلاح النووي، كما تتطلب العمل على توفير نظام ردع فعّال ضد الأطراف المعادية، بحيث يسهم إزالة الغموض في إزالة الخطر على نحو حاسم .
أما الاتجاه الثاني، فيتمسك باستمرارية الغموض النووي، لاعتقاد أصحاب هذا الرأي بأن إزالة الغموض ستؤدي إلى انكشاف “إسرائيل” أمام أعدائها، وخصوصاً في سباق التسلح التقليدي الذي لا تضمن التفوق فيه، بسبب أوضاعها الاقتصادية والجغرافية والديموغرافية، في مواجهة بلدان عربية شاسعة وممتدة ومتنوعة .
وكان بيغن من أوائل المروّجين لهذه النظرية، بهدف منع أي طرف عربي من امتلاك القدرة النووية، حتى إن استدعى الأمر عملاً عسكرياً مضاداً، كما حدث في تموز /يوليو 1981 من قصف مدّمر للمفاعل النووي العراقي . ولعل ذلك ما يهدد باحتمال إقدام “إسرائيل” على قصف المفاعلات النووية الإيرانية، بغض النظر عن التداعيات الإقليمية والدولية التي ستنتج عن هذا الخيار .
وحسب شمعون بيريز فإن امتلاك “إسرائيل” للقدرات النووية هو ما دفع العرب والفلسطينيين للإذعان والذهاب إلى طاولة المفاوضات للتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد، وأوسلو، وإبرام معاهدات الصلح المنفردة والسير في مسالك التطبيع .
وهناك اتجاه آخر في الوسط “الإسرائيلي” محدود جداً، يدعو إلى التخلي عن السلاح النووي، بسبب مخاوفه من هذا الانتشار في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما أنه يرى أن الجغرافيا والديموغرافيا العربية ستكون قادرة على تعطيل أي ردع “إسرائيلي”، في ميزان الرعب العربي- “الإسرائيلي”، وبالتالي فإن “إسرائيل” ستكون عرضة للخطر، وستعود سيناريوهات الحروب التقليدية للظهور مما يسبب الإنهاك “الإسرائيلي” على جميع الصعد .
وحسب المنطق “الإسرائيلي”، فإن الاعتقاد السائد منذ إنشاء مفاعل ديمونة في صحراء النقب العام 1955 وحتى يومنا هذا، بأن امتلاك “إسرائيل” للقدرات النووية هو المدخل المناسب لإجراء أية تسوية، علماً بأن “إسرائيل” ترفض الانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعمد إلى المبالغة في إضفاء هالة من الغموض حول برنامجها النووي، رغم أن امتلاكها للترسانة النووية واضح ومكشوف للعالم أجمع .
وكانت قمة أوباما - نتنياهو التي عقدت مؤخراً في واشنطن قد أعادت مجدداً طرح مسألة السلاح النووي “الإسرائيلي”، لاسيما بعد ما تردد في الكواليس عن تباعد في المواقف الأمريكية - “الإسرائيلية”، إثر إدلاء البعض في وزارة الخارجية الأمريكية بتصريحات تدعو “إسرائيل” إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، في سبيل إقامة شرق أوسط خال من كل أسلحة الدمار الشامل، وقد سبق أن تبنّت وزارة الخارجية الأمريكية بموجب وثيقة صادرة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقد في أيار/مايو الماضي، الدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي في العام 2012 بمشاركة جميع دول المنطقة، من أجل السعي لإقامة منطقة منزوعة السلاح النووي .
وقد دعت هذه الوثيقة “إسرائيل” إلى ضرورة الانضمام إلى المعاهدة ووضع جميع منشآتها النووية تحت نظام الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية . وعلى الرغم من أن الدعوة لانعقاد هذا المؤتمر لا تحمل صفة الإلزام، كما أن الإشارة إلى “إسرائيل” لا تشكّل إلزاماً عليها، إلا أن مجرد دعوتها إلى هذا المؤتمر وذكرها بالاسم سبب استياءً “إسرائيلياً”، اعتبره نتنياهو والحكومة “الإسرائيلية” تراجعاً أمريكياً عن مواقف واشنطن التقليدية تجاه “إسرائيل”، مما أوجد نوعاً من الاحتكاك “الإسرائيلي” - الأمريكي . لكن هذا القلق “الإسرائيلي” سرعان ما تمّ تبديده خلال القمة الثنائية (التاريخية حسب بعض التوصيفات) بعد حصول “إسرائيل” على موافقة واشنطن بمنحها المواد الضرورية واللازمة لتشغيل مفاعلاتها النووية للأغراض المدنية، وهو ما حلّ عقدة الحصول على بعض المواد التي كانت تعاني في سبيل الحصول عليها مؤخراً، بسبب عدم انضمامها إلى نظام الضمانات الدولية التي توفرها الوكالة الدولية .
لقد لفت انتباه المراقبين، أنه إذا كانت العلاقات الأمريكية - “الإسرائيلية” قد شهدت توتراً عقب وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وخصوصاً بعد التصريحات الرسمية التي صدرت عن إدارته بخصوص السعي لإقامة دولتين ودعوة “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، إلا أنهم رأوا أن القمة الثنائية التي عُقدت بين نتنياهو وأوباما مؤخراً، أتت نتائجها لتصب في صلب الموقف “الإسرائيلي” من الترسانة النووية، وتبني خطة نتنياهو بشأن المفاوضات المباشرة .
إن دعم تل أبيب نووياً من قبل واشنطن يعني تفعيل التفاهم الأمريكي- “الإسرائيلي” لتنظيم العلاقات بين البلدين انطلاقاً من اتفاق العام ،1969 الذي تمّ التوصل إليه بين الرئيس الأمريكي نيكسون ورئيسة الوزراء “الإسرائيلي” غولدا مائير بعد فشل عدة محاولات أمريكية للضغط على “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية .
أما مضمون التفاهم الجديد فهو يقضي باستمرارية الغموض النووي “الإسرائيلي”، على ألا تكون هنالك تجارب نووية جديدة، مع مراعاة عدم الضغط على “إسرائيل” للانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهي كلها شروط “إسرائيلية” بامتياز، الأمر الذي عُدّ تراجعاً أمريكياً أقرب إلى الترضية، ونجاحاً “إسرائيلياً”، أقرب إلى رد الاعتبار .
لقد عزّزت قمة نتنياهو - أوباما الاستراتيجية “الإسرائيلية” بشأن الردع النووي، لكونها وسيلة ضغط “إسرائيلية” على السلطة الفلسطينية وقيادة حماس والدول العربية لقبول المدخل “الإسرائيلي” للتسوية وفرض هيمنتها على المنطقة، وهذا هو جوهر التفاهم الأمريكي “الإسرائيلي” خلال العقود الأربعة الماضية ونيّف، أي منذ عدوان حزيران/يونيو العام 1967 والذي تعزز باتفاق نيكسون-غولدا مائير بالأمس، وتمّ تجديد تأكيده في قمة أوباما نتنياهو اليوم .
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاث سلطات تلاحق المثقف
-
الثقافة رؤية والسياسة تكتيك
-
سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر
-
صدام الأصوليات وحيثيات التبرير!
-
هرطقات ديمقراطية صهيونية
-
نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
-
الثقافة والابداع من أجل التنمية!
-
عن النقد والمراجعة الفكرية
-
هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
-
حين يرحل المفكر مطمئناً
-
أسئلة التنوع الثقافي
-
استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة
-
الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية
-
سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
-
الثقافة والتغيير
-
ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
-
النيل والأمن المائي
-
الانتخابات ومستقبل العراق!
-
الأزمة الكونية وحلم التنمية
-
5 رافعات للتسامح
المزيد.....
-
بوغدانوف يبحث مع وفد من حماس المستجدات في غزة ويؤكد أهمية ال
...
-
الجدل حول شراء غرينلاند لم ينته بعد.. ورئيسة وزراء الدنمارك
...
-
بيل غيتس وصورة -الملياردير المثالي-
-
ترامب يعلق رسومه الجمركية على المكسيك -شهرا-
-
الرياض.. برنامج أمل التطوعي لدعم سوريا
-
قطاع غزة.. منطقة منكوبة إنسانيا
-
الشرع لـ-تلفزيون سوريا-: النظام كانت لديه معلومات عن التحضير
...
-
مصراتة.. سفينة مساعدات ثانية إلى غزة
-
جنوب إفريقيا تعلن عن إجراءات محتملة ردا على قرار ترامب وقف ت
...
-
مصر تصدر خرائط جديدة لقناة السويس.. ما أهميتها وتفاصيلها؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|