أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلورنس غزلان - هل يمكن الغفران؟














المزيد.....

هل يمكن الغفران؟


فلورنس غزلان

الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 16:23
المحور: الادب والفن
    



حطموا كل الكؤوس، رموا بمحتويات البيت قطعة قطعة...كدسوا أواني الطبخ وأضرموا فيها حقدهم، عبثوا بأدوات المكتب ورموا وثائق أقتنيها...ساروا فوق كتب جمعتها على حساب لقمتي، مرت عجلات سياراتهم فوق جثتي وهي تعبر حقل البيدر وساحة الدار..لم أستطع البكاء ولم يخرج صوتي المكتوم عويلاً .
تدفقت عناصرهم المكتنزة تفتح كل الأبواب وتكسر زجاج النوافذ فربما أخفت بين دفتيها ورقة تُعَّبر عن حلم ممنوع..أرادوا مسح خريطة الزمن وخريطة الوجود...من ذاكرتي...أرادوا أن أعترف بأن المستقبل غامض ومُنتهك ومُجَّير ، أرادوا أن أردد تعاليمهم القدسية الجديدة، أن أسجل في كتاب التاريخ أسماء لم يقرأها أبي ولم يروِها جدي...أرادوا تلقيني درساً في نهج البلاغة وفي فقه الإله المحتل لأرض لاتعطي مفتاحها السري لأي طاريء..، فكيف لي أن أخون الأمانة؟ وأنى لي أن أمسح الأحلام من عيون الأطفال في حارتي الصغيرة ومدينتي التاريخية؟..إن غفرت للجميع خطاياهم ...إن غفرت لنفسي أخطاءها...وعفوت وصفحت عن هفوات الصديق والرفيق..أو عن إساءة جارتي وقريبتي، فهل يمكنني أن أغفر لحفاري القبور المدججين بالفؤوس وأسلحة الاقتلاع استمرارهم في نبش كتبي وذكرياتي؟ هل يمكن أن أغفر لمن تسمرت قدماه أمام بيتي كي يقتل حبيبي؟ هل أغادر أرضاً اغتصبت ...وحفظت صور وأشكال المغتصبين...وأسماء الجنازات المدفونة دون علم أهلها، ودون أن تفتح مآتم لموتاها...دون أن أسجل هذي الصور وأحملها معي صندوقاً من ألم الحكاية، جزءا من ألمي وألم بعض من حولي إلى أن يعود القمح في البيدر، إلى أن تهبط كل النوارس المهاجرة في شاطيء أوغاريت وتقرأ خطوط الأجداد الأولى وتنقش من جديد وشمها الحديث فوق لوح من ألواح زمن ولى وغادر؟!!
لا أملك جسداً مطاطياً يقاوم الصدمات ولا روحاً من جليد تقاوم النار، لكن قلبي تحَّول لرماد افترسته وحوش بشرية الصورة، أرتعش لفجيعتي ترمقها العيون فتلوذ بالصمت أو تدير الرؤوس حين يكتمل افتراسي، عيون لاتحرس الطريدة وإنما تهادن القناص .. يُفتَرَسُ الضوءُ في عيوني...تُغتال الكلمة في قاموس لغتي ولغتهم ، لم يبق مني سوى أشلاء تقاوم القتل النهائي..أُذبح ورفاق دربي نهاراً جهاراً فوق صواري الإعلام ، تقام أعراس الفرح بالنصر المؤزر المعلن والمبطن فوق رائحة الدم المسفوح على درجات الأقبية المظلمة، تضيق الأرض أمام حجم المؤامرة وغفوة الإنسان أمام نحر الصدور وطعنات الظهور لملوك الكلمة ، لشرارة الحكمة تشعل نيرانها في دفاتر الشباب وتنشر أشرعتها نحو الشمس، لكن أحداً لايراها...أحداً لايأبه لموتها أو لاندحار قلوعها...فعدة السفن والبحارة لايمكنها أن تقوى على المرصود من كمائن لتشكيل خريطة جديدة لوطن برهن الأسرة الحاكمة.
اخترقت نصالهم لحمي، لم يبقَ في جسدي المُزرَّق بقعة آمنة من الخوف والذل ، لم يبقَ لرجفة أصابعي قدرة على الإقلاع فوق صفحات مزقوها ونعتوها بالكفر... أليس وجعاً غير محدود أن يصنف العاشق لوطنه بأنه الكافر الملحد بالوطن وربه...رب نعمته ! أو نقمته؟!..هي حقيقة مفجعة...ومتاهة أردت أن أخرج منها بأقل الأضرار..هزيلة مراكبنا...هزيلة قصائدنا أمام حجم الموت وقوة الصمت، غزيرة ذكرياتنا...وقليلة حقائبنا...ففي دوامة القتل ودوائره ، لامجال للبطولة ولا مجال للوقار..هناك عيون صغيرة تنتظر بهجة لم ترَها...فقدتها منذ الولادة، وأمامها يصبح جبروتك وعنادك مستحيلاً...أعلن الرحيل..لأن جغرافيا المكان لم يعد لي فيها موطيء قبر أو فسحة فرح لصغاري..
بعد بطش العناصر بخلاياك...بعد قذفك بكل التهم والجرائم...لم يعد ممكناً أن تصمدَ قواك...فالقوى أمر نسبي ...وأنا أعلن ضعفي أمام عيون صغيرتي الدامعة...سأرحل وستحملني جغرافيا الكرة الأرضية حيث أشعر أني إنسانة...حرة...
أعطوني اسماً...ورقماً في سجل ناصع جديد خالٍ من التُهم ، خالٍ من رصدٍ لتحركاتي أو تنصت لهاتفي...نقية جديدة صرت...للغتي لَكنةُ تشبه نطق الأرمني في حارتي القديمة...لكني متمسكة بها...لأنها تدل على منشأي..طمأنوني وأكدوا لي أني لا أحتاج لقناع كي أقول ما أريد في صفحاتي المخفية...وأن لا أهمية لماضٍ لايدخل هذا البيت ولا يجرؤ على الظهور فوق سطحه أو على بابي....لكن ماهذا الهذيان الذي ظل يلاحقني حيناً من زمن موطني الجديد؟...استطعت ترميم ذاتي ...بعد فترة استطعت استعادة النطق...واستبعاد الرجفة عن يدي حين ترقب القلم وتريد أن تروي ماحدث...بذلت جهداً كي أنتقل من جحيم التفتيش اليومي إلى تزاحم الأفكار في رأسي..وإلى أن أدرك أن أجنحتي مازالت قادرة على التحليق.
من دفاتر باريس وطن الانتظارــ 2007



#فلورنس_غزلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتراف واعتراض موجه للمعارضةالسورية
- حساسية
- حجاب، نقاب، جلباب، تشادور، برقع، بوركة، قناع، ملاية...!
- مَن سيدفع ثمن الحرب القادمة، وأين ستقع؟
- ذئاب تشن حرباً على الكلام
- جنتهم ونارنا!
- حكاية المارستان والأسوياء الأحرار
- الثالوث المقدس عند العرب، الذي يدفعهم لاستخدام العنف والقتل ...
- لعبة الكشاتبين الثلاث في الشرق الأوسط ، كشتبان فارسي، كشتبان ...
- لا ... ثم لا ياكويت لاتكوني سوريا ثانية
- سياسة الوقاية أم سياسة العلاج المتأخر؟
- ذاكرة وألم تتحدث عن علاقة الرجل الشرقي بالمرأة ...بالحب!
- الزيارات الإسعافية للنظام السوري، هل تحمل إنقاذاً أم حرباً؟
- بين التنوع والتسامح
- متى ينضج العرب سياسياً حسب العرف - الإيراني طبعاً-؟!
- آيات نسائية ( الجزء الأول )
- وجهان للقانون السوري، واحد للفساد وآخر للسياسة!
- بعض الكتاب من طينة - التي عملتها بالعين-!
- الحرية الفردية بمعناها اليومي البسيط بين الأمس واليوم
- لاجئون، نازحون، والآن...مهجَّرون!..ومتنزه باريسي باسم بن غور ...


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلورنس غزلان - هل يمكن الغفران؟