|
الحياة مفاوضات فاشلة
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 3095 - 2010 / 8 / 15 - 13:14
المحور:
القضية الفلسطينية
(بمناسبة الإعلان عن فشل المفاوضات) "الحياة مفاوضات" هو عنوان كتاب لأستاذ العلوم السياسية، وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، نشر ليس بعيداً من اليوم، ربما قبل أقل من عام، وكان يهدف إلى أن يكون مرجعاً في المفاوضات الناجحة يدرس في الجامعات العريقة. وصائب ينطلق من "المنجزات الكبيرة" التي حققها على صعيد المفاوضات مع إسرائيل للوصول إلى بناء "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس"، وبالتالي يوضح لنا أساليب التفاوض التي ستكون جديرة بأن تتحوّل إلى أسس عامة يمكن أن يتبعها كل من يسعى لأن يكون ناجحاً في مفاوضاته. لكن، قبل أيام فاجأنا صائب بإعلان فشل المفاوضات، وبحكمته في المفاوضات الناجحة حدد بأن المطلوب الآن هو الذهاب إلى مجلس الأمن بمشروع يطالب بالاعتراف بـ "دولة فلسطين". أولاً وقبل الإشارة إلى "الخيار" الجديد أود أن أتلمس فشل المفاوضات، لماذا فشلت المفاوضات؟ ما طرحه أبو مازن حين أعلن أنه لن يترشح للرئاسة في الفترة القادمة يشير إلى مسألتين، الأولى: أنه قد تبين أن إسرائيل ماضية في السيطرة على الأرض وفي بناء المستوطنات، وبأنها تعرقل قيام الدولة الفلسطينية، والثانية: وتبين كذلك بأن الولايات المتحدة تنحاز إلى إسرائيل. وربما لم يشأ أن يشير إلى أن الدول الأوروبية والوضع الدولي عموناً هو في مصلحة إسرائيل. وأن كل ذلك يعني بأن الوضع الدولي يدعم سياساتها القائمة على ابتلاع أرض الضفة الغربية، وحصر الفلسطينيين في منعزلات هزيلة لا إمكانية للحياة فيها. إذن، بعد أوهام تفاوض بدأت منذ سنة 1974، ومفاوضات مستمرة منذ سنة 1991، وبعد اتفاقات أوسلو الموقعة سنة 1993، أي بعد ستة عشر سنة من المفاوضات المباشرة، يصل الفريق المفاوض إلى أن هذه المفاوضات فشلت، رغم التنازل الهائل من قبل هذا الفريق، كما من قبل كل التنظيمات الفلسطينية وغطاؤها منظمة التحرير الفلسطينية، الذي قام على القبول بـ 20% من الأرض الفلسطينية، والحل الشكلي لمشكلة اللاجئين، وقبول تعديل في الحدود، إضافة إلى الاعتراف والتعايش والتعاون مع الدولة الصهيونية. والنتيجة هي أن الدولة الصهيونية لا تقبل القليل الذي يطالب به هؤلاء، وهي مدعومة من قبل الولايات المتحدة الذي جرى الرهان عليها من أجل الضغط للوصول إلى تحقيق "حل الدولتين"، ومحمية من الوضع الدولي الذي قيل بأنه بات يسمح بتحقيق "الدولة الفلسطينية المستقلة"، حيث أصبح مهتماً بإنهاء الصراع "الفلسطيني الإسرائيلي". هذه الصورة التي توصلت إليها (أو إلى بعضها فقط) قيادة السلطة الفلسطينية، وقائدة م.ت.ف مهمة، لكنها تشي بغباء مفرط، حيث أنها توصلت إلى هذه النتيجة بعد خمسة وثلاثين سنة من المراهنات، وستة عشر سنة من المفاوضات، فهل كنا بحاجة إلى كل هذه السنوات للوصول إلى هذه النتيجة؟ وهل كان يجب أن يسيطر على أكثر من نصف الضفة الغربية، وأن تغطى بالمستوطنات لكي نكتشف بأن المفاوضات لا أفق لها؟ حين يحدث ذلك يكون الجهل المطبق هو الذي يتحكم بالسياسي، لأن من أولويات مهمة السياسي أن يعرف طبيعة عدوه، وجوهر سياساته، وأن يعرف ممكنات موازين القوى. كما أن يعرف حدود قدراته، وممكنات تطويرها. وأيضاً ألا يراهن على ما لا يتملكه هو، لا أن يقيم سياساته على "النوايا الحسنة" لهذه الدولة أو تلك. لقد كان الوضع العالمي ينهار لمصلحة الولايات المتحدة، والوضع العربي ينهار لمصلحة كومبرادور ملحق بالإمبريالية، ودور الدولة الصهيونية يتعزز في سياق الميل الأميركي لوضع اليد على الوطن العربي، والمنظور الإمبريالي لتفكيك الوطن العربي وتفتيته من أجل نهبه والتحكم بالنفط. في هذا الوضع لم يكن في وارد الولايات المتحدة أن تكسب كومبرادور فلسطيني على حساب إستراتيجيتها التي تلحظ بأن الدولة الصهيونية هي مرتكز جوهري فيها، وأن تعاظم قدرتها يعني استمرار توسعها. وبالتالي كانت أحلام قيادة م.ت.ف بأن تحوّلها إلى كومبرادور أميركي سوف يعطيها سلطة، ولو على شبر من فلسطين، هي أوهام لا موقع لها في الرؤية الأميركية العامة. وأكثر أنها تحصل على ذلك دون مقابل. وحيث كانت هذه الأحلام تؤسس لسياسات لم تفعل سوى تدمير النضال الفلسطيني، وإعطاء متسع من الزمن للدولة الصهيونية لكي توسع السيطرة على الأرض وتبني المستوطنات، وأيضاً تحوّل القضية إلى قضية خلافات جزئية بدل أن تكون قضية شعب يعاني من الاحتلال الاستيطاني، ومن النهب الإمبريالي. وتصبح كل الممكنات كارثية. المقاومة في مناطق مسيطر عليها بشكل شامل، حيث أن الكانتونات تهيئ لسيطرة محكمة . والحلول السياسية، حيث كل خطوة الآن تفضي إلى مخاطر أكثر من أن تساعد على العودة إلى المقاومة وتطوير النضال، حتى السياسي والشعبي منه. فمثلاً، ماذا يعني الذهاب إلى مجلس الأمن للحصول على اعتراف بـ "الدولة الفلسطينية"؟ هل يعني غير الفشل لأن البلدان الرأسمالية كلها ترفض ذلك من الأساس، وبالتالي لن يتحقق اعتراف. وربما حتى في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث هناك أغلبية "مؤيدة" لن يجري استحصال اعتراف، أو سيكون اعترافاً لا معنى له. في المقابل سوف تعطي هذه الخطوة إسرائيل كل المبررات لحصار الضفة الغربية بعد أن أحكمت الحصار على قطاع غزة، وأن تقوم بحملات عسكرية لتدمير البنى فيها. وأيضاً الإقدام على ضم أكثر من نصف الضفة الغربية. وصولاً إلى فرض سيطرة الأجهزة الأمنية التي دربتها لها المخابرات الأميركية، وربما تعلن سلطة جديدة تقبل باستمرار المفاوضات، أو تحدث ذلك عبر "انقلاب داخلي". هل من ممكنات أخرى؟ وهذا يعني بأن هذا الطاقم الذي "حكم" منذ نشوء السلطة، والذي شهد "تنقيته" مع قتل ياسر عرفات، يشهد الآن "تنقية" جديدة لمصلحة فئات ترتبط الرؤية الصهيونية أكثر. وإشارة عريقات إلى أنه يرى الوضع كما جرى مع عرفات بعد لقاء كامب ديفيد الفاشل، وتخوّف من قتل أبو مازن يصب فيما أشير إليه. لكن هذا يعني بأن هذه "الانتفاضة" التي يقودها أبو مازن هي نتيجة شطبه، وليس لأنه توصل إلى قناعة راسخة بأن المفاوضات فشلت، حيث أنه يعرف ذلك منذ زمن بعيد، وكرر القول بألا أفق للمفاوضات مراراً في السنتين الماضيتين. في كل الأحول، ما يمكن أن يستخلص مما جرى هو أن الرؤية الصهيونية هي التي تفرض، وأنْ لا إمكانية لتنازل ما، كما أن الولايات المتحدة هي في الموقع الصهيوني، أو أن الموقع الصهيوني هو موقع أميركي بالأساس. لهذا من الأفضل أن يرحل هؤلاء الذين انطلقوا من أن "الحياة مفاوضات فاشلة"، حيث أن الشعب الفلسطيني قادر على أن يعيد بناء مقاومته ونضاله. والمطلوب الآن هو حل السلطة والتخلي عن أوسلو، لكي ينتهي الاحتلال الذي يعتبر اليوم "احتلال ديلوكس" كما أسماها الإسرائيليون أنفسهم. رغم أن المشكلة التي نشأت أخطر من أن تحل حتى وفق ذلك. وهي تفرض إعادة بناء النضال في الإطار العربي، وليس الفلسطيني فقط الذي قيد إلى مجزرة مدمرة ليس من السهل الخروج منها وحده. ربما حدث هنا كما حدث مع فلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948، أي هضمت الأرض ووضع السكان في وضع مزرِ، كل ممكناته معقدة.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستتغيّر السياسة الأميركية؟
-
اليسار العربي والصهيونية والدولة الصهيونية (حوار مع يعقوب اب
...
-
ماركس وحلم الرأسمالية
-
لم يخطئ غطاس
-
النضال التحرري حينما يسقط في نظرة ضيقة
-
حول مشروع المهمات البرنامجية-2 الذي نشره تجمع اليسار الماركس
...
-
حول مشروع المهمات البرنامجية- 1 الذي نشره تجمع اليسار المارك
...
-
المقاومة من منظور اليسار مرة مكررة
-
أي يسار هذا؟
-
عن المقاومة من منظور الماركسية
-
حول مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية
-
أوباما: لون البشرة هل يغير طعم السياسة؟
-
المنطق الصوري في السياسة (ملاحظات حول تناول الحرب على غزة)
-
المقاومة من منظور اليسار
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 3 أخيرة (من أجل توضيح الاختلافات)
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 2 (من أجل توضيح الاختلافات)
-
حوار في المبادئ مرة أخرى- 1 (من أجل توضيح الاختلافات)
-
الميل نحو اليسار: لكن أي يسار؟
-
عن غزة والوضع العربي
-
عن أهداف الحرب على غزة
المزيد.....
-
الأردن.. ماذا نعلم عن مطلق النار في منطقة الرابية بعمّان؟
-
من هو الإسرائيلي الذي عثر عليه ميتا بالإمارات بجريمة؟
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
إصابة إسرائيلي جراء سقوط صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل
...
-
التغير المناخي.. اتفاق كوب 29 بين الإشادة وتحفظ الدول النامي
...
-
هل تناول السمك يحد فعلاً من طنين الأذن؟
-
مقتل مُسلح في إطلاق نار قرب سفارة إسرائيل في الأردن
-
إسرائيل تحذر مواطنيها من السفر إلى الإمارات بعد مقتل الحاخام
...
-
الأمن الأردني يكشف تفاصيل جديدة عن حادث إطلاق النار بالرابية
...
-
الصفدي: حادث الاعتداء على رجال الأمن العام في الرابية عمل إر
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|