أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - عندما يضيء القنديل














المزيد.....

عندما يضيء القنديل


محمد نوري قادر

الحوار المتمدن-العدد: 3092 - 2010 / 8 / 12 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


في غرفة على سطح منزله , هو مرسمه الصغير وعالمه حيث ينتمي, يقضي مع الالوان كل أوقاته فيها , لوحاته انتشرت هنا وهناك وفي كل ركن من جدرانها بعناية فائقة ,جميعها تعلن ما يجول في رأسه من أفكار ورؤى, أو ما يراه على مقربة منه تفاعل معه بمرور الزمن في صراع طويل مع ذاته المحترقة حبا لعالم أصطدم به فتوهج نورا بعث الدفء في نفس ضامئة أيقضتها الالوان كأنها في سبات عميق , ولم تكن هي كذلك , كينبوع تدفق ماؤه فجأة بغزارة يبحث عن ساقية يصب فيها ماؤه ليسقي بها ظمأ حقول امتد سنين طويلة , لاشيء يعيقه بعد الآن ,فقد تحرر ,كما هو الينبوع من الصخور الجاثمة على صدره ,من افكار بالية عصف بها الزمن لا تعني شيئا الان سوى ان تكون كما هو الحمار الذي يجر العربة .. ما أجمل تلك اللحظة , وكم تمنى ان يراها قبل أن يفوت الآوان, فقد كان يعرف منذ البداية انه قد ولِد كي يكون كما هو , كما يحب ان يكون , كما يحب ان يرى ما تعشقه العيون , لن يطيق من يريد ان يطعمه ما لا يستساغ طعمه وإن كان حلو المذاق .
لقد حطم كل القيود التي وضعت عنوة في معصميه وأنتصب واقفا بشموخ كالنخلة,مزهوا بنفسه كالطاووس , لم يعد بحاجة من يعلـّمه ما لا يطيقه , ما لا يريد ان يتعلمه , فقد عرف ما يجب معرفته , ما يجب ان يسموا به , فلا يوجد اسمى من من الطيور في فضاء واسع ٍ رحب بألوانها الزاهية . لم يكن بحاجة لتلك المقاييس الطارئة التي وضعت يوما كي يقاس بها من توضع له بصفاتها المتعددة حتى وإن وضعت في أطار لوحة أكتملت معالمها وأكتسبت صفاتها , فلا جدوى من بقائها ان لم تكن تعني شيئا ,
وهج النور كامن في النفس , موجود فيها , في جوفها منذ الازل يتبلور مع اللون, مع ما يحيط حوله وفي كل اتجاه , يتلئلىء كحبات لؤلؤ مشرقة اذا ما تساقط عليها الضوء المنبعث من السنابل المتوهجة حبا وبهجة .
كان يعيش في عزلة مع نفسه أحيانا , يحدثني ,حين أزوره في أوقات متفاوتة كثيرا , عن عالمه الخاص وشجونه وأحساسه المرهف تجاه الاشياء التي تحيط حوله حتى أصبح يبدو لمن لا يعرفه انه كالمجنون , لكنه يجد متعة في الحديث عما يدور في خلده والبوح به ,كأنه عبء يريد التخلص منه ,يرميه بعيدا الى غير رجعة.. كان كثيرا ما يردد جملته الشهيرة حين نلتقي بصوت كأنه نغم ينساب من شفتيه وبرّقة متناهية , مبتسما كعادته : عش كما انت , كما يحلو لك , لاتدع احدا يمسك معصميك , ليس لأحد حق عليك , ولن يوجد من له حق عليك
هل حقا أقول ؟
ربما
لقد اسعدته حقا صحوته كثيرا , وإن جاءت متأخرة جدا , فقد جعلته يخلع عن جسده تلك الثياب التي طالما ارتداها بزهو ٍ وعناية فائقة , لانه يريد ان يكون كما هو وكما يريد أن يعرفه الجميع فما زال للعمر بقية , وما زال بمقدوره أن يترك تلك الحماقات جانبا التي اتعبته كثيرا , والتي لم يكن لوجودها ما يبرره , سوى ذلك ألانطباع الجميل الذي يعشقه الانسان في كل زمان ومكان والاثر الذي تخلفه ورائها , فهي من صنع أيدينا كما يقول وأفكارنا التي لم ترقى الى ما هو مطلوبا منها , فلم نجني منها شيئا سوى السباحة في تلك المياه الضحلة , ملطخين اجسادنا بقذاراتها , ولن تروي أبدا من أصابه الظمأ إلا لحظات معدودات ليبدأ ضمأ آخر يتجدد . وذلك الصراع الصاخب من أجل ان يكون له موطىء قدم في صحراء قاحلة تكسوها رمال متحركة بأستمرار , وحارقة اذا سُلطت علها الشمس , تملئها ذئاب تعشق الدم البشري ,وأفاعي متعددة ألالوان وألاشكال , تعيش فيها , يمتلكه هاجس الخوف أن تفترسه تلك الذئاب , أو يموت بلا لحظة وداع في زنزانة ضيقة او كهف معتم او مسجى عاريا على رابية فوق الرمال .
في تلك اللحظة توالت على ذهنه أفكار وتساؤلات عديدة وهو يمسك فرشاته في مرسمه الصغير , ينظر في لوحة أوشكت على نهايتها , يضع لمساته ألاخيرة عليها , وهي حقل ازهرت سنابله حلـّقت في سمائه غمامة من الطيور. تراجع بعد حين الى الوراء قليلا وترك فرشاته في علبة صغيرة على منضدة قريبة منه وهو يتأمل لوحته , يتحدت مع الطيور المحلقة فيها :
كلوا منها ما شئتم , انتم جزء منها حتى لو لم يرضى صاحب الحقل . وصار يضحك بأعلى صوته حتى سقط على الارض من فرط الجهد .



#محمد_نوري_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن لا يعرف الأقزام
- جواد المنتفجي .. كتابات بانطلاقة الحزن .. ووجع الكلمة
- لا يوجد غير الحمقى
- صرخة
- المدينة المنسية
- ياتراب
- أنا أعرفك
- إشارة
- تراتيل طائر
- دُعاء لمْ يُستجاب
- إني اعلنت البراءة
- لا تنتظر المطر
- لوليتا تسببت في فصلي من المدرسة
- لماذا الدروس الخصوصية
- الشهيدة منى ليزا
- دستورنا
- محلة الاسكان..كي لاننسى
- رسالة خاصة جداً
- هكذا ولدت ابنتي رغد
- أعلنوا الوفاء


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - عندما يضيء القنديل