خيري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 3090 - 2010 / 8 / 10 - 08:41
المحور:
الادب والفن
لن أسمح لأحد بالمضي بعيدًا خلف الغرفة البيضاء، هناك سأبقى وحيدًا لوقت نسبيّ لأن الزمن في إطار الغرفة غير محدّد، ومن الممكن أن تسير عقارب الساعة للخلف. من يدري!
لماذا الغرفة البيضاء تحديدًا؟
ذلك لأنها تسكننا من دون آلاف الغرف التي تطؤها أقدامنا خلال مشوار العمر. غرف شاسعة كبيرة مضيئة، غرف ضيقة وسخة وذات أطراف حادّة تؤذي حضورنا وتقلص مساحة الحرية التي نتمتع بها، أو هكذا يتهيّأ لنا طوال الوقت.
كلّ منّا يمتلك غرفة بيضاء تتسع لأحلامه واندفاعه وطموحه، في غرفتي لا قيمة للجاذبية الأرضية، قد تستقبل البعض في غرفتك لوهلة من الزمن، وإذا أصّر على البقاء، يمكنك عندها أن تساعده للعثور على غرفته البيضاء ليمضي بعيدًا عن عالمك، دون أن يخدش الإحساس بشفافية المكان والزمان، دون أن يترك بصماتٍ عابثة إنسانية نابية أو بريئة، لأنّه باختصار غير مؤهّل فيزيائيًا للقيام بذلك.
غرفتي البيضاء دون حدود أو جدران أو أبواب أو نوافذ، مساحة منفتحة على العالم الداخلي، حيث يتواطأ النور مع تيار الفكر المندلق في فضاء المكان. وكأنّ الروح تنسلّ وحدها نحو حبيب طواه الزمن، نحو إحداثيات كونية تنهال كالأرقام متتالية لتخلق حالة من الفوضى المنظمة أسمّيها مجازًا سيمفونيا. أولد ثانية، أضمحلّ، أفنى، أتخبّط في لجة الحدث دون رقيب أو حياء أو حتى اعتذار من شقاء الجسد وضعفه. أقول معذرة فقط لدفق أنغام الكمان التي سمعتها يومًا ما تنساب من بين يدي فتاة صغيرة، كانت تستجدي بعض الحياة وقطع نقد معدنية لتكون ونكون. أعتذر من تلك اللحظة التي تاهت في خليج الزمن الثائر على ذاته.
لو ..! لو يعود الوقت قليلاً نحو جزءٍ من الثانية حين حطّت أصابع يدها فوق الوتر، لحظات قبل أن تندلع الملائكة بالتسبيح وتمجيد الخلق والخليقة .. لو!
أحبّك كما أفهم الحبّ وحدي فابقي بعيدة عن غرفتي البيضاء بحقّ الهوى المسفوح عند عتبات الشرق .. أحبّك كما يفهم الحنّاء حبور العرائس حين يلطّخن أكفهنّ بانتظار موعد اللقاء، قبل أن تشعرن بوقع الهمسة والقبلة، قبالة تلك البوابة التي تفصل ما بين الجمهرة الصاخبة وأنين الدفّ وزغردة الأمّهات وحسد الفتيات ولحظة الانعتاق من العذرية.
#خيري_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟