أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - يحيى الأمير - انتخابات في السعودية .. غياب الشرط المدني ووقوع في نواقض الديمقراطية ابتداءا بإقصاء المرأة















المزيد.....


انتخابات في السعودية .. غياب الشرط المدني ووقوع في نواقض الديمقراطية ابتداءا بإقصاء المرأة


يحيى الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 07:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


سعوديون في مدن سعودية سيتجهون قريباً صبيحة يوم ديمقراطي الى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيهم الذين سيمثلونهم في المجالس البلدية، وكذلك سعوديون ايضاً سيرشحون انفسهم لشغل تلك المقاعد. وسيخوض المجتمع بأكمله تجربة جديدة تهدف الى خلق نوع من المشاركة الشعبية في صناعة القرار فيما يتعلق بشؤون المدن والاحياء. وهي تجربة متميزة وحيوية وتمثل ابرز واهم اختبار مدني سيمر به المجتمع السعودي. ولقد جاء الاختبار في المادة التي يعاني فيها المجتمع الى الآن من تحصيل اقل الدرجات وهي تلك المتعلقة بالمرجعية المدنية والحس المدني الذي لازالت تتنازعه الرؤية العائلية والقبلية وتتصرف في توجهاته، بل ربما يكون خوض هذه الانتخابات اخطر مما لو كانت انتخابات على نطاق اوسع واعلى ويعود ذلك الى ان ثقافة الحي لدينا لم تتشكل الى الآن بحسها الحقيقي.. خاصة ان ثقافة الحي لدينا قد انعدمت تقريباً حين تحول الناس من احيائهم الخاصة الى احياء متعددة السكان فلم يعد "الحي الفلاني" لبني فلان مثلاً وانما اصبح خليطاً متعدداً وهذه احدى نتائج المدنية الحديثة التي تفتح الاحياء على مشاهد غير عائلية يتم التواصل فيما بينها. على اساس الجوار والمصلحة اليومية والمنفعة العامة للحي.

عدا ان المجتمعات التقليدية ذات الثقافة القبلية والعائلية تحايلت على كل ذلك وقبلت "الحي" انما بشروطها فتخلت بشكل كبير عن مسألة الحياة كتجمع واحد متكاتف داخل الحي ولم تستبدل القبيلة بالحي. وانما غيب الحي كثيراً كظاهرة اجتماعية واصبح الفرد لايكاد يعرف جاره سوى في الاماكن التي تجمعهم، وهنا تبرز حيوية المسجد كآخر الدوائر التي يجتمع ويلتقي فيها سكان الحي الواحد وتبرز بينهم الاهتمامات والقضايا المشتركة ومع هذه النقطة المضيئة التي يمثلها المسجد، في داخل الحي، تعيش بقية النقاط انطفاءً كبيراً اذ تغلب المجتمع التقليدي على ثقافة الحي الجديدة وحجمها وانشأ مقابل ذلك تكتلات عائلية وجماعية الغرض منها تقوية الرابط القبلي والدفاع عنه والابقاء على شروطه ومقوماته.

ان ما يحدث من اجتماعات الزامية للعوائل وابناء البيت الواحد بشكل دوري وما هو شائع من اهتمام جديد بالمشجرات العائلية والانساب والبحث فيها والسوق النشطة لكتبها.. كلها من مظاهر الخروج عن ثقافة الحي الواحد والمحافظة العلنية على حالة الانتماء العائلي والقبلي وعليه فإن "الحي" في المجتمع السعودي لم يتشكل الى الآن بالصورة التي تجعله تجمعاً حقيقياً مشتركاً في المصلحة والرؤية ووحدة جمعية متكاملة.

وهذا يعود الى ان الثقافة التقليدية تظل في اقتتال واشتباك دائم مع كل المظاهر المدنية والحضارية الجديدة ويتم تلقيها لتلك المظاهر وفق الشروط والتركيبة التقليدية.
ومعلوم ما تمثله العائلة والقبيلة من مرجعية مع ما تتميز به تلك الثقافة من ادوات ووسائل الدفاع عن كل انماطها واساليبها التقليدية.
ومن هنا يبرز جانب التحدي والمغامرة في مسألة الانتخابات البلدية وكيف انها رهان على وضع غير مكتمل الشروط.


الانتخابات القديمة.. الانتخابات الجديدة

تجربة جديدة سيخوضها المجتمع وستكون لها ضريبتها قطعاً وستصبح ابرز واهم اختبار يمر به هذه المجتمع، وهنا يمكن القول ان اختيار اقرار مشروع الانتخابات في هذه الفترة وتحديده في المجالس البلدية كان مصنعاً حقيقاً للمجتمع على محك تجربة اولى وفي عنصر سيمثل برهاناً حقيقياً على مدى الوعي المدني الذي وصل اليه المجتمع ومدى قدرته على الانخراط في مجتمع مدني حقيقي، ومدى قدرته ايضاً على تجاوز معطيات وسمات حياته التقليدية والقديمة ذات الظرف الذي يحتم عليه المراوحة في دوائر العائلية والقبلية، ظروف العيش والصحراء والقرية والكسب والمعاش وغيرها من اشكال حياة ما قبل "الدولة".

الحياة ذات الحراك غير المدني والتي يسعى فيها الفرد اول ما يسعى الى البقاء، عدا ان الحياة الجديدة وحياة "الدولة" بمؤسساتها التي تحولت معها مبررات وعوامل الكسب والمعيشة، وبالتالي تحولت المرجعية من القبلية والعائلة الى الدولة - الوطن، وهذا التحول يفرض منظومات من القيم والانماط الحياتية والسلوكية الجديدة التي تحتاج الى عملية احلال في موقع القيم القديمة لكيلا تكون عملية الانتقال عملية شكلية.. ذلك ان الانتقال التشكيلي اكثر ضرراً من البقاء في الدوائر التقليدية والمتخلفة.. فما فائدة ان ينتقل الفرد من ركوب الجمل الى ركوب السيارة ليتعامل معها بنفس الذهنية التي يتعامل بها مع الجمل، وعلى هذا المثال البسيط تقاس امثلة كثيرة كلها تؤدي فيها النهاية الى الاقرار بالخطر الذي يتمثل في التحول الشكلي من البدائية الى المدنية.

وفي خضم حديث كهذا او احاديث مشابهة يظهر ذلك الرأي الذي يرى بأن ثمة مبالغة فيما تقدم خاصة ان الانتخابات البلدية قد وجدت في هذا المجتمع قبل اكثر من اربعين سنة في اشارة الى قرار الملك عبدالعزيز رحمه الله في عام 1343ه عندما امر بتأسيس المجلس الاهلي في مكة الذي تطور الى مجلس بلدي ثم توسعت دائرة تلك المجالس لتشمل عدداً من المدن السعودية كالمدينة المنورة وجدة وينبع وابها وغيرها.

وبالنظر الى هذا القرار نجد انه يشتمل على قراءة اولية واعية بالمكان والناس بدءا من انطلاق هذا المشروع والذي كان في مكة المكرمة، وما في هذه البداية من استثمار للخلفية التاريخية لبلد كمكة المكرمة، واذا نظرنا ايضاً الى ان مكة بلد مفتوح منذ القديم سكنته الكثير من العوائل من اجناس وثقافات مختلفة غاب معها البعد القبلي في التعاطي مع مكة، او النظر اليها على انها "ديرة بني فلان" وانما اصبحت تجمعاً حضارياً للعديد من الاجناس والاعراق من مختلف الفصائل والشرائح، ولقد كان في اتجاه الملك عبدالعزيز رحمه الله الى مكة اولاً.. استثمار حقيقي لهذه الحالة التي تعيشها ووعي كامل بأن مثل هذه الفعاليات انما تنشط وتكتمل وتؤتي ثمارها اكثر كلما كانت في بلد تتراجع فيه الاعتدادات المرجعية المعتادة. فكل ساكني مكة كان الحرم المكي الشريف عامل استقطابهم الابرز وبالتالي اصبحت مكة هي مرجعيتهم مما يتيح لاي فعالية انتخابية وديمقراطية ان تثمر كما هو مرجو منها.

وبالنظر كذلك الى بقية المدن التي شملها القرار القديم نجد ان الملك عبدالعزيز حرص على ان يشمل القرار مدناً تشبه في ظروفها الاجتماعية الظرف الذي في مكة المكرمة وحين تتسع هذه الدائرة فإن ثقافة الانتخاب والمجالس البلدية ستنتقل الى جميع مناطق المملكة بل ستصبح حقاً تطالب به بقية المناطق وبالتالي كان رحمه الله يتحرك في قراره ذلك وفق رؤية غاية في الوعي والمسؤولية.

ومما يمكن ملاحظته في ذلك القرار ان الملك عبدالعزيز قد ابتعد به عن ان تكون بدايته في المناطق ذات التكتلات القبلية الكبيرة والتي تمثل القبيلة بالنسبة لها مرجعية وانتماء يفوق غيره.. ذلك ان الناظر بعين ثاقبة الى قيام مشروع انتخابي في مدن كتلك يعرف ان الذي سيسود اجواء تلك الانتخابات وسيرها ليس البحث عن المصلحة المدنية بقدر ما ستكون مدفوعة بالنوازع القبلية والعائلية.


التحولات والمغامرة المباحة

هذا من جانب.. ومن جانب آخر فإننا لا نستطيع القول ان الحديث عن مغامرة في هذه الانتخابات الجديدة حديث مبالغ فيه لان المجتمع قد خاض التجربة قبل عقود طويلة.. ذلك ان المجتمع في السنوات التي اعقبت ذلك التاريخ مر بالعديد من التحولات والمؤثرات التي اسهمت في تشكيل جديد لخريطة الوعي والخريطة الاجتماعية بأكملها.. بل استثمرت هذه المؤثرات بدءاً من التعليم واتساعه وتعليم المرأة واتساعه وانتهاءً بوسائل الاعلام والاتصال الحديثة.. ومع ان كل هذه العوامل كان يفترض بها ان تضخ الكثير من الوعي والقيم المدنية الجديدة.. الا ان المجتمع استقبلها وقبلها وفق شروطه التقليدية واخذ يخضع لسمات المجتمع التقليدي الذي يتحصن دائماً ضد كل جديد ويتعامل معه على انه مهدد لاعرافه ونمط حياته.. فيبدأ في ابتكار وسائل الدفاع والتحصن مما يجعل استفادته من كل المعطيات الحضارية الجديدة استفادة خاضعة لرؤيته وشروطه التقليدية.

هذه التحولات كلها لم تجعل الوطن بمؤسساته ولا بدوائره مرجعية للجميع وانما هاجس المحافظة وحدثت عمليات ارتدادية كبرى نحو العائلة والقبيلة لم يفلح معها المجتمع في ان يتحول الى مجتمع مدني متكامل.

من هنا تصبح الانتخابات مغامرة حقيقية ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ان المشروع في وقته أو انه شرّ يجب ايقافه، كلا.. بل إن تأخر المشروع إلى هذا الحد هو الذي أسهم في تراكم الوعي البعيد عن ثقافة المشاركة والانتخاب وكان يجب أن يتم خوض التجربة منذ مدة.. وقد يكون في تأخرها وحضورها في هذا الظرف بالذات إمعان في أهمية ودقة التجربة، والتي ستشتمل على صعوبات ومعوقات شأنها شأن التجارب الأولى في كل شيء.

وقد صدر القرار في 2003 / 10م وبعد فترة طويلة من صدوره لم يحدث أن سمعنا عن أي بادرة في سبيل توجيه هذا المشروع أو طرح آلياته وتساءلت العديد من الصحف ومنها جريدة "الرياض" عن سر ذلك الصمت الذي كان في غير محله، وقد كسر هذا الصمت المطبق التصريح الأخير والبارز لسمو وزير الشؤون البلدية والقروية الذي أوضح فيه انه تم تكوين لجان وفرق عمل متخصصة والاتفاق مع جهات استشارية عالمية وخبراء دوليين لوضع الترتيبات اللازمة لاجراء العملية الانتخابية للمجالس البلدية. وان الانتخاب سيشمل 178مجلساً بلدياً وفق جداول محددة تشمل كل المدن والقرى في كل مناطق المملكة البالغة ثلاث عشرة منطقة وسيتم البدء في كل ذلك بعد انتهاء الاجازة الصيفية والذي يقرأ هذا التصريح يجد أنه تجاوز فعلي للعموميات والتهويمات والعناوين الكبرى إلى الدخول في تفاصيل وخطوات عملية ملموسة ومحددة ومفصّلة تدل في مجملها على اتجاه تفعيلي جاد لتنشيط هذه الفعالية وتحديد زمن لتدشينها.

عدا ان الملاحظ ان الزمنين الواقعين بعد القرار الأول وبعد التصريح الثاني كانا خلواً من أي حراك توعوي وتثقيفي موجه إلى الجماهير باعتبارها البطل الأول في هذه المغامرة.. وبما أن أمامك مشروعا جديدا فأنت بحاجة إلى مشروعات أخرى موازية تشمل حملات إعلامية وتعريفية بالحدث وأبرز تفصيلاته والواجب تجاهه وما يجب أن يكون عليه موقف الناس، وتوجيههم باتجاه البحث عن الصالح العام.

فالتعويل على عائد وطني كبير من عملية الانتخابات تعويل في محله وبحث عن مردود مدني وحقيقي ناضج وبما أن الراهن الاجتماعي غير مستعد تماماً ولا مؤهل التأهيل الكامل لخوض مثل هذه التجارب فإن هذا يفرض قيام حركة كبرى تهدف إلى بث الوعي باتجاه صناعة رؤية اجتماعية متزنة تعي حقيقة الانتخاب وحيويته خاصة وان التفاني والصالح العام والمصلحة المشتركة أمور يعاني الشارع العام من ضبابيتها وعدم ظهورها كسلوك عام.

وفي تجربة كتجربة التعداد السكاني الماضية رأينا كيف اتجهت كل وسائل الإعلام للمشاركة في حملات التوعية، حيث لم تمر فترة يسيرة حتى أصبح التعداد وشروطه ومتطلباته أمراً يجري على كل لسان، مما يفرض أن تكرر التجربة فيما هو أخطر وأهم من خلال استغلال واستثمار كل المنابر والوسائل الإعلامية والتثقيفية لطرح كل العناصر والأفكار المعينة على بث وعي انتخابي عام تحدد فيه المسالك والأهداف وتبث من خلاله القيم الحقيقية التي تحتاجها عملية الانتخابات وأهمية الالتفاف على الصالح العام.

إن المشاركة الشعبية التي جاءت في خطاب خادم الحرمين في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى في 2003 / 5 / 17م.. مثلت جانباً من جوانب التوجه الفعلي لإصلاح حقيقي يستوجب استشعاراً فعلياً من المواطن لمسؤولية المشاركة وأن قيامه بها امتثال للأمانة التي حملها.. مما يستوجب منه التخلي تماماً عن أي اعتبارات خاصة أو غير وطنية.
وهذه المشاركة لم يكن طرحها طرحاً ضبابياً ولا مجازياً، وبالتالي فعلى كل الجهات المعنية أن تطبقها انطلاقاً من وعي فعلي بحقيقة المشاركة وشموليتها.


الوطن لمن ..؟ الانتخابات لمن..؟

تسرّب فيما تسرّب من حديث الانتخابات وشؤونها تفصيلات لها علاقة ببعض الآليات والضوابط التي ستقوم عليها العملية.. إلا ان أبرز تلك "الشائعات" ما تحدثت به بعض المصادر من أن الانتخابات بكل فروعها ستكون خاصة بالذكور وأن المرأة لن تشارك في أي مما له علاقة بالانتخاب.

وهذه النقطة - إن صحت - فإنها ستمثل أبرز نواقض المشاركة، بل انها لن تكون مشاركة بأي حال من الأحوال، حيث ستقوم على تمييز غير مقبول لا دينياً ولا حضارياً وهو التمييز على أساس الجنس، وانظر إلى الخلفية التي تحملها جملة "يقتصر على الذكور" وما فيها من خروج من دوائر الحياة التي لا يوجد فيها شيء يقتصر على الذكور دون الإناث، ناهيك عن أن الوطن ليس وطن الذكور فقط.

إن عملية الانتخابات بأشملها مغامرة فعلية وعليك أن تخوضها بكل عناصر المغامرة وإلا تحولها إلى فعالية تمييزية اجتزائية مناهضة للعقل والمدنية والمنطق وتذهب لتصبح انتخابات أحادية، وبالتالي تتورط في ظاهرة التعامل مع فعالية مدنية وفق خلق وسلوك غير مدني وهذه الظاهرة طالما مثلت وتمثل أحد أبرز عوائق النماء والتقدم الحقيقي.

ولعل السؤال الذي يجب مواجهته هنا عن المبرر الفعلي الذي قد تقوم عليه هذه الرؤية "الذكورية" فالاستدلال بالشرع الحكيم في هذه القضية، إنما يبطلها ويقف ضدها فقد كانت المرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ذات حضور وفاعلية على مختلف المستويات.. ولم يكن يحدث شيء في عهده صلى الله عليه وسلم مختصاً "بالذكور". وتذكر المصادر التاريخية أن المرأة شاركت أول ما شاركت تشريعياً في بيعة العقبة الأولى حين شاركت كل من نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو ابن عدي بن ثابت، ولقد بايعت النساء صلى الله عليه وسلم مبايعة كالتي بايعها للرجال تماماً، بالاضافة إلى مشاركة في البيعات التي بدأت من مكة وكانت على الايمان والإسلام ثم العقبة الثانية ومبايعة نساء الأنصار له صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة إلى المدينة المنورة وبيعة الرضوان ثم بيعة النساء بعد فتح مكة وما زلنا نقرأ وإلى قيام الساعة الآيات الكريمات التي وضعت بنود تلك البيعة: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم} (آية 12- الممتحنة).

وفي كتاب "الطبقات الكبرى" لابن سعد عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب فجاء حتى قام على الباب فسلم علينا ثم قال أنا رسول الله إليكن، وبايعن الرسول على كل تلك البنود التي جاءت في تلك الآيات، بل ان الحالة كانت تتجاوز ذلك إلى نقاش وتداول لكل ما من شأنه ان يمثل مشاركة حقيقية وواعية من المرأة فقد ذكرت العديد من مرويات التاريخ والسير ذلك النقاش الذي حدث عند البيعة حين قال صلى الله عليه وسلم: "بايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً" فقالت هند بنت عتبة: والله انك لتأخذ علينا مالا تأخذه على الرجال" قال صلى الله عليه وسلم "ولا تسرقن" فقالت هند: أما اني والله كنت آخذ من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة فما أدري أكان ذلك حلالاً أم لا؟ فقال أبوسفيان: ما أصبت قبل ذلك فقد عفا الله عنك، فعرفها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: انت هند بنت عتبة؟ قالت: نعم، اعف عفا الله عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تزنين فوضعت هند يدها على رأسها وقالت: أو تزني الحرة فقال صلى الله عليه وسلم: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديهن وأرجلهن.. إلى آخر ذلك النقاش الذي يبين حقيقة الموقف النبوي الكريم من التعامل السوي المتساوي مع الرجال والنساء.

النخب النسائية..
ماذا لو صحت التسريبات

هذا فيما يتعلق بالموقف الشرعي.. أما فيما لو قيل أن مشاركة المرأة قد لا تكون مناسبة في هذه الفترة.. ونحو ذلك، فإن هذا من مظاهر الإخلال الواضح بالتجربة، فكما سبق وأن العملية بأبرزها تقوم كمغامرة لن تكون نتائجها الأولى على درجة من الايجابية المكتملة فإن الواجب ان يتم خوض تلك المغامرة بكل شروطها وخاصة انك أمام مشروع بكر فعليك أن تستهله كاملاً دون نقصان سيصعب سدّه فيما بعد، علاوة على ذلك فإن أي حجة أخرى قد تساق فيما لو صحت هذه التفرقة الانتخابية فإنها لن تتجاوز كونها حججا فقط ستمثل ثقباً واسعاً في مدى جدية وحيوية العملية بأكملها..

مجموعة من السيدات ذوات الحضور الثقافي والمعرفي مستبشرات بأن ما قيل حول حرمان المرأة من حقها في الانتخاب على الأقل لايزال مجرد أقوال لا يدعمها أي سند رسمي في حين أنهن لا يتوقعن أن يحدث ذلك.. لأن كل ما هو مطروح رسمياً وحكومياً لا يشي بأن مفارقة كهذه ستحدث.

فسيدة المكانة الدكتورة حنان الأحمدي معرفياً ووظيفياً (أستاذ مشارك في معهد الادارة العامة وعضو مجلس الجمعية السعودية للادارة.. ترى أن صحة مثل هذا التسريب - إن صح - فإنه يمثل تراجعاً واضحاً وارتباكاً في الرؤية التي تقوم عليها عملية المشاركة وظلما حقيقيا وإجحافا بيّن بما تسعى إليه القيادة الحكيمة حين تقول بالمشاركة، وأشارت الدكتورة حنان مذكِّرة بالفقرة رقم 14من توصيات الحوار الوطني والتي تنص على توسيع مشاركة المرأة في قضايا الشأن العام بما يتناسب مع الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية

للمجتمع. وذكرت بأن هذه التوصية قد تفضل سمو ولي العهد بإحالتها إلى مجلس الوزراء لتفعيلها، فلو حدث "وصحت" تلك التسريبات فإنها تمثل تناقضاً واضحاً وإخلالاً بيناً بالتوجه الحقيقي والمتكامل الذي تنتهجه القيادة وتسعى إليه بكل وعي وثبات، والفرصة مواتية لأن تكون البداية بداية مكتملة دون حاجة لأن تنقصها في بدايتها، وترى د. الأحمدي ان الانتخابات البلدية فرصة مواتية لأن تضطلع المملكة العربية السعودية بأنموذج حضاري جديد بعيداً عن تبني أي تجربة سابقة، وليس من شروط أي تغيير أن يكون استنساخاً أصماً لتجارب سابقة.. فلدينا من العوامل والمؤثرات ما يتيح لنا الاضطلاع بهذا النموذج وبدلاً من أن نحارب أنفسنا بمثل هذه التقسيمات فإننا نستطيع أن نقدم تجربة رائدة في هذا المجال، وتتساءل د.الأحمدي عمن أعطى لنفسه الحق في تجربة المرأة من هذا الحق والذي هو أقل تأثيراً من حق البيعة الذي مارسته المرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد نقبل أن يثور جدل حول عضوية المرأة حالياً في المجالس البلدية.. لكن أن يتم حرمانها من التصويت فهذا هو ما لا يتفق مع أي رؤية تاريخية أو دينية أو مدنية، وبما أن القيادة الآن قدمت العديد من الرؤى الاصلاحية الفعلية ووسعت دائرة المشاركة ورأينا مشاركة المرأة في الحوار الوطني ورأينا قوانين العمل الجديدة للمرأة التي أقرّها مجلس الوزراء وغيرها من الأمور والخطوات التي لا ينتظر معها حدوث مثل هذه التفرقة المفتعلة في الانتخابات وهذا الحرمان غير المبرر من حق طبيعي للمرأة.

الدكتورة هتون الفاسي استاذة التاريخ والصوت البارز في طرح وتناول القضايا المحلية والثقافية وإحدى ممثلاتهن في هذه القضية نقضاً حقيقياً - فيما لو صحت - لكل فعاليات المشاركة الحقيقية توضح انها لم تسمع أي شيء رسمي يؤكد عدم مشاركة المرأة وتتمنى ألا يحدث ذلك، حيث ان ما تنامى إلى الأسماع هو مجرد تسريبات من بعض المصادر الإعلامية موضحة أن هذه التسريبات تعطي فرصة للتوضيح الذي يرد هذه الشبهة موضحة ان الثقة في القيادة في رفض هذه الأخبار وعدم المصادقة عليها ثقة في محلها - إن شاء الله - وانها ستحل المسألة بشكل جذري تواصل فيه جهودها ومشروعاتها الاصلاحية والانمائية الحقيقية التي لا تعترف بمثل هذه التفرقة وهذه المصادرة. وتضيف د.الفاسي انه مهما كانت المبررات فإنها لن تخرج عن دائرة التعلق بأمور لا طائل وراءها ولا تمثل أي عائق حقيقي، فالحديث عن مسألة التدرج والانتظار حتى يستعد الجمهور أو أن هذه المشاركة تحتاج إلى تجهيزات خاصة.. وغيرها من النقاط التي يمكن الرد عليها بسهولة لأنها لا تمثل أي عائق حقيقي، فالتجربة جديدة للجميع، وبالتالي فلا يوجد أي عائق وبامكاننا تفكيك الشكل الاجرائي للانتخابات سواء في التسجيل أو الدوائر أو الاقتراع فسنجد انها جميعاً لا تحتاج إلى اجراء غير طبيعي أو مستحيل، وستتم بنفس الآليات التي تشارك بها المرأة في الجامعة أو في الجمعيات واللقاءات والاجتماعات المتعددة، وتؤكد د.الفاسي ان قضية المجالس البلدية مرتبطة بشكل حيوي وكبير بالمرأة لأن كل ما يخص وضع الحي يتصل بالأسرة فوراً مهما كانت كقضايا الغش التجاري أو السلع التموينية أو المياه الملوثة، أو حالة الطرق التي في الأحياء كل هذه الأمور وبما تؤثر به على صحة الأسرة وحياتها تجعل المرأة أكثر التصاقاً بالمرأة.

وعليه فإن القضية ليست أكثر من قصور في الوعي وخشية غير مبررة وتعامل غير موفق مع مثل هذه الفعاليات، ولو نظرنا إلى الدور الذي لعبته المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم واشتراكها في البيعة فسنجد أن ذلك إنما يدل على تعامل يعترف بتكاملية وأهلية المرأة لمثل هذا الحضور فقد بايعت شخصياً ودون وكالة أو غيره.

وتؤكد د. الفاسي ان المسألة بما انها ليست رسمية إلى الآن فهي تعطي الفرصة لإبطال هذه التسريبات والمواصلة الفعلية لعمليات المشاركة الحقيقية بعيداً عن الافتعالات والتناقضات.

هذه الرؤى التي استشهدنا بها هنا لا تمثل سوى صوت وطني حقيقي يعرف أن الوطن لا يمكن يعيش أعرج وبقدم واحدة، ويعرف كذلك بأنه لا يتحدث إلا عن حقه ولا يسعى إلا لوضع الأمور في مواضعها.



#يحيى_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باعة الموت في العراق الجديد - دعاوى الجهاد وصوت المافيا المت ...
- اسألوه .. عن زبيبة والملك
- أصدقاء لا يدخلون الجنة
- الأمريكي من سجان بليد في غوانتانامو .. إلى جلاد بغيض في أبو ...


المزيد.....




- كان على متنها.. رجل -يكبر ويتشهد- قبل لحظات تحطم الطائرة الأ ...
- بمساعدة الذكاء الاصطناعي.. شاهد -الثلوج تكسو- أبرز معالم دبي ...
- الدفاع الروسية: تحرير بلدتين جديدتين وحصيلة خسائر أوكرانيا ا ...
- كوريا الجنوبية تصوت لعزل الرئيس المؤقت هان داك سو
- عملية طعن في هرتسليا، وإسرائيل -أحرقت- مستشفى كمال عدوان في ...
- بعد أقل من أسبوعين على استلام مهامه.. برلمان كوريا الجنوبية ...
- مالي: مقتل 69 مهاجرًا على الأقل من بين 80 بعد غرق قارب قبالة ...
- الحرب الأهلية في السودان تخلّف أزمة إنسانية غبر مسبوقة: 150 ...
- نيوجيرسي: انهيار أرضي يغلق الطريق السريع 80 ويؤثر على حركة ...
- البرلمان الكوري الجنوبي يعزل رئيس البلاد بالوكالة


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - يحيى الأمير - انتخابات في السعودية .. غياب الشرط المدني ووقوع في نواقض الديمقراطية ابتداءا بإقصاء المرأة