أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - معالي العمارة المهنية















المزيد.....

معالي العمارة المهنية


خالد السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 937 - 2004 / 8 / 26 - 07:47
المحور: الادب والفن
    


عشية تكوين وظهور المرحلة التأسيسية الثانية للعمارة العراقية الحديثة ، برزت لأول مرة أسماء جديدة وعديدة لمعماريين عراقيين ، قدر لهم فيما بعد أن يكونوا رواد العمارة الحديثة ومؤسسيها . ومن ضمن تلك الأسماء برز اسم المعمار " جعفر علاوي " ، الذي تحتفي الأوساط المعمارية المحلية ،هذا العام بمرور خمسة و ستين عاما على تأهيله المهني بتخرجه عام 1939 م من قسم العمارة بجامعة ليفربول في المملكة المتحدة .

وكما أن العمارة بمقدورها أن تمنح رجالها مكانة مهنية مؤثرة ، وان تصبغ ممتهنيها ومريديها بصبغة خاصة تسعى لتميزهم ضمن فئات المجتمع ، فان المعماريين ؛ والمعماريين المجدين منهم على وجه الخصوص ؛ هم الذين في الأخير يساهمون في إرساء قواعد واشتراطات قوة ونفوذ العمارة التي يخلقونها عبر تصاميمهم المعبرة .

ومسيرة " جعفر علاوي " المهنية التي تجاوزت نيفاً ونصف قرن كانت بلا شك حصيلة تأثير هذين العاملين المتداخلين الواحد في كنه الآخر. فنهوضه بأعباء تكريس ممارسة التكوينات الحديثة في تطبيقات العمارة العراقية أسهمت هذه الممارسة ذاتها في تشكيل شخصيته ونوعية نشاطاته ؛ وكأنه بهذا يثبت صوابية مقولة " لو كوربوزيه " في .. " إننا نشارك في تشكيل العمارة ، لتشكلنا هي ، ذاتها ، في النهاية " .

والحديث عن عمارة " جعفر علاوي " يعني الحديث عن مرحلة مهمة في تاريخ العمارة العراقية الحديثة ؛ مرحلة بدأت مع بداية الأربعينات، غداة وصول المعماريين العراقيين الذين اكملوا دراساتهم المعمارية بالخارج ، ليتبوءوا المناصب التي أعدت لهم كمهندسين محترفين ومؤهلين أكاديميا لممارسة العمل التصميمي .

وعلى الرغم من مشاركة المعماريين الآخرين في أرساء القيم الجديدة في الممارسات التصميمية بالعراق ، فقد ظلت عمارة " جعفر علاوي " ، ذات نكهة خاصة ، تفردت بأسلوبيتها الواضحة ، وطابعها المّميز ، عن تجارب وطروحات زملائه المعماريين الآخرين . فعمارته لا تحاول أن تكون " خطابية " أو ذات نَفَس " بيانوي " . فهي في هذا المعنى لا تتقصد افتعال الاثارة التنظيرية ، أو الإلحاح في تسويغ أو تسويق الاتجاهات " الافانغاردوية ، - الطليعية في تكوينات العمارة الناجزة .

لقد ظلت القرارات التكوينية لديه تنطلق ، أساساً ، من مهمة " تبسيط " المعضلة التصميمية ؛ والالتزام بمنطقية التوزيع الفراغي ، والاهتمام بكفاءة الاستعمال والتشغيل ؛ والمقدرة على استخراج أشكال واجهات وهيئات التراكيب الكتلوية من مدخلات عناصر البساطة ، والمنفعة ، والراحة، والأمان ، والفتنة ، والديمومة للمنجز المعماري . وهو يصل بسهولة إلى ذلك ، جراء فهمه وإدراكه من أن هدف الممارسة التصميمية في النتيجة، هي خلق أحياز تفي تماماً بمتطلباتها ؛ وأن يكون العمل المعماري الجديد إضافة مميزة تغني ، وتثري البُنى المادية للواقع المعاش .
لقد صمم " جعفر علاوي" وأشرف على مبانٍ عديدة نفذت في أنحاء مختلفة ، في بلده العراق . واعتبر أمر ظهور تلك المباني وتنفيذها بمثابة حدث عمراني مهم حمل دلالات حضرية واسعة ؛ فقد صمم ونفذ عمارة مرجان بالباب الشرقي ببغداد (1953-1954)، وثانوية الحريري بالأعظمية (1953) ، والمدرسة الجعفرية ببغداد (1946) ، وثانوية الحي في واسط (1947) ، ومبنى سامي سعد الدين في ساحة الرصافي (1949)، كما قام بتصميم مدرسة دار المعلمات والأقسام الداخلية لها سنة (1957) والتي نفذت في وقت لاحق في الستينات ، وكثير من دور الأبنية السكنية في بغداد وفي أنحاء مختلفة في مناطق العراق .

وتعتبر " عمارة مرجان " من الأمثلة المعمارية المهمة والرائدة في عمارة الخمسينات بالعراق ، ويتضح تأثيرها القوي والعميق ليس فقط في الحلول الحديثة لمساقطها والمعالجات المعمارية النظيفة الدقيقـة لواجهاتها ، فحسب ، وإنما أيضاً بالمقياس المعماري الضخم المختار لها وأهميتها في تحديـد ورسـم وتأشير الميدان ذي الأهمية الكبيرة في مجمل النسيج الحضري للمدينة ، الواقع بجانبها .. فعمارة المبنى هي بمثابة واجهة الساحة الرئيسية فيها ، ومقياسها المعماري هو الضابط الفعلي والحقيقي لعمارة مباني الساحة الأخرى .

وعلى الرغم من التغيرات الكثيرة والتبدلات الجذرية لوظيفة ساحة التحرير ، فقد ظل المبنى يفرض قوته وهيمنته عليها ، وبقي شكل المبنى المتماسك يخضع ويطوع الأبنية التي نفذت لاحقاً بجواره وليس من قبيل المصادفة أن تنقاد عمارة المبنى القريب منـه وهو المبنى المجاور لمبنى الأموال المجمدة وتتبع مبنى عمارة مرجان على الرغم من الارتفاع العالي والشاهق لذلك المبنى .

ومعروف أن " جعفر علاوي " مولع باختيار التفاصيل المعمارية الدقيقة وحسن التنفيذ لمبانيه . ولهذا السبب فقد اكتسب مبنى مرجان عناصر معمارية مشوبة بسعة المعارف والثقافات البنائية التي يمتلكها .. وهذا واضح جداً من طريقة بناء المبنى وأسلوب فتحات النوافذ وتغليفها واختيار " الشكل " الديناميكي البديع والجميل للطابق الأخير …

أما ثانوية الحريري للبنات فقـد صممت ونفذت كما هو معلوم ، في 1953-1954 ، وتمثل تكوينات المدرسة وتفاصيلها حدثاً معمارياً مهماً في تصاميم المدارس التي كانـت تصمم وتنفذ في العراق ، فطراوة اللغة المعمارية ونظارتها ، وتأكيد المنطق الوظيفي كأساس لخلق التكوين المعماري - الفني ،واستثمار المواد المصنعة بكثيرة ، فضلاً على توظيف خاصية الألوان في المعالجات الفنية لها ، كل ذلك كان من الأمور الجديدة والحديثة التي ميزت مدرسة الحريري عن مثيلاتها التي كانت تنفذ آنذاك .ونرى في معالجات واجهات المدرسة ونتحسس صدىً لتأثيرات مشغل الهلال الأحمر لـ " ألين جودت الأيوبي " على صياغة الأشكال المختارة من حيث أفقية خطوط النوافذ الممتدة وأسلوب رسمها .

وتمثل عمارة مدرسة ثانوي الحيّ ، والمدرسة الابتدائية معها منجزاً معمارياً حقيقياً، لما انطوت عليه عمارة المدرستين من معالجات تصميمية جديدة ذات تكوينات معمارية حديثة ، تكفلت بنقل ممارسة تصميم وتنفيذ المباني المدرسية من حالتها العادية ، بأشكالها المألوفة الرتيبة ، إلى جعل تلك الممارسة ترتقي إلى مصاف العمل الإبداعي المميز . ولقد سحبت عمارة مدرسة ثانوية الحيّ " بفورماتها " المعاصرة ، وأسلوب تنطيق فضاءاتها الحديثة ، وكذلك مستوى دقة العمل التنفيذي وحصافته ، فضلاً عن خصوصية موقعها كونها إحدى مباني" الضواحي " ، سحبت وراءها كثير من التداعيات التصميمية ، وأمست لغة عمارتها المعبرة ، مثالاً للاحتذاء والتقليد .

وليس من باب الصدفة ، أن يحظى إكمال بنائها عام 1947 بافتتاح مهيب حضره خصيصاً لهذه المناسبة جمع غفير من المهتمين بالثقافة ورجال المعارف المرموقين ، وألقى الشاعر الكبير " الجواهري " قصيدته المشهورة " يا بنت رسطاليس " في حفل افتتاح المدرسة ، والتي جاء فيها :
قم حي هذي المنشآت معاهدا الناهضات مع النجوم خوالدا
الشامخات أنوفهن الى السما والمطلعات لفرقدين فراقـدا
والفاتحات على الخلود نوافذاً والمجريات مع الحياة روافدا

ان ميزة جعفر علاوي " المعمارية الأساسية تكمن في رهافة ودقة اختيار التفاصيل المعمارية وتأنقها وتطويع عمارة المبنى كاملة لجمالية وحسن التنفيذ . من هنا تبدو العناية الفائقة بالعملية التصميمية ، والمتابعة الدقيقة لجميع مراحلها بدءاً من الفكرة الأولية للمشروع المعماري وحتى تفاصيله الصغيرة ، يبدو لديه أمراً وجوبياً ومشروعاً ، كما أنها تمثل عنده ممارسة تستوجب ايلاءها وقتاً كافياً ، وجهداً كبيراً لا تخلوا أحياناً من معاناة مضنية ، بيد أن " جعفر علاوي " يؤدي دائماً ، كل ذلك على قدر كبير من المتعة والارتياح ! .

ولئن تقصد بعض المعماريين إلى تأكيد خاصية " الانغلاقية " في خطوط تكوينات مبانيهم ، طمعاً لتفردها وتميزها ، فان عمارة " جعفر علاوي " تسعى إلى عكس ذلك تماماً. انها تتوق لأن تنفتح على جميع الناس : سواء كانوا شاغلي هذه العمارة أم متلقيها ؛ وان تكون مفهومة لديهم . ولعل هذه الخاصية الأخيرة هي التي جعلت منه رمزاً مهنياً معروفاً لدى أوساط اجتماعية عديدة ومختلفة . فهو يعرف جيداً كيف يصغي بانتباه إلى احتياجات "الآخـر " المعمارية ، وهمومه البنائية ، وسيان عنده " الآخر " : أكان مـثقفاً أم متواضع الثـقافة ! .

ومع حرصه على المشاركة النشطة بالعمل التصميمي لمختلف المشاريع التي يدعى إليها ( وكان آخرها مشاركته في مسابقة لتصميم مسجد خاص ) ، مع ذلك فانه لم يهب العمارة كل وقته ، فهو مقتنع قناعة تامة بأن مدى الحياة الإنسانية أوسع بكثير من أن تختزل أو تقتصر على اهتمامات مهنية أو حرفة وحيدة ، وطبقاً لهذا ، فهو ينزع لأن تكون اهتماماته متعددة ومتشعبة ، فهو مقاول متميز ، وإداري كبير ، كما أنه قاريء جيد للأدب العالمي ومتذوق للموسيقى ، ويجد متعة كبيرة في لقاء ومحادثة الآخرين ، فضلاً عن غرامه بأغاني " أم كلثوم " وكذلك عشقة بأشياء أخرى عديدة .

لقد أوصل جعفر علاوي بعمله الدؤوب والرائد المهنة المعمارية في العراق إلى مستويات جد عالية ، وجعـل من النشاط التصميمي شأناً مهنياً مرموقاً ، معرفاً فئات عديدة من المجتمع المحلي بأهميـة العمل المعماري وتنظيم الخبرة الاستشارية ، وهو بعمله هذا قد فتح له وللآخرين مسالك وطرق عديدة في تكريس وإرساء فعالية النشاط المعماري الحديث وتنظيم المهنة الاستشارية الجديدة في العراق . □□

د . خالد السلطاني
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون
كوبنهاغن – الدانمرك



#خالد_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمارة اسمها .. التعبيرية - صفحات من كتاب : قرن من الزمان ؛ م ...
- عمارة اسمها .. التعبيرية
- مرور سبع سنوات على رحيل الشاعر الجواهري ( 27 تموز - يوليو - ...
- موالي صدام المدعية - بالثقافة - تسعى - لتبيض - سيرة الدكتاتو ...
- منجز العمارة الاسلامية مسجد السليمانية في اسطنبول نضوج الحل ...
- صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة ...
- مدرسة اولوغ بيك : جماليات مكان التعلم .. والتعليم
- حديث هادئ ، في معمعة كلامية
- صفحات من كتاب - العمارة العراقية الحديثة: السنين التأسيسية - ...
- العلم العراقي الجديد: ملاحظـات تنظيـمية وفنـية سريعـة
- منجز العمارة الاسلامية (3 ) عمارة - مسجد امام - في اصفهان
- صفحات من كتاب - قرن من الزمان .. مئة سنة من العمارة الحديثة ...
- بمناسبة فوزها بجائزة - بريتزكير- العالمية عمـارة - زهـاء حدي ...
- عام على احداث جسام في حياة الشعب العراقي
- مبنى - السفارة الامريكية - ببغداد : تـناص معماري .. لمفاهيم ...
- منجز -اوسكار نيماير- التصميمي : مفرد .. بصيغة الجمع
- افرازات الحكم الشمولي -الصدامي- :العمارة .. انموذجـاً
- يورن اوتزن-... والعمارة الاسلامية
- صديقي : حسب الشيخ جعفر


المزيد.....




- مصر.. ضجة إثر سؤال محير في امتحان اللغة العربية بالثانوية ال ...
- ???????فن الشارع: ماريوبول تتحول إلى لوحة فنية ضخمة
- لوحات تشكيلية عملاقة على جدران الأبنية المرممة في ماريوبول ( ...
- تجليات الوجد واللوعة في فراق مكة المكرمة ووداع المدينة المنو ...
- الا.. أولى حلقات مسلسل صلاح الدين الجزء الثاني مترجمة للعربي ...
- “فتح بورصة الجزء الثاني”.. تابع أولى حلقات مسلسل قيامة عثمان ...
- أغاني ومغامرات مضحكة بين القط والفار..تردد قناة توم وجيري ال ...
- الكاتب الروائى (خميس بوادى) ضيف صالون الثلاثاء الأدبى والثقا ...
- فيديو: أم كلثوم تطرب الجمهور في مهرجان -موازين- بالمغرب
- ما هي حقيقية استبعاد الفنان محمد سلام من جميع الأفلام السينم ...


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد السلطاني - معالي العمارة المهنية