|
هل جماعة العدل والإحسان تعارض سياسة النظام أم تناهض وجوده ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3089 - 2010 / 8 / 9 - 02:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك أن التفكير في علاقة الجماعة بالنظام الملكي وموقفها منه وإمكانية مصالحته يثير اختلافا حقيقيا بين الباحثين في حقل الإسلام السياسي . ذلك أن جماعة العدل والإحسان ، كحركة سياسية/ دعوية ،تختلف في أسلوبها وإستراتيجيتها عن غيرها من الحركات الدينية سواء الصوفية أو الإسلاموية (= الإسلام السياسي ) أو السفلية بشقيها التقليدي والتكفيري/الجهادي . فالجماعة لها إستراتيجية واضحة تقوم على ثلاث مراحل متكاملة ومتمفصلة هي : التربية ، التنظيم ثم الزحف ، بحيث (تتم الدائرة التي تبتدئ تهيئ التنظيم ، ثم التنظيم يهيئ الزحف )( المنهاج النبوي ص 372) ، وغاية الزحف طرد الحكام وإسقاط أنظمة "العض والجبر" . وإذا كانت غاية الجماعة هي إسقاط النظام الحاكم ، فإنها بالتأكيد لن تعمل على إصلاحه أو التمديد في آجاله ، خلافا لما ذهب إليك الأستاذ ضريف من كون ( التحدي الذي يواجه المغرب ليس مجسدا في الإسلاموية الاحتجاجية مادام هذا الاتجاه ، الذي تمثله "جماعة العدل والإحسان" يمارس لعبة المعارضة من داخل النظام السياسي وليس من خارجه ، فهي تنتقد السياسات العمومية المنتهجة من قبل المؤسسة الملكية ولا تنتقد المؤسسة ذاتها . ولعل هذا الموقف هو الذي جعل الكثيرين يعتقدون أن هذه الجماعة تعارض المؤسسة الملكية ، في حين أن الأمر ليس كذلك ، فهي جماعة تعارض السياسات المنتهجة من قبل المؤسسة الملكية لاعتقادها أن لا جدوى من معارضة الحكومة مادامت هذه الأخيرة لا تعدو مجرد أداة لتنفيذ سياسات الملك ، وبالتالي فمن الأفضل معارضة الأصل /الملك عوض معارضة الفرع/الحكومة ) المساء 21/7/2010 . فجماعة العدل والإحسان تتبنى عقائد ثابتة تجعلها في عداء مقيت ودائم مع أي نظام سياسي كان ملكيا أو جمهوريا ، ديمقراطيا أو ديكتاتوريا ؛ باعتبار كل هذه الأنظمة لا تحكم بما أنزل الله ، بل تجسد ــ في منظور الجماعة ــ أنظمة العض والجبر التي تستعجل الجماعة زوالها لتعود "الخلافة" ثانية وفق منطوق الحديث المنسوب إلى الرسول (ص). لهذا لا تقتصر معارضة الجماعة على سياسة النظام الملكي ، وإنما تستهدف وجوده . ففي مقال لعبد العالي مجدون نقرأ التأكيد التالي (الجماعةُ تقول "لا" للنظام المخزني وتعارضُه ، لأنه، ببساطة شديدة، نظامٌ استبدادي. ومن ثَمَّ، فهي ترفض المشاركة في لعبته السياسية المصنوعة على قياسه، لتمديد عمره والتمكين لدولته، لأنها لعبةٌ/مسرحيّة متحكمٌ في جميع فصولها وتفصيلاتها من الألف إلى الياء ). فالجماعة ، إذن ، تصنف نفسها ضمن الحركات الإسلامية التي ترفض التغيير الجزئي الذي يتم من داخل مؤسسات النظام وقوانينه لأنه يقود إلى "الانحسار السياسي" ولا يحقق هدف إقامة "دولة الخلافة" ، وتتبنى ــ في المقابل ــ التغيير الشامل من خارج المؤسسات . لا تستعجل ممارسة العنف ضد النظام كما تفعل الحركات الجهادية ، لأنه لن يمكنها من إسقاطه وإقامة حكم "إسلامي" بديل . بل العنف على طريقة السلفية الجهادية يقود إلى "الانتحار السياسي" . ولا يعني هذا أن الجماعة تنبذ نهائيا استعمال القوة ضد النظام للوصول إلى السلطة . ومن أجل التمييز بين القوة "المشروعة" وبين القوة "غير المشروعة" ، استعمل الشيخ ياسين مفهوم الثورة ( = الخروج على السلطان بغير حق واستعمال العنف لإسقاط الحكم بقيادة الحركات الثورية ) واعتبره "جاهليا" غير مشروع ، مقابل مفهوم القومة (= الخروج على الحاكم الجائر واستعمال العنف لإسقاط الحكم بقيادة "أهل العدل والحق" ) . فيكون ، بالتالي العنف والقوة مشروعين إذا مارسهما "أهل العدل والحق" ، وغير مشروعين في باقي الحالات . فالجماعة يهمها إسقاط النظام وليس إصلاحه . وتبعا لهذا ، يقرر مرشد الجماعة عدم الانشغال بمحاربة المنكر الأصغر (= زجر الزناة والسكارى ، إغلاق الحانات والسنمات ، كسر التلفاز الخ) والتركيز ــ في المقابل ــ على رأس النظام للاعتبارات التالية ( لا نبدد جهودنا في ملاحقة ظواهر المرض ، يأكل طاقاتنا السخط ويفتت عزائمنا في آهات التسلية النظر إلى تعدد المناكر ، وفشوها ، وفداحتها ، وعدواها .. لا تفن عمرك في التأسف على الثمار السامة ، بل اقطع شجرتها يفن معها السم . لا يمكن أن ننتظر من الأفراد ، ولا الجمعيات ، أن تقوم بواجبها في الأمر والنهي ، ولا أن يكون لذلك معنى ، مادام روح المنكر وجسده ، وينبوعه ، ولحمته وسداه بيننا ، ألا وهو الحكم الفاجر الكافر )( المنهاج النبوي ص 394) . إذن لا يعتقدن أحد أن قبول الجماعة بالاحتكام إلى القوانين الجاري بها العمل في المغرب معناه قبولها التعايش مع النظام الملكي ومصالحته . فالجماعة إنما تسعى لتكثير سواد الأعضاء وتوسيع قاعدة المتعاطفين معها وإذكاء مشاعر السخط قصد استغلالها في التعبئة العامة ضد النظام يوم تقرر البدء في مرحلة الزحف . إنها خطة مدروسة ومعلن عنها في أدبيات الجماعة كالتالي ( في تربيتنا وتنظيمنا وزحفنا نمسك عواطف المسلمين وأفكارهم من فروع أسباب الغضب على الجور ، الأسباب الأرضية السياسية الاجتماعية الاقتصادية . ثم نربط النقمة الطبيعية على الظلم بالدين )( المنهاج النبوي ص 374) . فالجماعة لما تنتقد السياسة العمومية للملك ، لم تفعل بِنِية الإصلاح وتطوير أداء الحكومة ، وإنما هدفها إذكاء مشاعر السخط لدى المواطنين واستغلال الدين في التحريض على مقاومة السلطان والخروج عليه بعد اتهامه بالكفر والفسوق . من هنا يظهر جليا أن الجماعة ليست حركة سياسية إصلاحية تروم إصلاح النظام والدولة من داخل المؤسسات الدستورية ، بقدر ما هي حركة سياسية انقلابية لا ترى خيارا عن إسقاط النظام الملكي وإقامة نظام "الخلافة" ( يجب أن ينصب جهدنا السياسي قبل القومة على تعليم الأمة أن الله أمر أن تكون منا أمة ( أي جماعة ) خاصة منظمة .. وأن هذه الأمة الخاصة واجبها الأول أن تنكر المنكر الأول وهو الحكم بغير ما أنزل الله . وأن تأمر بالمعروف الأكبر ، وهو إقامة دين الله ، وإرجاع الخلافة على منهاج النبوة )( المنهاج ص 410). وكون الجماعة لم تنتقل إلى مرحلة المواجهة المفتوحة مع النظام سواء بالدعوة إلى العصيان المدني أو حمل السلاح ضده ، لا يعني هذا أن الجماعة حركة سلمية ديمقراطية تتبنى النضال الديمقراطي لتطوير أداء الحكومة وتحقيق مكاسب سياسية وحقوقية لفائدة عموم المواطنين وتوسيع صلاحيات الحكومة والبرلمان ، بل يدل على كون الجماعة تسير على نهج الخميني في إعداد القوة وخوض القومة استعدادا ليوم الزحف .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل فقد الفيزازي الحماسة والمشيخة ؟(3)
-
جماعة العدل والإحسان تدين الاختطاف والتعذيب وتمارسهما ببشاعة
...
-
حوار حول الظاهرة الدينية في المغرب (الأحداث المغربية ) الجزء
...
-
هل اقتنع الفيزازي بالمراجعة أم هي المكيدة والمناورة ؟(2)
-
حوار حول الظاهرة الدينية في المغرب
-
هل اقتنع الفيزازي بالمراجعة أم هي المكيدة والمناورة ؟(1)
-
هل غدا -الجهاد- ضد الشعب المغربي مقدما عن الجهاد ضد الاحتلال
...
-
النقاب الدخيل والنقاب الأصيل !
-
هل سينفذ تنظيم القاعدة تهديده ضد المونديال ؟
-
هل تحترم الجمعية حقوق الإنسان حتى تدافع عنها ؟
-
التطرف عقائد واحدة غايتها فرض الوصاية على المجتمع (6) .
-
الحوار الذي لم ينشره موقع إسلام أون لاين حول جماعة العدل وال
...
-
الغلو والتطرف دوائر تتكامل في الأهداف والوسائل (5) .
-
حوار لفائدة جريدة المنعطف
-
بعد سبع سنوات عن الأحداث الإرهابية ، أين المغرب من خطر الإره
...
-
التطرف ثقافة ومواجهته فرض عين وليس فرض كفاية(4) .
-
التجديد ولعبة وضع السم في العسل؟(3)
-
متى يدرك المثقفون مثل الأستاذ الساسي غلو التجديد وتطرف أصحاب
...
-
وأخيرا أدرك الساسي غلو التجديد وتطرف أصحابها !!(1)
-
الفساد واللاعقاب يقودان حتما إلى الكارثة أو الفتنة .
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|