|
العقل والفكرة العقلانية
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 15:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إن آلية التحكم للعقل التي تسمح بإنسياب الأفكار والرؤى أو تحجبها ليست بالضوابط ذاتها لدى كل البشر، كما أنها متغيرة بتغير الزمان والمكان فما لا يتعارض مع أعراف المجتمع وقيمه يمرره العقل ويحجب المتعارض منه لكن هذا المحجوب يمكن أن يكون مسموحاً به في زمان مغاير وفي مجتمع مختلف، فالسلوك العقلاني هو السلوك غير المتعارض مع أعراف المجتمع وقيمه ولربما مع قيم السلطة وأعرافها أي كان نمطها. وفي كلا الحالتين يعمل العقل على خلق مرشحاته الخاصة بكل حالة مرة للتفاعل مع أقرانه البشر في المجتمع، ومرة أخرى للحفاظ على الذات من أذى السلطة التي تفرض نهجها المتسلط وأعرافها وقيمها على المجتمع على الرغم من أنها تكون في كثير من الأحيان متعارضة مع قيم المجتمع وأعرافه. إن السلوك العقلاني للفرد السوي هو النمط المتعارض مع السلوك العاطفي لتحقيق المصالح لكنه لا ينفي الحاجة إلى السلوك العاطفي تماماً، فآلية عمل العقل ومرشحاته المختلفة مرتبطة بالواقع ومتأثرة به تبعاً لمستوى وعي الفرد الذي يخلق عالمه الخاص ويعمل على الحفاظ على حدوده في إطار عالم المجتمع. وينصب جهد الفرد على بناء عالمه الخاص وليس العالم العام، فالعالم الخاص يحاول أبداً التوسع على حساب العوالم الخاصة الأخرى فيعمل العالم العام على تحجيم النوازع الكامنة في الذات بفرض أعرافه وقيمه وسلطانه عليهم. يعتقد (( كانط )) " أن الكائن العاقل يسعى لبناء عالمه الخاص من دون الاهتمام بالعالم العام ". إن التأثير الذي يحدثه الفرد السوي في المجتمع أقل بكثير من التأثير الذي يحدثه المجتمع في الفرد ذاته، فالمجتمع يمتلك وسائل وسلطات كثيرة مؤثرة على نحو فعال في حراك الأفراد، مرة خلال غرس مبادئ التربية والأعراف والقيم الاجتماعية في وجدان الفرد، ومرة أخرى خلال فرضها بالقوة وبأساليب النبذ الاجتماعي إن تعارضت تصرفات الفرد مع المجتمع. تشتغل الآليات الفردية والجمعية غير المرئية بوحي تحقيق المصالح المشتركة، فالفرد الذي يحقق مصالح المجتمع على نحو غير مباشر يحقق المجتمع مصالحه على نحو مباشر والذي ينتهك مصالح المجتمع تنتهك مصالحه. ويعدّ عقل الفرد جزءاً صغيراً من عقل المجتمع لذلك يفترض أن يخضع لسلطانه وعلى خلافه يُخضعه العقل الجمعي عنوةً فإن تعارضت المصالح يسعى عقل الفرد التحايل على العقل الجمعي لتحقيق مصالحه الخاصة وتجنب معارضته المباشرة. إن العقل الجمعي على الرغم من سلطاته الكثيرة للحفاظ على حقوق الأفراد ومنع الانتهاك للحقوق العامة يتعامل مع الانتهاكات الظاهرة بصرامة متناهية لكنه يغفل الانتهاك الخفية وإن كانت ملموسة لأنه نتاج عقول سوية ترفض الأساليب الملتوية للعقول غير السوية المراوغة والمتعارضة مع الرؤية العقلانية لحراك الأفراد في الحياة العامة للمجتمع. يقول (( هيغل )) : " إن العقل مراوغ بقدر ما هو جبار ". ليست كل فكرة عقلانية لمجتمع ما فكرة سوية على نحو عام، لأنها قد تكون فكرة غير سوية في مجتمع آخر ولربما تكون فكرة غير سوية لدى أفراد من المجتمع ذاته. كما أن انصياع جميع أفراد المجتمع للعقل الجمعي لا يمكن عدّه معياراً لاقتناعهم بكل قيم المجتمع وأعرافه لكنهم منصاعين قسراً له. إن السلطة تفرض نهجها بالقوة على الآخرين لذلك لا توجد سلطة عادلة، فالعدالة ذاتها نسبية فالذي يمتك القوة يفرض نهجه على الآخرين وبذلك يمكن أن تفرض جماعة معينه تقبض على آليات العنف في السلطة نهجها على المجتمع بالكامل وتعدّه نهجهاً عقلانياً والخروج عليه يستوجب العقوبة لتفرض على العقل الفردي والجمعي الانصياع قسراً. وبذلك يُخضع عقل الفرد للسلوك والممارسة اليومية التي يفرضها عقل السلطة، لكن قد يشتغل العقل في كثير من الأحيان بتعارض مع قناعة الفرد وعواطفه، فالعقل طاغية يفرض نهجه على الذات ويحجب عنها حرية الاختيار والتصرف بقناعة الوجدان. يعتقد (( منذر حلوم )) " أن العقل طاغية، اللعنة على الطاغية، اللعنة على العقل الطاغية، العقل مُخبر سري نذل يفعل ما يريدون منه ويهددنا بألف طريقة ويثبت فينا الخوف حين يلزمهم ذلك ". إن الفكرة العقلانية ليست دائماً فكرة سوية لأنها مستوحاة من عقل جمعي يفرض سلطته على الأفراد والجماعات والانصياع لها لا يعني اقتناعاً بها لكنه قبولاً بآليات فرضها القسرية غير المباشرة، فالفرد يخضع للجماعة بآليات مختلفة ليست بالضرورة عنفية دائماً لكن قد تكون آليات فكرية تفرضها الجماعة على أفراد المجتمع وقد ينصاع المجتمع ذاته بالقوة لوحدة من وحداته الاجتماعية فيستجيب ردحاً من الزمن لنهجها وعقليتها لحين استعادة دوره وسلطاته وعقله الجمعي ليقسر الوحدة الاجتماعية المستبدة على الانصياع لنهجه ثانية. يرتبط تطور عقل الفرد بارتقاء مستوى وعيه، لكن ليس سهلاً الارتقاء بمستوى وعي الجماعة ليتطور عقلها الجمعي، لذلك قد تكون الفكرة العقلانية للفرد الواعي أكثر نضجاً من الفكرة العقلانية للجماعة الجاهلة. الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آلية عمل العقل
-
قصور منظومة العقل
-
ماهية العقل
-
سلطة الدين في الخير والشر
-
دور قيم الفضيلة والرذيلة في تعزيز النظام الاجتماعي
-
اكتساب قيم الفضيلة والرذيلة من المجتمع
-
معيار الفضيلة والرذيلة في المجتمع
-
القيم الأخلاقية في المجتمع
-
التعامل مع الأشرار
-
كتاب جديد صدر في دمشق للكاتب صاحب الربيعي
-
كتاب جديد للكاتب صاحب الربيعي
-
ثنائية الخير والشر الكامنة في الذات
-
ضرورة الشر
-
صدر كتاب جديد للباحث صاحب الربيعي
-
رحل شيخ المنافي إلى منفاه الأخير ( رحيل الشاعر كاظم السماوي
...
-
آلية صناعة وإتخاذ القرار السياسي
-
ديمقراطية الاحتلال والدفاع عن الوطن
-
من قواعد اللعبة السياسية.... الكذب، السرقة، والاختلاس !
-
من قواعد اللعبة السياسية ... !.
-
محاولة لتحليل بنية النظام السياسي العربي*
المزيد.....
-
السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات
...
-
علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
-
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
-
مصادر مثالية للبروتين النباتي
-
هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل
...
-
الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
-
سوريا وغاز قطر
-
الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع
...
-
مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو
...
-
مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|