|
عُذْرٌ عربي أقبح من ذنب!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 15:22
المحور:
القضية الفلسطينية
"ضَعْفُنا" هو السبب..
إنَّه العُذْر العربي (والفلسطيني) الأقبح من الذَّنْب؛ فلو سألْتَ كل َّ عربي (أو فلسطيني) مُسْتَمْسِك بـ "خيار الحل للنزاع مع إسرائيل من طريق التفاوض السياسي"، مع عَلْمِه عِلْم اليقين أنَّ أُفْق هذا التفاوض مسدود، عن سبب استمساكه، لأجابكَ على البديهة قائلاً "ضَعْفُنا هو السبب"، وكفى الله المجيب شرَّ التعليل والتفسير، أي شرَّ فَهْم، أو محاولة فَهْم، هذا "السبب"، الذي يشبه "العِلَّة الأولى"، على أنَّه "نتيجة"، ينبغي له اكتشاف ومعرفة "سببها".
"الضعف"، ولجهة العلاقة المتبادلة بينه وبين صاحبه، أي الضعيف، ليس بواحدٍ أحد، جنساً أو نوعاً، فثمَّة ضعف "الضعيف السلبي"؛ وهذا الضعيف يَفْهَم ضعفه على أنَّه قضاء مقدَّر. وثمَّة ضعف "الضعيف الإيجابي"؛ وهذا الضعيف يجتهد دائماً في تحويل ضعفه إلى قوَّة، فليست "القوَّة" إلاَّ الضعف الذي عَرَف الضعيف كيف يتغلَّب عليه مُحْتَفِظاً به في الوقت نفسه. وثمَّة جنس أو نوع ثالث هو ضعف ذاك الذي يتوفَّر على إضعاف نفسه بنفسه، وكأنَّ له مصلحة في أن يبقى ضعيفاً، ويزداد ضعفاً.
وأحسب أنَّ العرب "المُحِبِّين" للسلام (مع إسرائيل) حُبَّاً عُذْرياً، أي لا "يُنْجِب" سلاماً، هم مزيج من الضعف الأوَّل والضعف الثالث. إنَّهم إذا لم يُصوِّروا ضعفهم على أنَّه قضاء وقدر، فلن يَعْدَموا وسيلة، ولن يدَّخروا جهداً، لإضعاف أنفسهم بأنفسهم، ولاتِّخاذ ضعفهم هذا، من ثمَّ، ذريعة لعدم فعل أي شيء يمكن أن يَحْمِل إسرائيل، أو يُكْرِهها، على التفاوض الجاد، توصُّلاً إلى سلام حقيقي.
عندما دَعَتْهُم إدارة الرئيس أوباما إلى أن يؤيِّدوا (عبر "لجنة مبادرة السلام العربية") اقتراحها إجراء مفاوضات غير مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، استجابوا، وفوَّضوا إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمْر خوض هذه التجربة، مؤكِّدين، في الوقت نفسه، عدم ثقتهم بجدوى التفاوض مع حكومة ننتياهو.
وعندما دَعَتْهُم إلى تأييد الانتقال من تلك المفاوضات (التي لم تأتِ إلاَّ بما يقيم الدليل على عدم جدوى التفاوض مع هذه الحكومة) إلى المفاوضات المباشِرة، استجابوا، وفوَّضوا إلى الرئيس عباس أمْر تقرير متى تبدأ هذه المفاوضات، معيدين تأكيد عدم ثقتهم بجدوى التفاوض مع حكومة نتنياهو، وكأنَّهم أرادوا أن يقولوا لإدارة الرئيس أوباما إنَّهم يَثِقون فحسب بها، وبنيَّاتها، ويتوقَّعون أنْ تُغيِّر سياستها ومواقفها بعد أن تَقْتَنِع بما اقتنعت به "لجنة مبادرة السلام العربية"، وهو تعذُّر، إنْ لم يكن استحالة، أن تجنح حكومة نتنياهو لمفاوضات سلام جادة ومثمرة.
ولكن، هل "اقتنع" الرئيس أوباما "اقتناعاً"، بجدوى وضرورة وأهمية أن يتراجع عن مطلبه وَقْف كل نشاط استيطاني (قبل، ومن أجل، بدء، أو استئناف، مفاوضات السلام) حتى تَنْتَظِر "اللجنة"، وتتوقَّع، أن "يقتنع (اقتناعاً)" بعدم جدوى التفاوض مع حكومة نتنياهو؟
إذا كان عليهم أنْ يجيبوا عن هذا السؤال فسوف يجيبون عنه قائلين: "كلاَّ، لم يقتنع اقتناعاً، وإنَّما أُرْغِم إرغاماً، فالضغوط التي تعرَّضت لها إدارته هي التي حملته على التراجع".
والسؤال الذي تَلِده تلك الإجابة هو "هل سيمارِس العرب من الضغوط على إدارة الرئيس أوباما ما يَحْمِلها على تغيير سياستها ومواقفها بما يَحْمِل حكومة نتنياهو على التفاوض الجاد والمثمر؟".
إذا كان لـ "الواقع" أن يجيب عن هذا السؤال فلن يجيب إلاَّ بما يؤكِّد أنْ لا "ضغط" يمكن أن يمارسه العرب على إدارة الرئيس أوباما إلاَّ الذهاب إلى الأمم المتحدة (مجلس الأمن الدولي) أو التهديد بالذهاب، فإذا ذهبوا، وسعوا في استصدار قرار دولي جديد، ولقي سعيهم حتفه بـ "فيتو" الولايات المتحدة، فلن يفعلوا بعد ذلك إلاَّ ما يقيم الدليل على أنْ لا مصلحة حقيقية، واقعية، للعرب من ملتزمي السلام خياراً إستراتيجياً إلاَّ أنْ يتصالحوا، مرَّة أخرى، مع خيار "التفاوض الأبدي"، فإنَّ هذا الشر، إذا ما كان شرَّاً في معتقدهم، يظلُّ أهون ألف مرَّة من شرِّ تطليقهم ثلاثاً الخيارين معاً (خيار "السلام المُطْلًق" وخيار "التفاوض الأبدي").
العالم كله اقتنع؛ ولكن ليس بعدم جدِّية حكومة نتنياهو في طلب السلام، والسعي إليه، وإنَّما بعدم جدِّية العرب في الأمر نفسه، فلو كانوا جادِّين، لأعدُّوا للسلام ما استطاعوا من عدة، ولَعَمِلوا بما يؤكِّد إيمانهم بأنَّ الاستعداد للحرب هو الطريق إلى السلام، فالعرب لم يدخلوا معترك السلام إلاَّ بما يغري إسرائيل (وحكومة نتنياهو) بإنفاق مزيدٍ من الوقت والجهد من أجل جعله للعرب "رايةً بيضاء"، وبما يزيد الولايات المتحدة إقتناعاً بجدوى وضرورة وأهمية أنْ تظل على انحيازها الأعمى إلى الدولة العبرية.
إنَّ "العجز عن الحرب" هو و"العجز عن السلام" صنوان؛ وإنَّ اقتران العجزين، وقد اقترنا عربياً، هو ما جاء بما يُلْزِم العرب (والفلسطينيين) اتِّخاذ "التفاوض الأبدي" نهجاً لا ينتهجون سواه.
أمَّا الولايات المتحدة فلا تتوسَّط إلاَّ بما يجعل "المطالب العربية (والفلسطينية)" تزداد شَبَهَاً بـ "الشروط الإسرائيلية"، ولا تساعِد السلطة الفلسطينية إلاَّ بما يجعل لها، أو لبعض قواها، مصلحة في البقاء في أسْرٍ لمفاوضات لا تنتهي إلاَّ عندما يصبح "الحل النهائي" الذي تريده إسرائيل "مَطْلباً" فلسطينياً!
ويكفي أن تنجح الولايات المتحدة في تغيير واقع الفلسطينيين بما يفي بهذا الغرض حتى يزداد العرب استمساكاً بسياسة قوامها "لن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين"، و"أهل مكَّة أدرى بشعابها"، وكأنَّ "مزيداً من التفاوض" مع "مزيدٍ من التفويض"، هو العاقبة التي انتهى إليها التزام العرب والفلسطينيين السلام خياراً إستراتيجياً؛ مع أنَّ تجربة هذا الخيار لم تأتِ إلاَّ بما ينبغي له أن يُقْنِع ملتزميه، لو كانوا مِمَّن لهم مصلحة في جعل ضعفهم قوَّة، بضرورة أن يتِّخذوا من "المقاومة"، ودعمها، طريقاً إلى السلام.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ظاهرة -بافيت وجيتس..- في معناها الحقيقي!
-
في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخَلْق من العدم-!
-
-السلبيون- انتخابياً!
-
عباس.. هل يرتدي كوفية عرفات؟!
-
صورة -المادة- في الدِّين!
-
هل أصبحت -المفاوضات بلا سلام- خياراً إستراتيجياً؟!
-
الأزمة الاقتصادية العالمية تنتصر ل -قانون القيمة-!
-
هرطقة تُدْعى -الملكية الفكرية-!
-
الآلة
-
معنى -التقريب-.. في مهمة ميتشل!
-
أمراض ثقافية يعانيها -الطلب- في اقتصادنا!
-
حكوماتنا هي الجديرة بلبس -النقاب-!
-
صورة -المفاوِض الفلسطيني- في مرآة -الأمير-!
-
معادلة ليبرمان!
-
الفقر والفقراء.. في دراسة مُغْرِضة!
-
ما تيسَّر من سيرة -القطاع العام-!
-
مهزلة يُضْرَب بها المثل!
-
الرأسمالية الأوروبية تتسلَّح ب -العنصرية-!
-
-العبودية-.. غيض يمني من فيض عربي!
-
-المعارَضة- إذ غدت -وظيفة حكومية-!
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|