|
عناوين صغيرة
وليم نصار
مؤلف موسيقي ومغني سياسي
(William Nassar)
الحوار المتمدن-العدد: 3088 - 2010 / 8 / 8 - 12:54
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
-1- مصالحة
المكان: محور الطبية – رأس النبع الزمان: الثامن من آب 1982.
زئير الموت يمحو معالم الاتجاهات ... فلا نعرف من أين يأتي ... ولا نعرف أين نحتبيء منه ... الأصابع كانت تضغط على المذياع لتلتقط أول نشرة أخبار من أية إذاعة لنعرف ماذا يجري، ذلك أن إذاعة صوت لبنان الحر الكتائبية أكدت أن عملية اجتياح بيروت الغربية قد بدأت وأن القوات الاسرائيلية تتقدم من جهة الاوزاعي والمرفأ، كما أن محور المدافعين عند بوابة المتحف قد سقط ووصلت القوات اليهودية والانعزالية اللبنانية إلى البربير.
كنا فتية في مرحلة المراهقة يومها ... أكبرنا كان في الثامنة عشرة .... ولم يكن لدينا الحنكة الامنية والسياسية لنعرف أن ما يذاع على الموجات المعادية هو جزء من الحرب النفسية.
أسرعي يا دقائق ... أسرعي يا ثواني ... ثم تجمدي ما شئت بعد ذلك.
السادسة مساء ... موسيقا الاخبار تصدح من إذاعة صوت فلسطين ... ويأتي صوت الممثل الفلسطيني غسان مطر ليؤكد أن العدو لم يستطع اختراق أيا من محاور المدافعين عن بيروت. وإن المواطنين مدعوون لعدم تصديق ما يبثه أثير إذاعة صوت لبنان الحر الانعزالية من أكاذيب الهدف منها إحداث إرباك وإحباط في صفوف المحاصرين في بيروت والمدافعين عنها.
كنت والرفيق علي لا نتحادث "وزعلانين من بعضنا لأني شديت زميلة لنا في الصف قبل الاجتياح بشهرين وهو كان يرسم عليها". لكن عندما سمعنا نشرة الأخبار وأن بيروت لا تزال صامدة تعانقنا وبكينا.
-2- زيارة مفاجأة وأول تمرد
القصف وازيز الرصاص لم يتوقف منذ اكثر من 24 ساعة متواصلة .... وأنا في نوبة حراستي وغيتاري إلى جانبي مقطع الاوتار... نفذت مني الذخيرة فناديت الرفيق رأفت ليأخذ مكاني ... فأجابني صوت أعرفه ماذا تفعل هنا؟ التفت ناحية الصوت ... يا إلهي ... قلت بصوت عال ... الرفيق ابو أنيس والرفيق الياس عطالله والرفيق زياد ص.... أعاد الرفيق أبو أنيس ... ماذا تفعل هنا يا شبل وليم؟ وأين الرفيق نسيم؟
الرفيق نسيم يأتي مهرولا غير مصدق أن قادة الحزب يزورون أخطر المحاور في بيروت ... نهر أبو أنيس الرفيق نسيم لتركه أشبالا على المحور المتقدم إلا أن الرفيق نسيم أجاب مبتسما: يا رفاق ... أقسم بمبدئي أنهم أشرس من المقاتلين .... هؤلاء الأشبال أحضروا لكم هدية كنت سأحملها لكم إلى السادس (مركز الحزب الشيوعي)... والهدية عبارة عن صاروخ أرض أرض إسرائيلي استولوا عليه من الجنود الاسرائيليين ليلا وجاؤوني به قائلين هذا هدية منا. لمعت عينا أبو أنيس وتبسم الرفيق الياس عطا الله أما الرفيق زياد ص. اكتفى بهز الرأس ... لكن الرفيق أبو أنيس أصر أن نبقى في المواقع الخلفية قائلا ... هؤلاء هم ذاكرتنا ومستقبلنا. طبعا رفضنا معاملتنا كأطفال وكانت تلك أولى حالات التمرد من قبلنا. تبسم الرفيق الياس عطالله و "نكز" أبو أنيس الذي عاد وقال بصوت حنون... يعطيكن العافية يا رفاق بيروت أمانة بايديكم.. وودعنا مبتسما بعد أن سألنا إذا كنا بحاجة لأي شيء...
-3- لن يمروا
عند زاوية مدرسة راس النبع الموازية لشارع محمد الحوت ... تصاب سيارة ابو انيس البيجو بشظايا قذيفة ... نحسب أن القائد والرفاق قد أصيبوا ... لكننا لم نترك المحور إذ بقيت كلمته تدوي في آذاننا بيروت أمانة في أيديكم..
ولك دخيل الله ... حدا يطمنا عالرفاق.... يصرخ أحد الرفاق الكبار في السن. ويصرخ آخر ... مفي ولا أخو شرموطة فيكن يروح صوب المدرسة يشوف ويطمنا؟
جميعهم بخير ... إنه صوت الرفيق نسيم ... يجول علينا فردا فردا ليبلغنا أن الرفاق بخير ...
لم يقبل الرفيق ابو أنيس والرفيق الياس عطا الله أن ينتظرا في ملجأ المدرسة ريثما يعود الرفيق زياد ص. والسائق الرفيق زهير ع. بسيارة أخرى لتقلهم إلى محور آخر... وانما حضرا إلى موقعنا وشاركانا نوبة الحراسة لمدة ساعتين ونصف... كان كلما أطلق أبو أنيس رصاصة من بندقية السيمينوف يصرخ ... لن تمروا ...
بعد كل تلك السنوات ... أدركت سر العلاقة التي كانت تجمع أبا أنيس بالرفاق المقاتلين ... هؤلاء المقاتلين الذين كان يقرأ معهم آيات من كتاب الوطن ... قبل أن يشاركهم الصلاة بالرصاص على محور الطبية مطلقا زخات من السيمينوف صارخا لن تمروا...
-4- لطمية ضرورية
انصبوا الرايات السوداء على كل مساحات الوطن العربي. اندبوا والطموا كعذراء بعد حفلة اغتصاب... اقرؤوا الفاتحة وأقيموا القداديس الغير مقدسة على هذا الوطن المصاب بالسفلس الوطني والقومي.
ولدت قبل هزيمة جزيران بستة أشهر ... وأصبحت يتيما وأنا في الرابعة من عمري بعد أن وعيت على أمي تبكي جمال عبد الناصر وتقول أصبحنا أيتاما. وفي السابعة من عمري استشهد أخي البكر دفاعا عن فلسطين والأمة العربية المندثرة. أما في العاشرة من عمري فقد اندلعت الحرب الأهلية في لبنان وأكلت فيما أكلت أحلام طفولتي وأيام مراهقتي. وعندما ابتدأ ذوقي يتشكل في النساء وقع الاجتياح ....
لم أشهد انتصارا واحدا .... وعندما حصل هذا الانتصار .. لم يكن انتصارنا نحن ... وكنت بعيدا .... لكن يحق لي أن أفرح بهذا الانتصار ... ويحق لي أن أحب صانعه ....
آب 1982 كان آبا حارا ... وكنا مستعدون للموت ... قلنا لحلفائنا يومها لا توافقوا على الانسحاب ولنمت معا... لكنهم تركوا بيروت .... وتركوا لنا مخيماتها أمانة في أعناقنا .... تنظيمات يسارية ويمينية وجيوشا قومية ... لا فرق ... وافقوا على الانسحاب جميعهم وأخذوا معهم قلوبنا وأحلامنا الصغيرة... وبقينا نحبهم ...
آب 1982 كان صيفا حارا ... صيفا من قذائف وصواريخ أطول من قاماتنا ... يكفي أن اذكر أن الذين ماتوا لم يسقطوا سهوا ... فالعدو دخل بيروت على أجسادنا ولم نستسلم ... حطمنا يومها أسطورة الماسادا ... لكننا لم ننتحر كما فعل من أحرق بيروت من أحفاد جبناء الماسادا ... بل واجهناهم بكل الحب الذي نحمله للحياة.
آب 1982 أذكر كنا تسعة فتية على محور رأس النبع – الطبية ... وأذكر أكثر أننا حولنا ناقلات جندهم إلى توابيت تنقل جثثهم العفنة .... كنا أقوياء يومها ... كنا نغني وقت استراحة المحارب ... ونبكي غياب أحبة لن نراهم بعد اليوم... ما الذي تغير؟ لماذاتحولت بيروت الصمود إلى بيروت الدعارة؟ لماذا تبعثر الرفاق؟ لماذا لم يبق الرفاق رفاقا؟ لماذا لم يتحول الرفاق إلى أصدقاء؟
آب 2010 أذكر بالخير ... الرفيقة كاتيا ... والرفيق أحمد .. والرفيق جورج ... والرفيق ميشال ... والرفيق ناصر ... والرفيقة فداء ... والرفيق عاطف ... والرفيق فايز ... أذكركم بالخير أيها الرفاق والأصدقاء الجميلون ... ولا تعتبوا على حزبكم إذ أضاع صوركم ... وأسماءكم. لكن ... يا أصدقائي الجميلون ... لماذا تركتم الحصان وحيدا؟ (بالاذن من محمود درويش.)
-5- حالة إنسانية
عزيزي الجنرال عون .... سلام المسيح لك ... هل أضحك أم أبكي على تصريحك حول فلسفة الخيانة ... لا أيها الجنرال ... الخيانة ليست حالة إنسانية وبالأخص حينما تتعلق بخيانة وطن.
عزيزي الجنرال ... أتمنى عليك أن لا تذكر الفلسطينيين لا بخير ولا بشر ... وأن تكف عن رواية التوطين فهي "ناكتة" كما يقول أهل الشام.
عزيزي الجنرال ... أنا وليم إميل نصار ... اللبناني الماروني الذي يحمل أفكارا يسارية ... أقول لك .. من خطط لمجزرة تل الزعتر .. ومن كان على علم بمذبحة صبرا وشاتيلا ... لا يحق له أن يكون حريصا على فلسطين والفلسطينيين. والله ينجينا من الآت. _______________________ ** د. وليم نصار، مؤلف موسيقي – أكاديمي وناشط سياسي – أمريكا الشمالية
#وليم_نصار (هاشتاغ)
William_Nassar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية
-
مجنون عكا وبعض من خبز روحي
-
حب باللوكيميا
-
هلوسات مبكرة للعام 2010
-
صديقي فخامة الرئيس نورمان فنكلستين
-
سلاما لمغتالي أحلامنا
-
خمسة نجوم إلى صبرا وشاتيلا
-
الثوب والعنب
-
البيان رقم واحد
-
إعترافات فحل يساري لتحرير فلسطين
-
الرسالة الثالثة إلى أم العز
-
رسالة ثانية إلى أمي الكنعانية
-
أم عز الدين
-
دويلة أبو قرون
-
إلى قيادات اليسار في م.ت.ف
-
رسالة إلى الحبيب أحمد سعدات .. وقيادات الفصائل الفلسطينية
-
رسالة إلى حركة فتح وفصائل اليسار الفلسطيني
-
أزمة ثقافة عربية أم أزمة مثقفين عرب(رؤية شخصية)
-
إغفر لنا محبتنا .. يا حكيم
-
مزامير لفناء الفلسطينيين
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|