|
موارد العراق المائية وبعض قضايا الدستور
حسن الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 12:45
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مقدمة: يعرف النهر الدولي بأنه النهر الذي يقطع حدود أكثر من دولة واحدة أو يشكل، بحد ذاته، الحدود السياسية بين البلدان، وقد تطور المفهوم كي يصبح اكثر شمولا ليتضمن المياه المشتركة سواء كانت سطحية او جوفية، ويتم حاليا تداول اسم "المجرى المائي الدولي International Watercourse" وهو شبكة المياه السطحية والمياه الجوفية التي تشكل، بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض، كلا واحدا وتتدفق عادة صوب نقطة وصول مشتركة ولكن تقع اجزاؤه في دول مختلفة. تميزت التشريعات الدولية التي تنظم استخدامات الانهار الدولية بتطور بطيء، قياسا بتطور القوانين التي تنظم الملاحة في البحار والمحيطات، بالرغم من وجود اتفاقيات ثنائية او متعددة الاطراف منذ النصف الاول للقرن العشرين في اوروبا وامريكا، الا ان التطور الحقيقي حصل عام 1966 في هلسنكي بعد ان وجد ان استغلال المياه الدولية يخلق اشكالات لم توجد لها صيغ قانونية مناسبة او متفق عليها، اضافة الى خضوع اجزاء من الحوض النهري لقوانين دولة تختلف عن القوانين التي تعرف الاجزاء الاخرى من نفس النهر في دولة او دول اخرى، بسبب اختلاف الانظمة والاولويات الاقتصادية، ومدى الاعتماد على الموارد المائية ومستوى التطور الاقتصادي، والزراعي منه بشكل خاص. وقد ظلت الاتفاقيات الثنائية بين الدول المتشاطئة تمثل اهمية قصوى لحل النزاعات بسبب عدم وجود تشريع دولي فعال في ظل امتناع دول المنبع عن الاتفاق مع دول المصب حول القسمة العادلة للمياه. وقد تلكأت الحوارت الدولية حول تطوير القانون الدولي للمياه نتيجة لتعارضها مع، اوصطدامها بفكرة او مفهوم السيادة المطلقة للدولة على المياه التي تقع ضمن اراضيها، هذا اذا مااستثنينا الخلافات السياسية بين الدول المتشاطئة. ومعلوم ان الاتفاق على تقسيم المياه او ادارتها بشكل مشترك، يحد بالضرورة من حرية الدول بالتصرف بحرية مطلقة بمواردها المائية مما يعتبر "انتقاصا" من السيادة. تمثل الانجاز الرئيسي لقواعد هلسنكي بالابتعاد عن مفهوم السيادة المطلقة في ادارة الموارد المائية باتجاه الاعتراف بالمسؤولية المشتركة للدول المتشاطئة، وقد قامت الامم المتحدة بعدها بتطوير تلك القواعد لتشمل مسؤولية الدول في الحفاظ على نوعية المياه وليس كميتها فقط، وطورت مبادئ ارتكز عليها فيما بعد القانون الدولي واهمها: 1- حق دول المصب او اسفل النهر (الذنائب) في استلام اشعار مسبق عن مشاريع الموارد المائية. 2- الدخول في مفاوضات قبل البدء بالمشاريع. 3- الاعتراف بالمسؤولية المشتركة. 4- منع الاعمال التي تسبب اضرار كبيرة. 5- الاعتراف بالسبق الزمني في استخدام المياه. 6- الحق في الاستخدام المعقول والمنصف (Utilization Reasonable & Equitable) 7- منع تلويث الموارد المائية. 8- تطوير وسائل حل المنازعات حول الموارد المائية، وغيرها.
اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية 1997: تعتبر اتفاقية الامم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية، التي اقرت في الجمعية العامة في ايار 1997 اهم وثيقة دولية تنظم استخدام الموارد المائية في الاحواض المائية المشتركة بين اكثر من دولة، وهي وثيقة غاية في الاهمية، ولايوجد فيها لبس او مفاهيم مزدوجة، وبالرغم من انها استندت، بهذا القدر او ذاك، على قواعد هلسنكي، الا انها شملت المفاهيم الجديدة، والمعرفة التي اتيحت للبشرية خلال ال 30 عام التي تلت الاتفاق على قواعد هلسنكي في مجال البيئة والمناخ والتلوث والتنمية وجدلية العلاقة بين هذه العناصر، وخاصة بعد مؤتمر قمة الارض، واعلان الأجندة 21 للتنمية المستديمة.
صوت لصالح الاتفاقية اكثر من مائة دولة، وعارضتها ثلاث دول فقط من بينها تركيا، وصادق عليها حتى الان 16 دولة (بينها 8 دول عربية فقط هي العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، تونس، اليمن، قطر الاردن) وستصادق على الاتفاقية قريبا حوالى 13 دولة اضافية، الا ان المجموع سيبقى اقل من العدد المطلوب لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ وهو 35 دولة، مما يحتم بذل جهد كبير من قبل العراق وغيره من الدول كي تدخل الاتفاقية حيز التطبيق، فمن الواضح ان عدد الدول التي صادقت على الاتفاقية حتى الان اقل بكثير من الدول التي صوتت على الاتفاقية عام 1997.
من الجدير ذكره ان تركيا اعلنت اثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي جرى خلالها التصويت، وفي معرض تصديها للاتفاقية، انها (اي تركيا) تعارض فقرات عديدة من الاتفاقية تشمل الديباجة، والمادة ثانيا (الف وباء)، والمادة 3، والمادة 5، والمادة 7، والباب الثالث كله، وهذه الفقرات في الحقيقة باعتقادي هي اكثر المواد اهمية في القانون الدولي بالنسبة للعراق، وخاصة الفقرتين الخامسة والسابعة اللتين تعتبران حجر الزاوية للأتفاقية. فعلى سبيل المثال، تنص المادة الخامسة من الاتفاقية والخاصة ب "الانتفاع والمشاركة المنصفان والمعقولان" على:
1- تنتفع دول المجرى المائي، كل في إقليمها، بالمجرى المائي الدولي بطريقة منصفة ومعقولة، وبصورة خاصة، تستخدم هذه الدول المجرى المائي الدولي وتنميه بغية الانتفاع به بصورة مثلى ومستدامة والحصول على فوائد منه، مع مراعاة مصالح دول المجرى المائي المعنية، على نحو يتفق مع توفير الحماية الكافية للمجرى المائي. 2- تشارك دول المجرى المائي في استخدام المجرى المائي الدولي وتنميته وحمايته بطريقة منصفة ومعقولة. وتشمل هذه المشاركة حق الانتفاع بالمجرى المائي وواجب التعاون في حمايته وتنميته على النحو المنصوص عليه في هذه الاتفاقية.
والمادة السابعة الخاصة ب " الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن" تنص على:
1- تتخذ دول المجرى المائي، عند الانتفاع بمجرى مائي دولي داخل أراضيها، كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجرى المائي الأخرى. 2- ومع ذلك، فإنه متى وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجرى المائي، تتخذ الدول التي سبب استخدامها هذا الضرر، في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام، كل التدابير المناسبة، مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين 5و6 وبالتشاور مع الدولة المتضررة، من أجل إزالة أو تخفيف هذا الضرر والقيام، حسب الملائم، بمناقشة مسألة التعويض.
كما دعت انذاك تركيا الى فكرة السيادة المطلقة على الموارد المائية التي تقع داخل البلد، واعترضت على التعريفات الخاصة بالمجرى المائي او النهر الدولي.
دجلة والفرات: ينطبق تعريف مجاري الانهار الدولية تماما على نهري دجلة والفرات وبعض روافدهما وشط العرب، لأن هذه الانهار تقطع حدود بلد واحد او اكثر قبل دخولها الاراضي العراقية. تترتب على هذا نتائج واعتبارات ومواقف تؤدي بالنتيجة الى وقوف المجتمع الدولي الى جانب العراق في مطالبته بالتوصل الى حل منصف لقسمة المياه على اساس الشراكة والمسؤولية التضامنية حسب القانون الدولي. تنبع معظم مياه الرافدين خارج التراب العراقي بالنسب المبينه ادناه:
اسم النهر نسبة التجهيز
دجلة 56% من تركيا 12% من ايران 32%من داخل العراق الفرات 97% من تركيا وسوريا
هنالك انهار موسمية واخرى دائمية حدودية مع ايران كنهر الكرخة الذي يصب في هور الحويزة وكذلك نهركارون الذي يصب في شط العرب وأنهار الطيب ورافد نهر ديالى والزاب وغيرها.
تقوم كافة الدول المجاورة بتنفيذ خطط ومشاريع اروائية كبرى، تتضمن تخزين واستغلال كميات كبيرة من تصاريف الانهار المذكورة مما يقلل حصة العراق من حقه التأريخي في مياه الرافدين بشكل يعرض استقلال البلاد الى الخطر، إذ أن المياه التي تدخل الحدود تعتبر جزءا من السيادة الوطنية بنفس الدرجة التي تمارس بها السيادة على المياه التي تقع ضمن الحدود الوطنية. ان مشاري الارواء وتحويل الموارد المائية تؤثر سلبا على مختلف الانشطة الاقتصادية، وتلحق ضررا بالغا بالبيئة العراقية، اضافة الى تردي نوعية المياه الجارية في الرافدين.
فتركيا، مثلا، تستمر بتنفيذ مشروع جنوب شرق الاناضول، وهو من المشاريع الكبرى المنفذة في حوضي دجلة والفرات. يبلغ عدد السدود الرئيسية التي شيدت، وتشيد، ضمن هذا المشروع (22) سدا منها سدود كبرى مثل كيبان وقره قايا وأتاتورك في حوض الفرات، واليسو في حوض دجلة. تبلغ السعة الخزنية لهذه السدود اكثر (100) مليار م3 أي ستة اضعاف معدل التصريف السنوي لنهر الفرات على الحدود العراقية. تهدف تركيا الى ارواء مساحة تبلغ (1.6) مليون هكتار وتقدر مجموع احتياجاتها المائية السنوية بـ (21 ) مليار متر مكعب.
من الجدير ذكره ان موقف تركيا الحالي تغير كثيرا من الناحية الاعلامية عما كان عليه خطابها في التسعينات، فقد اعلنت انذاك نيتها لبيع المياه في السوق الدولية، وسعت، الى اعتبار المياه بضاعة تباع خارج المحيط الجغرافي للحوض النهري، وان دجلة والفرات نهران تركيان وغير ذلك من المواقف التي اثارت استياءا دوليا واقليميا كبيرا في حينها، ولكن السنين الاخيرة شهدت تعاونا ملحوظا مع العراق وسوريا على مستوى انتظام الاجتماعات الفنية، والاستجابة الانية لبعض المطالب بزيادة الاطلاقات لفترة قصيرة، وتطورت العلاقة بين وزارتي الموارد المائية العراقية ووزارة البيئة التركية، غير ان الموقف على مستوى الخطاب السياسي، ودور تركيا في عقد منتدى المياه الخامس، وتأثيرات رغبة تركيا بدخول المجموعة الاوربية، تؤدي الى احداث زخم سياسي مهم نجم عنه تليين الموقف التركي ازاء الموارد المائية، وتبلورت عنه حركة مجتمع مدني قوية منتقدة للسياسة المائية التركية التي ادت الى تغيير سلبي كبير في البيئة التركية، وبالطبع في سوريا والعراق.
ولكن مايثير الانتباه هو الموقف الاوروبي من الاعمال التركية في ميدان الموارد المائية، وخاصة سد اليسو العملاق الذي بدأء انشاؤه في حوض دجلة. فقد اوقفت الحكومات الالمانية والسويسرية والنمساوية، للمرة الثانية، دعمها للقروض التي قدمتها بنوك من هذه الدول للحكومة التركية لأنشاء السد، واشترطت ان تستجيب تركيا للشروط البيئية والاجتماعية والتي حددت ب 153 شرطا، قبل ان تراجع الحكومات موقفها في مقاطعة المشروع، واعطت انذارا اخيرا لتركيا لمدة 180 يوما تنتهي يوم 6 تموز 2009 كي تثبت انها استجابت لكافة الشروط، وللعلم فقد تضمنت قائمة الشروط هذه شرطين لهما علاقة بالعراق، ولكن للأسف كانا شرطين بسيطين لايتناسبان مع حجم الضرر الذي سيلحق بالعراق، ويقتصران على تزويد سفارة العراق في انقرة بوثائق المشروع كي توصلها الى الحكومة العراقية، ودعوة تركيا للقاء مسؤولين عراقيين وتزويدهم بالمعلومات التي يطلبونها عن السد. كما تضمنت الشروط ضمانا باطلاقات مائية من السد بمقدار 60 متر مكعب في الثانية كحد ادنى، وهذا يمثل اقل من 10% من المعدل، وهي كمية غير كافية بكل المقاييس ودليل على ان الاوربيين لم يحصلوا على معلومات افضل.
لقد اعترضت الحكومة العراقية على السد، فوجه السيد وزير الخارجية العراقي، بناءا على دعوة وزارة الموارد المائية، رسالة الى نظيره الالماني في كانون الثاني 2007 يدعوه فيها الى عدم تمويل المشروع، ولكن الجهود العراقية، وكما يبدو من المعلومات المتاحة، بحاجة الى تصعيد وتكثيف، وحسب وصف ممثلي الحكومة الالمانية فانهم غير متأكدين من الموقف العراقي في معارضة بناء السد.
أما الموقف في سوريا ففيه بعض الاختلاف، فمن ناحية هي دولة منبع بالنسبة للعراق، ودولة مصب بالنسبة لتركيا، الا ان علاقة العراق مع سوريا كانت دائما علاقة تعاون، باستثناء منتصف السبعينات عند البدء بملأ سد الطبقة الذي ادى الى انحسار مياه الفرات بشكل لم يسبق له مثيل. فقد انشأت سوريا ثلاث سدود على نهر الفرات تزيد سعتها الخزنية على (13) مليار م3 (اي حوالي 70%) من معدل ايرادات العراق من نهر الفرات خلال الثلاثين سنة الاخيرة) هي سد الطبقة وسد تشرين وسد البعث، وتخطط سوريا لارواء مساحة تزيد على المليون هكتار في حوضي الفرات ودجلة، وتقدر احتياجها المائى بـ (8.3) مليار م3، مما يعني ان العلاقة مع سوريا في المجال المائي يجب ان تبقى في اولوية اهتمامات العراق في المستقبل.
في ضوء ما تقدم تتوقع وزارة الموارد المائية ان تتراجع معدلات ايرادات العراق السنوية من نهر الفرات من حوالي 28 مليار متر مكعب قبل انشاء السدود الى حوالي 8.5 مليار، اما ايرادته من نهر دجلة فستكون حوالي 9 مليار متر مكعب بدلا من 19.5 مليار متر مكعب حاليا، مما سيخلق عجزا مائيا قدر بحوالي (19) مليار م3 في عام 2015.
مفاوضات العراق مع الدول المتشاطئة: بدأت المفاوضات بشأن الملف المائي في المنطقة في الربع الاول للقرن العشرين اثناء فترة الانتداب بين بريطانيا العظمى وفرنسا. ألا أن أهم اتفاق بين تركيا والعراق بشأن المياه هو ما تضمنته معاهدة الصداقة وحسن الجوار للعام 1946 والتي نظمت شروط استخدام مياه الرافدين، ولكن ظروف المنطقة السياسية عطلت فعالية المعاهدة وخاصة في جانبها الهيدرولوجي، ليترك الملف عرضة للاختلافات واحيانا المزايدات السياسية، وقد جرت مفاوضات لاحقة بين الاطراف، وتشكلت لجنة التعاون الاقتصادي والفني لكنها لم تتمكن من انجاح الملف المائي بصيغة نهائية ترضي جميع الاطراف، فتوقفت اجتماعاتها في عام 1993.
كما وقع العراق وسوريا اتفاقا في العام 1990 تطلق بموجبه سوريا 58% من وارداتها من مياه الفرات عند الحدود التركية، بعد ان اعلنت تركيا أنها ستطلق تصريفا مقداره 500 م3 في الثانية عبر الفرات، اثناء ملأ خزان سد أتاتورك، في الوقت الذي كانت المطالبة فيه باطلاق تصريفا مقداره 700 م3 في الثانية، لكن الجانب التركي رفض هذا الطلب في حينه.
أما مع الجانب الايراني فقد توقفت كافة اشكال التعاون بين البلدين في العام 1980 اثر الحرب العراقية –الايرانية، بعد أن نصت اتفاقية 1975 بين البلدين على صياغات تعنى بالملف المائي، تنازل اثرها النظام العراقي السابق عن حقوق البلاد بشط العرب، ولاتزال المعاهدة سارية المفعول، كما لم يتم التوصل الى اي اتفاق بشأن تصريف نهر الكرخة الذي يغذي هور الحويزة بعد انشاء سد كبير عليه تقدر سعته ب 8 مليار متر مكعب وانشاء سدود على نهر الكارون الذي كان يغذي شط العرب تقدر سعتها ب 14 مليار متر مكعب.
الموارد المائية والامن الوطني في العراق: للموارد المائية علاقة مباشرة بالأمن الوطني العراقي وذلك لثلاث اسباب رئيسية وهي: 1. ان الزراعة في العراق اروائية تعتمد كليا على وفرة الموارد المائية، وبالتالي فان استقرار او ازدهار القطاع الزراعي يمثل عامل استقرار سياسي وامني كبير، وان انهياره يمثل عامل تهديد كبير للأمن الوطني بسبب انعدام امكانية العيش في الريف العراقي واحتمالات هجرة كبيرة الى المدن وخلق بؤر توتر واحتقان اجتماعي وسياسي وامني. وفي ظل شحة الموارد المائية لايمكن النهوض بالقطاع الزراعي، ولأن فقدان مليار متر مكعب في السنة من المياه يعني تجفيف او حرمان 240 – 570 الف دونم من الاراضي الزراعية او القابلة للزراعة في العراق من الارواء. وبالمناسبة فأن معدل ايرادات العراق من نهر الفرات قلت بحوالى 10 مليار متر مكعب في السنة منذ عام 1976، اي منذ انشاء السدود التركية والسورية على نهر الفرات.
2. ان غالبية ايرادات العراق من المياه تأتي من خارج الحدود، وان عدم تحكم البلاد بمواردها الطبيعية يمثل تحديا دائما للأمن الوطني، خاصة في ظل انعدام وجود اية اتفاقية مع اية دولة من دول الجوار. فالعراق دولة مصب ويحصل على 70% من مياهه من خارج الحدود، مما يجعله، عرضة للانتقاص من حقوقه التأريخية في المياه، كما ان أي توسع في المساحات المزروعة اروائيا في دول الجوار، يعني بالضرورة تقليصا للمساحات المزروعة او القابلة للزراعة في العراق.
3. التركة الثقيلة لسوء ادارة الموارد المائية، وسياسات افقار البلاد وتجفيف المسطحات المائية (الاهوار) والانحدار المريع في قطاع الزراعة الذي جعل سكان الريف العراقي يعيشون على حافة الفقر، ويهاجرون الى حواف المدن على شكل تجمعات سكانية كبيرة وهي تمثل تحديا امنيا واضحا.
بقدر تعلق الامر بالموارد المائية يمكن تحسين الوضع الأمني او تقليل امكانية تدهوره يجب وضع خطط مناسبة لمعالجة الاسباب الثلاثة المذكورة والتي يجب ان تهدف بالاساس الى: 1. ايقاف تدهور القطاع الزراعي وتحسين اداءه، كإجراء فعال لمحاربة الفقر. 2. الاتفاق مع الأطراف المتشاطئة على قسمة المياه وفق القانون الدولي، لتحسين متاحية المياه للبلاد. 3. ازالة كافة اثار السياسات السلبية السابقة في القطاع المائي وتأمين الحصص المائية لكافة مستخدمي المياه بالتساوي.
ادارة الموارد المائية في الدولة الاتحادية (الفيدرالية): لاتختلف الاشكالات المتعلقة بادارة الموارد المائية في الدول الفيدرالية عنها في المجاري المائية الدولية، فتحديات التنمية المستديمة ومتطلباتها هي نفسها في حال استخدام المجرى المائي من قبل مستخدمي المياه في الاقاليم او الدول. غير ان الدولة الفيدرالية الواحدة اكثر قدرة على الاستجابة السريعة لمتطلبات التنمية في حال وجود وكالة (سمها مجلس او هيئة) وطنية اتحادية مسوؤلة عن الملف المائي بشقه الرقابي، او في تأسيسها ان لم توجد، وستكون مسؤوليتها تأمين المصلحة العليا للبلاد وتطوير التشريعات اللازمة لتنمية الموارد المائية، وتحديد اتجاهات التنمية، وتوزيع، او الاشراف على، التمويل المخصص للتنمية بما يحقق شروط التنمية المستديمة. من الضروري التنويه الى ان وجود وكالة اتحادية (مجلس وطني) لوحده لايؤمن المشاركة والانتفاع المنصف والمعقول في استغلال الموارد المائية دون وجود قانون حديث وصارم، يتناسب مع معطيات العلم الحديث، ومتغيرات المناخ، واستنباط اسس التنمية المستديمة التي تؤمن ديمومة الموارد المائية.
ان تجارب الدول الفيدرالية في ميدان الموارد المائية تختلف من دولة الى اخرى، ففي استراليا مثلا، يجري التحول الان باتجاه نقل صلاحيات الولايات في ادارة الموارد المائية الى الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) بعد مرور اكثر من مائة عام على تأسيس الدولة الاتحادية، لان المركز اكثر قدرة على تطبيق مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول من الاطراف (الولايات) في ظل اشتداد التنافس بين مستخدمي المياه المختلفين، ومستجدات التغير المناخي والاحتباس الحراري وغير ذلك. اما في الولايات المتحدة فلا توجد وكالة اتحادية او مجلس وطني للمياه، ولاتوجد ضرورة لذلك في دولة كأمريكا لأسباب عديدة اهمها: • تطور القانون والقدرة على التطبيق الصارم له. • وجود مؤسسات فيدرالية ومحلية قوية مخولة وبغطاء قانوني لحماية البيئة مثل وكالة حماية البيئة Environmental Protection Authority • وجود مؤسسات مجتمع مدني فعالة تؤمن اشراك المعنيين والمستفيدين في ادارة الموارد الطبيعية، وخاصة لجان الاحواض المائية المشتركة. • الشفافية في عمل مؤسسات الدولة التي تؤمن مراقبة شاملة لأي مشروع، وغير ذلك من مقومات.
اما في العراق، فلا يمكن بالطبع استنساخ تجارب ما بعينها، بل تطوير تجربته في ادارة الموارد المائية وتنميتها لمصلحة البلد ولكن باعتماد قوانين منسجمة مع مبادي التنمية المستديمة المقبولة دوليا، مع الاخذ بالاعتبار الوضع المميز للبلاد والشراكة الدولية في الموارد المائية والتي سيضاف لها تعقيدات الوضع الاتحادي للعراق. وعلى العكس، مثلا من استراليا وامريكا حيث لاتوجد وزارة اتحادية معنية بالري والموارد المائية، توجد في العراق وزارة عريقة وقوية للموارد المائية تمارس لوحدها ادارة الملف المائي داخليا وخارجيا، وبكل اوجه التشغيل، والتنظيم، والتخطيط، والرقابة، وتنفيذ المشاريع، والمفاوضات، والمياه الاقليمية، وتتواجد قاعدة المعلومات والمعرفة العلمية والخبرة المتراكمة في ادارة الموارد في الوزارة فقط، مما يعني عدم قدرة الوزارات الاخرى كالخارجية مثلا او البيئة، او منظمات المجتمع المدني ومراكز البحوث والجامعات، على توفير دعم اضافي نوعي لجهد وزارة الموارد المائية في هذا الملف، وهذا بحد ذاته تحد كبير اذ يجب نشر الخبرة والمعرفة بشكل افقي، وتعزيز الدور المكمل للمؤسسات الاخرى، وتأهيل وتنمية القدرات البشرية للعاملين في الانشطة المختلفة التي لها علاقة بالموارد المائية والبيئة وغيرها.
الموارد المائية في الدستور العراقي: يتناول الدستور العراقي قضية الموارد المائية في المادتين 110 ثامنا (الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادي) و114 سابعا (في الصلاحيات المشتركة).
اولا: المادة 110 ثامنا: تنص المادة 110 ثامنا، ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطات الاتحادية على "تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه اليه، وتوزيعها العادل داخل العراق، وفقا للقوانين والاعراف الدولية" يكاد هذا النص ان يكون عديم المعنى وذلك لسببين اولهما انه لايمكن للسلطات الاتحادية تخطيط مصادر المياه الواقعة -او القادمة من- خارج البلاد لانها لاتملك وسيلة لذلك، بل يمكنها التفاوض على حصص معينة والتوقيع على اتفاق يتضمن الية لتأمين تلك الحصص، في حالة قبول الدول المتشاطئة الاخرى. أما السبب الثاني فهو عبارة "ضمان مناسيب تدفق المياه"، والمقصود من خارج العراق ايضا، وهذا بالمعنى الفني واللغوي ليس صحيحا، لأن المنسوب هو ارتفاع مستوى المياه عن سطح البحر، ولايعني كمية المياه الواردة الى العراق، وهو المهم والمقصود من المادة. فيمكن مثلا ضمان المنسوب عن طريق رفع مستوى المياه الى اي ارتفاع مطلوب دون ان يعني ذلك شيئا مما تقصده المادة الدستورية. المقترح: نطرح هنا تطويرا لصياغة هذه المادة يتضمن المهام الرئيسية للسلطات الاتحادية اضافة الى ضمان ان الصياغة تستجيب للخصائص الفنية المعروفة للموارد المائية، ونص المقترح هو: " تخطيط الموارد المائية في العراق، وادارتها بما يؤمن توزيعها العادل (او المنصف)، وديمومتها كمّاً ونوعاً، وضمان حقوق العراق المائية وفق القانون والاعراف الدولية"
يتضمن هذا النص كل السلطات او الصلاحيات التي يفترض ان تقوم بها السلطات الاتحادية وهي باختصار: 1- تخطيط الموارد المائية (Planning) وهو ضمنا التخطيط الستراتيجي البعيد المدى. 2- ادارة الموارد المائية (Water Management ) الذي يعني تمويل و تنفيذ، او الاشراف على تنفيذ، المشاريع التي تؤمن توزيعا منصفا ورشيدا، يضمن ديمومة المورد المائي والحفاظ على كميته ونوعيته، اي يمنع تلويثها ويؤمن استمرار جريانها. 3- حق التفاوض مع الدول المشتركة بالأنهار او الاحواض النهرية وتوقيع الاتفاقيات وغير ذلك، وفق الاسس التي يقرها القانون الدولي، مما يمنع الاقاليم والمحافظات من عقد اتفاقيات لتقسيم المياه مع الدول المجاورة.
ثانيا: المادة 114 سابعاً: تنص المادة 144 سابعا، ضمن الصلاحيات المشتركة، على : "رسم سياسة الموارد المائية الداخلية، وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلا لها، وينظم ذلك بقانون"
ان الموارد المائية لاتقسم الى مياه داخلية وخارجية لان حوض النهر هو تكوين جغرافي وهيدرولوجي وبيئي واحد، بغض النظر عن مصدر المياه، كما ان المياه التي تنبع في اية بقعة من الحوض ستصب بالنتيجة في مجاري صغيرة او كبيرة تشكل بالأخير روافدا تصب في عمود النهر الرئيسي، والذي يصب بدوره بالخليج. من هذا المفهوم يتضح ان عبارة "رسم سياسة الموارد المائية الداخلية" لامعنى لها، لانه لايمكن فصل الموارد المائية "الداخلية" عما يمكن اعتباره موارد مائية "خارجية". ان النظام النهري، ونظام السيطرة عن طريق المنشآت المقامة في العراق، لايمكن الا ان يكون تكاملياً، اي ان اجزاءه المتعددة تشكل نظاما واحدا يدار من جهة واحدة، يمكن وضع اليات تستند عليها لتأمين حقوق جميع مستخدمي المياه دون تمييز بسبب الموقع الجغرافي.
المقترح: نقترح ان يكون نص هذه الفقرة بالشكل التالي: "حماية الموارد المائية داخل حدود الاقاليم والمحافظات، وتأمين استغلالها المنصف، والألتزام بمحدداتها (او شروطها) البيئية والفيزيائية، بما يؤمن التنمية المستديمة، وضمان تدفقها بصورة عادلة". يتضمن هذا النص اربع عمليات اساسية وهي: 1- حماية الموارد من التلوث او سوء الاستخدام الذي يؤدي الى اضمحلالها او يجعل استخدامها من قبل مستخدمي المياه في ذنائب النهرمستحيلا. 2- تأمين ان استغلال الموارد المائية يجري من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية ولكن بصورة منصفة ( Equitable)، اذ ان الاستخدام المنصف مفهوم متعارف عليه ومتدوال في القانون الدولي. 3- ضرورة ان تكون التنمية الاقتصادية مستديمة وذلك بالالتزام بالشروط البيئية والفيزيائية للمورد المائي، والتي تحتم استمرار التنمية والازدهار الاقتصادي في الوقت الذي تضمن فيه حقوق الاجيال في التمتع بالخيرات الاقتصادية. 4- ضمان تدفق المياه الى مستخدمي المياه في ذنائب الانهار، وتحريم الاستحواذ الكامل على الموارد، واستغلالها غير المنصف.
ان المعيار الاساسي للادارة الجيدة لمجاري الانهار الدولية هو تحسين نوعية المياه ومتاحيتها في موسمها في دول المصب، فالعراق كدولة مصب ضحية للاعمال التي تجري في دول المنبع، وان حفظ حقوق العراق في المياه كما ونوعا يعني ان ادارة الموارد المائية على مستوى الحوض النهري جيدة، وينطبق ذلك على العراق كدولة اتحادية اذ يجب ان تهدف ادارة المياه الى تحسين نوعية ومتاحية الموارد المائية في الذنائب، لان ذلك يعكس نجاح ادارة الموارد المائية في اعالي الحوض النهري، ويعني ايضا ان تشغيل منشآت الري المختلفة، كالسدود والخزانات والنواظم، يجري بطريقة علمية صحيحة. فالتحدي الاكبر في العراق هو التمكن من ادارة المياه بما يتيح حقوقا متساوية لجميع مناطقه الجغرافية، وفي ظل التنافس الشديد على موارد المياه للاستخدامات المختلفة خارج العراق وداخله تتعقد هذه المشكلة مع الزمن ان لم تتم معالجتها على كل المستويات الدستورية والتشريعية والاجرائية.
ان النص الدستوري مهما كان دقيقا لايحل مشكلات الموارد المائية، لأنها مشكلات ذات طابع عملي وحركي تتطلب مرونة اجرائية وتشغيلية تتراوح من الفيضان المدمر الى الجفاف القاتل، او التلوث وغير ذلك، الا ان وضوح النص ودقته هو الاطار الذي يجري ضمنه تشريع القوانين التي تنظم ادارة القطاع المائي في ظل هذه الحركية وعواقب الاحتباس الحراري وتغيرات المناخ.
#حسن_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ذكرى إغتيال الإمام محمد صادق الصدر الامام الذي الذي لم يغ
...
-
ما احوج الجميع لحوار متمدن
-
سفينة البردي وأسئلة الحضارة في ذكرى عالم تعلم من المعدان
-
اليسار العراقي…… خلق شروط الانعتاق أم قدسية النصوص
-
خطاب الكراهية المنفلتة
-
عالم الاهوار
-
الاستبداد والتنمية في العراق
-
الطغاة وهوس السلطة - العراق نموذجا
-
ملاحظات حول العمل الحزبي المعارض
-
ألحرب ضد الارهاب تتحول الى عقيدة سياسية
-
المواطن ومحيطه في الدولة المستبدة
-
إشكالية المناخ والبيئةوالديمقراطية السياسية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|