|
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (3)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3084 - 2010 / 8 / 4 - 10:43
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (3)
في أواسط حزيران 1957 ، وكنت قد تحولت إلى النضال تحت ىالأرض بعد أن لاحقتني سلطات الحكومة العرفية، استمعت إلى البيان الهام الذي أذاعه الحزب الشيوعي السوفياتي من راديو موسكو يعلن طرد أربعة أعضاء من المكتب السياسي وهم جيورجي مالنكوف وفياتشسلاف مولوتوف ولازار كاغانوفتش وديمتري شبيلوف وذلك بسبب مخالفتهم القواعد التنظيمية للحزب وقيامهم بعقد اجتماعات جانبية بقصد تنسيق موقفهم من مشروع " إصلاح الأراضي البكر والبور " المعروض على المكتب السياسي، وصاحب المشروع كما كان معروفاً هو خروشتشوف نفسه. ما كنت لأعرف أي سبب آخر لطرد أكبر أربعة بلاشفة في المكتب السياسي ــ وهم في الحقيقة ستة وليس اربعة ــ بحكم الظروف الاستثنائية في تلك الأثناء رغم أنني أعلم تماماً أن "مخالفة القواعد التنظيية للحزب" وحدها ولمرة واحدة كما أوشى البيان لا تستحق العزل من المكتب السياسي، وهي لا تشكل سبباً لدعوة اللجنة المركزية من أقاصي أوروبا وآسيا للنظر في واقعة اجتماع الأربعة اجتماعاً جانبياً عابراً والتباحث في جدوى استصلاح الأراضي البكر والبور الذي تكشف عن نتائج كارثية فيما بعد، وما كنت أعلم أيضا أن إثنين آخرين وهما كليمنت فورشيلوف ونيقولاي بولغانين جرى الإكتفاء بإنذارهما دون العزل. اشتبهت آنذاك بصدقية البيان رغم كل تعهدات خروشتشوف بتأسيس الديموقراطية التي كان قد نعى فقدانها في العمل الحزبي. فليس معقولاً أن يطرد الرجل الثاني في الحزب بعد ستالين، جيورجي مالنكوف، من المكتب السياسي فقط لمخالفته القواعد التنظيمية للحزب وقيامه باجتماع جانبي مع رفاقه للتباحث بأمر بالغ الأهمية معروض على المكتب السياسي لإقراره؛ وليس معقولاً بالمثل طرد البولشفي العريق، رفيق لينين ومؤسس جريدة البرافدا في العام 1912، فياتشسلاف مولوتوف. لم يكن ميسوراً آنذاك التحقق من حقائق الأمور نظراً للهجوم الواسع الشرس الذي قامت به سلطات الحكم العسكري الأردنية ضد الحزب بصورة عامة، كما أن قيادة الحزب لم تعلق على الموضوع لاعتبارها أن ما يقوله المركز، موسكو، هو الحقيقة دائماً وأبداً. تبيّن فيما بعد أن من خالف أنظمة الحزب بفظاظة لم تكن بحسبان أحد هو خروشتشوف وليس البلاشفة الستة وكانوا يشكلون نصف عدد أعضاء البريزيديوم أو المكتب السياسي. البريزيديوم وهو أعلى سلطة في الدولة سحب ثقته من خروشتشوف فاقتضى النظام في الحزب المرعي التطبيق ببالغ الصرامة أن يخلي خروشتشوف مركزية في الحزب والدولة. قرار البريزيديوم غير قابل للنقض حتى ولا من قبل اللجنة المركزية للحزب. المخالفة الفظة الثانية هي دعوة اللجنة المركزية للإجتماع في حين أن دعوتها يجب أن تتم بموجب قرار من المكتب السياسي والمكتب السياسي لم يقرر تلك الدعوة. والمخالفة الثالثة هي أن اللجنة المركزية ليست مخولة لأن تبطل قرار المكتب السياسي القاضي بعزل خروشتشوف من مناصبه، كما أنني أشك في أن اللجنة المركزية تستطيع وفقاً للنظام أن تعزل عضواً من المكتب السياسي طالما أنه لم يقترف جرماً تدينه المحاكم؛ فعضو المكتب السياسي تنتخبه اللجنة المركزية لدورة حزبية كاملة تمتد حتى يعقد الحزب مؤتمره العام التالي وهي بالعادة أربع سنوات. كان من يستحق الطرد فعلاً من الحزب لا بل المحاكمة والحكم علية بالإعدام هو نيكيتا خروشتشوف نفسه وذلك ليس بسبب مخالفاته الفظة لأنظمة الحزب فقط بل لأنه استخدم القوى العسكرية في الإنقلاب على الحزب بمساعدة صديقه المارشال جوكوف الذي أمر بجمع أعضاء اللجنة المركزية من أقاصي الأرض خلال 24 ساعة بالطائرات الحربية السريعة في مسعى لإبطال قرار البريزيديوم بعزل خروشتشوف.
هرطقات خروشتشوف التي بدأها في مؤتمر الحزب 59 واستفحلت في المؤتمر التالي 61 ومسّت أسس الماركسية اللينينية من مثل إلغاء دكتاتورية البروليتاريا والاستغناء عن مبدأ الصراع الطبقي ونفي الوحدة العضوية ما بين الثورة الاشتراكية وحركة التحرر الوطني، هذه الهرطقات وحدها لم تكن تسمح لأي شيوعي حقيقي الإصطفاف وراء المرتد الخائن خروشتشوف فما بالك بقيادة الحزب الشيوعي الأردني تستغني عن أحد أعضاء الحزب تعميداً لهذا الاصطفاف. كانت رسالتي الأولى تقول للقيادة إما أن تبعدوا الحزب عن تبني هرطقات خروشتشوف ولو مؤقتاً طالما أننا في قبضة العدو الذي دأب على تحطيم موقفنا الصلب، أو أن تسمحوا بمناقشة كل تلك الهرطقات بكل صراحة ومن منظور ماركسي لينيني خاصة وأن الخطاب الحزبي المنسوخ عن خطاب خروشتشوف صدع رؤوسنا بدعاوى الديموقراطية المستحدثة في الحزب الشيوعي مقابل دكتاتورية ستالين الفردية وبيروقراطيته. صدعوا رؤوسنا بديموقراطية زعيمهم خروشتشوف المستحدثة بينما هو يقوم بانقلاب عسكري ضد الحزب في موسكو وباغتصاب السلطة، وفي الأردن تمنعنا قيادة الحزب حتى من مناقشة هرطقاته رغم عزلتنا التامة في السجن!! تلك كانت ديموقراطية المرتدين الخونة وتلك كانت دكتاتورية البلاشفة التي سمحت بمناقشة حدّية وساخنة حتى للمفاصل الرئيسة في النظام الإشتراكي في العام 1950، تلك المناقشة التي انعكست بصورة حيّة في كتاب ستالين الهام والقيّم " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " وقد نشره في العام 52 لمشاركة سائر فئات الشعب في مناقشة جميع القضايا المفصلية الواردة فيه . بل بلغ التسلط الممزوج بالاستهتار في موقف قيادة الحزب الشيوعي الأردني أنها استغنت عن خدماتي لأنني اشترطت تلازم عضويتي في الحزب مع حقي الديوقراطي في مناقشة هرطقات خروشتشوف علانية ودون قيود. وما يستهجن في موقف القيادة ذاك هو أن القيادة قطعت اتصالها معي في مايو أيار 1965 أي بعد طرد خروشتشوف من الحزب بسبعة شهور، طرده بحجة الفردية في القيادة وانعدام الديموقراطية. قام بريجنيف بانقلاب عسكري على خروشتشوف في أكتوبر 64 بحجة انعدام الديموقراطية، والقيادة في عمان تمنع عني الديموقراطية كيلا أناقش هرطقات خروشتشوف المطرود من الحزب السوفياتي بسبب تجاهله للديموقراطية. وثمة ما له دلالة في هذا الموضوع وهو أن الحزب من جهة، والدولة من جهة أخرى، حاصراني في لقمة عيشي وعائلتي طيلة ثلاث سنوات 1965 ــ 1968 ــ منها سنة عدت فيها إلى السجن ــ قضيتها أشحد الخبز ممن على استعداد أن يعطي خبزه لشيوعي يحاصره الحزب الشيوعي في لقمة خبزه. وكيلا أجحد الشعور الإنساني للرفيق الأمين العام بالوكالة للحزب، أذكر أنه أرسل لي تبرعاً شخصياً كريماً من جيبه الخاص، كما أبلغت، بلغ خمسة دنانير في أغسطس آب 1967 بعد خروجي من السجن مرة ثانية وسمع عن حالتي وما أعانيه وأطفالي من جوع. لم أستطع أن أرفض تبرعه الكريم بسبب مهانة الفقر والجوع أولاً ولأنه أرفق التبرع بعبارة تشير إلى عدم موافقته على محاصرتي بالتجويع ثانياً، رغم أنه هو شخصياً من كان قد قابلني آخر مرة في مايو أيار 64 وتحداني، ظناً منه بأنني صيني الهوى، بأن سحق نعاله بأرض الغرفة متوعداً بالقول .. " سنسحق ماوتسي تونغ بالنعال " !! ولما كان الشيء بالشيء يذكر فعلي أن أسجل هنا تقديري الخاص لليد المسيحية الرحيمة التي مدتها الإرسالية البابوية في البلدة لسد بعض من جوع العائلة. وللمرء أن يقارن هنا بين الإرسالية البابوية المسيحية تقاوم تجويعي مع أنها تعلم تماماً بأنها تعطي خبزها لمن هو ضد رسالتها ويبشر بالإلحاد، وبالمقابل تنتهج قيادة الحزب الشيوعي سياسة التجويع بحق شيوعي لديه القناعة الذاتية على الأقل بأنه هو الشيوعي الحقيقي وليس الآخرين. المفارقة المضحكة المبكية بذات الوقت هي أن هذا الطراز من "الشيوعيين" هم أنفسهم الذين رفعوا عقيرتهم وراء خروشتشوف وما زالوا يرفعونها مطالبين بأنسنة العمل الشيوعي مستخدمين تعبيرهم الأجوف "أنسنة الإشتراكية" الذي ظل يردده زعيمهم، ابن خروشتشوف بالعمودية، ميخائيل غورباتشوف !! لكأن هناك اشتراكية ليست إنسانية !! وهم بهذا يغمزون من اشتراكية ستالين وكأن هناك أنظمة إجتماعية أكثر إنسانية من اشتراكية ستالين التي قدمت تضحيات ليس بقدور أي نظام آخر أن يقدمها من أجل حماية الإنسانية من غول النازية، والتي جعلت من الإتحاد السوفياتي إمبراطورية للطفل كا جرى وصفها ومملكة للمرأة، والطفل والمرأة هما أضعف أعضاء العائلة الإنسانية.
في رد الحزب على رسالتي المنشور في الحوار المتمدن العدد 3070 هناك ضرب من ضروب الاستهتار والاستخفاف بعضو في الحزب يخجا أن يضربه مدير مصنع رأسمالي في تعامله مع أحد العمال عديمي الخبرة إذ يرد على شكواه .. هكذا هو النظام في مصنعنا فمن لا يعجبه نظامنا يستطيع أن يترك !! ولكأن القيادة تدفع لي مقابل عضويتي في الحزب كما يدفع الرأسمالي للعامل، وكأني لا أدفع أنا من عمري ومن جوعي وجوع عائلتي عداك عن الضرب والتعذيب الجسدي والروحي من أجل أن أقول كلمتي، وهي ليست أي كلمة، بل هي الكلمة التي تنتصر لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية وتحرير البروليتاريا والإنسانية جمعاء من قيد الإنتاج الصدئ، من أجل تكامل إنسانية الإنسان في الحياة الشيوعية. من يستطيع أن يسكت على مثل هذا الاستهتار من جهة تدعي بأنها شيوعية ومع ذلك تقول وبلسان صريح في ردّها الشار إليه.. نحن على استعداد لتبادل الرأي معك شرط أن تتخلى عن موقفك وتتبنى موقف الحزب !! ــ لا أدري حقاً كيف لم يلاحظ من صاغ الرد على رسالتي أن تبادل الرأي الموعود لم يعد ضرورويا ولا مفيداً طالما أن النتيجة محسومة سلفاً وهي أن أتخلى عن آرائي وأتبنى آراء الحزب !! على مثل هذا الطراز تفهم القيادة مسألة الديوقراطية المركزية التي قال بها لينين. كنت سأقبل بشرطهم لو أنهم قبلوا أن تجري مبادلة الرأي بصورة علنية، لكنهم لم يقبلوا إذ أنهم يعلمون تماماً بضعف موقفهم المتعارض مع اللينينية والمشين بالنفس البورجوازي النتن. كنت سأقبل بشرطهم لأنني واثق من أن النتيجة لن تكون لصالحهم مصطفين وراء خروشتشوف.
(يـتـبـع)
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (2)
-
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . .
-
الرسالة الثانية . . ردٌّ على ردّ
-
جواب قيادة الحزب الشيوعي الأردني على رسالتي
-
رسالة قديمة إلى قيادة الحزب الشيوعي الأردني
-
مشروعية السؤال .. ما العمل؟
-
ماركسية صدر القرن الحادي والعشرين
-
البولشفية وضرورة إحيائها
-
الماركسيون ليسوا يساريين
-
سفر الخروج / 3
-
ما بين الرأسمالية والإستهلاكية
-
أزمة اليونان مرة أخرى
-
ما تفسير الأزمة في اليونان؟
-
سفر الخروج 2
-
سفر الخروج
-
حول أطروحة المحطة المنحطة مسدودة المنافذ
-
حميد كشكولي ضد الإشتراكية
-
محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم
-
تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
-
تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|