|
احتفاء باليوتوبيا الجديدة في جمهورية ابراهيم الخياط
شاكر مجيد سيفو
الحوار المتمدن-العدد: 3083 - 2010 / 8 / 3 - 22:19
المحور:
الادب والفن
بدءاً، نقول: هل يمكن للعنونة الرئيسية للكتاب الشعري الموسوم (جمهورية البرتقال) أن تضفر لها رئيساً شاعريا وحاشية شاعرية مثقلة بنكهة المكان الاحتفائي (بعقوبة)؟ هذه الجمهورية التشجيرية التي تدرّ برتقالها الأبدي واليومي على مخلوقاته، ومنهم هذا المخلوق الغرائبي المتقد بجمر الكلمة، المخلوق، الكائن الحسّي الأسطوري، الذي نسميه - الشاعر- بكل ارتباطاته بالصور الوجودية والتفكرّية والحلمية ويوتوبياه التي تشكلّت في المخيال الشعري، وقامت على ركائزه الأيقونية في سياقات متعددة، ومنها السيكولوجية والحسية والذاكراتية والميثولوجية والتاريخانية والبصرية التشكيلية بالإشارة العميقة إلى رسموية المكان اليوتوبي وتجلياته "بعقوبة " في قصائد الشاعر المبدع إبراهيم الخياط، إذ تتشرّب المتون الشعرية أمصال الحكايات النصوصية من جمهوريته الضاجّة بالأعلام المزركشة الذاهبة إلى الأعماق. تكاد بنية الاسترسال الدلالي تتوالد في قصيدة الشاعر وهي من مهيمنات اللغة وأبنيتها الأيقونية، والتراكم الصوري الذي ترسله الذاكرة في عنفوانها الزمني والمكاني، إنّ ما يميز قصيدة الشاعر إبراهيم الخياط، هو هذه اللغة المحتشدة بأنساقها التراثية وكشوفاتها الذاهبة بعيدا في البوح والأسطرة في لحظة من لحظات الشعرية الحرجة التي تتكشّف في مقولة (باشلار) في استرساله عن الصورة الشعرية وانكشافاتها بين الزمان والمكان وتداعيات الذات الشاعرة وأحلامها وتعلقها البدئي بالمكان وجمالياته وفلسفته، وبخاصة حين تصر الأنا الشاعرة إلى تدوينات الوجد الشخصي والأسى التاريخي في تذييل العنونة المتمظهرة في نسقها الشعبي اليومي (كاسب كار)، يدخل الشاعر إلى المتن ليخرج ممتلئا بالأنين والوجع واللوعة اللا متناهية في مشهدية شعرية شعائرية طقوسية تحيل مشهديتها إلى الميثولوجي الشخصي: (إنـّّهُ / قاب قتلين أو أدنى / .............. صار يعلم / أنّ البحر صغير / وأن السماء دون عيونه / ................./ فهل يصمتُ في حوار النبيين؟ / هل – تراه – يخلع سترة المعارف الأنيقة؟ / هل يدفع غيمة خوفهِ إلى فسيفساء المنافي؟ ) ينشغل الشاعر في قصيدته الأخرى(امرأة الوجع الحلو) بفضاء الاحتراق بالمحنة، بالجهات الأربع التي تحلّ بين يديه، أو على جسده، قميصا تقدهّ له – امرأة – الأسئلة الكامنة في كمون القيمة الشعرية التي تتقطر في تلقائية استيعابها المعرفي، إذ تتوافر الصورة الشعرية هنا على التتابع في رفد القصيدة بسمات تحمل شعرية التضاد، إذ ترشح عنها الذهنية والحسية والظمأ إلى الانعتاق: (تقدّ قميصي – كل ليلة – من الجهات أربعها، ولا أقول: "ربّ السجن أحب إليّ"................ / أهبط بين فراتين اثنين / أنزوي في ألق العشب / ثم أحكي للبساتين الصديقة / عن النار والنارنجة والناطور / عن مجمرة خضراء شرق الصدر / عن نهرنا الغضّ الذي ما شاخَ / وعن "بعقوبة" إذ ينتابها – بالغفلة – إثر الزفاف المطر الساذج، طقس قزحي / وعنك يا امرأة الوجع الحلو أحكي .........) إن انشغال الشاعر باليوتوبيا هو وحده ما يتعالق ويرشح عن الرؤية البصرية الني تُوصل الذات الشاعرة إلى الرؤية الشعرية وبهذا المسعى يتحرك الدّال (عبر تحبيس الموجودات في السياق الاشاري للغة، هو واحد من أهم ركائز الرؤية الشعرية - حسب كلام الكاتب واثق غازي – جريدة الزمان 6/2/2010 مقاله: إيقونة الصورة في "امرأة الوجع الحلو") تختصر قصيدة (جمهورية البرتقال) كل تاريخ الشاعر بدلالة الأيقونية الحسية والتشكيلية والميثيولوجية التاريخانية لبنية المكان في الدال المتشكلّ واسترسالات التوالد الصوري الايقوني والوحدات العضوية المشعرنة بملفوظات الإشارة الحسية: (كانت المدينة تُسوّرني بالتماعاتها/ وتأمرني بالبكاء/ - وأنا المجبول دمعاً – إذن كيف أوهمونا أن للمدن ذاكرة؟ / يا مدينة الباعة الصغار/ أخاف على زجاجة روحي/ أربعون صيفاً / ولم تهشمها دورة المعارك..) إنّ الشاعر إبراهيم الخياط يكتب بالرغبة المحتشدة تاريخيا، ويرسل أنّاتهِ وأحزانه على امتداد تاريخ المدينة في سيل من الصور الضاجّة بحياة الطقس اليومي الضاغط عبر منحنيات السرد للوصول إلى مركز مدار النص، إنّ الشاعر ينزع في مرسلته الشعرية إلى تحققات شعرية متقّدة – بناءً وتخييلا ورؤية – مما يسوّغ له هذا الاستنبات للحلم والمونولوج والتلوينات المتعددة في نكهتها الدلالية، الساخرة والمفارقة، والتساؤلية في تقويل اليومي شعرا، والحكاية تشعيرا مشهديا من فيوضات الذاكرة الشخصانية للا مرئي واستحضار القلق الديكارتي: (ما الجدوى؟ / إذا كان بيتي السعيد / منطقة منزوعة القوت / وحواليه تتضوّع حديقة من الديّون ../ ....... ما الجدوى من تشكيلة حكومة عزوم؟ وهي تتلألأ بـ : .................... ). (من قصيدته: سؤال بسيط جداً ص45) إنّ نكهة التعويذة السحرية تكاد تتعالق بأطياف قصيدة الشاعر ومؤونتها الشعرية التخصيبية، وتفجير طاقة الداخل الرؤيوي الملتاعة التي تبلبث باستقدام اللحظة الشعرية المتفاقمة في خروقات الأشياء وتشكيلاتها واندثارها في نسقية العبارة وكثافتها الشعرية: (تحوّطها – سهواً – بلاد/ فلما أخرجتني من مَضافتها الأماني/ شريكين بتنا: أنا والرماد/ نزيلين بتنا / بعدما خلت مني نار الياسمين/ ونامت غربتي الكريمة). (من قصيدته: تفعيلة الخذلان ـ ص139) تشير عنوانات القصائد إلى احتفائية الذات الشاعرة بالدّال الذي يمثلُ الكون الشعري المنصوص في قرينته: اليوتوبيا – وذلك ينتج عن تمازج مقاربات تُحددها الوظيفة الشعرية، وسرودات السيرة الذاتية عبر سيرة شخصية للمدونة الشعرية وحكاياتها المتشظية في تمظهرات بصرية وصورية – زمانية ومكانية متشابكة تكرس منظومات دلالية تقف عند حدود الانكسار والإحباط والأسى وفجائع اليومي العراقي: (............ ميتين حلجنا الآهة / أعددنا من طيفينا سماء / تجتذب بقايا الروح/ فتنجذب بقايا حلم أُغتيل / ميتين وزّعنا الدمعاتِ/ ميتيّن توّزعنا......./ ميتيّن لم نزل). (من قصيدته: طواسين ـ ص 121 ) وتتجلـّى صور الحمّى الشخصية والتياعاتها الأزلية باليوتوبيا الشخصانية التاريخية حتى درجة التماهي والذوبان – وتتقطر صور التصوف في هذه الموجزة التصويرية لأرومة الشاعر وهويته الذاتية (سمّتني الشقيق الأحمر). يسعى الشاعر في إرسالياته إلى خلق عالم يخصّهُ باستعارة المكنون والمعطى وابتكار الحلم تحت ظلال اشاراتية تارة خشنة الملفوظات، وأخرى شفافة رومانسية، رومانتيكية خصبة، تؤرّض للمشهد الشعري الشخصي تضاداته وتصوراته وانشطاراته، فبنى الأسئلة وإغواءات المكان والزمان وتشظيات الاشراقات التصوفية وشظايا الفواجع والحب. إنّ الشاعر إبراهيم الخياط، يعي تماماً، ما تنطوي عليه حياة القصيدة من هذا التنوع والانشطار والتعدد في الرؤى والتـأويل وما تحمله تعويذاته من كائنات ساحرة، ترسل سحرها الغرائبي في كل الاتجاهات: (نفث البوق صداه/ ففرّت عصفورة حلمي صوب وسادتها / وعظام الجند ابتدأت تتعرّى من وسن اللحم ..) (من قصيدته: وكانت معركة ـ ص115). ولا تهدأ الروح الشعرية من إرسالياتها، إذ يتحقق كل هذا المخزون في قصيدته الأثيرية (بعقوبة): (... ووقفت على بابها الحميم/ لأقيس ارتفاع الدمع في جزرة نهرها المعلول/ لطالما شيّعتني هذه الثكلى الطروب التي أسميتها مدينتي/ وسمّتني جوّابها المقيم/ شيّعتني فوق مشابك عرباتها الأجيرة نعشا مزدهرا بالألوان المستطيلة/ ............ وكم بكت عليَّ / وفي اجتماع شقائق النعمان سمّتني الشقيق الأحمر) (الديوان ـ ص 128 – 129) وتكاد معظم قصائد الشاعر إبراهيم الخياط تتجاور في قوس المعاني ومستطيلات الدلالة، ومنها ما ينزع إلى مقاربات كونية تتعالق بالذات الإنسانية في مواجعها اليومية والتاريخية، وأخرى تتجاور في إرسالياتها النصية في مقاربات الوعي الشعري العالي للذات الشاعرة المحتدمة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جمهورية البرتقال ـ ديوان للشاعر إبراهيم الخياط إصدار مشترك بين وزارة الثقافة واتحاد الأدباء بغداد ـ 2007
#شاكر_مجيد_سيفو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في تجربة أديب كمال الدين الشعرية: الكتابة بدرجة اللوعة
المزيد.....
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
-
مدينة حلب تنفض ركام الحرب عن تراثها العريق
-
الأكاديمي والشاعر المغربي حسن الأمراني: أنا ولوع بالبحث في ا
...
-
-الحريفة 2: الريمونتادا-.. فيلم يعبر عن الجيل -زد- ولا عزاء
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|