|
نظام بهاءالله العالميّ
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3082 - 2010 / 8 / 2 - 15:03
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
منذ شباط (فبراير) سنة 1929 شرع شوقي أفندي(المبين للتعاليم البهائية وبناء على العهد والميثاق) في رسائله المتتالية الّتي خاطب بها الجامعة البهائيّة بشرح مضامين هذا النّظام الإداريّ الواسعة. ففي رسالته المؤرخة 21 آذار (مارس) سنة 1930 كتب ما ترجمته: "لا أستطيع أن أحجم عن توجيه ندائي إلى أولئك الّذين ينتسبون إلى دين الله أن ينبذوا الأفكار السّائدة في هذا اليوم والأساليب الزّائلة سراعًا ويدركوا بما لم يسبق لهم إدراكه أنّ النّظريّات الّتي ثَبُت بطلانها والمؤسّسات المتداعية في حضارة اليوم لا بدّ أن يبدو تناقضها الأكيد مع جميع المؤسّسات الإلهيّة الّتي قدّر لها أن تقوم على أنقاضها... "لأنّ بهاءالله... لم ينفخ فقط في البشريّة روحًا جديدًا لتجديدها ولم ينطق فقط ببضعة مبادئ عالميّة معيّنة أو يؤسّس فلسفة معينّة فحسب مهما كانت تلك الرّوح وتلك المبادئ وتلك الفلسفة قويّة وسليمة وعالميّة ولكنّه بالإضافة إلى هذا كلّه وضع بكلّ وضوح وتحديد بخلاف الدّورات الإلهيّة السّابقة مجموعة من القوانين كما أسّس مؤسّسات معيّنة، فقدّم بذلك ما يلزم من الأسس لإقامة الاقتصاد الإلهيّ. وقد قدّر لهذه المؤسّسات أن تكون النّموذج للهيئة الاجتماعيّة المقبلة والأداة العليا لتأسيس الصّلح الأعظم والوكالة الوحيدة لتوحيد العالم وإعلان سيادة الحقّ والعدل على الأرض... "وعلى خلاف جميع الدّورات الإلهيّة السّالفة... يجد حواريّو بهاءالله أمام أعينهم في أيّ أرض يعملون فيها ويجاهدون قوانين واضحة بلغة أكيدة لا غموض فيها، ومبادئ ومؤسّسات وهداية يحتاجون إليها في تنفيذ مهمّتهم... وهنا تكمن الميزة الّتي يتميّز بها الدّين البهائيّ عن الأديان السّابقة، وهنا تكمن قوّة وحدة دين الله وحقيّة ظهور إلهيّ لا يدّعي أنّه جاء ليهدم الظّهورات الإلهيّة السّالفة أو لينقّص من قدرها ومقامها بل ليربطها ويوحّدها ويحقّق وعودها... "ومهما ظهر اليوم ديننا ضعيفًا في أعين النّاس الّذين يشينون اسمه... ويتجاهلون بكلّ احتقار وجوده باعتباره أحد المذاهب الغامضة العديدة في عالم الغرب، فإنّ هذه الجوهرة الفريدة بين الأديان الإلهيّة، وهي لا تزال اليوم في دور الجنين، سوف تتطوّر في صدف الشّريعة الإلهيّة وسوف تسير قدمًا دون انقسام أو انتقاص إلى أن تحتضن العالم البشريّ بأجمعه. أمّا الّذين عرفوا المقام الرّفيع الّذي يشغله بهاءالله والّذين مسّت محبّته قلوبهم، وألفوا قوّة روحه العظيمة، فهم وحدهم يستطيعون تثمين هذا الاقتصاد الإلهيّ الّذي هو المنحة الّتي منحها للبشريّة والّتي تتجاوز كلّ حدود التّثمين". وكتب شوقي أفندي كذلك في رسالته المؤرّخة 28 تشرين الثّاني (نوفمبر) سنة 1931 ما ترجمته:- "ونحو هذا الهدف – هدف نظام عالميّ جديد إلهيّ في منشئه وشامل في مداه ومنصف عادل في مبدئه وتتحدّى ملامحه كلّ ما عداها – يجب على البشريّة أن تستحثّ خطاها وتكدح إليه كدحًا... "وما أشجى حقًّا تلك الجهود المضنية الّتي يبذلها قادة المؤسّسات البشريّة الّذين لا يأبهون أبدًا بروح العصر والّذين يجهدون في تكييف عمليّاتهم القوميّة الّتي كانت في العصور القديمة ملائمة لأممهم المنعزلة ليجعلوها تناسب عصرًا يجب عليه أن يختار بين أمرين: إمّا أن ينجز الوحدة العالميّة الّتي دلّنا إليها بهاءالله أو أن يفنى. وفي ساعة حرجة كهذه السّاعة في تاريخ الحضارة يليق بقادة أمم العالم كلّها كبيرة أم صغيرة، شرقيّة أم غربيّة، منتصرة أم مغلوبة أن يصغوا إلى نداء بهاءالله من صافوره العظيم وينهضوا بكلّ رجولة تدفعهم روح الوحدة العالميّة ويحدوهم الولاء التّام لأمره الإلهيّ لينفّذوا الخطّة العلاجيّة الوحيدة الّتي وصفها ذلكم الطّبيب الإلهيّ للبشريّة المتألّمة ولينبذوا نبذًا تامًّا وإلى الأبد كلّ فكرة سبق لهم أن تصوّروها وكلّ تعصّب قومي تمسّكوا به... "إنّ شكلاً من أشكال الحكومة العالميّة يجب أن يتطوّر، فتتنازل من أجله جميع أمم العالم طوعًا عن جميع ادّعاءاتها في شنّ الحروب، ويكون له حقّ فرض الضّرائب وتحديد السّلاح واقتصاره على حفظ الأمن الدّاخليّ ضمن حدود سيادته. ومثل هذه الحكومة يجب أن تضمّ ضمن إطارها هيئة تنفيذيّة عالميّة تستطيع أن تفرض سلطتها العليا الّتي لا ينازعها فيها أحد على كلّ عضو معاند من أعضاء الجامعة الدّوليّة. وإنّ برلمانًا عالميًّا يُنتخب أعضاؤه من بين شعوب الأقطار وتصادق على انتخابهم حكومات الأقطار ذاتها، وإنّ محكمة عليا تكون أحكامها ملزمة للفرقاء المعنيّين حتّى في الحالات الّتي يمتنع فيها أولئك الفرقاء عن عرض قضيّتهم عليها طوعًا، وإنّ جامعة عالميّة تُلغى فيها جميع الفوارق الاقتصاديّة إلغاءً أبديًّا وفيها يعترف اعترافا واضحًا باعتماد رأس المال والعمل أحدهما على الآخر، وفيها يهدأ إلى الأبد ضجيج الحروب والتّعصّبات الدّينيّة، وفيها تُطفأ جميع نيران التّعصّبات القوميّة إطفاءً نهائيًّا، وفيها يقوم قانون دوليّ واحد هو ثمرة أحكام الممثّلين العالميّين المتّحدين بالمصادقة على تلاحم جميع قوى الوحدات المتّحدة، وأخيرًا يتحوّل فيها هياج القوميّات المتحاربة المتقلّبة في أطوارها إلى وعي بالمواطنة العالميّة – هذه كلّها في الواقع كما يبدو هي الخطوط العريضة لنظام تنبّأ به بهاءالله، وهو نظام سوف يُعتبر أبدع ثمرة من ثمرات عصر ينضج نضوجًا بطيئًا... "ولا يكوننّ هناك أدنى غموض أو إبهام حول الهدف الّذي تقوم عليه شريعة بهاءالله العالميّة. فهو مع بعده عن أن يهدف إلى تقويض أسس الهيئة الاجتماعيّة القائمة نراه يسعى إلى توسيع أسسها وصبّ مؤسّساتها في حال تناسب حاجات عالم مستمّر في التّبدل والتّغيير. وهذه الشّريعة لا يمكن أن تعارض أيّ إخلاص شرعي ولا أن تقوض أي ولاء أساسي كما أنّها لا تهدف إلى إطفاء شعلة الوطنيّة المستنيرة في قلوب النّاس ولا القضاء على نظام الحكم الذّاتي القوميّ إذا أمكن تجنّب شرور الحكم المركزيّ المفرط كما أنّها لا تتجاهل وجود أصول السّلاّلات البشريّة المتنوّعة بسبب تنوّع المناخ والتّاريخ واللّغة والتّقاليد والأفكار والعادات – تلك الأصول الّتي تميّز النّاس والأمم عن بعضها في العالم ولا تحاول القضاء على تلك الأصول، بل هي تنادي النّاس إلى ولاء أكبر وإلى مطمح أوسع من أيّ ولاء ومطمح دفع الجنس البشريّ وأحياه حتّى الآن... "إنّ نداء بهاءالله موجّه بصورة رئيسيّة ضد جميع أشكال الإقليميّة والانعزاليّة والتّعصب... لأنّ المعايير القانونيّة والنّظريّات السّياسية والاقتصادية إنّما وُضعت من أجل حماية مصالح البشريّة جمعاء لا من أجل التّضحية بالبشريّة لحفظ سلامة أيّة نظريّة أو أي قانون معيّن... ومبدأ وحدة العالم الإنسانيّ وهو المحور الّذي تدور حوله جميع تعاليم بهاءالله ليس مجرّد اندفاع من الاندفاعات العاطفيّة الرعناء أو تعبير عن آمال غامضة في الورع والتّقوى... بل إنّ مضامينه أعمق، وما يدعو إليه أعظم ممّا دعا إليه الرّسل السّابقون، ولا تنطبق رسالته على الفرد وحده بل يختصّ بصورة أساسيّة بطبيعة تلك العلاقات الأساسيّة الّتي يجب أن تربط الدّول والشّعوب ببعضها كما يرتبط افراد العائلة الواحدة ببعضهم... "ومبدأ وحدة العالم الإنسانيّ يمثّل منتهى التّطوّر البشريّ... "أمّا أنّ القوى المنطلقة من كارثة عالميّة تستطيع وحدها أن تعجّل بمجيء هذه الصّفحة الجديدة من الفكر البشريّ فتلك ويا للأسف حقيقة أخذت تزداد وضوحًا... "ولا شيء غير نار محنة أليمة تخرج منها البشريّة مستعدّة مطهّرة يستطيع غرس ذلك الشّعور بالمسؤوليّة الّتي يجب أن يقوم قادة العصر الجديد على النّهوض بأعبائها... "ثمّ ألم يؤكّد عبدالبهاء نفسه بلهجة لا غموض فيها: "إنّ حربًا أشدّ من الحرب الماضية ستنفجر بالتّأكيد؟" وكتب شوقي أفندي كذلك في رسالته المؤرّخة 8 شباط (فبراير) سنة 1934:- "إنّ هذا النّظام الإداريّ... حينما تبدأ أجزاؤه المكوّنة له ومؤسّساته الأصيلة فيه بعملها بقوّة وكفاءة سوف يؤكّد على مطالبيه ويعرض قدرته على أن لا يكون مجرّد نواة بل يكون نموذجًا للنّظام العالميّ الجديد الّذي قُدّر له أن يحتضن الإنسانيّة جمعاء عندما يحين الوقت لذلك... "وهذا الدّين وحده من بين جميع الظّهورات الّتي سبقته... قد نجح في إقامة بناء يستطيع أتباع المذاهب المفلسة المتحطّمة أن يقتربوا منه في ذهولهم ويفحصوه بالنّقد ويرجوا قبل فوات الأوان الأمن باللّجوء إلى حصنه المنيع... "وإلى أيّ جلال وقدرة تشير كلمات بهاءالله في قوله: "قد اضطرب النّظم من هذا النّظم الأعظم واختلف التّرتيب بهذا البديع الّذي ما شهدت عين الإبداع شبهه" إن لم تشر إلى القدرة والجلال اللّذين قدّر لهذا النّظام الإداريّ أن يكشف عنهما باعتباره بداية ظهور رابطة الشّعوب البهائيّة المقبلة؟... "ورابطة الشّعوب البهائيّة المقبلة الّتي يكوّن هذا النّظام الإداريّ الوسيع إطارها الوحيد هي نظريًّا وعمليًّا ليست فريدة في جميع تاريخ المؤسّسات السّياسيّة بل لا نظير لها كذلك في تواريخ أيّ نظام من الأنظمة الدّينيّة العالميّة المعترف بها. وليس هناك أيّ شكل من أشكال الحكومة الدّيمقراطية ولا أيّ نظام من أنظمة الحكم المطلق أو الحكم الدّكتاتوريّ سواء أكان ملكيًّا أم جمهوريًّا ولا أيّة خطّة وسط من النّظام الأرستقراطيّ البحت ولا أيّ نوع من أنواع الحكومات الدّينيّة (الثّيوقراطيّة) المعترف بها... – نعم ليس هناك منها ما يمكن تشبيهه أو مطابقته مع النّظام الإداريّ الّذي ابتدعته يد مهندسه الإلهيّ الكامل... "ولا يقلّلن أحد من شأن هذا النّظم الإلهيّ الّذي لا يزال في عهد طفولته أو يشوّهن هدفه. فالصّخرة الّتي شيّد عليها ذلكم النّظام الإداريّ هي ما أراده الله للإنسانيّة في هذا اليوم إرادة محتومة. وإنّ المنبع الّذي يستقي منه إلهاماته هو بهاءالله نفسه لا غيره... والهدف المركزيّ والأساسيّ الّذي يقوم عليه ويحيّيه هو تأسيس النّظام العالميّ الجديد وفقًا لما أشار به بهاءالله. وإنّ الأساليب الّتي يتّبعها والمعيار الّذي يقرّره في الأذهان لا يجعله يميل إلى الغرب ولا إلى الشّرق ولا إلى الموحّدين ولا إلى الوثنيّين ولا إلى الأغنياء ولا إلى الفقراء ولا إلى البيض ولا إلى السّود. فشعاره توحيد الجنس البشريّ ورايته "الصّلح الأعظم الإلهيّ". وكتب شوقي أفندي كذلك في رسالته المؤرّخة 11 آذار (مارس) سنة 1936 ما ترجمته: "إنّ التّباين المشهود بين الأدلّة المتجمّعة على تراصّ دين الله تراصًّا ثابتًا راسخًا مرافقًا لنشوء النّظام الإداريّ وبين قوى التّفسّخ الّتي تهدم بناء هيئة إجتماعيّة متعبة هو تباين واضح يستوقف الفاحصين ويأخذ بالألباب. ففي داخل وخارج العالم البهائيّ هناك علامات وإمارات متزايدة يومًا فيومًا تبشّر بطريقة غيبيّة بميلاد ذلكم النّظام العالميّ الإلهيّ الّذي يشير تأسيسه إلى مجيء العصر الذّهبي لدين الله... "وتعلن ذلك كلمات بهاءالله بالنّص: "سوف يطوى بساط الدّنيا ويبسط بساط آخر ويبقى العزّة والملك لله العليم الحكيم( 1). "... يجب أن يعتبر الظّهور الّذي أفاض به بهاءالله بأنّه يشير إلى بلوغ الجنس البشريّ بلوغًا تامًّا، ويجب أن لا يُنظر إليه كمجرّد بعث روحانيّ جديد في سلسلة مصائر البشريّة المتغيّرة على الدّوام، ولا أن يعتبر مرحلة أخرى في سلسلة مراحل الإلهام الإلهيّ المتطوّر وحتّى أنّه لا يعتبر كذلك نهاية سلسلة الرّسالات الإلهيّة المتعاقبة بل يُعتبر آخر وأعلى مرحلة من مراحل التّطور الهائل الّذي تطوّرت إليه الحياة البشريّة بمجموعها على هذه الكرة الأرضيّة. وإنّ بروز هيئة اجتماعيّة عالميّة وكذلك ظهور الوعي بالمواطنة العالميّة وتأسيس حضارة وثقافة عالميّة كلّ هذه يجب أن تعتبر أقصى الحدود في تنظيم الهيئة الاجتماعيّة البشريّة بقدر ما يختصّ الموضوع بالحياة على سطح هذه الكرة الأرضية، بالرّغم من أنّ الإنسان كفرد سوف يستمرّ بل يجب أن يستمرّ على التّقدّم والتّطور استمرارًا لا حدود له وذلك نتيجة لوصول البشريّة إلى هذا الحدّ من الكمال في البلوغ... "إنّ وحدة الجنس البشريّ كما رسمها بهاءالله تتضمّن في مدلولها تأسيس رابطة شعوب عالميّة تتّحد فيها جميع الأمم والأجناس والعقائد والطّبقات اتّحادًا وثيقًا متماديًا، وفيها يُصان الاستقلال الذّاتي للدّول الأعضاء كما تُصان حرّيات الأفراد المكوّنين لها وإبداعهم ومبادرتهم. ورابطة الشّعوب العالميّة هذه يجب أن تتألّف في حدود ما نستطيع أن نتصوّره في الوقت الحاضر من هيئة تشريع عالميّة يسيطر أعضاؤها على جميع منابع الأمم المكوّنة لها باعتبارهم أمناء على جميع الجنس البشريّ ويشرّعون القوانين اللاّزمة لتنظيم حياة جميع الأجناس والشّعوب وسدّ احتياجاتها وتنظيم ارتباطاتها. وإنّ هيئة تنفيذيّة عالميّة تسندها قوّة دوليّة سوف تنفّذ القرارات الّتي تصدرها هيئة التّشريع العالميّة وتطبّق القوانين الّتي تشرّعها وتحرس الوحدة الأساسيّة لرابطة الشّعوب العالميّة بمجموعها. وإنّ محكمة دوليّة سوف تقاضي وتصدر قرارها النّهائي الإلزاميّ في جميع المنازعات الّتي تنشب بين العناصر المختلفة المكوّنة لهذا النّظام العالميّ، وسوف تبتكر وسيلة للاتّصالات الدّولية تحتضن جميع الكرة الأرضية وتكون متحرّرة من العوائق والقيود القوميّة وتقوم بوظائفها بسرعة رائعة وبانتظام تام. وستكون عاصمة عالميّة المركز العصبيّ لحضارة عالميّة والنّقطة الّتي فيها تتجمّع جميع القوى الموحّدة للحياة ومنها يشعّ نشاط نفوذها الفعّال. وإنّ لغة عالميّة سوف تخترع أو تنتخب من بين اللّغات الموجودة في العالم وتدرّس في مدارس جميع الأمم المتّحدة باعتبارها لغة مساعدة إلى جانب لغة الأم، وإنّ خطًّا عالميًّا وأدبًا عالميًّا ونظامًا عالميًّا موحّدًا للنّقد والموازين والمكاييل سوف يُسهّل اختلاط الأمم والأجناس ويجعله بسيطًا يسيرًا. وفي مثل هذه الجامعة العالميّة سوف يتّفق الدّين والعلم باعتبارهما القوّتين المؤثّرتين في الحياة البشريّة وسوف يتعاونان ويتطوّران بكلّ وفاق. وسوف لن تعود الصّحافة تحت نظام إداريّ مثل هذا النّظام لتكون أداة تستغلّ إستغلالاً سيّئًا مضرًّا لخدمة مصالح معيّنة شخصيّة أو عموميّة وسوف تتحرّر من نفوذ الحكومات المتناحرة والشّعوب المتعادية وتمنح أقصى المدى في حرّية التّعبير عن الآراء المتنوّعة والمعتقدات المتباينة. وسوف تنظّم المنابع الاقتصاديّة في العالم وتستثمر منابع المواد الخام استثمارًا كاملاً وترتّب وتطوّر أسواقها وينظّم توزيع منتجاتها تنظيمًا عادلاً. "ولن تعود منافسات القوميّات وعداواتها ومؤامراتها بل تستبدل عداوة الأجناس وتعصّباتها بالمحبّة بين الأجناس وبالتّفاهم والتّعاون، وسوف تستأصل أسباب المشاحنات الدّينيّة نهائيًّا، وتمحى الحواجز والقيود الاقتصاديّة محوًا تامًّا وتطمس آثار التّمييز المتطرّف بين الطبقات وسوف يختفي الفقر المدقع الّذي يرى في جهة واحدة كما يختفي في الجهة المقابلة الأخرى تراكم الملكيّة المفرط. وتلك الطّاقات الهائلة الّتي تهدر وتبذر على الحروب سواء الحروب الاقتصاديّة أو السّياسيّة سوف تكرّس إلى غايات توسيع مدى الاختراعات البشريّة، وإلى تطوير التّكنولوجيا، وإلى زيادة القابليّات الإنتاجيّة البشريّة، وإلى استئصال المرض، وإلى توسيع البحوث العلميّة، وإلى رفع مستويات الصّحة البدنيّة، وإلى شحذ العقول البشريّة وتنقيتها، وإلى استغلال منابع الكرة الأرضيّة الّتي لم تستغلّ أو الّتي لم تستكشف، وإلى إطالة الأعمار البشريّة، وإلى ترقية أيّة وكالات تستطيع إنعاش الحياة الفكريّة والخلقيّة والرّوحانيّة في عموم الجنس البشريّ. "وإنّ نظامًا فيدراليًّا (اتّحاديًّا) عالميًّا يحكم جميع الأرض ويمارس سلطة لا يمكن تحدّيها على جميع منابعه الواسعة الّتي لا يمكن تصوّرها ويوحّد جميع المثل العليا للشّرق والغرب ويجسّدها ويكون متحرّرًا من لعنة الحرب وبلاياها ومنكبًّا على استثمار جميع الطّاقات الموجودة على سطح الكرة الأرضيّة وفيه تكون القوّة عبدًا للعدل وتقوم حياته على الاعتراف الشّامل بالله الأحد وعلى الولاء لدين إلهيّ عام – نعم إنّ مثل هذا النّظام هو الهدف الّذي تتقدّم نحوه إنسانيّة تدفعها القوّة الموحّدة للحياة. "إنّ جميع البشريّة متلهّفة إلى أن تقاد إلى الوحدة وإلى إنهاء عصر استشهادها الطّويل، ومع ذلك ترفض بعناد أن تحتضن النّور وتعترف بسلطنة القوّة الوحيدة الّتي تستطيع وحدها أن تستخلصها من ورطتها وتحوّل عنها الكارثة المريعة الّتي تهدّد بالإحاطة بها وبالتّحديق بكيانها... "إنّ مبدأ توحيد البشريّة بكاملها هو سمة المرحلة الّتي تقترب منها الجامعة البشريّة الآن. ولقد نجحت محاولات تأسيس وحدة الأسرة، ووحدة القبيلة، ووحدة دولة المدينة، ووحدة الأمّة، وبقيت وحدة العالم هدفًا تسعى نحوه بشريّة قد أنهكت قواها. "وها قد انتهى بناء الشّعوب وتتوجّه الفوضى الكامنة في سيادة الدّولة إلى أوجها. وإنّ العالم وهو متوجّه نحو مرحلة البلوغ يجب عليه أن ينبذ هذا الوثن ويعترف بوحدة العلاقات البشريّة بكاملها ويؤسّس أخيرًا الأداة الّتي تستطيع أن تتجسّد هذا المبدأ الجوهري الضّروري لحياتها أحسن تجسّد".
(1 ) كتاب آثار قلم أعلى ج1 ص310.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل لله وجود؟!
-
بعض من الجديد والفريد في العقيدة البهائية
-
الشرع والمبدأ البهائي: إيجاد بُنى مؤسسية وقانونية للمساواة ب
...
-
الطفلة – همٌّ مصيريّ
-
القيم الدينية ومقاييس الفقر والرخاء
-
حق التعليم
-
الرعاية الصحية الأولية وتمكين النساء
-
المرأة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية
-
الدين كعامل لترويج تقدم المرأة في جميع المراتب
-
نظم جديد لإنقاذ الاقتصاد وانتشاله وخلق المدنية الإلهية -2/2-
...
-
نظم جديد لإنقاذ الاقتصاد وانتشاله وخلق المدنية الإلهية -1/2
-
الرَّوْحَنَة ونمو روح الإنسان
-
المنظور الروحاني- المؤلف: ريموند فرانك بيبر Raymond Frank Pi
...
-
القضاء على التمييز العنصري
-
حتى تُصبح نفساً متكاملة-الخاتمة
-
التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق -الصلاة والدعاء والتأمل
-
التحوُّل الروحاني: المفهوم والتطبيق
-
البعد الروحاني-تفهُّم الماضي
-
البعد الروحاني -التكيف في الحياة ومحدودية -العلاج- Life Modi
...
-
حتى تُصبح نفساً متكاملة- -البعد الروحاني للوحدة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|