|
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . . (2)
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 3081 - 2010 / 8 / 1 - 10:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أستميح القرّاء عذراً في أن أقول كلمة أخرى قبل أن أعود لأبحث في دلالات الرسائل الثلاث التي تبادلتها مع قيادة الحزب الشيوعي في ستينيات القرن الماضي . . ثمة قوم ضالة تتميز بالسقم الفكري تعبث برد فعل متشنج على طروحاتنا الفكرية في الحوار المتمدن فتعبر عن فهمها لهذه الطروحات بعلامة الصفر. فمن بين 25 قارئاً للمقالة هناك عشرين منهم قيّموها بعلامة الصفر، وهذا بالطبع ظاهرة غير مألوفة تستلزم التفسير. وبعض هؤلاء يتجاوز الحدود الدنيا من أدب المخاطبة ويعلق بتعابير نابية لا تعبر إلا عن نفس مأزومة. أحب أن أقول لهؤلاء القوم الضالة كلمتين : الأولى تقول أن عشرين صفراً للمقالة الواحدة لا يعني إلا أن المقالة قالت أمراً هاماً جداّ وأصابت عقائد هؤلاء القوم في الصيم فَذَرَت بها وهذا أقصى ما أرجو مما أكتب ــ إن أردتم أن تكيدوني قاطعوا قراءة مقالتي ولا تعطوها صفراً واحداً. والكلمة الثانية تقول أننا عندما نمجد ستالين فإننا لا نمارس عبادة الشخصية وهي ممارسة ليست مكروهة فقط بل ومحظورة أيضاً لدى البلاشفة تحديداً وحتى إزّاء أعظم شخصية أنجبتها البشرية. عندما نمجد ستالين نحن نقوم بتفسير التاريخ بقصد الإجابة على تساؤلات تتعالى اليوم بين مختلف الفرق السياسية وسائر المهمومين بالتقدم الاجتماعي حول إذا ما كانت الدولة السوفياتية وعلى رأسها ستالين كانت حقاً دولة دكتاتورية البروليتاريا التي اشترطها كارل ماركس لعبور الاشتراكية إلى الشيوعية أم غير ذلك !؟ وهل كان النظام السوفياتي قبل مجيء خروشتشوف نظاماً اشتراكياً أم غير اشتراكي !؟ لا يمكن الإجابة على هذه التساؤلات المفصلية في التاريخ دون التعرض لحياة ستالين وتوجهاته وأعماله. لا يمكن الإدعاء بسبل جديدة للتقدم الإجتماعي دون دراسة التاريخ دراسة نقدية، فالمستقبل هو دائماً الإبن الشرعي للماضي حتى وهو ينفصل عنه بثورة ــ حدث قبل سنتين أو أكثر أن شعرت قيادة الحزب الشوعي الأردني بالعزلة وانكماش الحزب لدرجة خطيرة فكان أن بادرت إلى دعوة الكثيرين من الذين كانوا قد تركوا الحزب لأسباب مختلفة لاجتماع مخصص للبحث في عودتهم للحزب مقابل تسميتهم في مراكز قيادية ودون البحث في اختلافات سياسية وعقائدية. طلبت الحديث وذكرت أن جزر الحركة الشيوعية بدأ من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي والهجوم على ستالين واتهامه باتهامات باطلة. فكان أن علق الأمين العام على كلمتي بأن ستالين ليس قضيتهم وهو ما يعني أن حزبه ما زال يسير على خط خروشتشوف رغم أن خط خروشتشوف أدى إلى هزيمة شائنة للحركة الشيوعية التي كانت مع بداية خمسينيات القرن الماضي تدق أبواب مراكز الرأسمالية نفسها إذ كان الحزبان الشيوعيان في فرنسا وفي ايطاليا يحصلان نصف عدد مقاعد البرلمان تقريباً. لم تعد الشيوعية هي قضية الحزب الشيوعي الأردني ومع ذلك ظل محتفظاً بالإسم تضليلاً لأعضائه.
نعود للرسائل الثلاث ودلالاتها . .
سُئل فياتشسلاف مولوتوف في مذكراته، وهو البولشفي الثاني بعد ستالين، لماذا بقيت ساكتا وخروشتشوف يكيل الإتهامات الباطلة لستالين؟ أجاب مولوتوف .. قدرت أن ذلك انحراف طارئ ومؤقت لا يلبث أن يزول وتستقيم الأمور بذاتها، كنت أؤمل بالتصحيح من داخل الحزب. وهنا يتوجب القول أنه ليس مولوتوف البولشفي العريق وحده كان سطحي الفهم لما وصف آنذاك بانحراف خروشتشوف، بل أيضاً ماوتسي تونغ، وهو علم الماركسية آنذاك، لم يدرك البعد الحقيقي لانحراف خروشتشوف. أن يقف خروشتشوف في الجلسة السرية الخاصة لدى انتهاء المؤتمر العشرين للحزب يكيل الاتهامات الباطلة لستالين، اتهامه بالطغيان وبالدكتاتورية وعبادة الذات وبجرائم سياسية، فهذا لا يعني على الإطلاق أننا أمام حالة انحراف فردية حتى وإن كان إثنان أو ثلاثة أعضاء في المكتب السياسي للحزب يؤيدونه، نحن أمام ثورة مضادة خاصة وأن تقرير خروشتشوف كان سرياً بمعنى أن المكتب السياسي لم يكن يعلم به وأن إلقاءه أمام كامل الهيئة العامة للؤتمر يمثل انتهاكاً فظّاً للنظام الداخلي للحزب. اتهام ستالين بهذه التهم الفظيعة لا تعني بالضرورة سوى أن النظام السوفياتي طيلة قيادة ستالين لم يكن اشتراكياً أو ديموقراطياً بل نظاماً قام على التسلط والقهر. كيف أمام كل هذا يكتفي مولوتوف في الاتحاد السوفياتي وماوتسي تونغ في الصين الشعبية وهما القائدان البارزان للحركة الشيوعية في العالم، كيف بهما يكتفيان بوصف خروشتشوف بالمنحرف فقط، وهو ما يعني أن انحرافه مثّل حالة فردية يمكن تجاوزها بسهولة مع الأيام من خلال تبادل الآراء. كذلك اعتبره مولوتوف بصدقيته المعروفة، وكذلك اعتبره ماوتسي تونغ فحافظ على سرية خلافه مع خروشتشوف لأكثر من ثلاث سنوات مؤملاً التصحيح بالمناقشة والإقناع!؟ هذان القائدان الشيوعيان البارزان، ماوتسي تونغ ومولوتوف، لم يدركا في الحال أن القضية تتعدى مسألة الإنحراف الشخصي لخروشتشوف وأنها في حقيقتها ثورة مضادة للثورة الإشتراكية، ولذلك هما عند هذا الحد مسؤولان مسؤولية مباشرة عن انهيار المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية ــ ومن واجبي هنا أن أشير مجتهداً إلى أن الغبي خروشتشوف نفسه لم يكن يدرك أنه كان يستخدم في قيادة ثورة مضادة إذ كان يعتبر أن هرطقاته كانت من لزوميات امتلاكه أعلى سلطة في الدولة والحزب وأن تلك الهرطقات لن يكون لها أثر حاسم على النظام الإشتراكي. لكنه لم يكتشف غباءه إلا حين نظم معاونه الرئيسي بريجينيف انقلاباً عسكرياً عليه في العام 64 بمثل ما كان قد انقلب هو نفسه على البلاشفة في العام 57، والبادئ أظلم. كل الشيوعيين الذين لم يدركوا أن خروشتشوف ليس منحرفاً فقط بل قائداً لثورة مضادة، وأنا منهم، مسؤولون مسؤولية جماعية عن انهيار الحركة الشيوعية والمشروع اللينيني. احتفظ البولشفي الثاني مولوتوف بصمته وهو يصغي لشتم ستالين، واحتفظت، أنا البولشفي القاعدي، بصمتي وأنا أصغي لشتم ماوتسي تونغ، كما اختفظ ماوتسي تونغ نفسه بصمته عما اعتبر آنذاك انحرافاً لشخص خروشتشوف. والصمت كان يعني القبول المبدأي بالثورة المضادة، التي كانت دمغتها أكثر من واضحة فليس ستالين من يتهم بممارسة طقوس غبادة الذات وليس ستالين من يتهم بالجبن، وليس ستالين من يتهم بالدكتاتورية. كانت الخيانة تتحدث عن ذاتها.
لو أعلن الحزب الشيوعي الأردني وقوفه مع الحزب الشيوعي بقيادة خروشتشوف دون أن يشن حملة مسعورة على الحزب الشيوعي الصيني وقادته لأمكن تفسير الأمر، أما أن يتأبط شرّاً ويصف ماوتسي تونغ بالكلب فذلك لا يمكن تفسيره خاصة وأن قيادة الحزب آنذاك تمثلت بشخص واحد هو فهمي السلفيتي؛ ولا يمكن لشخص متعقل مثل السلفيتي أن يتخذ قراراً بهذه الخطورة دون أن تأتيه تعليمات من الأمين العام للحزب الذي كان يقيم في بلغاريا آنذاك فؤاد نصار. إدانة ذلك القرار لا تستحق لأن خروشتشوف كان يوصف بالمحرف فقط، بل تستحق أكثر لأن الصين الشعبية بقيادة ماوتسي تونغ كانت تقود حرباً عالمية ضد الإمبريالية وفي شرقنا المتوسط دارت أشرس المعارك. كيف يوصف بالكلب أحد قادة حركة التحرر الوطني العالمية إن لم يكن قائدها الأبرز!؟ لذلك نقول أنه طالما الحزب الشيوعي الأردني لم يمارس النقد الذاتي بالنسبة لذلك القرار تحديداً فذلك يعني أنه ما زال يتبنى تحريفات خروشتشوف وهرطقاته وهو ما يقطع بأن هذا الحزب لم يعد حزباً شيوعياً منذ انحراف خروشتشوف في العام 56. أما إذا اعتقد الحزب أن قراره ذاك كان خطأ ومع ذلك لم يمارس النقد الذاتي فهو أيضاً بالعرف اللينيني ليس حزباً شيوعياً. كان ستالين يؤكد دائما أن حزباً لا يمارس بفعالية تامة النقد الذاتي فهو ليس حزباً لينينياً.
في التقرير السري غير الشرعي وقف خروشتشوف ينعى على الحزب غياب الديموقراطية ويدين دكتاتورية ستالين متعهداً شخصياً بالمقابل بتأسيس ديموقراطية راسخة على المستويين الحزبي والدولاتي، لكن سرعان ما تكشّف نفاق ومراوغة هذا الأفّاق. فعندما سحب المكتب السياسي للحزب منه الثقة في أواسط حزيران يونيو 57 وترتب عليه أن يتنحّى عن مركز الأمين العام للحزب وعن رئاسة مجلس الوزراء قام بانقلاب عسكري بمساعدة صديقه المارشال جوكوف وزير الدفاع آنذاك ليبطل قرار قيادة الحزب وهي أعلى سلطة في الدولة ويذهب بعيداً مستهيناً بالحزب وتراثه فيطرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي للحزب الذين صوتوا على سحب الثقة منه وعددهم نصف عدد أعضاء المكتب السياسي ــ تلك هي الديموقراطية المناقضة لدكتاتورية ستالين !!
مع كل هذا الإفك تتجرأ قيادة الحزب الشيوعي الأردني في أن تلقي بياناً على أعضاء الحزب بمناسبة الأول من أيار 64 تتعهد فيه أن تحافظ على حزبها حزباً لينينياً !! كان على تلك القيادة أن توفر على نفسها مثل ذاك التعهد الذي لم يتعهد بأي شيء آخر إلا بكشف فقر القيادة نفسها في تراث اللينينية. قد تتحجج القيادة بأنها لم تكن تعلم بأن خروشتشوف لم يكن يتورع عن الحط من قدر لينين حين خاطب البلاشفة قبل أن يطردهم من المكتب السياسي للحزب قائلاً . . " شبعنا من لينينكم ولم نشبع الخبز ". لعل القيادة تتعلل بأنها لم تكن تعلم ما يدور داخل جلسات المكتب السياسي المحاطة بالكتمان الشديد، لكنها لا تستطيع القول بأنها لا تعلم أن خروشتشوف خاطب الهيئة العامة لمؤتمر الحزب الثاني والعشرين في العام 1961 بالقول الفصيح . . " أن لينين لم يعاصر الرأسمالية المتطورة كما هي اليوم والتكتلات الرأسمالية المتعددة الجنسيات " مشيرا بوقاحة فجة إلى تقادم اللينينية ومدللاً على غباء لا مثيل له حيث أنه لا يعلم أن للينين مؤلفاً حجة في هذا المعنى هو " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ". القيادة لا بدّ أنها سمعت هذا الهجوم على لينين واللينينية ولعل ممثلها كان هناك وربما بشخص رئيسها فؤاد نصار. القيادة التي تدعي بأنها ستحافظ على الحزب الشيوعي الأردني حزباً لينينياً هي نفسها لم تعد لينينية بعد أن اتفقت مع خروشتشوف على وصف النظام السوفياتي بقيادة ستالين بنظام قهر وتسلط ودكتاتورية فردية بيروقراطية، وهو النظام الذي كان يفاخر به ستالين كنظام ينمو ويتطور وفق المنهج اللينيني الدقيق والذي خاض أصعب التجارب وبرهن على أنه أقوى وأفضل نظام عرفته البشرية. لم نكن أغبياء لدرجة أن يجرنا الغبي خروشتشوف لنشارك في الثورة المضادة التي قادها دون أن يعي خطورة كيس الأفاعي الذي حمله على كاهله بتأييد من العسكر والفلاحين وتصفيق شديد وصيحات الإعجاب ن دوائر الغرب الإمبريالية. مثل تلك القيادة التي اصطفت بعناد وراء الغبي المرتد خروشتشوف سيلاحقها العار طالما أنها لم تعلن عن خطئها في الاشتراك بالثورة المضادة لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية وهو أعظم مشروع اقتحمت به البشرية مستقبلها الشيوعي. ( يـتـبـع )
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرسائل الثلاث ودلالاتها . . .
-
الرسالة الثانية . . ردٌّ على ردّ
-
جواب قيادة الحزب الشيوعي الأردني على رسالتي
-
رسالة قديمة إلى قيادة الحزب الشيوعي الأردني
-
مشروعية السؤال .. ما العمل؟
-
ماركسية صدر القرن الحادي والعشرين
-
البولشفية وضرورة إحيائها
-
الماركسيون ليسوا يساريين
-
سفر الخروج / 3
-
ما بين الرأسمالية والإستهلاكية
-
أزمة اليونان مرة أخرى
-
ما تفسير الأزمة في اليونان؟
-
سفر الخروج 2
-
سفر الخروج
-
حول أطروحة المحطة المنحطة مسدودة المنافذ
-
حميد كشكولي ضد الإشتراكية
-
محطة الإنحطاط التي تحط فيها البشرية اليوم
-
تاريخ الإنسان كتبته العبودية وليس الحرية
-
تطوير العمل الفكري والثقافي للحزب الشيوعي العراقي
-
هل الرأسمالية متقدمة على الإشتراكية !؟
المزيد.....
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|