|
بين البهجة ، و الصمت .. قراءة في ضربتني أجنحة طائرك ل إدوار الخراط
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 3081 - 2010 / 8 / 1 - 09:57
المحور:
الادب والفن
في تأويلاته الشعرية " ضربتني أجنحة طائرك " – الصادرة عن دار حور بالقاهرة 1996 – يعيد إدوار الخراط إنتاج العلاقات بين الدوال الفنية في لوحات الفنان أحمد مرسي في سياق إبداع تأويلي يجمع بين النزعة التفاعلية بين علامات الإبداع المتنوعة ، و ما تحمله من تداعيات مكملة ، و لا نهائية لصيرورة الإبداع في الكون ، و الوعي الإنساني معا ، و كأن تجربة الإبداع تختلط دائما بالإضافة التأويلية ، و الاختلاف ، و القدرة على تحفيز الطاقة الفنية في اتجاهات جديدة تجمع بين الإنجاز السابق ، و تحولاته الشخصية ، و الفلسفية ، و الأسطورية في لغات تعبيرية قيد التشكل دائما . في لوحات أحمد مرسي ثمة تكوينات حلمية مبتورة ؛ مثل الأعين الواسعة الكبيرة ، و الطيور الضخمة ، و رؤوس الأحصنة ، و أجزاء الوجوه البشرية ، و علامات الأساطير ؛ و هي تكوينات تقع في المسافة بين الحلم الإبداعي الأول بالصورة ، و تحققها التجريبي ، و تحولاتها في التلقي . إنها تواجه المتلقي بكينونته الشعرية ، و الطاقة الإبداعية الاختلافية المتواترة في الوجود ، و تاريخ الفن معا دون انفصال . و يعيد إدوار الخراط تشكيل تلك التجارب الحلمية في حكمة شعرية جديدة ترتبط بوجود الإنسان في العالم ، و علاقته بالموت ، و العشق ، و الحياة ، و الأخيلة الحضارية ، و التاريخ الشخصي . لم تكن تكوينات أحمد مرسي – إذا – منعزلة عن صوت الخراط ، و معرفته ، و وجوده ، و لم تكن بعيدة عن أي متلق يمكنه الإضافة إلى وهج التكوين التصويري الذي جسده وعي أحمد مرسي تجريبيا . الصورة هنا تفجر المعنى الوجودي للإنسان ، و هي تفكك مركزياته المعرفية ؛ لأنها تواجهه بعلاقات فنية جديدة تجمع بين المتعين ، و اللامعقول ، و أخيلة تتجاوز مركزية الموت ، و الحياة ، و أبنية العشق ، و التواصل ، و الانفصال بين البشر . و في تأويلات الخراط نلمح لحظة السكون حين تختلط بتهيؤ قوي لاستقبال تحول آخر ، أو كينونة حلمية جديدة ، تمتد من أصداء الماضي ، و دواله ؛ مثل الطواطم ، و حورس ، و سالومي إلى قراءة التاريخ الشخصي الآني للمتكلم . و نستطيع تحديد ثلاث تيمات فنية في تأويلات إدوار الخراط ؛ هي : أولا : التحول الذاتي للصورة . ثانيا : بين البهجة ، و الصمت . ثالثا : التأويل الإبداعي للتكوين . أولا : التحول الذاتي للصورة : تبدو الصورة هنا كتمثيل أول للذات المبدعة ، أو كفضاء لإعادة بناء الكينونة الشعرية للمتكلم بحيث تصل الخبرات الواقعية بعوالم اللاوعي ، و كأننا أمام بناء محتمل للكينونة في المستقبل لا ينفصل عن حالات تجسد الصورة في الماضي . الصورة تمنح الخراط إيماءاتها المادية ، و تجسداتها في لوحات أحمد مرسي ، فيتحد بها في سياق إغواء البحث عن أصالتها الكونية ، و الذاتية من جهة ، و توليدها المتجدد للذكريات ، و الخبرات التي تختلط فيها إيماءات الفن برؤى الذات ، و وجودها من جهة أخرى. في نص " ضربتني أجنحة طائرك " يؤول الخراط لوحة لأحمد مرسي فيها رأس مجرد لحصان أعلى المشهد ، و رجل ذو وجه مزدوج . و نلاحظ أن الخراط في تأويله لهذا العمل يجمع بين طاقة الحياة ممثلة في حلم مرسي بالحصان ، و تجدد ذكرياته في سياق شعري مولد من الصورة ، و تداعياتها ، و إضافاتها الإبداعية المحتملة . يقول عن طاقة الحياة في الحصان : " حصانك الجامح اخترق سدف الشعرية القديمة / بألوانه القاتمة الساطعة معا / خضراء ، و سوداء مشتعلة المعرفة / يصهل قبل الأوان ، و لن يلحقه الصمت " . إنه يعاين بزوغ الحياة في مستواها الشعري / الدائري الذي يستعصي على الموت ، و مركزيات الحدود ، إنه طاقة التجسد الإبداعية ، و ليس التجسد نفسه . و تكتسب الذكريات ذلك التجدد الإبداعي من تيمة الحياة في دوال أحمد مرسي ؛ يقول : " زرقة هذا البحر .. الروح كثيفة ، و عجينتها حارة / ... في هذه الصدفة .. / ترقد أيامنا الماضية حية ترتعش / مثل حيوانها المنيع فاتحا عينيه " . تشكل لدونة المادة الفضاء الحر للذاكرة ؛ إذ تتجدد فيه الصور كأنها تخرج للعالم للمرة الأولى ، مثل علاقة الحصان بالوعي في لوحة أحمد مرسي ؛ فهو مجرد ، و مقطوع ، و لكنه يبدو مولدا إبداعيا لإشارات الحياة في الوعي ، و الذاكرة . و في نص " شبكة المعاني " يؤول لوحة تتجسد فيها امرأة متعالية ، و رجل ساكن في فضاء مفتوح . و يرتكز الخراط هنا على الحزن كتيمة إبداعية ، و كونية معا تلج العشق ، و الحنان حتى تتحول إلى حكمة تقع بين صخب الحب السري عند مرسي ، و الصمت المولد من الحزن في اللوحة . يقول : " أسمع الناي في الظلام / لا أعرف أهو أنين انكسار ، أم تهليل طوباوي ... زهر العاشق المسكين / لا يطلب رحمة لأنه لن يجد رحمة / ليست الرحمة من أشياء العالم / على رغم انثيال الأردية الفضفاضة التي توهم بالحنان " . الفضاء الموسيقي يوحي بأصالة الحزن ، و يشكل أفقا مفتوحا لاندماج الاتحاد الجسدي بالغربة . هل هي قسوة البدايات ؟ أم هو سكون تأملي للجسد القوي ، و رغبته السرية في احتلال الفراغ ؟ و لكنه يستسلم أخيرا لموسيقى الحزن التي تستشرف الحكمة الأولى . و في نص " مخايلة النور " يؤول لوحة فيها امرأة ضخمة بلا رأس ، و تمسك وجها بين يديها . يقرأ الخراط تيمة الجسد عند أحمد مرسي من خلال الدائرية ، و الضخامة ، و الرغبة اللاواعية في الخروج ، و تجدد الكينونة من خلال استنباتها في كثافة المادة الروحية . يقول : " ماء الحنان و الوحشة لا يمكن أن يغيض / حتى لو غارت به خسوفات الأرض الوعرة / تطاردني رياح المساحات الخاوية البراح / و تحاصرني معك زحمة أحلام كثيفة / متى ينجاب عن صدري ثقل الجمال " . مثلما لامس الجسد انفتاح الفضاءات الروحية عند أحمد مرسي ، فإنه في تأويل الخراط يتحول إلى نزعة جمالية طيفية ، و طائرة ؛ فتجزؤ الجسد في الصورة يعزز من انفعال روحي غير محدد يكشف عنه النص من داخل تحولات اللوحة في الذات . ثانيا : بين البهجة ، و الصمت : يقف الخراط عند تناقضات العشق ، و علاقاته المعقدة ، و المتشابكة بين الاتحاد ، و الانفصال في لوحات أحمد مرسي ؛ و كأن الهوية تعلن حضورها خارج الآخر ، أو تعلن غيابها في الصمت حين تكتشف حدود التجسد ، و النسبية الجمالية لأجنحة الطيران في عوالم الحلم البهيجة . في نص " العشاق " يؤول الخراط لوحة فيها رجل ، و امرأة متشابكان ، و يقرأ فيها حالة التشابك من خلال ازدواجية الاتحاد ، و حتمية الانفصال معا . يقول : " الفرقة مضروبة مع تماس الأيدي الحميم / نزوع نحو الانصهار في نشوة غير مسبوقة / مقضي عليه بألا يحدث / و مقضي عليه بألا يزول " . العشق غياب للهوية ، و تأكيد للغربة الذاتية ، أو الكينونة المبدعة التي تتطور خارج الآخر ، أو تحمل أخيلته ، و تجسده في الوعي . هل كان الغياب المؤقت في صورة الآخر تأويلا للتطور الذاتي للإنسان ؟ هل هو تاريخه ؟ أم أثره ؟ أم أن الالتحام يصل النسبي بالرغبة اللاواعية في الخلود ؟ و في نص " صفاء مستحيل " يؤول لوحة تبرز فيها تكوينات بشرية لرجل ، و امرأة . و يراها من خلال اندماج البهجة ، و الصمت في حكمة إبداعية جديدة . يقول : " الأفق لوحة مصمتة مصبوبة من الرصاص / لكنه غير صامت بل قوي الإفصاح / ما يقوله هو الصمت في صفاء لا إنساني / فعل العشق في شرنقة الصمت / يظل ثقيلا / لا يستحيل فراشة حرة الأجنحة " . ثمة أداء صامت للعشق يلتبس بقسوة المادة ، أو انحيازها للجمود ؛ إنه تراجع للعشق باتجاه الصمت ، أو هو أداء صامت لعشق متحرر في أخيلة الهواء المجردة من تجسدات الأجنحة ، و هنا يقع الوجود الإنساني بين مرح التحرر ، و طيفية الصمت . ثالثا : التأويل الإبداعي للتكوين : ثمة تكوينات ، و دوال تصويرية ملتبسة عند أحمد مرسي ، هذه الدوال يختلط فيها الحضور الحلمي المباشر بهوامش التأويل الثقافي ، و الإضافة لتعينها السري المتجدد في اللوحة ، و النص معا ؛ مثل السمكة ، و عين حورس ، و الحصان ، و الطائر الضخم ، و غيرها . و العلاقة بين الدال ، و تأويلاته في هذا السياق اختلافية ، و لها طابع انتشاري لا مركزي ؛ إذ إن التكوين بحد ذاته يواجهك باستحالة الوظيفة الواحدة . التكوين الملتبس هنا يشبه البدايات الطوطمية للفن ؛ إذ لا يمكن إدراك وظيفتها قبل جماليات التكوين ذاته ، و ما يحتمله من هوامش تأويلية . إن الفن يقاوم من خلال تكوينات مرسي الفريدة ، و إبداع الخراط التأويلي بنية الموت ، و يمنح الدوال تجددا في فضاءات اللوحة ، و استبدالات التأويل . و بصدد دمج الدوال الثقافية في سياق تأويلي جديد يرى أندريه مارلو في كتابه المذكرات المضادة أن للفن علاقة بأبدية ، و يمثل لذلك بأن فن مصر جنائزي ، و ليس مأتميا ، و تحول الأطفال الميتين إلى عصافير في المكسيك ، بينما يتخذ الموت في الهند شكل اللهب ، و يلعب مع الأزهار ( راجع / أندريه مالرو / المذكرات المضادة / مرآة اليمبس / ترجمة هنري زغيب / عويدات للنشر ببيروت مع جاليمار بباريس / ط1 سنة 1983 ص 82 و 83 ) . هكذا تعبر دوال الفن الحدود الزمكانية من خلال اختلاط الدوال ، و الثقافات دون حدود ، أو أبنية خارج تداعيات الفضاءات الجمالية ، و تأويلاتها اللانهائية . في نص " قطعة من الروح " يؤول إدوار الخراط لوحة لأحمد مرسي فيها وجه ضخم تجاوره سمكة متعالية ، و بداحله سمكة صغيرة . و يقرأ الخراط تكوين السمكة من داخل شاعريتها الخاصة في الوعي ، و تجسدها السري ، و ما يصاحبها من أخيلة انثوية داخل الذات . يقول : " ذئب الشعر مفتوح الأشداق عن نهم عريق / هل هو شعر العالم الوحشي / نشب أظافره و أنيابه في الجسد الملتبس / امرأتي ترفع سمكتها بعلامة الانتصار " . هل تجسد السمكة غياب المتكلم في النص ؟ أم أنها شاعرية الوعي المتعالية في سياق اندماجه الأول بمرح الصورة ؟ يعاين الوجه بداياته الشعرية ، و يقاوم اكتماله الخاص ؛ فالعالم الوحشي عند الخراط يتمثل في صورة الوجه القابلة للاستبدال ، و التأويل الجمالي دائما . و في نص " معمار " يؤول لوحة فيها حصانان بشريان غير مكتملين . و يقرأ الخراط تكوين الحصان من خلال عنصر الصلابة ، ثم التباس الشكل ، و قدرته على توليد أشكال بنائية جديدة من اللاوعي إلى اتساع فضاء اللوحة ، و الكون . يقول : " الحضور الجامح الرازح للحصان إنساني العينين .. / حصن حصين و ليس مجرد حيوان عارم الحياة / ملاذ و سور و نجدة و مأوى جسيم و رصين ... / في قلب هذه الصرامة حرية معمارية / تضرب في اليم قامات بشرية أو تطير " . المعمار هنا حلمي بالأساس ، يستدعي بزوغ الروح البشرية من نشوة اللاوعي ، و صوره إللى فعل الاختباء الأنثوي فيما وراء القناع ، و راء الفراغ الضخم . محمد سمير عبد السلام - مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغامرة الأداء .. قراءة في أين تذهب طيور المحيط ل إبراهيم عبد
...
-
نيرمانا كهوية شعرية .. قراءة في ديوان البحث عن نيرمانا بأصاب
...
-
السجن ، و الولادة الإبداعية .. قراءة في رواية الجوفار ل مروة
...
-
الوفرة الإبداعية للشخصية .. قراءة في رواية لم تكتب بعد ل فرج
...
-
دائرية الإيماءات ، و الصور .. قراءة في تجربة علاء عبد الهادي
-
الحكي ، و تجدد الحياة .. قراءة في مجموعة نصف ضوء ل عزة رشاد
-
الإيماءات الإبداعية للحكي .. قراءة في نوافذ صغيرة ل محمد الب
...
-
لعب التشبيهات ، و الأصوات .. قراءة في كأنها نهاية الأرض ل رف
...
-
نقطة الخروج في مسرح أوجين يونسكو
-
نحو فضاء آخر .. قراءة في ديوان هوامش في القلب للدكتور عز الد
...
-
الوعي المبدع يتجدد .. قراءة في كتاب المغني ، و الحكاء ل فاطم
...
-
انطلاق القوى اللاواعية .. قراءة في دموع الإبل ل محمد إبراهيم
...
-
الإكمال الثقافي في فكر أرنولد توينبي
-
الاندماج الأول بالعالم .. قراءة في تفاصيل ، و تفاصيل أخرى ل
...
-
سرد في نسيج الحجر .. تأملات في طبعات الأيدي القديمة
-
امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس
-
سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
-
تأملات جمالية في الأنا الأعلى
-
تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل
...
-
العولمة ، و الاختلاف
المزيد.....
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|