ماريو أنور
الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 19:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المؤرخ فى الأغلب هم كانوا من أعمدة المؤسسة الحاكمة ... وهذا ما يتجه فى أغلب الصراعات إلى الانطلاق من حقيقة مؤسفة ... وهى بأنه لا يوجد شىء اسمه التاريخ ... ولا توجد إمكانية لإعادة بناء الأحداث الفعلية .... وأن كل ما لدينا لا يعدو أن يكون تبريرات ذاتية منحازة ..... و أن هذا الاستنتاج يمتد من التاريخ إلى جميع نواحى المعرفة ...
ومع ذلك ... فمن ذا الذى ينكر أنه كانت هناك تتابعات فعلية للأحداث التاريخية لها خيوطها السببية الحقيقية ... حتى إذا كانت قدرتنا على إعادة تركيبها فى نسيجها التام قدرة محدودة ... وحتى إذا انجرفت الإشارة فى محيط من ضوضاء تهنئة الذات ؟ لقد كان خطر الذاتية و التحامل ظاهراً منذ بداية التاريخ ... فقد حذرنا ثيوكيديد منهما ... وكتب شيشيرون يقول : (( القانون الأول يتمثل فى ألا يتجاسر المؤرخ قط على تدوين ما هو زائف ... والقانون الثانى يتمثل فى ألا يتجاسر على إخفاء الحقيقة قط .... أم القانون الثالث فيتمثل فى ألا يتطرق الشك فى وجود شىء من المحاباة أو التحامل فى عمله )) ....
وفى كتاب بعنوان (( كيف ينبغى كتابة التاريخ )) نشر عام 170 م .... ينادى لوشيان الشاميشاطى قائلاً (( يجب أن يكون المؤرخ غير هياب , وأن يكون غير قابل للإفساد .... كما يجب أن يكون رجلاً مستقلاً و محباً للصراحة و الصدق ))..
ومن مسؤلية المؤرخين المتمتعين بالنزاهة أن يحاولوا إعادة تركيب هذا التتابع الفعلى للأحداث ... مهما كان ذلك مثبطاً للهمم أو منزعجاً ... فالمؤرخون يتعلمون كبت حنقهم الطبيعى إزاء الإهانات التى توجه لأممهم ... وأن يعترفوا ... متى كان ذلك ملائماً ... بان زعماءهم القوميين ربما ارتكبوا جرائم بشعة .... وقد يكون عليهم مراوغة الوطنيين الغاضبيين باعتبارهم خطراً على المهنة ( مهنة التاريخ ) ...إذ إنهم يعرفون أن روايات الأحداث قد مرت خلال مرشحات بشرية متحيزة و أن المؤرخين أنفسهم لديهم نقاط تحيزهم ... و الذين يريدون أن يعرفوا ماذا حدث بالفعل سوف يكونون على علم كامل بآراء المؤرخين فى الأمم الأخرى التى كانت .. فى وقت ما ... معادية .... وكل ما يمكن أن نأمل فيه هو الوصول إلى مجموعة من التقديرات التقريبية المتعاقبة .... ولا يتحسن فهمنا للتاريخ سوى عن طريق الخطى البطيئة ... وأيضاً عن طريق تحسبن فهم الذات .
#ماريو_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟