|
ومن الحواسم - ما ينهق -
عادل اليابس
الحوار المتمدن-العدد: 3079 - 2010 / 7 / 30 - 13:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ومن الحواسم " ما ينهق " جار لي مقابل داري ، حمل كل تناقضات الشخصية العراقية كما حللها استأذنا الفذ علي الوردي ، ونموذج لمن نعتوهم المعتزلة "بالعوام " ، ومع الاعتذار لأبي الطيب المتنبي ، فبروز نيوب جاري " لاتعني ابتسامته قدر ماتعني " نفاقه " . لم يطرق باب داري إلا لحاجة ، ولم يستوقفني إلا لنميمة ، ومع أني أصده بلباقة في الكثير من مطالبه ، قانعا نفسي بأن سابع الجيران لا تشمل المقابل بل اللصيق . جاءت الانتخابات ، وآتى معها جهد جاري في المنطقة ، من خلال حضوره اليومي لصلاة المغرب في الحسينينة القريبة ، متوسطا دائما مجموعة من الشباب ، ينفث فيهم سموم الطائفية ،ومن خلالها يدعوا لقائمة معينة دون أن يكون له حسب علمي صلة مباشرة بها ، عدا محاولته كسب بعض الاعتبار لشخصه من خلالها ، لاعتقاده بأنها ستحصل على الغالبية المطلقة من المقاعد . أوصل لي بعض مرتادي الحسينية ، تذمرهم وشكواهم منه ، وطلبوا مني التدخل لكبحه فهم يريدونها "الحسينيه " منبرا للدعوة للإيمان والخير ، لا بوقا سياسيا لهذا أو ذاك ممن يدعون حفاظهم على المذهب . كانت لي زيارة بعد الصلاة المغرب للحسينية توسطت فيها مجلس صاحبي ، وما أن انطلق "ببروكاندته " للقائمة التي يشيع بأنها تمثل المذهب ، حتى وجدتها مدخلا للحديث استهللته بوجود أكثر من قائمة انتخابية لها صبغة مذهبية ، وأن تفضيل واحدة عن الأخرى سيكون حتما لأسباب سياسية ، خصوصا وأن المرجعية الدينية الرشيدة نأت بالطائفة عن السياسة وعن التدخل لصالح هذا الكيان أوذاك ، وأفتت بالتصويت وفق المعرفة الشخصية للمرشح وأن يكون " وطني ونزيه " ، مع هذا الدليل أخذ الحضور ينظرون لجاري بفتور ، لكنه سرعان ما استعاد بعض جأشه ، فقلبها دعاية شخصية لرئيس القائمة التي يدعو لها وتحدث عن أفعاله وانجازاته ، وكلها حسب زعمه لصالح المذهب ، رددت بالأرقام عن ما تحقق ، في البطالة في الخدمات الصحية ، في التعليم في البنى التحتية في الاستثمار ، ولما حاصرته وكسبت الحاضرين ، لم يجد بدا ، من القول " أن من يتحدث عنه رءوفا بالمواطنين وخصوصا الفقراء منهم ، فهاهو يدعو إلى التريث باتخاذ الإجراءات ضد المتجاوزين على منشآت وأراضي الدولة وحتى الأملاك الخاصة ، كان ردي عليه ، التصريح شيء والفعل شيء آخر ، وهذا ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات ، وفوجئنا في اليوم التالي بتوجه بعض الجرافات لتزيل بعض مابناه المتجاوزين " الحواسم " ، دون التصدي لهذه المشكلة الاجتماعية والاقتصادية ووضع الحلول المناسبة لها ، وكان انتصاري الكبير ، القول " أن من يدافع عنهم هم بغالبيتهم من الحواسم كونهم استولوا على قصور النظام السابق دون وجه حق ، فهي ملكيه عامة تعود للشعب العراقي . سادتي علي أن أخبركم بوجود قطعة ارض فارغة ملاصقة لدار جاري ، وكان دائم الشكوى لي عن خوفه من أن تحوسم ممن قد يثيرون له المتاعب والمشاكل ، وخصوصا بأنه لا تعرف عائديه هذه الأرض ، ولا يخفي رغبته القوية في تسيجها على حسابه الخاص ، لكني اعرف بخله ، وما يتبعه من محاولته لجري لدفع تكاليف ذلك . حال ظهور نتائج الانتخابات ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ، مع خيلاء ، واخذ يهمس لمن يعرفهم بلازمة " ماننطيهه " ، غير أن الأمور ثقلت بما لا يشتهي ، وبان سراب آماله ، باجترار السياسيون لأقوال دون أفعال ، وبات صاحبنا بعد التبجح ، يتضرس ممن حوله سخرية تشكيل الحكومة . قبل أسبوعين وفي فجر يوم شرجي قائض ، انهمرت طرقات على بابنا تدل على الفزع والرعب ، وماهي إلا لحظات ، كنت عند عتبة الدار ، لأرى صاحبي بملابس نومه وهو بحالة يرثى يشير إلى قطعة الأرض الفارغة ويقول لي " أنظر " ، أربع عربات ممن تجر بالحمير محملة بمختلف مواد البناء وقفت بجانب القطعة ، وجيش من رجال ونساء يلبسون الملابس الريفية ، وعدد كبير من الأطفال الحفاة وبعضهم عراة، استنفروا أنفسهم بهمة ونشاط لتفريغ حمولة العربات ، بدء صاحبي محتارا ، يستجدي الحل مني ، ومن مثلي لا يركن للقوة بل للقانون والنظام ، فأخرجت كلمتين " عليك بالقانون " ، امتعض واستشاط غضبا" ، وهو يرد علي " يا قانون يا بطيخ ، هذولة يفيد معهم قانون " ، لا أخفي عليكم سرا أني مع انزعاجي من هذه الهجمة الحواسمية ، ألا أني استشفيت من حاله ، ووجدتها فرصة للمزيد فقلت " هؤلاء فقراء ومساكين يبحثون عن مأوى لهم " ، أخذ يلومني على قولي هذا ، وبين لي أن هؤلاء من مناطق ريفية بعيدة ومن محافظات أخرى ، لهم أملاك وأطيان ولكنهم استضعفوا الدولة ، وتبنوا شعار "مالك وملكك ماتضع يدك عليه " ، وأنهم يستولون على الأراضي ويبنون عليها بيوت لهم ثم يعلونها بعد مدة للبيع ، وصار هذا مصدر رزق لجمهرة من هؤلاء ، أخبرته بعدم معرفتي بعائديه الأرض وبعدم جدوى تدخلي ، بلا مسوغ قانوني ، ومثل هؤلاء تسبقهم في الدفاع عنهم عشائرهم وأفخاذهم على غرار "أنصر أخاك " ، والعشائر تحظى بدعم وتأييد غير محدود ممن هم في سدة الحكم الآن على غرار مجالس أساند ، ومؤتمرات عشائرية برعاية فلان بين مدة وأخرى ، وتسليم الشيوخ أرزاقهم من أموال المنافع الاجتماعية ، لم تفد محاولاتي تلك في أبعاد جاري لكن لحسن الحظ حضر جار آخر ، اقل مجاملة مني وسمع حوارنا ، فانتفض لصاحبي بقوله " أنت تدعو لدولة ... فاستعين بها " . تركت الجار لمأساته ، وأنشددت لمراقبة أعمال البناء الجارية في القطعة والتي تجري بسرعة عجيبة فعند منتصف النهار ، وصل البناء حد السقف ، وماهي إلا ساعات ألا وغطي بمواد البناء المحلية " ألبواري والقصب " ، تسلق أحد المحوسمين عمود الكهرباء " للتجطيل " وحفر الثاني الأرض مادا أنابيب المياه ، غير أن ماشغل بالي أن القطعة قسمت نصفين ، نصف شيد عليه البناء ، والآخر احيط بسياج فقط ، وعند المساء مع تصاعد دخان التنور من الساكنين الجدد ، وبقاء العربات الأربع واقفة ، بدئت عملية فصل الحمير عن العربات ووضعهم الأربعة في نصف القطعة المسيج ، وتوزيع ماجمع من أزبال سوق الخضروات عليهم ، انشغل الحمير بقضم وابتلاع ماقدم لهم ، وماهي إلا دقائق حتى فرغ معلفهم ، فتعالى نهق احدهم احتجاجا ، تبعه الآخر ، شكل بعدها الأربعة أوركسترا للنهيق لم تشهده أي أوبرا في العالم ، استمرت أنكر الأصوات بالتصاعد ،لأسباب لايمكن لمثلي معرفتها . أعتدت عند صباح كل يوم تشنيف أذناي بصوت شحرورة الوادي ، قبل بدء صولة الباعة المتجولين " غاز غاز .. عنده سكراب للبيع ماطور للبيع ... خيار طماطة ركي بطيخ اسود بامية ... عنده طحين للبيع " ، وقبل الانطلاق المعتاد لصوت مكبر الصوت من احدي الحسينيات الأربع المحيطة بداري من مسافات قريبة تعلن عن قراءة الفاتحة لأحد المتوفين ، وأن كنت قد أدمنت بعض هذه الأصوات ، إلا أن الأنشودة الحميرية الصباحية شكلت خرقا كبيرا علي تلافيه ، فصباح يبدأ بالنهيق مع كل مشاكلنا اليومية الحياتية ، انقطاع الكهرباء ، تكوم تلال الازبال ، انقطاع ماء الإسالة ، اللهث خلف البنزين للسيارة أو للمولدة ، وجود معاملة لديك في دائرة ما ترفع علم الفساد بكل أنواعه ، صارت من هواجسي اليومية ويصعب في الوقت المنظور وبالعملية السياسية الحالية عبورها ، غير أن مشاهدتي للأشلاء وللدماء بمسلسل الإرهاب الذي لا ينقطع يوميا في بعض المحافظات يهون علي معاناتي ، من باب بعض الشر أهون ، ومن باب عذابات جاري ، والذي جمعتني صدفة بقربه عند انطلاق الاوركسترا الحميرية " فهمست بأذنه ومن الحواسم ما ينهق " ولكم تصور حاله حينها . عادل اليابس
#عادل_اليابس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البصرة : اللانيت ، والأطباء البيطريين ، والشاهد الأول
-
حكومة - طبخة - آم حكومة -جوع - ...!!!
-
مولدة صبح مولدة ليل - بلص مهفة - مهداة لوزير الكهرباء ورئيس
...
-
حال العراق: سفسطة سياسة ... وتبيض فساد
-
فقراء -مهدي العلاق - والبنك الدولي
-
البصرة عاصمة - القذارة -
-
التحالف ألكردستاني -برغماتية ولات ساعة مندم -
-
البصرة بين بدعة -تنمية السيارات -
-
الحكومة القادمة ...طريق أبو الخصيب ... مساعدة صديق... لعبة ا
...
-
أعطوا البصرة لتكنوقراطيها
-
العلمانية يتمها علاوي... والوصاية عليها للدستوري
-
جمعية الحمير
-
الآلوسي حتى أنت ... ياحيدر سعيد
-
كوتة المرأة وحق الناخب العراقي
-
دكتاتورية البروليتاريا ..- الضائعة -
المزيد.....
-
بيونسيه تتوج مسيرتها بجائزة طال انتظارها ونانسي عجرم تطوي صف
...
-
فرنسا: هل ينجو بايرو من حجب الثقة؟
-
أمريكا - إسرائيل: أي حدود للتحالف بين ترامب ونتنياهو؟
-
بعد تبرعه بـ 100 مليار دولار للأعمال الخيرية، هل يترك بيل غي
...
-
شتاينماير يطالب من الرياض بإطلاق الرهائن وبتطبيق حل الدولتين
...
-
-مازلت متعطشا-.. نوير مستمر في حراسة عرين بايرن ميونيخ
-
ترامب يعلن رغبة بلاده في الحصول على المعادن من أوكرانيا مقاب
...
-
-زومبي من أجناس متعددة-.. زاخاروفا تعلق على عدم قدرة أوروبا
...
-
رئيس البرلمان البولندي يدعو أوروبا لتقليص الاعتماد على الولا
...
-
بيسكوف: لا يوجد أي تقدم في عملية تنظيم لقاء بوتين وترامب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|