|
الأمن القومي العربي يبدأ من علاقة الدولة بمواطنيها
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 3078 - 2010 / 7 / 29 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ النكبة الفلسطينية في العام 1948 وحتى الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 والعالم العربي ينحدر في هزائمه ونكساته وخيباته. ولكن بين التاريخين ماذا تغيّر في الخطاب والمشهد والمجتمع العربي ؟ لاتزال القصة عينها تتردد: الأنظمة الفاسدة والأسلحة الفاسدة والزمرة المتآمرة الخائنة والشعارات الفارغة والتماثيل والأنصبة الفارعة. فما أصاب المشروع العربي هو أنه لم يتعزز بالديموقراطية وظل أسير تجاذباته وأزماته، ولم يوسع قاعدته على أساس المواطنة والانتماء والتعددية، لذلك لم تظهر الدولة الحديثة إلا في الشكل التبعي للنظام، وتحول الخطاب القومي إلى قناع يخفي التخلف والعجز والعيوب. ومن هنا يبدأ خلل المعاني والوظائف والأحوال، فلم تعد سلطة الدولة المعبِّر الحقيقي عن أهداف وتطلعات وأماني الشعب الذي انبثقت منه، فبدلاً من أن تمارس دورها في تحقيق التغيير لعبت دوراً آخر في تجميد وقمع وتعجيز المجتمعات العربية. ولا مبالغة أو افتئات في القول بأنّ الاحتلال الأمريكي للعراق أطلق رصاصة الرحمة على المشروع العربي، إذ تكشّف مدى التخريف والتهويم أو الهشاشة والهامشية في ما طرحه العرب من شعارات تتعلق بالوحدة والتقدم أو بالتحديث والتنمية، أو في ما وضعوه من الخطط والاستراتيجيات لمقاومة عمليات الابتزاز والضغط التي تمارسها الدول العظمى والقوى الفعالة الطامعة بالغنيمة العربية من الموارد والأسواق والمواقع. على أي حال نحن إزاء عجز مضاعف ومركب في العالم العربي، سواء لجهة معالجة المشكلات المتراكمة والمزمنة في الداخل، أو لجهة تطوير صيغ ومؤسسات العمل العربي المشترك، أو لجهة التعاطي مع التحديات الخارجية وطرق التعامل مع التحولات الجذرية والمتسارعة التي يشهدها العالم، منذ أكثر من عقدين، على غير صعيد من أصعدته التقنية والحضارية، فضلاً عن الانقلابات والانهيارات السياسية والاجتماعية والأيديولوجية. والعجز في الداخل المحلي والوطني أو القومي والإقليمي، هو الوجه الآخر للتبعية والهامشية لجهة العلاقة مع الآخر والخارج على المستوى العالمي، لأنّ من يعجز عن إدارة شؤونه وتنمية بلده وبناء قدرته، بإطلاق قواه الحية واستثمار طاقاته الخلاقة، لن يقوى على ممارسة دور فعال على مسرح الأمم. والنتيجة كما هي العادة خراب المعنى وتدمير القضايا، على ما تشهد العلاقة مع قضية الوحدة العربية، حيث الدعاة والمنظّرون لها هم الذين عملوا على تقويضها بأفكارهم الأحادية وتصنيفاتهم المتخلفة. وإذا كان ثمة عمل عربي ناجح، فصناعه وأصحابه هم المنتجون والمبدعون والمثقفون العضويون الذين يسهمون، من غير ادعاء، في خلق مساحات ولغات وأسواق عربية للتداول والتبادل والتفاعل. لقد سقطت تاريخياً التجارب التي حملت اللواء القومي العربي، وتداعت الأنظمة التي مثلته، وعجزت القوى القومية، في العديد من المواقع، على أن تقدم أنموذجاً بمستوى الفكرة التي حملتها. إذا لم نقل ساهمت، كقوى، بشكل مباشر أو غير مباشر، في تشويه الحلم وتراجعه، مما جعل الهوة تزداد اتساعاً بين الشعوب العربية والتجارب القومية، لدرجة بدا فيه هذا التباعد وكأنه تنكر للانتماء القومي. فمع انهيار الحركات القومية ووصول أنظمتها بالمجتمعات العربية إلى طريق مسدود تتنامى في أوساط الرأي العام العربي، وبشكل خاص الرأي العام الشبابي، نزعة عدائية تجاه البرامج والشعارات والأهداف التي استحوذت في الماضي على عقول الناس وأفئدتهم لعقود طويلة. وينهال النقد - بصورة عشوائية - على كل البرنامج الوطني العربي الذي بلورته الحركات الشعبية منذ بدايات القرن العشرين في مواجهة الاحتلالات الغربية للأقطار العربية أولا ثم في مواجهة علاقات التبعية والاستعمار الجديد ثانيا. والمشكلة ليست في نقد البرامج الوطنية، ولكن في تطوير نزعة عدمية وسوداوية تجاه الحقب السابقة لا تفرق بين أخطاء الزعماء وتهافت النخب السياسية وتضحيات الشعوب. إنّ رفض الماضي والتنكر له لا يفيدنا في فهم ما يحصل لنا ولا يساعدنا على فهم الأسباب التي تكمن وراء إخفاقنا وكيف ومن هو المسؤول عن هذا الإخفاق، أي لا يساعدنا على أن نميز بين سياسات أو اختيارات سياسية واستراتيجية خاطئة وسياسات إيجابية ينبغي بلورتها وتطويرها حتى نخرج من المأزق الذي نحن فيه. وهكذا، يطرح المستقبل العربي تساؤلات عديدة، تستحق الإجابة عليها من خلال حساب الذات للوصول إلى رؤية واضحة تستفيد مما تملكه أمتنا العربية من إمكانات كي تتعاطى بشكل مجدٍ مع هذه التحديات والمتغيّرات الدولية وتأثيراتها علينا. ونستطيع أن نوجز هنا خمسة من هذه المتغيّرات والتحديات لما لها من تأثير علينا، وبحساب الذات نبحث عن الوضع الأمثل الذي نحقق به آمالنا وطموحات شعوبنا وتتمثل في التالي: (1) - التضامن العربي: علينا الحفاظ على تضامننا العربي الذي نحمي ونحصّن به أمتنا العربية من كل المخاطر والشرور التي تحيط بها في الحاضر والمستقبل، من خلال إقامة بنيان متكامل لنظام إقليمي عربي قوي وقادر على مواجهة تحديات هذه الظروف الراهنة الإقليمية والعالمية، والتعامل معها بجدية وعقلانية وفق استراتيجية عربية موحدة ومحددة الأهداف والوسائل في إطار الجامعة العربية، مع تعزيز الروابط مع دول الجوار، وعلى الخصوص تركيا. (2) - قوة العرب الاقتصادية: علينا إدراك أنّ القوة الاقتصادية أصبحت تتساوى أو لا تقل كثيراً عن القوة العسكرية ، فكلتاهما تمثل قاعدة صلبة لحماية المجتمعات، بدليل أنّ العالم يعيش الآن عصر التكتلات الاقتصادية. وأمام هذا الواقع لم يعد أمام الأمة العربية خيار أو بديل إلا بناء مؤسسات اقتصادية قوية، باعتبارها أهم ضمانات الاستقرار والعامل الحاكم لضبط مسيرة النمو والتقدم في أي مجتمع، وضرورة إعادة صياغة التنمية البشرية العربية وتأهيلها من خلال مناهج تعليم حديثة مدعومة بأسباب التكنولوجيا، وذلك لإدارة هذه المؤسسات حتى يمكن الارتقاء بأدائنا الوطني والقومي على مختلف المستويات، والسعي إلى ربط دول عالمنا العربي بمصالح اقتصادية مشتركة تكون نواة للسوق العربية المشتركة. (3) - العولمة والتكنولوجيا: وقد أصبحت العولمة أمراً واقعاً أردنا أو لم نرد، فقد بات من الضروري توجيه قدراتنا للاستفادة من إيجابياتها وتقليل سلبياتها وتجنب أضرارها، من خلال الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتطوير منتجاتنا لوضعها في قائمة المنافسة العالمية، وفي ذلك ضمانة مؤكدة لتوسيع قاعدة الإنتاج، وخلق فرص عمل منتجة لشبابنا، وتقليل الفجوة في الميزان التجاري والدخول، مما يؤدي إلى تحسن اقتصادنا العربي. (4) - الإصلاح السياسي: علينا العمل وبجدية كاملة لإقرار خطط للإصلاح السياسي تحقق الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة وإعلاء حقوق الإنسان، وبذلك نستجيب لمطالب الشعوب بالمشاركة في صياغة مستقبل بلادها. (5) - مواجهة الإرهاب: ضرورة أن تقدم الأمة العربية للعالم خطاباً إعلامياً موحداً وقادراً على مواجهة هاجس وهيستريا الإرهاب، الذي ترتب عليه تغيير جذري في مفهوم الأمن الدولي، وارتباطه بمفاهيم الأمن الإقليمي. وفي الواقع يبدأ الأمن القومي لدولة من الدول أو أمة من الأمم من حدودها، وبصورة أكبر من أوضاع مواطنيها، فإن كانوا أحراراً دافعوا عنها، وإن كانوا أذلاء مظلومين طال ذلهم كل شأن من شؤونهم الخاصة والعامة، وعجزوا عن إقناع أنفسهم بضرورة التضحية من أجل دولة تنتهك وجودهم الشخصي وتقوّض أمنهم. هنا أيضاً، لسنا حيال مسألة خارجية، فالمواطن ليس خارجياً بالنسبة إلى الدولة، بل هو ركيزتها، ومن دونه لا تقوم لها قائمة. وفي مثل هذا المناخ السياسي والفكري يغدو مبرراً التساؤل إن كانت المقولات المشككة في الهوية العربية لأغلب شعوب المنطقة تصدر عن قراءة موضوعية لتجربة هذه الشعوب التاريخية، ومعطيات واقعها، وتحديات حاضرها ومستقبلها. أم أنها ليست في أحسن الحالات سوى ردات فعل انفعالية، وإن كان لا ينقصها صدق العاطفة، إلا أنها وليدة العجز عن إدراك علل الواقع المأزوم، وبالتالي افتقاد القدرة على تحديد السبل والوسائل والأدوات الأكثر كفاءة وملاءمة لتجاوزه، وردم الهوة المتزايدة اتساعاً بين واقع التجزئة والتأخر والتبعية العربي وعصر التحولات الكبرى في العالم. وكي لا يكفر شباب اليوم بماضي الأمة يجدر بنا أن نطرح التساؤلات التالية: هل ارتكبت الحركات الوطنية خطأً في الاختيار والتفكير عندما سعت إلى الاستقلال عن الأجنبي، وهل كان من الخطأ التفكير الذي ساد خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي بالوحدة أو بالتقارب بين الدول العربية ؟ وهل كان من الخطأ التفكير في تقليص الفوارق بين الطبقات وتطبيق معايير أفضل للعدالة الاجتماعية وتحرير الفلاحين وتطبيق برامج الإصلاح الزراعي وإدخال الفلاحين والعمال إلى الحياة السياسية ؟ هل كان خطأ التعبئة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني والعداء لإسرائيل ؟
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلفة تعثر التنمية في العالم العربي
-
فقر الثقافة السياسية العربية
-
الدول العربية الفاشلة وشرعية الأمر الواقع
-
حين تصبح المؤامرة مشجباً تعلق عليه الأزمات
-
ضعف شرعية الحكومات العربية
-
دور التعليم في تنمية الموارد البشرية العربية
-
حالة المواطنة في العالم العربي .. سيادة الاستبداد وغياب القا
...
-
تفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي في العالم العربي
-
الحكومات العربية والرأي العام
-
تضخم دور سلطة الدولة العربية وضعف دور المجتمع المدني
-
تركيا والمشهد الإقليمي في الشرق الأوسط
-
تدهور الحياة الثقافية العربية
-
أهم معوّقات التقدم العربي
-
الاقتصاد العربي .. الموارد استُنزفت والإرادة استُلبت
-
افتقاد الأنموذج في العالم العربي
-
العالم العربي من الفقر إلى استبداد الأنظمة
-
قمة سرت ومأزق العمل العربي المشترك
-
في الحاجة العربية إلى عقد اجتماعي جديد
-
مآلات الدولة العربية الحديثة
-
العنف الجنسي والقائم على نوع الجنس في العالم العربي
المزيد.....
-
صور سريالية لأغرب -فنادق الحب- في اليابان
-
-حزب الله-: اشتبك مقاتلونا صباحا مع قوة إسرائيلية من مسافة ق
...
-
-كتائب القسام- تعلن استهداف قوة مشاة إسرائيلية وناقلة جند جن
...
-
الجزائر والجماعات المتشددة.. هاجس أمني في الداخل وتهديد إقلي
...
-
كييف تكشف عن تعرضها لهجمات بصواريخ باليستية روسية ثلثها أسلح
...
-
جمال كريمي بنشقرون : ظاهرة غياب البرلمانيين مسيئة لصورة المؤ
...
-
-تدمير ميركافا واشتباك وإيقاع قتلى وجرحى-..-حزب الله- ينفذ 1
...
-
مصدر: مقتل 3 مقاتلين في القوات الرديفة للجيش السوري بضربات أ
...
-
مصر تكشف تطورات أعمال الربط الكهربائي مع السعودية
-
أطعمة ومشروبات خطيرة على تلاميذ المدارس
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|