|
ويتساقط ادباء البورجوازية
سلمان التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 934 - 2004 / 8 / 23 - 11:45
المحور:
الادب والفن
ليس بعجب ولا بغريب ان يكشف الاديب عن حقيقته ويسفر عن وجهه، وينزع قناعه، فهو يمل الوضعية التي يتكلفها فترة طويلة من الزمن. الاديب مثل أي انسان، لابد له من الانتماء السياسي، حتى وان لم ينتم إلى حزب من الاحزاب، انما فكره السياسي يتبلور مقتربا من منهج حزب من الاحزاب، او طبقة من الطبقات إن تنكّر لطبقته. وكل اديب لا ينضوي تحت ظل حزب من الاحزاب الثورية التي تجسد طموحات امته وتحقق اماني شعبه، فانه بلا شك يصبح اديبا سائبا، يؤمن بالحرية الفردية، ولا يتقيد بأي التزام وطني هادف، مع كونه مثقفا عديم الايدولوجية. من هذا المنطلق، لا يبدو العجب او الغرابة من تساقط عدد من الادباء العرب المثقفين في مستنقع الاستعلاء والوهم القومي، بعد ان ناءت كواهلهم عن حمل شرف الاعتداد الوطني. ان افتقاد التربية الوطنية الثورية وانتفاء التوجيه الوطني، وانعدام التثقيف الاجتماعي الثوري، هي التي تؤدي الى فقدان الشخصية الوطنية المتميزة بهويتها الطبقية، فاذا بهذه الشخصية تصبح متميعة، هشة، قلقة، مضطربة ومتذبذبة، تميل الى اليمين تارة، والى اليسار تارة اخرى. وهذا تبعا لظروف الاديب الذاتية، والمد الوطني الثوري، فارتباطه بمصالح طبقية معينة ومصالحه الشخصية بالذات، وخوفه من افتقاد بعض الامتيازات التي حصل عليها، او ربما يحصل عليها، نتيجة موقف معين من تلك المواقف المتعددة التي قد يتعرض لها، فهو لا يني يتفادى اية ضربة قد تطيح به او بمصالحه كلها او بعضها. وهذا ليس استنتاجا او تخمينا افتراضيا دون اسس او وقائع حددتها الظروف وسجلها التاريخ فان عددا من الادباء في مصر مثلا سقطوا في بؤرة الانحراف واخرين إستخفوا بحقوق مواطنيهم الشريفة، وتنكّروا للاماني الوطنية النبيلة، سواء كانوا في الجناح اليميني المثالي (يوسف السباعي)، او الجناح اليساري الواقعي (عبدالرحمن الشرقاوي) او الجناح المعتدل (توفيق الحكيم)، انما كان هذا السقوط بسبب انعدام وعيهم الوطني الثوري، وعدم التزامهم بمبادئ حزب وطني ثوري. وقد كانت سيرتهم الفكرية منذ ان بدأوا يمارسون الكتابة تشير الى ذلك، وليس اشارات خفية او عارضة، انما اشارات صريحة ودائمة.
ولعل الوحيد الذي كتب بصدق وبعمق الوعي الفكري، هو الروائي نجيب محفوظ، فقد فضح نفسية المجتمع البورجوازي المتذبذب القلق، ونشر غسيل طبقته وهيّج رائحتها العفنة، لكنه ايضا كان يثير الرحمة والشفقة على هذه الطبقة بالتعاطف مع افرادها، واعتبارهم ضحية اجتماعية، وهي ليست مسؤولة عن افتراس الفئات المحرومة اثناء الصراع والتنافس على لقمة العيش، ولم يتمكن نجيب محفوظ ابدا من الانضمام الى الطبقة او فئاتها الاجتماعية المحرومة التي خرج، سواء كانت في المدينة او في الريف، من صلبها، فقد عالج المسألة باسلوب راديكالي (اصلاحي) وليس بأسلوب ثوري انقلابي، وثار على واقع المجتمع العربي الذي كان يحس بضرورة تغييره. وإذ كتب توفيق الحكيم عن حياة ابن القرية والفلاح وابن البلد في يوميات نائب في الارياف او زهرة العمر او عودة الروح، فأنه ايضا كان يتسلّى بإثارة الشفقة على افراد تلك الطبقات او الفئات الاجتماعية المسحوقة، ولم يتمكن من تعرية المستغلين ولا تسليط الاضواء عليهم ربما عن عدم وعي، او ربما عن خوف، لانه كان يكتب في مجتمع ملكيّ النظام، تقوده الطبقات الرأسمالية والبورجوازية وهي التي تتحكم حتى في وسائل النشر والاعلام، فليس من مصلحته ان يُغضب هذه السلطة وهذه الطبقات او الفئات لئلا تغضب منه وتنكل به ان اقتضى الامر، او في الاقل تسحب او تُلغى بعض امتيازاته، ولا تدعه يتقلب في بحبوحة من العيش، وهو الحريص على التعلق باذيال الترف والانضواء تحت راية الطبقة البورجوازية التي كانت تسيطر على جميع اقتصاديات مصر، خاصة الصناعية والتجارية، لانه كان كمن يوجه الانظار الى ان تلك النتائج ليست مرتبطة بالمستغل انما هي مرتبطة بالسماء. وان تلك العلاقات هي علاقات سماوية، وليست علاقات اجتماعية من صنع البشر انفسهم. أي ان الحيف والظلم والمصائب والنكبات التي تقع على الافراد انما هي نتيجة طبيعية لعلاقات الانسان بالخالق، وبالتالي يعبر عن ذلك بمفاهيم دينية، تُبعد الانظار عن الاسباب الحقيقية التي تنشأ في المجتمع نتيجة العلاقات بين طبقات مستغِلة وطبقات مستغَلة.
وبينما يمثل توفيق الحكيم اعتدال الفكر اليميني في مصر، نجد ان عبدالرحمن الشرقاوي، وهو يمثل اليسار الفكري تدور به الدوامة نفسها، وتسحبه الى جانب الفئات البورجوازية، فإذا به يعرض الصور الفلاحية والحياة القروية باسلوب غنائي رشيق، سوى بعض الالتفاتات الى العمل الجماعي وتحيزه الى جانب الفكر الاشتراكي. فهو اشتراكي طوباوي، لم يوظف فكره الاشتراكي مع طوباويته لخدمة المجتمع العربي، انما وظفه لمداعبة خيال المثقفين الثوريين فقط، فجعلهم يتغنون بهذه الاشتراكية الفكرية الخيالية التي لا تستند الى حقيقة من واقع المجتمع العربي المادي الذي ينوء بالمشاكل ويواجهها الفرد العربي كل يوم.
ان هذه الصور من المثقف الثوري لا يمكن ان تخدعنا ولا يمكن ان تحتل موقعا في زعزعة الثقة بثورية المجتمع العربي من ناحية، ولا الطريق الواضح الحقيقي لبناء الاشتراكية التي فشلت في متاهات الاستغلال الفردي وعبادة الشخصية والفساد الاجتماعي التي آلت الى تفتيت الوحدة الوطنية كما فعل المستعمرون عندنا جزّأوا الوطن العربي او الدولة العربية التي كانت تحت كابوس الاحتلال العثماني، فوجد المستعمرون الفرصة لتمزيق هذه الدولة وتجزئتها حتى يبدأ الصراع والمصلحية فيما بينها، فتظل نهباً لنوايا المستعمرين لتحقيق مصالحهم الجديدة المتطورة عبر الزمن المتجدد، ومهما سقط الافراد وفي أي المستنقعات الا ان الافكار تظل متلألئة تُشيع التفاؤل والبهجة في النفوس
#سلمان_التكريتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-العائلة- في سربرنيتسا.. وثيقة حنين لأطلال مدينة يتلاشى سكان
...
-
فيلم عن فساد نتنياهو وآخر عن غزة.. القائمة القصيرة لجوائز ال
...
-
“بداية الفتح” مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 38 مترجمة بالع
...
-
“صدمة جديدة للمشاهدين” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 176 مترجمة
...
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|