أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي شكشك - كيف حدث كلُّ هذا؟














المزيد.....

كيف حدث كلُّ هذا؟


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28 - 12:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كيف حدث كلُّ هذا؟
علي شكشك
كيف حدث ذلك؟, فقد جاء الغزاةُ المستوطنون إلى ديارنا متسللين وتحت حماية حراب الانتداب, جاؤوا إلى شعب آمنٍ يمارس طقوس الحياة والنبات, يغني للماء, ويطرّزُ الأرض بأمشاج روحه, ويصوغها على شاكلته, تحيةً وسلاماً ونزقاً وشوقاً, ويغزل البحر بالرمل والهواء, يربّي مواويله ويقضم الغزاة, لم يغادر سياقه طوال سياقه, الذي اشتبك معه وتشاكل وامتزجت تضاريس الروح بروح التضاريس, وكان العابرون فيهما بعضَ ندوباتٍ وحشرجاتٍ وتلاوين, بينما يلخص أيُّ موسمٍ كلَّ تكوينات الخلق, البذرُ والغناء وبهجة اللون وطعم الأرض وفيض السماء,
جاء الغزاة ومثّلوا بالمشهد كاملاً, وما يزالون يحاولون الوصول للمقطع السّرّي في هذا الجينوم الفلسطيني, وفي الطريق ساروا على جثث الفلسطينيين وآثارهم وغرسوا بنادقهم وجدرانهم في أفراحهم وصوبوا أكاذيبهم إلى بؤبؤ عيونهم, وحملوهم ذبحاً إلى ما وراءَ أسلاكٍ شائكةٍ, قذفوا بأجسادهم هناك بينما بقيت حبالهم السرية موصولة وممتدة إلى أوّلها تمتح منه ما يكفي من الأمل لإبقائهم لاجئين على قيد العودة, وما يكفي لوضع الراهن جسماً غريباً أو جملةً بلاستيكية بين أقواس الحياة للحبل السري, ومخاضاً اصطناعيّاً مجهَضاً غير قابلٍ للرّحِم,
وكان لابدّ من كلّ ما كان ليتمكنوا من حمله على اللجوء لأولِ مرّةٍ في متلازمة الجغرافيا والتاريخ, كان لابدّ من إرهاب بحجمِ ثقلِ وفرادة هذا الحدث, وكان لابدّ من تنوّع أشكالِ هذا الإرهاب ليستمر تواصُلُ هذه الحالة, وكان لابدّ من ابتكارِ أنواعٍ جديدةٍ من الإرهاب لقطع الطريق على إمكانيّةِ استعادة تكوينات الخلق واستعادة السياق, وكان لابدّ من تقطيعٍ متواصلٍ لأوتار العود كي يستمرَّ نشاز اللحن, كان لابدّ من توليدِ جدرانٍ وموانع تحول دون تلقائية تدفق النهر وانسياب الجدول, كان لابدّ من طردٍ مواظبٍ ومناسبٍ يعيق ما استطاعوا قانونَ الجذب, وابتكار وسائل قاهرة تعادلُ الإحساس بالجرح, كان لا بد من إرهابٍ طاغٍ بحجمِ الخليقة ليقدروا على مواجهة الخليقة, وتأجيل تواصلها, وتزويرٍ مطلقٍ بحجم الحقيقة ليستطيعوا إن استطاعوا تغطيتها,
كان لا بدّ من كلّ هذا العنف المادّي الأسطوري الذي يحاولونه لكي يجرفوا كياناً بأكمله من الجغرافيا, وشعباً بأكمله من الوطن, من هنا كانت المذابح القديمة والجديدة وما بينهما, والتي يُقرّون هم أنفسهم أنّه لولاها ما قامت {إسرائيل}, والتي كان آخرها حتى الآن إزالة قرية العراقيب في النقب, والتي تحوّلت إلى أثرٍ في الفترة اللازمة للجرافات كي تتنزه في القرية ماسحةً إياها عن ظهر الأرض, وفي مشهد يكفي وحده لترجمة كلّ ما يُضمرونه لنا, وذلك تحت حراسة الآلة العسكرية, التي تتدخل فقط حين يجب, بينما تترك الأمر مرةً للجرافات ومرة للمستوطنين, وهي نفس الآلة العسكرية التي كانت دائماً حاضرةً وراء كلّ نشاط وكلّ خطاب وكل طاولة مفاوضات,
لكنّ هذا العنف المادّي الإرهابي لم يكن وحده كافياً لإدارة الصراع ولا لقطف أحسن ثماره, ناهيك عن حسمه, فقد كان يجب تأهيلُ آلةٍ أخرى تُمهّد وتواكب ثمّ تتجلى في الفصل الأخير, آلة ضرورية وهامّة يتجاوزُ دورُها دورَ الاستشراق الذي مهّدَ للاستعمار القديم وكان أداتَه في ريادة المناطق والشعوب المستعمَرة وتفكيكها وتسهيل استعبادها, بل ويُزيّنُ للمستعمِرين سوءَ استعمارهم كونُه أي الاستعمار عملاً إيجابياً لصالح المنكوبين,
في حالتنا فإنّ الاستشراق لا يكفي, لأنّه في أسوأ الأحوال يعترف بأنه استعمار حتى ولو ادّعى أنه يجلب {الخير} للسكان الأصليين, فهو يعترف بسكّانٍ أصليين أو ما يُعرَفُ في القواميس بــ {الأندوجين}, الأمر الذي لم يَعدْ مقبولاً في ثقافة العالم الجديدة كصورة من صور النهب والاحتلال والاستغلال, كان لا بد من آلةٍ جديدة تعيد تعريف المنطقة من جديد, وتدّعي إعادة تحريرها, وتُسخِّرُ لذلك جنودَها ومراكزَ أبحاثها والجيولوجيين وعلماءَ الآثار والرساميل وأساطين الإعلام والأيديولوجيين والمهووسين, كما تعيدُ صياغة المفاهيم واختراع جديدها وصقلها وتدويرها في السمع والبصر وقرنِها بشروط بافلوف لتؤدّي الغرض المنوط بها كما ينبغي, ولِصبح الفلسطينيُّ الذي يقاوم الغزوةَ من أوّلها معتدياً, وليصبح الجنودُ المدربون المعتدون المسلحون بالبوارج الحربية أصحابَ حقّ, بينما من يقاومونهم بأيديهم من على سطح سفينة مرمرة إرهابيين ودمويين, آلة تتصدى لمقولات المتصدّين للجدار و المطالبين حتّى بالمساواة بين الضحية والجلاد, وجاهزة لسنِّ قوانينَ جديدةٍ لمن لا يؤمنُ بحقّ الغزاة في امتهانه وسلبه, لمن لا يؤمن أنّ هذا ليس وطنه, آلة تعيد تلوين المفاهيم وتبدأُ الوعي, فلا وعي قبلها, آلةٍ ميزان, تبدأ التعريف, وحولها يطوف الحجيج, أخطر ما فيها أنها تعيد تعريفنا, وأنها تفرضُ تعريفها لنا علينا, وأنها لا تقبلُ منا إنكار تعريفها لنا,
وهي آلةٌ تُؤسّسُ للبطش وتُمهّدُ, كما أنّها تُشرّعُ له, لكنّها أيضاً تتسلح به وتفرض نفسَها به, دون أن نغفلَ أنها بحدّ ذاتها تتوفر على قوّة بطشٍ جبارة, تحاصرُ من يتمرّدُ عليها وتعزله, ولها من الامتدادات والأذرع ما يؤهلها لتجريم أعدائها وتشويههم وقطع المدد عنهم وتأليب العالمين ضدّهم, وهكذا يُصبح هَمُّ الكثيرين مجرّدَ إبعاد الشبهة عن أنفسهم, وبذلَ الجهد الجهيد بل واستنزاف كل طاقاتهم وجعل كل رسالتهم في نفي تهمة الإرهاب عنهم, فكيف ولماذا حدثَ فينا كلُّ هذا؟.



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حالة ذهان
- ليس غريبا
- يحدث كلَّ يوم
- مذاق الاستقلال
- كتاب في الذكري ال 48 لاستقلال الجزائر
- قوانين نهايتها
- دائرية كالتاريخ
- لِيسوؤوا وجوهَكم
- طاسين الأسر
- نكبتة الآتية
- هي هي
- كأن ليس هناك أحد
- موعد وراء الجدار
- تمام الكلام
- الخروج من الذات-حالة منفي-
- من قتل عبدالله داوود
- الخراب
- فجيعة الحقيقة
- في اللامعقول
- ماذا لو ؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - علي شكشك - كيف حدث كلُّ هذا؟