|
إسلامات مع الإسلام
خالد إبراهيم المحجوبي
الحوار المتمدن-العدد: 3077 - 2010 / 7 / 28 - 09:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أراد الله تعالى لرسالة الإسلام أن تكون خاتمة رسائله للعالمين من أهل الأرض ، واختار لها محمداً عليه الصلاة والسلام ؛ فبلغها على أحسن وجه ، وأتمه . وأعلن قبل وفاته كمال الدين ، حسب ما ورد في التصريح الإلهي المحكم {اليوم أكملتُ لكم دينكم ،وأتممت عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلام ديناً}. هاته المقدمة من المسلمات النظرية التي نتبناها -نحن المسلمين- ، وقد عرفنا وعلمنا حقائق ودقائق هذا الدين ، الذي اتضحت معالمه الجلية في النصوص المؤسسة أي القرآن المجيد وصحيح الحديث النبوي . لكن الذي حدث أن ذلك الإسلام الذي عرفناه في القرآن وحديث النبي وسيرته ، لم يعد على تلك الصورة . وعلى الأقل لم تعد له الغلبة على المسلمين ، فقل نفوذه فيهم ، وتحجَّمت سلطتهم عليهم، لوجود منافسة قوية من طرف طروح وفهوم أخرى تقدم أشياء أخرى تقول إنها هي الإسلام. إن التخلي عن خلق التسامح وأدب الخلاف أفضى بنا إلى عالم إسلامي له أكثر من إسلام ، فالشيعة يرون أن الإسلام الحقيقي هو ما يتبنونه ، وأهل السنة يرون أن الإسلام الحقيقي هو ما يرونه ، والصوفية يرون أن ما هم عليه هو الإسلام الحق ، والتكفيريون يرون أنهم وحدهم المسلمون وأن غيرهم غير مسلمين ؛ فالحصيلة هي عدد من الإسلامات ، والحق أن الإسلام واحد وهو الذي ذكره تعالى بقوله {إن الدين عند الله الإسلام} ، وبقوله { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى...} فأي دين و إسلام يقصده الله هنا ؟ أإسلام فرقة السنة ، أم إسلام فرقة الشيعة ، أم إسلام فرقة الإباضية ، أم هو إسلام طرق الصوفية ؟. إنه إسلام مترفع عن التقسيم ، متنـزه عن الطائفية ، والتصنيفية ، والإقصائية ، ومتعالٍ عن التعْضية و التحزب ، إنه دين سهل سمح ، لا غرابة فيه ، ولا أسرار ، قائم على شريعة واضحة المعالم ، وعقيدة جلية القسمات، إنه إسلام يتبنى أبناءه ، ويحتوي أعداءه ، لكن ذلك الوضوح وذلك الجلاء لم يبقيا على ما هما عليه ، بل انتابتهما تمويهات كثير ، ودواخل خطيرة ؛ بفعل كثير ممن رأوا في أنفسهم أوصياء على الدين ، ووكلاء على الإسلام ؛ فأولجوا فيه ما ليس منه ، وأوضعوا خلاله يبغون الاستحواذ عليه ، فصاروا على عقيدة مفادها أن من خالفهم ليس بمسلم ، ومن عارض فُهومهم ؛ هو معارض لله ، ومن رد كلامهم؛ فقد رد على الله. الإسلام الذي ورثناه عن نبينا محمد هو أوضح الأديان ، لكنه صار في ظل الإسلامات الطارئة أعقد ، وأغمض الأديان. إنه أسمح وأسلس وأرحم الديانات ، لكنه صار في ظل تلك الإسلامات أشد وأفتك الأديان ، حتى لا يحدث شر في العالم أو ضرر أو إرهاب ، أو عدوان، إلا ويقرن بالإسلام وبالمسلمين . بدءً من تفجير الأنفاق، والقطارات ، والعمارات ، وصولاً إلى سرقة السيارات . إن ظاهرة (الإسلاموفوبيا) ليست وليدة مؤامرة على الإسلام ، ولا هي محاولة لتشويهه ، بل هي وليدة طبيعية ،ونتيجة منطقية للصورة التي أُظهر بها الإسلام في الغرب ، تلك الصورة التي صاغها عدد من غلاة المشايخ ، وأتباعهم من جهلة العوام ، الذين التزموا أحكاماً غالية، وعقائد عائلة محرفة، وأظهروا للغرب أن ذلك هو الإسلام ، وما هو بالإسلام ، إن هو إلا صورة شوهاء ، وتطبيقات عرجاء ، لإسلام القرآن وإسلام محمد عليه الصلاة و السلام .لقد وجد الغربيون أمامهم وبينهم أناساً يعلنون أنهم يتبعون الإسلام ؛ لكنهم يمارسون العنف ، وينتهجون الكراهية ، ويتبنون أفكاراً نائية عن السماحة والتعايش ؛ فخافوا ونشأ لديهم ارتباطية بين الإسلام وبين العنف ،والإرهاب؛ فانتشأ بينهم ما صاروا يدعونه (الإسلاموفوبيا ). إنها صناعة الإسلامات المتسترة باسم الإسلام. ولا يزال المسلمون الحقيقيون في الغرب يعانون من تبعات ذلك التشويه ، ولا يزال كثير منهم يعمل على تحسين ما تم تشويهه ، و ترتيب ما تم تخريبه ، وتوضيح ما تم تدليسه ، من الإسلام الصفِي النقي ، الذي طغت وبغت عليه إسلامات المسلمين الذين لم يعرفوا الإسلام. الذين ظلت شعاراتهم : اقتل ، دمر ، خرب ، اكره ، أبغض . متوهمين أن القتل والتدمير والتخريب هو جهاد في الله ، ومتوهمين أن الكره والبغض هو من البراء لله . وما الحال في الغرب إلا امتداد لما ابتلي به عالم المسلمين في عقر بلدانهم ، بعد شيوع النـزوع الغالي ،والتوجه التكفيري الذي تأسس على تنظيرات تعتمد النصوص المؤسسة ، ومقولات عن السلف بنحو انتقائي ؛ على النحو الذي انتهجه (شكري مصطفى ) صانع التكفير والهجرة، وصولاً إلى أبي عبد الله المقدسي الأردني، وأسامة بن لادن. وما قد يحسب لهذا الأخير من حسنات في إرهاب الأميركان ، لا يرقى إلى ما حققه من سيئات في إرعاب أهل الأمان. من ذميين ،ومستأمنين ، ومعاهدين . فضلاً عما لحق بمسلمي الغرب من بلايا ، ورزايا . إنها القوة حين تفتقد الحكمة ، والحماسة حين تفتقد البصيرة. لقد أفضى بنا هؤلاء إلى عالم دموي ، يعيش في الضنك ، ويلتحفه الخوف ، ويكتسيه الرعب ، سواء بين المسلمين بعضهم وبعض ، أو بين المسلمين وغير المسلمين. لقد أساؤوا من حيث ظنوا أنهم يحسنون ، وخسروا من حيث ظنوا أنهم يربحون قال تعالى{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً}. فحسبان الصواب في العمل ،وتوهم صحة النية ، لا يكفيان للعصمة عن الخسران ، فرب مريد للخير لا يبلغه ، ورب قاصد لما ينجيه، هو فاعل لما يُرديه. ولقد نعلم أن النبي عليه الصلاة السلام قد أجهد نفسه ، وبذل ما في طوقه ليرسخ الضوابط ، ويبين القسطاس الذي تنضبط به الدعوة إلى الدين ، وتنتظم به علائق المسلمين فيما بينهم ، وفيما بينهم وبين أغيارهم ، لكن الإسلامات الدعيَّة اطَّرحت كل ذلك ، ورمته ظهرياً واستبدلت به تنظيرات ، ومقولات ، وفتاوى لرجال ما خبِروا من الدين إلا رسمه ، ومن الإسلام إلا اسمه ، ومن الاتِّباع إلا صورته ؛ فصار بهم المسلمون إلى أمة في ذيل أمم العالم ، لا قيمة لهم إلا بما يحملونه من رأسمال رمزي عطلوه عن العمل ، وأعاقوه عن الاستثمار. من الواجب علينا أن نمعن أنظارنا في آية تحمل تهديدا إلهياً شديد اللهجة ، موجهاً إلى من حاله من حالنا .قال تعالى{ وإن تتولوْا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم} .وقال أيضاً {إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}.
#خالد_إبراهيم_المحجوبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفسير القرآن بين التجديد والاجترار
-
الدين والدولة بين التواصل والتفاصل
-
الخصومة الفارغة للاستشراق
-
النشاط العسكري في العهد النبوي
-
رسالة مسيحي إلى المسلمين
-
الترجمة: بين تصور القيمة ، ومسؤولية الإتقان
-
تجديد الفكر الديني
-
الأدب عند الإغريق
-
خصومة الفقه والتصوف
-
المجاز عند الزركشي
-
تأصيل حق الأمان في منظومة حقوق الإنسان
-
(إشكالية الوضع التاريخي والتأريخي للدولة الفاطمية)
-
الإعلام والتنمية : نظرة في الترابطية والتفاعلية
-
إشكالية الانتماء عند سكان المغرب العربي: نظرة في المرجعية ال
...
-
السيميائيات ، بين غياب الريادة وإشكالية التصنيف
-
الإبداع بين قيد التوظيف، وفضاء التحرر
-
الفكر الجماهيري :نظرة نقدية
-
العوائق التنموية في القارة الأفريقية : تشخيص وعلاج
-
شعوبية أم عروبية: دراسة في ظاهرة العصبية السلالية
-
الأمن المغاربي بين الإسلام السياسي والإسلام العسكري
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|