|
إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3076 - 2010 / 7 / 27 - 17:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كانت عيونه تحملق في وجهي ، وكأنني مقدم على فعل منكر سيهد البلاد ، ويعرض العباد للويل والثبور .. لم يسعه ان يتحمل جميع أعذاري بأنني مريض ، وانني لا استطيع الصيام ، وبأن الله قد سن في محكم كتابه الكريم ، أن لا حرج على المريض في تأجيل صيامه الى أيام أخر . لقد كان يتلوى في مكانه وهو يسمع مقدمتي لبيان الحجة الشرعية لعدم قدرتي على الصيام ، ولم افلح في زحزحة فكرته بأنني يجب ان ارجم أو أشنق ، أو يحاط بي من كل جانب لانزال القصاص بي وبمن خلفوني وبشكل عاجل . ( كيف يمكن ان يحدث هذا ، اصادق انت بانك سوف لن تصوم شهر رمضان ؟ ) .. ( إنني مصاب بداء القرحه يارجل ، وقرحتي من النوع النازف ، وقد سبق لي وان اجريت عملية جراحية كبرى لازالتها ، غير ان الطبيب كان قد اخبرني بضرورة الحذر الشديد من امكانية عودتها في اية لحضه ، وطلب مني اتباع نظام غذائي لا يبيح لي الانقطاع عن الطعام او شرب الماء ولفترات طويله ) . ( أية قرحة وأي عار هذا الذي تقوله وبكل جرأة أمامي ؟! .. لابد وانك مجنون أو كافر يجب فرض الحد عليك .. قم من امامي ولا تدعني الطمك بنعالي هذا .. ) .
لم اشعر حينها بوقع اهانته لي بقدر انزعاجي لانقطاع صحبة دامت لعدة شهور ، فرضتها علينا انا وهو ظروف العمل كي نتزاور في كل مساء .. انه يحمل طيبة ومن النوع الذي يجعل التعامل معه سهلا ، ويشيع جوا يعيد المتلقي الى اركان ماضيه ، حينما تتجلى امامه صور من ذلك الماضي ، من خلال حكايا كانت ترد متسلسلة وبشكل مريح ، منطلقة من فمه دون تكلف .. لم يحدث أن طالبني يوما بمرافقته الى المسجد القريب لأداء الصلاة ، كوني كنت قد اقنعته بانني افضل ادائها في غرفتي .. غير أنه لم تفته فرصة الاستفادة من تغيير المنكر باللسان ، فقال لي في آخر مرة ، ستفقد طائعا حسنات عظيمه بعدم ذهابك الى المسجد .
منذ ذلك الحين ، والحاج سلمان ، الحارس المخضرم في الدائرة التي اعمل فيها ، لا يطيق النظر في وجهي ، بل كان يتعمد البصق على الارض حينما يراني ولو عن بعد .
ومنذ ذلك الحين ايضا ، وأنا اتقصى سببا بعينه ، لأن يتعمد رجال الدين ، ممن حملوا على عاتقهم – دون ان يكلفهم أحد في الغالب – أمر الوقوف بين العبد وربه ، متلبسين بلباس الفقه ، متحملين وزر من افتى بغير الحق ، ليسيروا بالناس الى حتوفهم جوعا ومرضا وجهلا ، في حين يقفون هم متشفين لا نادمين ، يمرحون .. ( ويقضمون مال الله قضم الابل نبتة الربيع ) ؟؟ .. اولئك الذين اوحوا للحاج سلمان ، بأن من لا يصوم شهر رمضان لإعتلال في صحته ، سيكون يوم الحشر الاعظم ، حطبا للنار ؟؟ .. وإن لم يكن أحد من هؤلاء قد بث الجهل في رأس هذا المسكين ، فكيف يترك والملايين من حوله ، ممن يرتادون المساجد خمس مرات في اليوم ، ويستمعون الى مناهج الوعظ عند ظهيرة كل جمعه ، كيف يتركونهم دون ان يبلغوهم ما نص عليه القرآن ، بان المريض لا حرج عليه في ان يفرق ايام صيامه على بقية اشهر السنه ؟ .. ثم من أباح لحملة راية الفقه والافتاء ، حق القصاص ممن يشأ ان لا يصوم أصلا ، ولا يصلي أصلا ، ولا يجلس تحت منابر وعظهم الخاويه ، ما دامت لا تنبيء بعلم او جديد ؟؟ ..
انهم شياطين بكل ما تحمله الشياطين من مواصفات ، وما ينبيء بصدق دعواي ، هو أنهم خرسوا عن النطق بالحق ، وشوهوا صور الحياة حين أظهروها دميمة الوجه ، لا توحي بغير ملامح الموت ، ليأمروا الناس بالتباكي وتجهم الوجوه ، واوحوا للمؤمنين من اتباعهم ، بأن السماء تحمل هراوة وتجري خلف الناس فرادى ومجتمعين ، لتكيل لهم سوء العذاب في دنياهم ، وتتوعدهم باشد من ذلك حينما تحل الاخره .
وبعيدا عن المتاعب التي تتسبب بها عوامل الاحتكاك الفكري بمصادر التطرف ومعاقل التخلف السلفي ، الداعية للتقهقر والبقاء في حوزة الماضي وترهاته التي لا تنتسب للحاضر ، ولا توحي بما سيكون عليه المستقبل .. فانني ميال دائما لمعرفة ما يقول به رجال الدين ، ممن ينتسبون لإحكام العقل في تفسير النصوص المقدسه ، اولئك الذين هم اقرب لحدود المنطق في تعاملهم مع سبل الحياة ومفاهيمها ، وهم ، مع قلتهم ، يعتبرون اللبنة الواعدة لبناء صرح يأتلف مع المفاهيم العلمانية المنصفه ، والتي تدعو لعزل الدين عن السياسة ومعتركات بناء الدوله .. ترى ماذا يقولون في مقدار الخراب الذي تحدثه العشرات من مصادر البث المعطلة لأذهان الناس ، والتي تشيع هذا الكم الهائل من المفاهيم الغريبة عن واقع ما تعيشه المجتمعات المتطورة في العالم الاخر ، الى الحد الذي جعل الحاج سلمان لا يتقبل حتى تعاليم دينه في معالجة مسألة تتعلق بالصيام ؟ .. ناهيكم عن أن ما يؤمن به الحاج سلمان قد أصبح الان وفي غالب المجتمعات العربية عرفا سائدا لا يقبل التغيير ، ولا يحق لأحد محاورة فصوله وباي صيغة كانت .
رمضان قادم ، ولم يتبقى على حلوله الا ايام قليله ، واستعدت فضائياتنا للقائه بالمئات من المسلسلات الترفيهية وبرامج التسالي والحزورات .. ونشط فرسان نشر الوعي الديني من خلال الظهور المستمر ليل نهار على الشاشة الصغيره ( ليسهموا في بث الوعي ) في اذهان مريديهم ، ولكن باتجاه استخدام الرقية الشرعية ، والاستخارة ، وتفسير الاحلام ، والدعوة لستر عورات النساء ، واطلاق قيمومة الرجال عليهن ، وبيان ضرورة اللجوء للاعشاب في التداوي ، وترك ما اخترعه الاعداء من علاجات طبية ثبتت نجاستها بفعل احتوائها على زيت الخنزير .. وبدأ الاستعداد حثيثا للاستعجال من قبل البعض في انهاء معاملاتهم الرسميه ، لان الدوائر سوف تتعطل كليا عند حلول شهر الصيام ، وسيزداد عدد ضحايا السير ، وتمتليء سجلات مراكز الشرطة بمحاضر العراك الناجم عن آثار الحرمان من التدخين ، وسيصبح من العسيرجدا أن تجد من يجيبك عن استفسار عابر .. وسوف يخفي الكثيرون من أمثالي قطعة خبز تحت اسمالهم ، ليزيلوا من امعائهم آثار الكي الذي تسببه الاحماض ، متخفين عن الانظار ، حتى لا يصيبهم الشرر ، وتكون العاقبة وخيمة .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
-
لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
-
تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
-
يوم في دار العداله
-
أللهم لا شماته ....
-
رغم ما يقال .. سيبقى النظام الاشتراكي هو الافضل .
-
وجهة نظر من واقع الحال
-
من قاع الحياة
-
خطاب مفتوح لمؤسسة الحوار المتمدن
-
لماذا يلاحقنا إخواننا في الكويت ، بديونهم في هذا الزمن الصعب
...
-
ألقطة سيسيليا ...
-
المرأة في بلادنا .. بين التمييز والتميز .
-
من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .
-
أنا والمجانين
-
واحد من مشاريع التمرد ، إسمه ستار أكاديمي
-
تشضي الشخصية العربية ، وفقدان وسيلة التخاطب .
-
ألنفط وصراخ الكفار
-
يوم في مستشفى عمومي
-
أين نحن من توقعات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي
...
-
ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|