|
أشجار الدر
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 3075 - 2010 / 7 / 26 - 08:29
المحور:
كتابات ساخرة
ما أزال أذكر قصة المرأة الحديدية صاحبة الحُنكة والرأي السديد [شجرة الدر] ويعود السبب إلى أنني قرأتُ قصتها عندما كنتُ طالبا في المرحلة الإعدادية، وبعد أن أصبحتُ في الثانوية شاهدتُ فيلما باسم شجرة الدر(أم خليل) ولم تكن القصة والفيلم سوى نصف الحقيقة التي عرفتها عن تلك المرأة، أما النصف الثاني فسوف تقرأونه في الأسطر التالية. هي امرأة ليست ككل النساء، بل إنها كالمرأة الأسطورة سمير أميس والزباء وكليوباترا وصولا إلى مارغريت تاتشر في عصرنا الراهن، فهي تثبت صحة المثل الياباني الذي يقول: " للرجال المكانة الاجتماعية، أما السيادة الفعلية فللنساء"! أخفتْ شجرة الدر موت زوجها الصالح نجم الدين أيوب، عندما كانت البلاد تتعرض لهجوم جيش الصليبيين في القرن الثالث عشر أكثر من ثمانين يوما، وكانت تحفظ جثته في قلعة الروضة بالقاهرة، وتدخل الأطباء على الجثة، حتى يظن الناس أنه حيٌّ يُرزق وأنه مريض فقط، وكانت تُدخل له وجبات الطعام الثلاثة كل يوم في مواعيدها، حتى لا تُضعف الروحَ المعنوية للناس وقت الشدة، فاستحقّتْ البطولة لسياستها الصائبة، وأصبحت هي أول امرأة في عصرها تتولى السلطة! وكنتُ أظنُّ بعد سنوات طويلة من عمري، بأنها ماتت مريضة، كما يموت كثيرون، مثلها مثل أبو ذر الغفاري وطارق بن زياد وموسى بن نصير ومحمد بن القاسم فاتح السند والهند، ولم أكن أعلم بأنها ماتت ضربا بالقباقيب على يد منافستها( أم علي) ضرتها، زوجة عز الدين أيبك! ولم أعرف بأن الأبطال السابقين ماتوا أيضا مشردين مهانين متسولين، إلا بعد سنوات طويلة عندما قرأت نهايتهم المفجعة في كتبٍ غير مدرسية ! إذن فنحن لا نعرف الحقائق من الكتب المدرسية إلا إذا نقبنا في سيرتنا التاريخية الشائكة. لكنني أوردتُ قصة شجرة الدر توطئة لقصص مرض الرؤساء العرب، أو أشجار الدر العرب، الذين ما يزالون يسيرون على هدي شجرة الدر، وقد بلغ بهم الظن أنهم مخلدون سيحيون حتى موت آخر فرد في شعوبهم العربية! لا أعرف السبب الذي يدفع كثيرا من الرؤساء العرب أن يخفوا حقيقة مرضهم، مع العلم بأن عصر الحروب والغزوات قد انتهى، وأصبحت القصور والوزارات وحتى العلاقات الأسرية مكشوفة في عصر العولمة ، وما أزال أذكر قصة مقال لي لم يُنشر في عصر الشهيد ياسر عرفات ، فقد خاف محرر الصحيفة من نشره، وقال لي بالحرف: طلب منا أمن الرئاسة أن نحذف كل مقال يتحدث عن الحالة الصحية للرئيس! ولما قلت : اقرؤوا مقالي أولا فليس فيه تعريضا بصحة الرئيس، وإنما أناقش التقارير الإسرائيلية عن صحة الرئيس ، والتي تنذر بالشر! المهم أن المقال لم يُنشر! سأحاول أن أضع تفسيراتٍ محتملة للسر وراء إخفاء أمراض الزعماء العرب ومن يشبههم، ونظرا لخوفي من بطانتهم، فإنني أقول كما قال مظلومٌ مَثُلَ أمام الطاغية الحجاج بن يوسف، فقال للحجاج : عندما قلتُ إن الوالي ظلومٌ غشوم (كنتُ أحلم)! أما التفسير الأول، فهو أن الرئيس نفسه لا يعرف مرضه، فكل من حوله يتنافسون لإبهاجه، ويخفون سرّه الدفين بينما ينشغلون هم في تفصيل كفنه، وفي الغالب يكون ذلك بالتواطؤ مع خليفته من عائلته وأسرته! وهذا التفسير قد يصدق في بعض الحالات ، وقد لا يصدق أبدا ! أما التفسير الثاني، فهو أن الحكام والمسؤولين العرب ليسوا مثل حكام الدول الأخرى، التي تحفظ سجل رئيسها الصحي في ملفات مكشوفة أمام الشعب، فنحن شعب بدائي ، نعيش في آخر قاطرات العالم، نحيا قشور الحضارة، والروح جاهلية، وحيث أننا كذلك فرؤساؤنا يشبهون ملكة النحل، إذا ماتتْ الملكةُ ، تفرقت الخلية شذر مذر، لذا فلا يجب أن يعرف الشعبُ( الرعاع) أن ملكة نحلهم توشك على الموت ، فإذا عرفوا فإنهم سيشرعون في (المشاغبة) وسيظهر طامحون كثيرون ، وربما تظهر خلايا إرهابية تبدأ في جمع السلاح استعداد للعودة إلى عصر خمسينيات وستينيات القرن الماضي ، عندما كان يفصل بين الانقلاب الأول ، والانقلاب الثاني، انقلابٌ ثالثٌ جديد ! وهذا التفسير يتولاه في الغالب بعض الاستشاريين في بلاط الحكام والرؤساء العرب، ممن يتقاضون أجرا كبيرا ثمنا لنصائحهم الغالية! وهناك تفسيرٌ ثالثٌ يُبرر سرَّ إخفاء مرض الزعماء العرب وإنكار المرض إنكارا تاما، حتى لو أجبر مستشارو الزعيم وخلصاؤه وبطانته الزعيمَ أن يخطب في العلن لتكذيب الشائعات( المغرضة) عن مرضه ، حتى لو كانت حالته الصحية لا تسمح له بذلك، وهو أن نتيح الفرصة للإعلام الأجنبي لكي يُثبت( صدقه) وأنه هو الوحيد الذي يحفظ ملفات مرض الزعماء العرب كلهم، وهو الذي يقرر مصيرهم في حياتهم، وبعد موتهم ، والدليل على ذلك أنهم لا يقضون نحبهم إلا في مستشفيات أجنبية، أو على يد أطباء أجانب، حتى أن بولة أحد الزعماء العرب نُقلت قبل وفاته بوقت قصير بطائرة خاصة إلى تل أبيب ليعرفوا من خلال تحليلها عمر الزعيم الافتراضي، ويتخذوا الإجراءات المناسبة خلال الفترة المتاحة لهم! وهناك تفسيرٌ آخر للسر وراء إخفاء مرض الزعماء العرب، وهو أن المحيطين بالزعماء، من فئة الناصحين والعوالق والسماسرة المدسوسين أوهموهم خلال حكمهم بواسطة إكسير التملُّق والدجل والكذب، بأنهم من سلالة الآلهة، وأنهم لا يموتون ،كما يموت البشر، بل هم مخلدون، وأنهم من سلالة جلجامش وأنكيدو في ملحمة جلجامش وأوروك البابلية القديمة ، حيث حصل جلجامش على نبتة الخلود الأبدي ! وأن هناك طائفة مدسوسة وسط الشعب من المغرضين، هدفها التشكيك في صحة الرئيس، لذلك قامت أجهزة المخابرات وأمن الزعيم بمطاردة خلايا التشكيك في صحة الرئيس، ووجدتْ أنهم عملاء لجهات داخلية وخارجية!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام ولغة الهعخع !
-
الشامي والمسيري هل نضيع تراثهما؟
-
إسرائيل هي بطل كأس العالم في كرة القدم
-
قصة قط الشيخ عبّاس
-
نوادر عن الأحزاب والتطرف
-
كتاب نصف السماء وقتل النساء
-
التاريخ الفلسطيني بالمقلوب
-
شكرا يا إسرائيل
-
دعوة اليهود للهجرة من فلسطين
-
ألفية القدم، لا القلم
-
الإعلام يغتال أطفال فلسطين
-
شخصيات إسرائيلية تصف إسرائيل
-
إسرائيل تغرق في البحر 1/6/2010
-
لقاء حصري مع برنارد لويس 30/5/2010
-
صحافة التطريز
-
معلمو حل الاختبارات
-
إسرائيل تشبه كوريا الشمالية
-
لفتة دعم لشومسكي
-
من يوميات منكوب
-
قصة أبي البدع
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|